MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



هل عدم عذرية الزوجة سبب لفسخ عقد الزواج ؟؟

     



هل عدم عذرية الزوجة سبب لفسخ عقد الزواج ؟؟
         لقد أثار هذا الموضوع فضولي العلمي، لكونه نادرا ما يطرح نظريا ضمن الحديث عن طرق انحلال ميثاق العلاقة الزوجية واسباب فسخها، بالرغم من ان الموضوع واقعيا له أهميته في ظل مجتمع شبه محافظ، يربط فيه الزوج عفاف المرأة وإخلاصها بالعذرية، وان كان هذا الواقع قد يكون عكس ذلك أحيانا.

        فالزوج حين يجد زوجته ليلة الزفاف غير عذراء، يعتبر هذه الحالة خيانة في حقه وضرب لكرامته، فيشك في مسار حياة الزوجة لكتمانها الأمر، وبالتالي يجد الزوج نفسه أمام خيارين : فإما أن يكتم الأمر مع محاولة النسيان، أو يلجأ إلى انفصام العلاقة الزوجية بطريقة أو بأخرى، على اعتبار ان المرأة غير عفيفة، لكن العفاف فيه نظر داخل مجتمع يدعي العصرنة، تحررت فيه المرأة تحت غطاء الاتفاقيات الدولية ... ولا أخوض في هذا النقاش حتى نركز على الموضوع بدقة، وهو هل عدم عذرية الزوجة تتيح للزوج فسخ العقد ؟؟

أولا : موقف مدونة الأسرة من ادعاء الزوج عدم عذرية الزوجة.

      إن عقد الزواج الذي يبرم في إطار المواد 10 و 11 و 13 من مدونة الاسرة، عقد صحيح مستوفي لجميع أركانه وشروطه ، ولا يدخل في صحته وجود البكرةla virginité  ، يعني ذلك ان العقد لا يفسخ إلا اذا اشترط الزوج على الزوجة شرط فاسخ  يقضي بتوفرها على العذرية، مادامت مدونة الأسرة أعطت الحق الاشتراط بعض الشروط حسب المادة 47.
     ولاشك أن الزوج في هذه الحالة يؤسس طلب إنهاء العلاقة الزوجية على عبارة  "" عدم عذرية الزوجة "" ويفضل اللجوء إلى فسخ عقد الزواج بذلا من الاعتماد على الطلاق، تفاديا للتبعات المادية المترتبة على هذا الأخير ( الطلاق ).
    وبالرجوع الى المادتين 60 و 61 نجدهما ينصان على الزواج الذي يقبل الفسخ، وهو الزواج  الذي لم تتوفر في صداقه الشروط الشرعية (كأن يكون الصداق من المحرمات أو غير محدد مقداره ...) المادة 60.
   كما تنص المادة 61 على إمكانية فسخ العقد إذا كان أحد الأزواج مريض ، او قصد الزوج بالزواج تحليل زوجة مطلقة طلاق ثلاث أو اذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه...
فبالرغم من ان المادة 63  تخول إبطال الزواج في حالة التدليس اذا ما تم اللجوء الى الحيل او الكتمان قصد حمل احد المتعاقدين على قبول الزواج، بحيث لولا الكتمان ما تعاقد الطرف الآخر، لكن كتمان الزوجة لفقدان عذريتها لا تدخل في نطاق المادة 63. وبالتالي عدم اعتبار انتفاء العذرية سبب للفسخ عقد الزواج. وحتى التطليق للعيب المنصوص عليه ضمن مقتضيات  المادة 107 غير متاح، الا في حالة وجود عيب مانع من المعاشرة الزوجية، أو امراض خطيرة ...
     لكن في ظل غياب النص القانوني، فان القضاء الأسري المغربي يعتمد على المادة 400 التي تنص"" كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة يرجع فيه الى الفقه المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الاسلام والمساواة والعدل والمعاشرة بالمعروف "" .
     وبالرجوع الى المذهب المالكي يعطي إمكانية الطلاق فقط، حماية أكثر للزوجة من التعسف، والتي تستفيد من المستحقات المادية في حالة الطلاق بذل الفسخ، كما ان الحمل الذي قد ينتج عن ليلة الدخول يلحق بالزوج. ويقول ابن عاصم :
"" والزوج حيث لم يجدها بكرا --- لم يردها إلا باشتراط عذرا ""
"" ما لم يزيل عذريتها نكاح  ---  فالرد مستباح ""
  ومعنى هذين البيتين أن الزوج إذا لم يشترط العذرية على الزوجة قبل إبرام العقد، فان وجدت بلا عذرية فالزواج لا يبطل ويعد زواج صحيح مستكملا لأركانه.
أما إذا اشترط على الزوجة العذرية أثناء إبرام العقد ولم يجدها كذلك، فله الحق في إبطال عقد الزواج.
       مما يتضح ان فقهاء الشريعة الإسلامية قطعوا الطريق أمام الزوج لإنهاء العلاقة الزوجية، إلا عن طريق الطلاق الذي يرتب أثار مادية ومستحقات للزوجة.
    لهذا نلاحظ أن مدونة الأسرة لم تدرج أية اشارة لصفات المراة الجوهرية كالقانون الفرنسي، ولم تتحدث عن مسألة عدم العذرية كسبب لفسخ العقد، لكن أعطت للأزواج امكانية اشتراط  بعض الشروط وفق المادة 47 .

