MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مشروع قانون التنظيم القضائي .. نكوص وتراجع وردة حقوقية

     




لا أحد يجادل في أن إحداث المحاكم الإدارية بالمملكة سنة 1990، والذي واكبه إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان استجابة لمطالب الحركة الحقوقية الوطنية والدولية، كان بمثابة تعبير عن الخيار الاستراتيجي الذي انتصر له المغرب آنذاك. وقد تم إنشاء هذه المحاكم بمقتضى القانون رقم 41.90 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 10 شتنبر 1993، وحلت محل المحاكم الابتدائية في القضايا ذات الصبغة الإدارية لتختص نوعيا بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة، والنزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية، ودعاوى التعويض في مواجهة أشخاص القانون العام، ونزاعات المعاشات، ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة، والنزاعات المتعلقة بالانتخابات، والضرائب، ونزع الملكية، والنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة.

وتختص المحكمة الإدارية بالرباط وحدها في البت في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للمعينين بظهير شريف أو مرسوم، علما أن عدد هذه المحاكم ينحصر في سبعة، توجد في الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش ومكناس وأكادير ووجدة ، ويتم استئناف أحكامها أمام محاكم الاستئناف الإدارية المحدثة بمقتضى القانون رقم 80.03 بتاريخ 14/2/2006، وينحصر عددها عبر المملكة في محكمتين اثنتين واحدة بالرباط والثانية بمراكش .

وأثناء عرض مشروع قانون رقم 38.15، المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة، ومناقشته والتصويت عليه بلجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بتاريخ 2015/5/23، تبين أن المشروع الذي أتت به الحكومة اتخذ منحى حذف المحاكم الإدارية في بعض الجهات مراعاة لانخفاض عدد القضايا، وحذف المحاكم التجارية أيضاً في بعض الجهات وجعلها مرتبطة بعدد الملفات وبالمعطيات الاقتصادية والمالية وتعويضها بأقسام متخصصة في القضاء الإداري، وأخرى في القضاء التجاري، وجعلها تابعة للمحاكم الابتدائية، علما أن القضايا المعروضة على هذه المحاكم الإدارية السبع خلال سنة 2015 لا تعرف تفاوتا كبيرا؛ إذ سجلت المحكمة الإدارية بمراكش 2752 وسجلت بأكادير 2198 وتم تسجيل 2104 بوجدة و1329 بمكناس، علما أن أعلى عدد مسجل كان بالرباط بعدد 9219 قضية .

لكن إذا كان دستور 2011 قد رفع سقف الحقوق والحريات، ونص في الفقرة الأخيرة من الفصل الأول على أن التنظيم الترابي للملكة تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة، فإنه كان من الأجدر، وتماشيا مع روح الدستور، أن يقع ربط عدد المحاكم الإدارية بعدد الجهات الاثني عشر، بدل التركيز وتأسيس المنحى الرامي إلى تقليص عدد المحاكم الإدارية على الإحصائيات وتسجيل عدد القضايا فقط.

فإذا لاحظنا، مثلا، أن إدارية مراكش سجلت 2752 ملفا خلال 2015 وسجلت إدارية وجدة 2104، ونسلم إثر ذلك بحذف إدارية وجدة التي تعتبر دائرة نفوذ عدة أقاليم شاسعة، وأن الفرق بين عدد القضايا بالنسبة لمحكمتي مراكش ووجدة لا يتعدى 600 ملف، دون مراعاة الوضعية الإستراتيجية لبعض الجهات التي تشكل مناطق حدودية واعتبارات أخرى، ودون مراعاة أن إحداث المحاكم الإدارية يتضمن حمولة حقوقية أعطت للمغرب إشعاعا لا مجال لحصره واختزاله في مجرد أرقام وإحصائيات وعملية ترشيد لنفقات هذه المحاكم، فإن ما تذرع به السيد وزير العدل والحريات من عدم وجود فرق بين القاضي المتخصص والمحكمة المتخصصة يفنده كون القاضي المتحدث عنه تابع لمحكمة ابتدائية عادية تمارس أشغالها تحت إشراف مسؤوليها، شأنها شأن أقسام قضاء الأسرة والجنحي والمدني وحوادث السير والأحداث ...

وشتان بين أقسام متخصصة محدثة بمحاكم ابتدائية، وبين محاكم إدارية قائمة بذاتها لها رمزيتها المتمثلة في مقاضاة المواطن العادي للإدارة، واجتهاداتها القيمة، وتراكماتها، وبنايتها، ومسارها الحقوقي المبني على الخيار الاستراتيجي للمغرب الذي لا يعقل إطلاقا أن يتم التراجع عنه في ظل دستور يوصف بدستور حقوق الإنسان !




السبت 28 ماي 2016

تعليق جديد
Twitter