MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مذكرة مرافعة دفاع القاضي الهيني الراصدة لخروقات مبادئ المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع‎ التي شكلت أساس الدفوعات المدلى بها في الملف.

     




ا لرباط في 25/01/2016
ملف عدد: 41 ب خ 2015

مذكرة ترافعية كتابية

مرفوعة إلى السيد وزير العدل والحريات
بصفته نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء

وإلى السادة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء

في ملف الدكتور محمد الهيني
نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة
(عضو نادي  قضاة المغرب)

المحال  تأديبيا على المجلس الأعلى للقضاء

من أجل ما نسب إليه من مخالفة مهنية  مزعومة  تتعلق  إخلال بواجب التحفظ والإدلاء بموقف يكتسي صبغة سياسية .
 
 
أولا: ملخص الوقائع "كيفية إنتاج المخالفة المدعاة موضوع التأديب أو المساءلة"

حيث يستفاد من وثائق الملف المتعلقة بقضية السيد محمد الهيني ولاسيما تقرير هيئة التفتيش بوزارة العدل والحريات المنجز بتاريخ 8/9/2015 في الملف عدد 41 ب خ 2015 أن مكونات الأغلبية البرلمانية بمجلس النواب تقدمت بتاريخ 28/7/2015 لديوان السيد وزير العدل والحريات بشكاية جاء فيها :"إن السيد محمد الهيني نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستنئاف بالقنيطرة أدمن خلال مداخلاته ومشاركاته في عدد من الندوات واللقاءات الإساءة إلى مكونات الاغلبية البرلمانية وممثلي الأمة ،حيث لا يفتأ يكيل لها الاتهامات والأحكام القيمية عن سبق إصرار وترصد ،وذلك كله وهو يرتدي جبة القاضي ،منصبا نفسه حارسا على المؤسسات الدستورية للبلاد ،وأن خاتمة اتهاماته ،مقالة نشرت بجريدة الاحداث المغربية ليوم 29/7/2015 في عددها 5640 –ركن عدالة- عنوانها "ألا في الفتنة الدستورية سقطوا"معتبرا تعديلات الأغلبية على مشروع القانون التنظيمي رقم 100.13 موقف مخطط له ومناورة كبرة زئبقية تتعامل مع القضايا الكبرى بمنطق المصلحة وليس الدستور ،ولا يعكس هذا الامر إلا نية بحث وزير العدل والحريات التي اختارته هذه الاغلبية عن مقعد بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ليس إلا "ليضيف في تجريحه لمؤسسة البرلمان بأنها ليست الضامن الوحيد لمحاسبة النيابة العامة،وأن تراجع الأغلبية البرلمانية تحت مزاعم غير دستورية عن نقطة الضوء الوحيد في مشروع الميثاق الوطني المصادق عليه من قبل جلالة الملك فيما يتعلق باستقلالية النيابة العامة عن وزير العدل والحريات يعيدنا إلى نقطة الصفر ،ويظهر التعطش للسلطة ،وفرض توجيهات مهما كلف ذلك من دوس على مقتضيات الدستور الجديد والتوجهات الرسمية لإرساء دعائم المؤسسات "وفي الختام اعتبرت الجهة المشتكية أن هذه التصريحات لا تمثل إلا غيضا من فيض ،وأنها مخلة بواجب التحفظ المفروض في القاضي ومسيئة لها ولممثلي الأمة اتخاذ الإجراء القانوني المناسب لإنصاف المؤسسة التشريعية وأهم مكوناتها من فرق ومجموعات الأغلبية".
 وبهدف التأكد من صحة ما ورد بالشكاية، قامت المفتشية العامة بالإطلاع على المقال المذكور، ووجهت استدعاء للقاضي محمد الهيني للحضور إلى مقر المفتشية بتاريخ 02/09/2015، إلا أنه وبعد حضوره وتمسكه بالحصول على نسخة من الشكاية رفضت المفتشية تمكينها منها مطلقا ، وكذا إمهاله مدة 15 يوما للجواب عنها ، خاصة وأنه مرهق لكونه كان ملتزما بالمداومة الليلية طيلة مدة أسبوع، ولكي يتسنى له اخبار فريق دفاعه للحضور لجلسة الاستماع، وهو ما رفضته المفتشية، حيث اعتبرت تشبثه بالحصول على نسخة من الشكاية ينم عن وجود رغبة لديه لاستعمال الوثيقة المذكورة لأغراض أخرى. وباشرت المفتشية العامة أبحاثها دون الاستماع للقاضي محمد الهيني حيث اطلعت على المقال موضوع