MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



مرجعيات البعد التنموي للجهوية المتقدمة بالمغرب

     

زهير الزنان
باحث في القانون الدستوري و العلوم السياسية
جامعة محمد الخامس - أكدال- كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الرباط



مرجعيات البعد التنموي للجهوية المتقدمة  بالمغرب
إن أهم المرجعيات التي بني عليها وضع النموذج المغربي للجهوية المتقدمة، تتجلى في التوجيهات و الخطب الملكية، على اعتبار أن الجهوية أخذت حيزا كبيرا في اهتمام الدوائر العليا للدولة، نظرا لأهميتها الاقتصادية و الاجتماعية و الإدارية و السياسية و المجالية، فالأهمية الكبيرة للجهوية خاصة في بعدها التنموي جعلتها تتبوأ مكانة مهمة داخل الوثيقة الدستورية، حيث أن الإصلاح الدستوري الجديد قد عمل على تأهيل الجهة و إقرانها بالتنمية المندمجة، و لعل الفصول الدستورية قد أوضحت أهمية البعد التنموي للوحدات الجهوية، و مبادئ الحكامة الترابية للجهات، و هو ما يؤكد عزم المغرب على تبني نظام جهوية متقدمة و موسعة، الشيء الذي يبرز أن هناك مرجعيتين أساسيتين كرست البعد التنموي للجهوية المتقدمة وهي :

أولا : الأبعاد التنموية للجهوية المتقدمة في الخطب الملكية


تشكل الجهوية مرجعية شبه دائمة في الخطب الملكية ، حيث أبان الاهتمام الملكي بنظام الجهوية بالمغرب عن أهميتها و أبعادها التنموية التي أصبحت لصيقة بالتدبير الجهوي، إذ أن جل الخطب و التوجيهات الملكية التي حملت في طياتها دعامات أساسية تعزز النظام اللامركزي و الجهوي بالمغرب، ما فتأت أن ربطت الجهوية المتقدمة بأبعاد و مرتكزات تنموية، و سوسيو اقتصادية و مجالية.
و تشكل الخطب الملكية البوادر الأولى التي تدعوا إلى تبني نظام جهوية متقدمة و موسعة ذات خصوصية مغربية، و لعل أهم هذه الخطب هي :
- نص الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثالثة و الثلاثين للمسيرة الخضراء من مراكش بتاريخ 06-11-2008.
- الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش بتاريخ 30 يوليو 2009 بطنجة.
- الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد السادس إلى الأمة يوم 03 يناير 2010 من مراكش
- الخطاب الملكي بتاريخ 09 مارس 2011
فبخصوص خطاب 06 نونبر 2008، يعد مرجعية أولى و أساسية، إذ يحدد تصورا مفصلا إلى حد ما للجهوية المتقدمة، حيث يؤكد الملك على ما يلي:
"لذلك قررنا بعون الله فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها بإطلاق مسار جهوية متقدمة و متدرجة تشمل كل مناطق المملكة و في مقدمتها جهة الصحراء المغربية".
من خلال مقتطف هذا الخطاب يتضح أن عنصر وحدة الوطن و الدولة و التراب لا يمكن لأي جهوية أن تتم إلا في نطاقها، بالإضافة إلى الإجماع الراسخ حول الثوابت الوطنية ، حيث جسد هذا الخطاب أهم مرجعية تؤسس لجهوية متقدمة هادفة إلى تدبير المجال الجهوي بكيفية تراعي مبادئ الحكامة المحلية.
و إذا كان خطاب الذكرى 33 للمسيرة الخضراء خطابا مشرعنا و تاريخيا واضحا لخريطة طريق للعمل بنظام جهوي متقدم ذي أبعاد تنموية، فإن خطاب العرش ل 30 يوليو 2009، يعد الحلقة الثانية في هذا المشروع الجهوي، كونه ارتقى بالحكامة الترابية عبر فتح ورش الجهوية المتقدمة، و هو ما يؤكده مقتطف نص الخطاب الملكي: "و في سياق تصميمنا على الارتقاء بالحكامة الترابية، قررنا فتح ورش إصلاحي أساسي بإقامة جهوية متقدمة، نريدها نقلة نوعية في مسار الديمقراطية المحلية".
إن التوجيهات الملكية بخصوص الجهوية المتقدمة انطلاقا من نص هذا الخطاب الملكي تصب في ضرورة الارتقاء بالمجال الترابي للجهات سعيا منها لتكريس الديمقراطية المحلية بشكل يضمن التوزيع المتناسق للاختصاصات بين الجهات و المركز و هو الأمر الذي أنيط باللجنة الاستشارية للجهوية.
هذا و ان التوجيهات الملكية بخصوص إقامة نظام جهوية متقدمة، أقرنتها بضرورة حث الحكومة على الإسراع بإعداد ميثاق اللاتمركز الإداري، إذ لا جهوية ناجعة بدونه.
فالجهوية المتقدمة و اللاتمركز الواسع يعتبر محكا حقيقيا للمضي قدما في إصلاح و تحديث هياكل الدولة . و قد تعزز ورش الجهوية المتقدمة و استمد حجيته الواقعية و السياسية عند تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية الذي حث عليها الملك في خطابه ليوم 3 يناير 2010 قصد وضع تصور عام للجهوية يسمح للمغرب بالانتقال من تنظيم إداري مبني على مركزية مفرطة أو "مركزية متحجرة" ، حسب الخطاب الملكي إلى نظام يتأسس على "الحكامة الجيدة المحلية و المقاربة الترابية" و من هذا المنظور فإن الجهوية المتقدمة المنشودة ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل تواجها حاسما لتطوير و تحديث هياكل الدولة و النهوض بالتنمية المندمجة تراعي :