ثانيا : موقف القضاء والقانون المدني الفرنسي .

        بالرغم من كون فرنسا من الدول الديمقراطية المتشدقة بالحرية الفردية وحقوق الإنسان، واستباحت الجنس بكافة أنواعه وألوانه، فإنها تحترم في بعض الأحيان الإرادة الفردية للأشخاص حينما يرغب التمسك بالقانون.
       فخلال سنة 2004 تقدم مواطن فرنسي بطلب إبطال عقد الزواج على أساس خداعه من طرف الزوجة بالتدليس في كونها عذراء وعفيفة، لكن ليلة الزفاف اكتشف العكس، واعترفت له بربطها علاقات جنسية سابقة. فقام بطردها من بيت الزوجية معتبرا أن الحياة بدأت بالخداع الامر الذي ينافي الثقة المتبادلة بين الزوجين، والتي من المفروض ان تكون شرطا اساسيا  في اطار الارتباط بينهما ملتمسا لهذه العلة الحكم بابطال عقد الزواج، واستناد طالب لابطال عقد الزواج على الفصل 180 من القانون المدني الفرنسي الذي ينص "" ان الغلط في الشخص او في صفته الأساسية يمكن للزوج أن  يطالب  بإبطال الزواج ""
      طبقا لهذا الفصل استجابت "المحكمة الفرنسية بليل" [1] لطلب الزوج بإبطال عقد الزواج مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل.
       فالمحكمة الفرنسية اعتبرت أن العذرية ليست ركن من أركان عقد الزواج، وإنما صفة جوهرية ومزية أساسية في الزوجة من جهة، و كتمان الزوجة لعدم عذريتها يشكل كذب على الزوج الذي لم يكن عالما بفقدان الزوجة لإحدى مزاياها التي على أساسها تعاقد. وإمكانية إبطال عقد الزواج على أساس العذرية "" حق للزوج وحده"" اذ لا يمكن للزوجة أن تتقدم بدعوى مماثلة، لان العذرية لا تفترض إلا في الأنثى، حسب تعليل المحكمة. لكن مثل هذا الحكم  هو إجحاف في حق المرأة  خصوصا في مجتمع علماني يبيح العلاقات الجنسية خارج الزواج وفقا للقانون، وبالتالي يضرب في صميم المساواة بين الزوجين والحرية الفردية التي لطالما يتبجحون بها في المحافل الدولية.
        فكيف يمكن اعتبار عذرية الزوجة مزية في قانون دولته لا تعترف بالمفهوم الأخلاقي للعفة، والحال ان الارتباط المثلي وإنجاب الأطفال خارج نطاق الزواج لا يطرح مشكلة أخلاقية، ولا يتنافى مع النظام العام لدولة علمانية، في حين نجد مدونة الأسرة المغربية وبالرغم من كون المجتمع مسلما ، لم تنص مطلقا على هذا الأمر، تفاديا على ما اعتقد فتح باب فسخ عقد  الزواج بناء على مفاهيم مغلوطة قد تؤدي إلى ارتفاع طلبات انفصام العلاقة الزوجية تعفي الزوج من تحمل مصاريف الطلاق. وان كان زوج قد يصيب  في ادعائه لكون الزوجة غير عفيفة،  فان زوج أخر قد يخطئ والزوجة بريئة من ذلك . لأن البكرة عند المراة حسب علماء الطب هناك حالات تكون غير موجودة خلقيا، ما لم يتم فقدانها لسبب خارج عن ارادتها ودون علمها.
 
 
 
[1]  الحكم عدد 316  / 2004 منشور بمجلة دالوز عدد 7 -2008 ، ص  56



الجمعة 22 ماي 2015

تعليق جديد
Twitter