MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مسؤولية الدولة عن الأخطاء الطبية تعليق على حكم المحكمة الإدارية بفاس حكم عدد: 331 بتاريخ 12/03/2014 بقلم ذة وفاء رزوق

     

وفاء رزوق
طالبة باحثة في سلك الدكتوراه



مسؤولية الدولة عن الأخطاء الطبية تعليق على حكم المحكمة الإدارية بفاس  حكم عدد: 331 بتاريخ 12/03/2014 بقلم ذة وفاء رزوق
 
 
قضت المحكمة الإدارية بفاس في حكم لها:

  ثبوت الخطأ من طرف موظفي المستشفى الذين  لم يتخذوا كافة الاحتياطات أثناء عملية التوليد هو ما خلف ضررا ماديا ومعنويا للمولود من خلال تعرضه إلى كسر في كتفه الأيمن مما تكون معه العلاقة بين الضرر والخطأ ثابتة.

  يثير حكم المحكمة الإدارية بفاس تساؤلا هاما حول طبيعة التزام الطبيب، فإذا كان التزام الطبيب تجاه المريض هو التزام ببدل عناية فإن الالتزام المذكور يقتضي منه إجراء عملية التطبيب وفق ما تقتضيه أصول مهنة الطب وعدم الالتزام بذلك يجعل مسؤولية المركز الإستشفائي قائمة.

  وللتعليق على هذا الحكم لابد من استعراض وقائعه وحيثياته ومنطوقه.

الوقائع

  الطلب يرمي إلى الحكم على الدولة المغربية في شخص السيد رئيس الحكومة ووزارة الصحة بأدائها تعويض قدره 60000 درهم مع النفاد المعجل وتحميل المدعى عليها الصائر.

في الشكل:

  حيث إن المقال قد تم تقديمه وفق الشكليات المتطلبة قانونا مما يتعين قبوله من هذه الناحية.
 
في الموضوع:

   حيث إن المدعي أسس طلبه على أحقيته في التعويض عن الضرر الذي لحق إبنه أيوب جراء عملية ولادته بالمستشفى الإقليمي بتاونات بتاريخ 21/9/2012 على أساس عدم أخد الفريق الطبي الاحتياطات اللازمة أثناء عملية توليد زوجته.

الحيثيات

  وحيث إن الثابت من وثائق الملف بأن زوجة العارض سناء طيطح كانت حامل ولما اشتد علها المخاض ثم نقلها إلى المستشفى الإقليمي بتاونات بتاريخ 21 شتنبر 2012، وأثناء ولادتها تعرض المولود أيوب إلى كسر في كتفه الأيمن ودلك لعدم أخد الاحتياطات اللازمة من طرف الفريق الطبي بالمستشفى والإكتفاء بإعطائه وصفة طبية لشراء ضمادة قصد وضعها على كتفه

  وحيث إن الوكيل القضائي للمملكة دفع خلال مذكرته 15/11/2013 انتفاء أي خطأ من جانب إدارة المستشفى أثناء عملية التوليد اذ اتخذ الفريق الطبي المشرف على الولادة ما كان يجب القيام به، وأن الأمور التي تقع أثناء عملية الوضع تكون ناتجة عن زيادة وزن الجنين.

  وحيث إن تعرض الضحية لكسر عظم ترقوته أثناء عملية الوضع التي تمت بشكل طبيعي يشكل أداء سيئا لخدمة عامة من قبل مرفق الصحة العمومية بغض النظر عن الاحتياطات التي ادعت الجهة بأنها اتخذت خلال عملية التوليد.

  وحيث إن الخبير المنتدب أوضح في تقريره المودع بالملف بأن الحادث الدي تعرض له ابن المدعي خلق له عتل عظمي غير مشوه ليخلص إلى أن الحادث ترك له 21 يوما من اللجوء الكلي و 5 في المائة من العجز الجزئي الدائم وحيث يتعين تحميل المعنى عليها التعويض.