• التشبث بمقدسات الأمة و ثوابتها في وحدة الوطن و التراب و الدولة و التأكيد على الخيار الديمقراطي.
• الالتزام بالتضامن، حيث لا ينبغي اختزال الجهوية في مجرد توزيع السلطات بين المركز و الجهات، فالجهوية لن تكون متكافئة و ذات طابع وطني إلا إذا قامت على تلازم استثمار كل جهة لمؤهلاتها، مع إيجاد الآليات الناجعة للتضامن المجسد للتكامل و التلاحم بين المناطق في مغرب موحد.
• اعتماد التناسق و التوازن في الصلاحيات و الإمكانات و تفادي تداخل الاختصاصات او تضاربها بين مختلف الوحدات الترابية و السلطات و المؤسسات
• انتهاج اللاتمركز الواسع الذي لن تستقم الجهوية بدون تفعيله في نطاق حكامة ترابية ناجعة قائمة على التناسق و التفاعل.

و هكذا يتضح أن ورش الجهوية المتقدمة على ضوء مرجعيته الملكية لا يقف عند حد الرقي بالجهة و النهوض بنظام جهوي متقدم، بل أن التوجهات الملكية تعد مرجعية أساسية، و خارطة طريق محورية للتنمية الجهوية بالدرجة الأولى، حيث يتبين أن جل الخطب الملكية قد بنت ورش الجهوية المتقدمة و علقت نجاحها على شرط تحقيق تنمية جهوية مندمجة، و تأهيل سوسيو - اقتصادي و مجالي للوحدات الترابية الجهوية انطلاقا من ضبط الأهداف الجهوية و الأبعاد التنموية و آليات التدبير الجهوي للمجال، و هو ما أكد عليه الخطاب الملكي ل 09 مارس 2011 حيث نص في جزء منه على التالي:
"لقد قررنا في نطاق الإصلاح المؤسسي الشامل الذي عملنا على توفير مقوماته منذ اعتلائنا العرش أن يقوم التكريس الدستوري للجهوية على توجهات أساسية من بينها:

• تخويل الجهة المكانة الجديرة بها في الدستور ضمن الجماعات الترابية، و ذلك في نطاق وحدة الدولة و الوطن و التراب و متطلبات التوازن و التضامن الوطني مع الجهات.
• التنصيص على انتخاب المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر، و على التدبير الديمقراطي لشؤونها.
• تخويل رؤساء المجالس الجهوية سلطة تنفيذ مقرراتها بد العمال و الولاة،
• تعزيز مشاركة المرأة في تدبير الشأن الجهوي خاصة، و في الحقوق السياسية عامة، و ذلك بالتنصيص القانوني على تيسير ولوجها للمهام الانتخابية،
• إعادة النظر في تركيبة و صلاحيات مجلس المستشارين في اتجاه تكريس تمثيليته الترابية للجهات،