الشكاية وخلصت في تقريرها إلى أنه يعبر عن موقف سياسي ويشكل تدخلا في عمل السلطة التشريعية بمجاهرة كاتبه بموقفه المنحاز إلى المعارضة في مواجهة الأغلبية، مضيفا بأن الدكتور محمد الهيني اعتاد على نشر مقالات في جرائد ورقية أو الكترونية، وكذا على الموقع الاجتماعي الفيسبوك بصفحة نادي قضاة المغرب، تتضمن عبارات تعبر عن مواقف تكتسي صبغة سياسية وتمس بواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، ومن بينها تدوينته بصفحة نادي قضاة المغرب تحت عنوان: "اعلان الحداد على قضاء الوطن" التي جاء فيها: "أن تصويت ومصادقة الأغلبية البرلمانية وحكومتها ..مصادقة على الفئوية والانقسام والتحكم بحق قضاء الوطن.. خاب السعي من طرف من حمل شعار استقلال القضاء للمزايدة السياسوية والانتخابوية..". وأشار التقرير إلى مقال آخر تحت عنوان: "وزارة الرميد تنتقم من القضاة" نشر بموقع هسبريس بتاريخ 22/06/2015 جاء فيه: "وزارة العدل تحرم بعض القضاة من الترقية إما داخل المحكمة من خلال نشرة التنقيط أو من خلال فرملة الحراك القضائي دون الأخذ بعين الاعتبار طابع الاستحقاق ولا الكفاءة..". كما جاء فيه:"قرارات مسؤولين اشتطوا في استعمال سلطتهم في تنقيطهم بسبب تمسكهم بمطلب تفعيل ديمقراطية الجمعيات العمومية". وأضاف تقرير المفتشية أن السيد محمد الهيني لم يستفد من احالته السابقة على المجلس الأعلى للقضاء بسبب ما نسب اليه من اخلال بواجب التحفظ وصفات الوقار والكرامة، بسبب مقاله المنشور بصفحة نادي قضاة المغرب بعنوان: "مواصفات مدير الشؤون المدنية المنتظر لا نريد أسدا ولا نمرا"، بل كتب متمسكا بما جاء في المقال موضوع العقوبة الصادرة في حقه: "لقد قلنا ذات يوم في خاطرة الأسد والنمر المسؤولة عن تعثر سير الاصلاح أن القضاء يحسبونه إدارة، والإدارة قضاء، والاستقلالية أضغاث أحلام وأماني، فهل صدقت نبوءتي؟". وبناء على قرار السيد وزير العدل والحريات بتاريخ 30/11/2015 بإحالة السيد محمد الهيني على المجلس الأعلى للقضاء من أجل ارتكابه اخلالات بالواجبات المهنية، وذلك باتخاذ موقف يكتسي صبغة سياسية والإخلال بواجب التحفظ وتعيين مقرر في حقه، باشر المقرر اجراءات التحقيق في الملف واستدعى السيد محمد الهيني عدة مرات دون أن يحترم آجال الاستدعاء التي تعد من القواعد العامة وتمسك بها السيد محمد الهيني، حيث باشر هذه الاجراءات دون الاستماع اليه في محضر قانوني ودون الجواب على طلب التجريح المقدم في مواجهته، حيث اعتمد السيد المقرر على تتبع عدد من التدوينات الجديدة التي كتبها السيد محمد الهيني بصفحته الشخصية وبصفحة نادي قضاة المغرب، لينجز تقريره المرفوع إلى المجلس الأعلى للقضاء.
وبناء على بحث مفتشية وزارة العدل والحريات وماشبه من خروقات دستورية وقانونية؛
وبناء على تقرير مقرر وزارة العدل والحريات وماشبه من خروقات دستورية وقانونية؛
وبناء على تجريح مقرر وزارة العدل والحريات؛
وبناء على مقرر الإحالة والعرض على المجلس؛
وبناء على المراسلة الموجهة للجناب الشريف بصفته رئيس السلطة القضائية والضامن لإستقلال القضاء والساهر على هيبته وعلى حقوق القضاة،وعلى أمنهم القانوني، قصد تأجيل الفصل في ملف القاضي محمد الهيني إلى حين تنصيب المجلس الاعلى للسلطة القضائية ليتولى البث فيه أساسا ،واحتياطيا التفضل بقبول ملتمس التجريح وأمر السيد وزير العدل برفع يده عن المسطرة  وعدم ترأسه للمجلس التأديبي الذي سيبث في ملف القاضي محمد الهيني.
وبناء على المراسلة الموجهة لوزير العدل والحريات والرامية إلى التفضل بقبول التجريح التلقائي أو رفع الأمر لنظر جلالة الملك والمبلغ بها حسب شهادة التوصل رفقته.
تلكم الظروف والملابسات المحيطة بالنازلة  والإجراءات المتصلة بالبحث والتقرير فيها  وما تلاها من إجراءات دفاعية .

