MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



نادي قضاة المغرب بين خياري الترافع والاحتجاج

     



نادي قضاة المغرب بين خياري الترافع والاحتجاج
 
 
يشهد البرلمان المغربي الآن نقاشا بشأن القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ وهو نقاش تمخضت عنه طروحات واستقطابات أقل ما يقال عنها كونها تشكل ارتدادا على مضامين دستور 2011 وميثاق إصلاح منظومة العدالة؛ وقد وقفت الجمعيات المهنية للقضاة موقف المتفرج على الأحداث؛ كمن ينتظر إقرار قوانين تنظيمية ليعلن رأيه المندد بفحواها؛ وذلك إذا ما استثنينا البيان الأخير للمجلس الوطني لنادي قضاة المغرب.

 ولعل النقاش الدائر اليوم يفرض على نادي قضاة المغرب التعامل مع الأحداث بمنطق غائي ؛ وذلك بتحديده الخيارات الممكنة خلال هاته المرحلة التاريخية.

لذلك سأحاول إيجاز هذه الخياراتفي النقطتينالمواليتين:

أولا:اعتماد مقاربة الترافع والانفتاح على كافة الفاعلين في مجال التشريع:

 1ــ مقاربة الترافع:

 
وهنا لا بد من التأكيد على وجوب:
ــ هجرالمقاربة الاحسانية:والتي تعتمدعلى الجاهزية؛مما يجعلها عاجزة عن الوفاء بكافة متطلبات الحياة الكريمة، علاوة على أنها تستهدف فقط الحاجيات الأساسية وبشكل موسمي أيضا؛ وهو ما يجعلها قاصرة على تحقيق المبتغى؛كما أثبتت التجربة أنها تربي في النفوس القعود والتقاعس عن اقتحام العقبات لتحقيق المطالب .
ــ اعتماد مقاربة الترافع: وهي مقاربة قوامها سلوكمختلف الوسائل قصد تحقيق المطالب العادلة؛ إلا أن هذه المقاربة تستوجب محاربة ضعف الملكة الارادية ، وانتهاج سبل تقوي الملكة الادارية لدى الأجهزة وباقي المنخرطين ..
- تطبيق مبدأ لا قيادة ناجحة بلا رقابة فاعلة: (والالتفاف حول الإطار)
لا يشك أحد في أنه لا يمكن لمجتمع صغير أو كبير أن ينجح ويـــحقق أهدافه بدون قائد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم"(رواه أبو داود.)
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهمرواه أحمد) أو كما قال صلى الله عليه وسلم؛ وذلك ليكون قوله فاصلا عند النزاع، ولذلك أعطاه الشرع حق الطاعة ولو كانت في أمر تكرهه النفس ، كما في حديث: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله قال: "إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان".
ومن أعظــم مهام الــقائد والرئيس أن تســــير الأمور التي تحت ولايته على الشـــــــكل المطلوب، ولا يتحقق ذلك إلا بالقــــــيام بالرقابة الدائمة لمن هم تحت يده، ليتعرف على مواطن الخلل فيصلحها، وما كان من أمور إيجابية فإنه يزيدها ثباتاً.

2
ــ الانفتاح على كافة الفاعلين في مجال التشريع:

إن تنزيل الحقوق المضمونة دستوريا من قبيل " القضاء سلطة ومستقلة" لا يمكن أن نجعل قوانينه التنظيمية بيد السلطتين التنفيذية والتشريعية ، كما لا يمكن أن يشكل ذلك تدخلا في اختصاصات السلطتين المذكورتين؛ إذ الأمر يتعلق بقوانين تنظيمية فضلا عما ذهب إليه واضعي هذا الدستور في الفصل14 من دسترةللأسلوب التشاركي للمواطنين في صياغة القانون، بل وأعطى للجمعيات الحق في المساهمة في إعداد القرارات والمشاريع وفق نفس المقاربة التشاركية .
   وبالنظر لما أصبح يحويه البرلمان المغربي بغرفتيه من كفاءات عديدة في المجال القانوني؛ فإننا نرى وجوب الانفتاح عليها من قبل نادينا بهدف تسويق فكره ؛ عبر لقاءات وندوات بمعية برلمانيين ورؤساء لجن ومختلف الفاعلين، وهوما ذهب إليه المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب الأخير (المنعقد يوم 21 ــ 03 ــ 2015 ).
لكن يتعين ألا نغفلدور الكتابات التأصيلية التي تتميز بها أقلام أعضائه للتعريف بمضامين مذكرته وملفه المطلبي، والمنطلقات الحقوقية والكونية التقعيدية لذلك؛ وذلك عبر الصحف المكتوبة والالكترونية وكافة وسائل الإعلام ؛ لما لهذه الأخيرة من دور كبير في التأثير على الرأي العام لاسيما ما يتعلق بالحراك، إذ أن نسبة كبيرة من الجمهور العريض تعتمد على وسائل الإعلام كمصدر للمعلومة ، فإذا كان صحيحا أن الإعلام وحده لا يصنع التغيير، وأن التغيير هو نتاج إرادة عامة يحركها دافع الناس الطبيعي نحو هذا التغيير، إلا أن الإعلام هو أداة من مجموعة أدوات لتحقيق ذلك ، وكما قال يوما ميشيل فوكو: "الثورة الإيرانية انتشرت بشريط الكاسيت" ؛وبالتالي فهو لم يقل إن شريط الكاسيت (الذي كان في حينه إعلاما بديلا) هو الذي صنع الثورة ؛إلا أننا نقول إن فكر التغيير دون وسائل الإعلام قد يبقى محصورا في نطاقه المناطقي الضيق .
 