  وحيث أنه ولما كانت الخبرة الطبية في مجال هاته المسؤولية الإدارية يؤخد بها من طرف المحكمة على سبيل الإستئناس وبالنظر لمختلف الأضرار اللاحقة بابن المدعي كما حددها تقرير الخبرة وفي إطار ما للمحكمة من سلطة تقديرية في تحديد التعويض فقد ارتأت جعله محدد في مبلغ 1000000 درهم تؤديه الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة –وزارة الصحة- لفائدة المدعي.

  وحيث إن خاسر الدعوى يتحمل صائرها واعتبارا لما ال إليه النزاع فقد ارتأت المحكمة تحميل الدولة المغربية  في شخص السيد رئيس الحكومة وزارة الصحة الصائر في حدود الربع وجعل الباقي على عاتق المدعي.
 
 
المنطوق:

حكمت المحكمة الإدارية علنيا وابتدائيا وحضوريا

في الشكل: بقبول الطلب

في الموضوع:

   بأداء الدولة المغربية في شخص السيد رئيس الحكومة - وزارة الصحة - لفائدة المدعي تعويضا اجماليا قدره 1000000 - عشرة الاف درهم - مع تحميلها الصائر في حدود الربع وجعل الباقي على عاتق المدعي.

التعليق

  يعتبر المرفق الصحي العمومي ضمن المرافق العمومية للدولة التي تكتسي الصبغة الإدارية مما يترتب عن ذلك تطبيق قواعد القانون العام وهي استعمال الامتيازات والسلطات المخولة للدولة بمقتضى هده القواعد في تسيير وتدبير الأنشطة والأعمال المسندة للمرفق الصحي وهي الأنشطة التي يتحمل عنها المسؤولية في حالة وقوع أضرار للمرتفقين.

  فالالتزامات الملقاة على عاتق المرفق الصحي في اطار نشاطه الإداري والتنظيمي يستوجب عليه الحرص على سلامة المرضى وتوفير جميع الظروف الملائمة لاستقبال وإيواء المرضى فالمسؤولية هنا مسؤولية إدارية عن سوء تسيير النشاط الإداري والتنظيمي للمرفق الصحي العمومي  
   فإذا كان المرفق الصحي أعد لتوفير الظروف الملائمة لعلاج واستقبال المرضى وتوفير الخدمات الطبية بمختلف أنواعها فكل ما على الطبيب سوى العناية الكافية بالمريض ولا يعد مخلا إلا إذا قام الدليل على تقصير الطبيب في عنايته ووقوع خطأ منه يمكن أن تترتب عليه المسؤولية

   وإذا كنا نقصد بمسؤولية المرفق الصحي العمومي مسؤوليته عن الأعمال والأنشطة التي يؤديها المرفق عن طريق الأطباء وأعوانهم وغيرهم من الموظفين والمستخدمين التابعين له، والتي تسبب أضرار للمرضى المنتفعين من الأعمال الطبية والعلاجية وغيرها مما يقدمه المرفق الصحي، فإن الجديد هو أن القضاء المغربي قد أضاف إليها مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة عن إخلالها بالتزامها بضمان الحق في الصحة من حيث هو حق من حقوق الإنسان، حيث اعتبر هذا الإلتزام من صنف الالتزامات بتحقيق نتيجة

  وحيث إنه إذا كان الفقه و القضاء يسيران على أن التزام الطاقم المعالج ينحصر في بذل جهود صادقة و يقظة في علاج المريض متفقة مع المعطيات الحالية أو المستقر عليها في العلم و أنه يعتبر مخطئا كلما أخل بهذا الالتزام،

   فلقد استقرت في مجال المسؤولية الطبية مند أزل طويل أن التزام الأطباء هو التزام ببدل العناية هو الذي لا يلتزم فيه المدين إلا ببذل جهد للوصول إلى نتيجة معينة تحققت هذه النتيجة أم لم تتحقق
  دون الإخلال بالواجبات المهنية الملقاة على عاتقه، فالمرفق العمومي ملزم ببدل العناية اللازمة التي تتماشى مع المهن الصحية وهذا ما أكدة القضاء المغربي من خلال أحكامه وقراراته فإدا كان التزام أطباء مرافق الصحة العمومية التزام ببذل عناية فإن ذلك مشروط ببذل العناية اللازمة والتي تتفق وأصول المهنة ومقتضيات التطور العلمي 