ثانيا: عناصر المرافعة:

1 –ملتمس إيقاف البت في المتابعة التأديبية لتجريح وزير العدل والحريات بصفته نائبا لرئيس المجلس الأعلى للقضاء
   جاء في إحدى الرسائل الملكية السامية ما  يلي "إننا نجدد التزاماتنا بحقوق الإنسان وبقيم الحرية ،ذلك أننا نؤمن إيمانا راسخا أن احترام حقوق الإنسان والالتزام بالمواثيق الدولية المكرسة لهذه الحقوق ليس ترفا أو موضة بل ضرورة تفرضها مستلزمات البناء والتنمية والتقدم ،ونحن نرى من جهتنا أن لا تنافر بين دواعي التنمية وحقوق الإنسان ...من أجل ذلك نرى أن القرن المقبل سيكون قرن احترام حقوق الانسان أو لن يكون"[1]
  وحيث تعتبر المساءلة  والمحاسبة الدستورية الجوهر الحقيقي لأي نظام قانوني؛ لأن التأديب هو نظام قانوني يستهدف تخليق الممارسة القضائية  بهدف صون قواعد سير العدالة وحماية حقوق المتقاضين دون إغفال حماية الأمن القانوني للقاضي الذي يعد شرطا لازما لرد أي تأثير على استقلاليته عبر بوابة المتابعات التأديبية غير المؤسسة والباطلة .
 وحيث إن خضوع النظام التأديبي القضائي لحكم القواعد الدستورية ولضمانات حقوق المتقاضين، بصفة عامة ، كفيل بإقرار محاكمة تأديبية عادلة.
  وهكذا جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط صادر بتاريخ 21-3-2013 في الملف رقم 534-5-2012 "إن الضمانات القضائية الدستورية الواردة في الباب السابع من الدستور المتعلق بالسلطة القضائية قابلة للتطبيق على مسائل الزجر الإداري - بمختلف أنواعه سواء التي تصدره الهيئات الإدارية العادية أو الهيئات الإدارية المستقلة المعبر عنها بالهيئات الناظمة، المعتبرة هيئات شبه قضائية ، سيرا على ما أقرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قرارها  رقم 58188-00 الصادر بتاريخ 27-8-2002 ومجلس الدولة الفرنسي بموجب "قرار ديديي" الصادر بتاريخ 3-12-1999 - ولاسيما قرينة البراءة وقواعد المحاكمة العادلة .