 2ــ الاحتجاج
ينص الفصل 111 من الادستور على أنه:
" للقضاة الحق في التعبير ...
يمكن للقضاة الانتماء إلى جمعيات، او إنشاء جمعيات مهنية ..."
  ومن خلال جمعيتنا "نادي قضاة المغرب" فإننا أرجأنا الاحتجاج إلى ما بعد انتهاء الحوار الوطني الذي أطلقه ملك البلاد؛ والذي أعطى توجيهاته الكبرى من خلال ما جاء في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية التاسعةيوم الجمعة 12 أكتوبر من سنة 2012 بقوله: "أما الإصلاح القضائي ٬ فاعتبارا لبعده الاستراتيجي ٬ فإنه يتعين ٬ فيما يرجع إلى مهمة البرلمان ٬ اعتماد القوانين التنظيمية الخاصة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ٬ والنظام الأساسي للقضاة . وهنا نود ٬ مجددا ٬ أن ندعوكم إلى الالتزام الدقيق بروح ومنطوق مقتضيات الدستور المتعلقة بالسلطة القضائية٬ كما نحث الهيئة العليا للحوار حول إصلاح المنظومة القضائية ٬ على أن تجعل من استقلاليته الحجر الأساس ضمن توصياتها..." .
 خاتما حديثه عن وجوب وضع فوانين تنظيمية بعبارة: " بعيدا عن الأحكام الجاهزة والحسابات الضيقة" .
 ويضفي الخطاب الرسمي طبيعة جماعية وتوافقية لأي مشروع أطلقه الملك تحت عبارة "إنه مشروع الملك"؛وهو غير قابل للنقاش أو للمناقشة أو للمحاسبة، وما على باقي الفاعلين الثانويين سوى العمل على تطبيقه والاجتهاد في حسن تأويله وتجسيده.
وهكذا فإن المقرر دوما أنهإذا نجح أي مشروع أطلقه الملك ، إن كلا أو بعضا، فالفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى لهلكونه هو من سطر الأهداف والغايات، أما  إذا لم يقدر لمشروع ما أقره ملك البلاد التحقق أو اعترضت سبيله عوائق ، فإن المسؤولية تقع على الهيئات والمؤسسات التي قد تكون، في هذه الحالة، حادت عن التوجهات الملكية، أو أنها لم تجتهد في تطبيقها على الوجه المطلوب .
وهكذا، وسيرا على نفس الفهم ، فإذا أعدمنا الوسيلة الفكرية لإيصال مطالبنا لن يبقى أمامنا إلا "أبغض الحلال لدينا" والذي أرجأناه إلى حين انتهاء الحوار الوطني حول إصلاح العدالة الذي أطلقه ملك البلاد، فلم نترك لمن أفشلوا الحوار حجة علينا ؛ وهو سلوك الأشكال الإحتجاجية التي أقرها المجلس الوطني ليوم 05 ــ 05 ــ 2012 ، وأكدها المجلس الوطني الأخير ليوم 21 ــ 03 ــ 2014 .
 