  وفيما يتعلق بمسؤولية الدولة عن مرافقها، يقر الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود مسؤولية الدولة ، " الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميه"، فعدم تبصر الأطباء وعدم انتباههم يشكل خطأ مصلحيا لمستخدمي وزارة الصحة، وبالاطلاع على النازلة فإن الخطأ تابت حيث إن تعرض الضحية لكسر في عضم ترقوته أثناء عملية الوضع التي تمت بشكل طبيعي يشكل أداء سيئا لخدمة عامة من قبل مرفق الصحة العمومية بغض النظر عن الاحتياطات التي ادعت الجهة المدعى عليها بأنها اتخذت خلال عملية التوليد، إذ يكفي عدم خروج الجنين من بطن أمه سالما للقول بثبوت مسؤولية هذا المرفق.

   كما أن اعتماد الوكيل القضائي للمملكة والذي يشترط ضرورة توافر الخطأ الجسيم لتقرير المسؤولية الطبية هو دفع لا يمكن الاعتداد به في نازلة الحال لأن مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود صريح في الاكتفاء فقط بتوافر الخطأ المصلحي دون الإشارة إلى درجة هذا الخطأ ومدى جسامته إذ لا اجتهاد مع وجود النص.

  وحسب الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود فإن مسؤولية الدولة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها، لا تفترض، بل لا بد من إثبات الخطأ المصلحي المنسوب إلى موظفيها، لأنها من المسؤولية التقصيرية، ومن تم تبقى الخبرة في مثل هذه الأحوال الوسيلة الوحيدة أمام المريض لإثبات خطأ الطبيب والسبيل الأنجع أمام القاضي الذي لا بديل له عنه من أجل تكوين قناعته والوصول إلى الحقيقة،,,, هذا وتكشف لنا الممارسة القضائية في مجال المسؤولية الطبية أن المحاكم غالبا ما تقتنع بآراء الخبراء الذين تنتدبهم، حيث تعتمد على تقاريرهم لإثبات خطأ الطبيب أو نفيه، وهذا ما أكدته معظم القرارات والأحكام الصادرة عن القضاء المغربي.

  غير أن الأحكام والقرارات الحديثة الصادرة في موضوع المسؤولية الطبية أصبحت تنادي بوجوب استعمال الشدة مع الأطباء في ما يرجع إلى تقدير خطأ الطبيب وهذا التحول في قلب عبء الإثبات هو نفسه الذي شهده القضاء الفرنسي حيث أصبح الطبيب هو المكلف بإثبات عدم مسؤوليته لأنه هو الملزم ببذل العناية.

  والمحكمة بما لها من سلطة تقديرية في تقييم الحجج الطبية المدلى بها، واستنادا إلى تقرير الخبرة المذكورة فإن علاقة السببية ثبتت أيضا بين الضرر الذي أصاب المدعي والخطأ المصلحي المتمثل في عدم الاحتياط خلال إجراء عملية التوليد ، أي الخطأ المرفقي هو السبب المباشر للضرر مما يتعين معه القول بأن الدولة مسؤولة عن الإصابات اللاحقة بالمدعي مسؤولية إدارة كاملة عملا بمقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود في شقه الثاني، وفيما يتعلق بالتعويض حيث إن القاعدة العامة من تحديد التعويض المستحق أنه يشمل ما لحق بالضحية من أضرار بدنية مادية ومعنوية، وما فاته من كسب ومختلف الأضرار الأخرى كضرورة الاستعانة بشخص آخر للقيام بأعباء الحياة العادية.
 



الثلاثاء 21 يوليوز 2015

تعليق جديد
Twitter