ـ التذكير بالملتمس المرفوع لجلالة الملك من طرف فريق هيئة الدفاع عن القاضي محمد الهيني

   لقد تقدمت هيئة الدفاع برسالة إلى جلالة الملك  بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء والضامن الأساسي لاستقلال السلطة القضائية جاء فيها:
"تتشرف هيئة الدفاع عن القاضي محمد الهيني، نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة، بأن ترفع لعلم لجلالتكم سابقة لم تسجل أبدا في التاريخ البرلماني بالمغرب وهي المتمثلة في إثارة السيد وزير العدل والحريات متابعة تأديبية بطلب  من فرق سياسية من مجلس النواب وفي مقدمتها الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية المساند للحكومة والذي ينتمي إليه وزير العدل والحريات كعضو من قيادته بل ومن مؤسسيه إلى  جانب فرق أخرى من مكونات الأغلبية الحكومية وهي الفريق الحركي، فريق التقدم الديمقراطي، فريق التجمع الوطني للأحرار و فريق المجموعة النيابية لتحالف الوسط.
إنها حركة مدبرة يقف وراءها بعض البرلمانيون من المؤسسة التشريعية في مواجهة مع رأي قاضي مستشار ينتمى للسلطة القضائية التي تترأسها جلالتكم والتي تضمنون حمايتها واستقلالها و هيبة أعضائها.
لقد زعم المشتكون بمنطقهم الحزبي  البعيد عن الموضوعية، أن القاضي محمد الهيني ارتكب مخالفة "خرق واجب التحفظ والإدلاء بموقف يكتسي صبغة  سياسية"  بمنطق محاكم التفتيش واحتكار الحقيقة.
لكن وخلافا لهذا الإدعاء فإن رأي المعني بالأمر، وهو رأي علمي رزين في مجال تشريعي يهم القانون التنظيمي للسلطة القضائية، لا يعنيهم وحدهم كبرلمانين أولا بل يعني كل القضاة وكل المواطنين معهم، حتى ولو جاء في صيغة نقد أو  تصحيح أو تقييم، ورأيه ثانيا كقاضي باحث وخبير  ورجل قانون هو مساهمة منه في نقاش مجتمعي واسع له علاقة بأسس دولة القانون و بمنظومة العدالة وحقوق الإنسان. 
إن السادة البرلمانيون من الفرق السياسية بالأغلبية والذين أعلنوا خصومتهم مع قاضي، ملزمون باحترام كل الآراء حتى لو لم يكونوا متفقين معها مع الآخرين مادام الدستور  والمواثيق الدولية تضمن حرية التعبير وممارستها بكل مسؤولية وبدون ترهيب ولا تهديد ولا  ضغط خصوصا إن أتى من نواب الأمة .
إن دفاع القاضي محمد الهيني يعتبر أنه من حسن سير العدالة وسلامة انعقاد ومناقشة قضيته ومحاكمته محاكمة عادلة أمام المجلس التأديبي، أن يرفع السيد الوزير يده عن الملف وأن  يتنحى تلقائيا  ويجرح نفسه حتى لا يكون خصما وحكما، والتجريح كما تعلم جلالتكم، يمثل مستوى النبل والنزاهة الفكرية لمن يتولى الحكم في أية منازعة،  ويحقق في فلسفته معاني التغلب على الذات والأنانية وليس شيئا آخر. 
إن فريق الدفاع عن القاضي محمد الهيني يعتبر أن أسباب تجريح السيد وزير العدل والحريات رئيس المجلس التأديبي  قائمة في ملفه، فلا يمكن أن يكون الوزير منتميا سياسيا لفريق خصوم السيد محمد الهيني وحَكما في نفس الوقت،  فهناك العلاقة التي تجمع البرلمانيين المشتكين مع الوزير وهي علاقة قَرابــة الانتماء لكتلة أحزاب متضامنة فيما بينها بما فيها حزب السيد الوزير، يُساند بعضها البعض الآخر وتتقاسم مصالح وتشترك في أهداف، ومن هنا لابد للسيد الوزير من احترام المؤسسة التي يرأسها والحفاظ على مصداقيتها وضمان الثقة فيها من خلال تجريحه التلقائي.
إننا نلتمس من جلالتكم أمر السيد وزير العدل لكي يعبر عن حياده السياسي و استقلاليته وترقعه عن كل تأويل لما قد يبديه داخل المجلس من راي اتجاه شكاية الاغلبية السياسية بمنطق التضامن السياسي أو الميول التنظيمي لحزب العدالة والتنمية وحتى تعطي في النهاية للمحاكمة التاديبة كل شفافيتها.
ولذلك، فإننا نلتمس من جلالتكم بكل احترام،  بصفتكم رئيس السلطة القضائية والضامن لإستقلال القضاء والساهر على هيبته وعلى حقوق القضاةوعلى أمنهم القانوني، أن تأمروا  أساسا بتأجيل الفصل في ملف القاضي محمد الهيني إلى حين تنصيب المجلس الاعلى للسلطة القضائية ليتولى البث فيه.
 ونلتمس من جلالتكم احتياطيا أن تتفضلوا بقبول ملتمس التجريح وأن تأمروا السيد وزير العدل برفع يده عن المسطرة  وعدم ترأسه للمجلس التأديبي الذي سيبث في ملف القاضي محمد الهيني. "