أليس الاحتجاج هو واحد من وسائل التعبير وإبداء الرأي الأربعة المتمثلة في وسائل فردية ووسائل جماعية ووسائل شفهية وأخرى مكتوبة؟؟؟ وكلنا يتذكر احتجاج القضاة الفرنسيين؛ حيث أعلنوا سنة 2011 حركة احتجاج غير مسبوقة مع تأجيل كل الجلسات في فرنسا  حتى التعبئة الوطنية ، بسبب انتقادات ساقها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بعد مقتل شابة فرنسية، محملا القضاة ورجال الشرطة مسؤولية مقتل الشابة  الفرنسية "ليتيسيا" التي عثر على جثتها مقطعة ومرتكب الجريمة شخص من أصحاب السوابق؛ وأعرب اتحاد نقابات القضاة في فرنسا  عن أسفه "لكون رئيس الدولة ومرة جديدة بداعي الغوغائية والشعبوية، يستخف بالقضاة" .
فدخلت ، إثر ذلك ، المحاكم الفرنسية إضرابا عن العمل تضامنا مع القضاة في مدينة "نانت" غرب البلاد .
وبمصر ؛ حين اعتزم مجلس الشورى (السلطة التشريعية) مواصلة مناقشة مشروع قانون جديد للسلطة القضائية٬ عم غضب وسط القضاة بعد أن كان الملف قد شهد بعض الانفراج عقب إعلان رئاسة الجمهورية عن تنظيم "مؤتمر للعدالة" يتولى صياغة مقترحات بشأن تعديل القانون.
  فأعلن مجلس القضاء الأعلى في اجتماع طارىءتأجيل الأعمال التحضيرية لمؤتمر العدالة الثاني، لحين "وضوح الرؤية في ما هو معروض على مجلس الشورى من تحديد جلسة لمناقشة تعديل قانون السلطة القضائية" ، وأشار المجلس في بيان له عقب الاجتماع إلى أنه استعرض ما يدور بمجلس الشورى من استمرار عرض المقترحات الخاصة بتعديل قانون السلطة القضائية، وتحديد جلسة عاجلة لنظره "بما يتعارض مع مقتضيات انعقاد مؤتمر العدالة" ، وأوضح أن قراره بتعليق الأعمال التحضيرية لمؤتمر العدالة جاء في أعقاب الاتصال والتشاور مع رؤساء الهيئات القضائية المختلفة؛ وهي المحكمة الدستورية العليا، ومجلس الدولة، وهيئة قضايا الدولة ، وهيئة النيابة الإدارية.
من جهته أعلن "نادي قضاة مصر" مقاطعته التامة لمؤتمر العدالة الثاني المزمع عقده قريبا وعدم المشاركة في فعالياته حال انعقاده بأي صورة من الصور،  وهكذا فقد توافد العديد من رجال القضاء على نادي القضاة بشارع شامبليون بالقاهرة، للاعتصام داخل النادي احتجاجا على مشروع قانون السلطة القضائية .
وأكد المستشارون أن ذلك الاعتصام هو بداية لبعض الخطوات التصعيدية التى سيتم اتخاذها من أجل وقف مناقشة مشروع السلطة القضائية من قبل مجلس الشورى ؛ لأن ذلك يمثل تحديا لإرادة القضاة وعدوانا عليهم بالمخالفة للدستور والقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر.
وقال المستشار محمد عبد الهادى" وكيل اللجنة الإعلامية لنادى القضاة"فى تصريحات لـ''مصراوي''، أن اعتصام القضاة هو تعبير عن اعتراضهم على ما يدبر ضد السلطة القضائية نتيجة محاولة تمرير تشريعات مشبوهة تهدف إلى إقصاء آلاف القضاء وتهدف إلى حرمانهم من أبسط حقوقهم.
وجاء على لسانسامي زين الدين، رئيس محكمة جنايات بالقاهرة، إن اعتراض القضاة على قانون السلطة القضائية الذي يناقشه مجلس الشورى، ووصفته اللجنة التشريعية بأنه "لا يمت لاستقلال القضاء من قريب أو بعيد، ولكنه يضع القضاء المصري في قبضة السلطة التنفيذية، وتجعل منه أداة لبطش المواطنين،والعصف بالحقوق والحريات"، وأضاف أن اعتصام القضاة طريق شرعي من طرق الاحتجاج، مؤكدًا أن قانون السلطة القضائية الذي يناقشهمجلس الشورى مخالف للدستور.
وبتونس خاض القضاة خلال الأسبوعين الفارطين (يوم 12 مارس 2015) إضرابا بكافة المحاكم التونسية باستثناء بعض القضايا الاستعجالية وقضايا الإرهاب والطفولة المهددة وقضايا الموقوفين ..، وقد دعت إلى هذا الاضراب الجمعية التونسية للقضاة ونقابة القضاة التونسييين  احتجاجا على بعض بنود قانون المجلس الأعلى للقضاء، وانتقدتروضة القرافي رئيسة جمعية القضاة هذا المشروع المعد من قبل وزارة العدل التونسية،وهذا ما أكدته روضة العبيدي رئيسة نقابة القضاة
   وبليبيا قام أعضاء الهيئات القضائية والمحاكم والنيابات ومؤسسات المجتمع المدني خلال الأشهر الأخيرة بتنظيم وقفة احتجاجية واعتصام؛ بسبب استهداف عدد من القضاة الليبيين من قبل التنظيمات المسلحة.
 
خاتمة:

نشير في الختامإلى أن التدابير التي تتخذها الدول بهدف  الانتقال نحو الديمقراطية أو لتحقيق التنمية تبقى غير كافية ما لم تستحضر ضمن مقوماتها تأهيل القضاء وتعزيز استقلاليته، إذ أن استقلال السلطة القضائيةيعد مصححا لما يعتري اللعبة الديمقراطية الحالية من اختلالات ؛ فإذا كان دور البرلمان هو مراقبة الحكومة إلا أنه وبالنظر لكون هذه الأخيرة منبثقة عنه وتتوفر على أغلبية به فإن هذا الدور الرقابي يضعف (بل وينعدم على مستوى التنفيذ )، لذلك وجب أن تنهض السلطة القضائية بهذه الرقابة مما يستوجب استقلالها؛لكونها الدعامة الأساسية التي يفترض أن تحمي الديمقراطية وتقوّيها وتوفر فضاءً آمنا ومستقرا مناسبا لقيام تنمية محورها الإنسان ، وذلك من خلال فرض سيادة القانون وإعطاء القوة والفعالية للمؤسسات.
 



الاحد 10 ماي 2015

تعليق جديد
Twitter