MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



نشر الأحكام القضائية بين المهنية و الشعبوية بقلم ذ هشام العمري

     



 نشر الأحكام القضائية بين المهنية و الشعبوية بقلم  ذ هشام العمري

أثار المشروع الذي أعلنت عنه إحدى الجمعيات المهتمة بالشأن الحقوقي و القضائي موضوع نشر الأحكام القضائية المعيبة و التعليق عليها بهدف تعزيز رقابة المجتمع على القضاءمساهمة في دعم الشفافية و محاربة الفساد .

و لا شك أن الموضوع له حساسية بالغة خاصة في أوساط القضاة , لما يكرسه من خدش لصورة القضاء و القضاة المهتزة أصلا في وعي المواطن العادي . إذ التصريح بأن حكم ما معيب أو فاسد يعني الحكم عليه من وجهة نظر ناشره أو المعلق عليه خارج القنوات و الآليات القانونية التي وضعها المشرع للتجريح و الطعن في الأحكام القضائية و قذفا و مسا بذمة القضاة المصدرين للحكم. و ربما يشكل ضربا لإحدى الأسس و و المقومات التي تجسد الأمن القانوني و القضائي و المصطلح عليها بحجية الأحكام و كذا قوة الأمر المقضي به و قاعدة أن الأحكام ٌعنوان الحقيقةٌ.

صحيح أن الدستور المغربي لسنة 2011 كرس مبدأ الحق في الحصول على المعلومة في المادة 27 منه, بما يعنيه من الاعتراف بحق المواطنين في الاطلاع على جميع المعلومات المتوفرة لدى المرافق العمومية مع بعض المستثنيات التي فرضها القانون مراعاة لسرية الحياة الخاصة أو سرية أمن الدولة و غيرها .        والأحكام القضائية باعتبارها تصدر بشكل علني بحسب ما نص عليه القانون, لا تعتبر ملكا خاصا أو شخصيا لأطرافها أو للهيئة المصدرة لها .

و إنما تصبح بمجرد النطق بها ملكا للمجتمع و هي بذلك غير خاضعة للحماية التي يكفلها قانون حماية المؤلف . بمعنى يحق لكل باحث أو مهتم أن يطلع عليها و أن ينشرها بكل حرية , و لا يمس بهذا الحق قاعدة أن الأحكام نسبية لا تضر و لا تنفع إلا من كان طرفا فيها لأن مجال إعمال القاعدة المذكورة هو الاحتجاج بالحكم في منازعة أخرى أو تنفيذ الحكم المذكور.

أما الاستشهاد بهذه الأحكام كرأي و كوجهة نظر أو الاستئناس بها كتفسير لنص قانوني فهو ملك للمجتمع ككل.

و هنا نتساءل ما هي حدود حق الأشخاص أفرادا أو مؤسسات في التعليق على هذه الأحكام أو انتقادها و بيان نقائصها امام العموم ؟
بداية لا بد من التذكير بأن احترام الأحكام القضائية واجب على جميع المواطنين ما دام أن الدستور خول للقضاء سلطة الفصل في النزاعات في إطار التطبيق العادل للقانون و توفير الأمن القانوني و القضائي و حماية الحقوق و الحريات الفردية و الجماعية , و أن كل تعرض للأحكام القضائية بشكل غير لائق من شأنه أن يشكل تحقيرا للعدالة و هي جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي)المادة 266 ق ج ).

لكن الأمر لا يعني التحجير على المواطنين و فرض الوصاية عليهم في مناقشة الأحكام القضائية باعتبارها اجتهادا فكريا و تراثا مجتمعيا يحظى بالاحترام الواجب لكنه غير مقدس بالمرة . هذا من جهة و من جهة أخرى فإن الإطار الصحيح لمعالجة الموضوع و مقاربته هو المناقشة العلمية و الأكاديمية للأحكام القضائية بشكل يبرز فيه المنهج الأكاديمي الصارم الذي ينضبط للمنهج العلمي لا أن يتحول الأمر إلى تحامل شخصي على الحكم القضائي المنشور أو انتقادا متعسفا للهيئة المصدرة للحكم خارج الأصول و القواعد العلمية, بمعنى أن يكون النقاش مؤطرا من طرف أهل العلم و الاختصاص لا أن يكون مجرد ساحة لتفريغ رصاصات متحاملة في رأس القضاء أو القضاة عبر مختلف وسائل القذف و السب و التشهير.

لذلك, و بعيدا عن الاستغلال الشخصي للمشروع المذكور, و مساهمة منه في التعريف بالعمل القضائي و إثرائه بالنقاش الجاد و المسؤول فإنه يتعين أن يدافع عن استقلال القضاء لا أن يؤثر فيه بشكل سلبي قد يؤدي إلى فقدان الثقة في فيه بدلا من تعزيزها, و أن يبتعد عن المزايدات و إطلاق أحكام القيمة لأن المساهمة في الإصلاح لا تتم برفع الشعارات و إنما بالمساهمة الفاعلة في بلورة مشاريع الإصلاح .




الاحد 30 مارس 2014

تعليق جديد
Twitter