2- طلب تأجيـــل البت إلى حين صدور الأمر في طلب التجـــريح المرفوع لنــظر جلالة الملك:

    كما سلف؛ فقد رفعنا  لجلالة الملك محمد السادس، ملتمسا يرمي  قبول التجريح في  السيد وزير العدل والحريات بصفته رئيسا للمجلس التأديبي الذي سيحاكم السيد محمد الهيني، طبقا لصلاحيات جلالته الدستورية؛ ونحن على يقين أنكم تدركون غاية النص على مسطرة التجريح وأَبعادها باعتبارها ضمانة أساسية لسمعة القاضي نفسه أكان بمجلس الحكم أو التأديب واعتبارها حِماية لهيبته ومصداقيته و نزاهته واستقلاله وحياده من كل تشكك أو تخوف، قبل أن تكون هذه المسطرة حقا من حقوق المتقاضي و إحدى القيم التي تعزز ثقته في القضاة و اطمئنانه للفصل في قضيته بكل عدل وإنصاف، من دون انحياز أو انزلاق أو محاباة.
إنكم تعلمون كذلك أهمية قرار جلالة الملك في الموضوع، وتعلمون أنه هو رئيس المجلس الأعلى وله يرجع الفصل في الملتمس ولا سلطة تقديرية لأحد في رفضه أو في قبوله إلا نظر جلالته في الموضوع وفي أسبابه ومبرراته، مما يتعين معه على مجلسكم المحترم عدم تجاوز القرار الملكي المنتظر وإعطائه مكانته التي هي له، وبالتالي اصدار قرار يقضي إيقاف البث في الملف وانتظار أمر جلالة الملك الذي يلزمكم كمجلس،والذي لا حق لكم في قبوله أو رفضه .
وحيث إن تصريح وزير العدل  المجرح فيه لفقدانه الحياد والمشكوك في نزاهته وتجرده لموقع "كود"يوم الاحد 17/1/2016 أنه لن يحضر مداولات الحكم في قضية القاضي المتابع والمعروض على المجلس الاعلى للقضاء يوم 18/1/2016 فيه إخلال خطير بقاعدة سرية المداولات وهي جريمة جنائية يعاقب عليها القانون ويستحق مقترفها العزل وليس فقط التجريح ،والأخطر من ذلك هو إنتهاكه في نفس التصريح لقاعدة قرينة البراءة مصرحا أن القاضي المتابع له طموحات سياسية ،مما يعتبر إدانة مسبقة بعزله مطبوخة على نار الحقد والانتقام،بحيث صار كل قاض مطالب بالاصلاح والتغيير معرضا للتأديب ؟ناهيك أن تفويضه قاض بوزارته مهمة شرح قرار رفض التجريح كسابقة خطيرة في تاريخ عمل المجلس الأعلى للقضاء ونشره بالموقع الشخصي لوزير العدل والمسمى "الرأي "والذي يديره مستشاره الإعلامي جواد غسال فيه اعتداء كبير على اختصاص المؤسسة الملكية وعلى اختصاص المجلس ،ويتضمن إفشاء لتعليلات المجلس للجمهور حتى قبل أن يصادق عليها جلالة الملك وقبل أيضا أن يطلع على حيثياتها القاضي المتابع ودفاعه ،وهذا يعتبر خرقا لواجب تحفظ الوزير وقاضيه.