فمن خلال هذه المنطلقات و التوجيهات الملكية بخصوص الجهوية المتقدمة يتضح أن ورش الإصلاح الجهوي قد بني على عدة مداخل أهمها:

• اعتماد مقاربة تنموية يقوم عليه تدبير المجال الجهوي و ذلك عبر تخويل الجهة مكانتها الدستورية و الاهتمام بتوفير المواد الكافية لتقدم الجهات دون الوقوع في وجود جهات محتاجة تفتقر لشروط التنمية وجهات محضوضة ، و إقرار متطلبات التوازن و التضامن بين الجهات.
• تكريس الديمقراطية المحلية عبر تعزيز تمثيلية المجالس الجهوية،
• ترسيخ مبدأ المقاربة التشاركية و مقاربة النوع من خلال تعزيز دور المرأة في الشؤون الجهوية،
• إعطاء مجال اقتصادي و اجتماعي موسع للجهة

إن الخطب الملكية حول الجهوية الموسعة تعتبر خيارا استراتيجيا إراديا لمغرب العهد الجديد في ترسيخ مبادئ الحكامة الترابية و التنمية المندمجة، إلا أن تحليل مضمون هذه التوجيهات بشأن الجهوية المتقدمة يبرز عدة ملاحظات أهمها:

• أن الخطب الملكية بخصوص الجهوية المتقدمة جميعها أكدت على عدم تنافي أو تعارض بين الجهوية و الاندماج الاقتصادي و الاجتماعي لمكونات الجهة
• الملاحظة الثانية تتعلق بأصالة المنهجية لإعداد الإصلاح الجهوي الجديد، إذ لم يطلب الملك محمد السادس من وزارة الداخلية أن تهيئ مشروع الجهوية المتقدمة، بل أعلن على إنشاء بنية التأمل و التشاور و اعتماد مقاربة الديمقراطية التشاركية من خلال تنصيب اللجنة الاستشارية و التي تعتبر لجنة متعددة

الاختصاصات مشهود لها بالكفاءة و الخبرة الواسعة قصد إعداد تصور عام للجهوية مع فتح نقاش وطني واسع و بناء حول ذات التصور العام لمشروع الجهوية المتقدمة، كما تجدر الإشارة إلى المرجعية الملكية، في إقرار الجهوية المتقدمة قائمة على أسس تنموية و تدبيرية بالأساس هادفة إلى تجاوز الإكراهات التجربة الجهوية الراهنة، وهو ما أدى إلى تأهيل الجهة دستوريا، اذ اعتبر الإصلاح الدستوري الذي عرفه المغرب مدخلا أساسيا و مرجعية كبرى في ترسيخ مبادئ الجهوية المتقدمة في أبعادها التنموية و الاقتصادية و الاجتماعية و السوسيومجالية، و سندا دستوريا في دعم الحكامة الترابية و التنظيم اللامركزي .

ثانيا : المرجعية الدستورية للبعد التنموي للجهوية المتقدمة:


إذا كان ورش الجهوية المتقدمة يتطلع إلى بلورة الإرادة الملكية الرامية إلى تمكين المغرب من جهوية متقدمة و موسعة، ديمقراطية الجوهر، مكرسة للتنمية المستدامة و المندمجة اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و بيئيا، و تكون مدخلا لإصلاح عميق لهياكل الدولة من خلال السير الحثيث المتدرج على درب اللامركزية و اللاتمركز الفعليين النافذين، و الديمقراطية المعمقة و التحديث الاجتماعي و السياسي و الإداري للبلاد و الحكامة الجيدة ، فإن كل ذلك قد تم تكريسه دستوريا، حيث جاء الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 لترسيخ ورش الجهوية المتقدمة من خلال التنصيص على مقتضيات متقدمة فيما يخص الجهوية إذ تمت دسترة مقتضيات منها ما يتعلق بالتدبير الجهوي و الحكامة الترابية للجهوي، التنمية الجهوية و المندمجة و تعزيز اللاتركيز الإداري.
هذا و قد نص الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 على الارتقاء بالنظام الجهوي و توطيد ركائز الجهوية المتقدمة، و تدعيم مكانتها المجالية حيث نصت الفقرة الثانية من الفصل 143 من الدستور على: "تتبوأ الجهة تحت إشراف رئيس مجلسها مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد و تتبع برامج التنمية الجهوية و التصاميم الجهوية لإعداد التراب في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية".
على مستوى المقتضيات الدستورية المتعلقة بالتدبير الجهوي و الحكامة الترابية فقد نص الفصل 136 من الدستور الجديد 2011، على ان التنظيم الجهوي و الترابي يرتكز على مبادئ التدبير الحر و على التعاون و التضامن، و تكريس المقاربة التشاركية عبر تأمين مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم عن طريق انتخاب ممثليهم في المجالس الجهوية بصفة مباشرة عن طريق تبني نظام نمط الاقتراع العام المباشر ، و الرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة و المستدامة، كما ان الجهات في ضل الوضع المتقدم تساهم إلى جانب الجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة و في إعداد السياسات الترابية .
هذا و إن المقاربة التشاركية في التدبير الجهوي الذي يعتبر احد أسس الحكامة الجهوية، لا تقف عند حد إشراك المواطنين في تدبير الأمور الجهوية، بل أن الدستور عمل على تكريس حق المواطنين و المجتمع المدني في إطار آليات تشاركية للحوار و التشاور في المساهمة في إعداد برامج التنمية و تتبعها و تقديم عرائض للمجالس الترابية الجماعية لإدراج نقطة التدخل في اختصاصاتها ضمن جدول أعمالها ، فكل هذه المقتضيات الدستورية المتعلقة بالتدبير الجهوي و الحكامة الجهوية جاءت من اجل ترسيخ الجهوية المتقدمة، كخيار استراتيجي في تحقيق تنمية شاملة و متوازنة.
أما المقتضيات الدستورية المتعلقة بالتنمية الجهوية و المندمجة، فقد خول الدستور المغربي للجهات اختصاصات واسعة بناء على مبدأ التفريع، منها اختصاصات ذاتية و أخرى مشتركة مع الدولة، اختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة ، بل أن الدستور أعطى لهذه الجهات و باقي الجماعات الترابية على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها, بل أن الدستور أعطى لهذه الجهات و باقي الجماعات الترابية على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها، كما مكنها من وسائل مالية ذاتية، و أخرى مرصودة من قبل الدولة، قصد النهوض باختصاصاتها ووظائفها التدبيرية و التنموية، انطلاقا من رصد وسائل أخرى لفائدة الجهات للنهوض بأوضاعها التنموية عبر إحداث صندوق للتأهيل الاجتماعي يهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية و البنيات التحتية الأساسية، و صندوق التضامن بين الجهات بهدف التوزيع المتكافئ للموارد و التقليص من التفاوتات بين الجهات .
لقد عمل الدستور المغربي لسنة 2011 الى جانب الارتقاء بالجهوية من خلال تعزيز دوره في مساعدة ممثلي السلطة المركزية في الجماعات الترابية (العمال و الولاة)لرؤساء الجماعات الترابية خاصة رؤساء المجالس الجهوية على تنفيذ المخططات و البرامج التنموية ، في إطار نوع من التشارك و التنسيق بين السلطة المركزية عبر ممثليها و رؤساء المجالس الجهوية ، و هو ما يبرز مرونة الرقابة و الوصاية على أداء المجالس الجهوية في مقابل تعزيز ورش اللاتمركز.
هذا و قد نص دستور 2011 على عدة آليات قانونية و مؤسساتية تضمن تحقيق جهوية متقدمة، قائمة على الديمقراطية المحلية و ركائز التنمية الجهوية، مكرسة لمبادئ الحكامة الترابية و الجهوية.
إن كل هذه المقتضيات التي جاء بها الدستور المغربي على ضوء الوضع المتميز الذي افرده هذا الأخير للجهوية المتقدمة و الهادف إلى إعادة تحديد هياكل الدولة المغربية على المستوى الترابي، و هو ما يبرز أهمية المرجعية الدستورية في تكريس الجهوية المتقدمة بكل أهدافها و مرتكزاتها المتعددة الأبعاد.
تعد المقتضيات الدستورية المتعلقة بالجهوية تكريسا فعليا للخطب و التوجيهات الملكية في هذا الباب، و هو ما يؤكد على أهمية البعد التنموي للجهوية المتقدمة و التي نالت حيزا كبيرا في الخطب الملكية و المقتضيات الدستورية.

النسخة الحاملة للهوامش سيتم إدراجها لاحقا




الاربعاء 31 أكتوبر 2012

تعليق جديد
Twitter