وحيث ألغى قرار  مجلس الدولة الفرنسي  الصادر بتاريخ 30/6/2003ملف عدد 222160 قرار المجلس الأعلى للقضاء بفرنسا الصادر بتاريخ 19 أبريل سنة 2000لعدم استجابته لطلب التجريح 
وكان المجلس الأعلى للقضاء بفرنسا قد رفض تجريحا في أحد أعضاء هيئته تقدم به قاضي ماثل أمامه بدعوى عدم وجود نص في القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 22 دجنبر 1958، قبل أن يلجأ الأخير إلى مجلس الدولة الفرنسي الذي قضى بقبول طلب التجريح.
وجاء في حيثيات القرار القضائي  الصادر عن أعلى هيئة قضائية إدارية في فرنسا (مجلس الدولة) أن مقتضيات هذا القانون لا تمنع تجريح أحد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء المنعقد على شكل هيئة تأديبية، باعتبار ذلك من ضمانات المحاكمة العادلة، طالما ليس هناك أي نص قانوني صريح يمنع التجريح.
وللإشارة فقط فقد سبق للمجلس الدستوري المغربي أن قرر عدم دستورية  بعض مقتضيات قانون المحكمة العليا لعدم تنصيصها على إمكانية تجريح رئيس المحكمة العليا.وهكذا جاء في قرار للمحكمة الدستورية المغربية صادر بتاريخ 11 أغسطس 2004 "إن استثناء كل من رئيسي المحكمة،ولجنة التحقيق من مسطرة التجريح، رغم أنهما بالمقارنة مع زملائهما الآخرين الخاضعين لها، يمارسان نفس الوظيفة القضائية، بل يزاولان صلاحيات أوسع في العمل القضائي، ويتحملان مسؤوليات، قد تكون حاسمة في القرار، فضلا عن أن هذا الاستثناء،لا يعتمد على أي تبرير قانوني، فإنه يخالف مبدأ له قيمة دستورية،وهو مبدأ استقلال القضاء"- الجريدة الرسمية عدد 5246 بتاريخ 9 سبتمبر 2004 الصفحة 3331.
وحيث سبق للمحكمة الادارية بالرباط بمقتضى حكمها الصادر بتاريخ 6/9/2012  أن اعتبرت في نازلة مماثلة إن "ترؤس المجلس التأديبي من طرف رئيس المرفق الاداري المباشر للتفتيش ولإجراءات المتابعة ،والمسترسل بالإضافة لمتابعة لم ترد في صك الاتهام الأصلي المحرر من طرف الادارة المركزية جعل من الرئيس المذكور خصما وحكما وأبعده عن الحياد والتجرد ،وأخل بمبادئ المحاكمة العادلة التي على رأسها حياد الهيئة الإدارية وكفالة حقوق الدفاع التي أرسى مبادئها الدستور الجديد "حكم رقم 3123 في الملف رقم 485/5/2011 الرئيس والمقرر الدكتور الهيني يراجع للتعمق :محمد الهيني –المرتكزات الدستورية الناظمة للعمل القضائي بالمحكمة الادارية بالرباط وفقا لاجتهادات محكمة النقض،الجزء الأول ،قضاء الالغاء مطبعة المعارف الجديدة الرباط ،طبعة 2014 ص 69.
    وحيث  جاء في حكم لمحكمة القضاء الإداري المصري صادر بتاريخ 2/2/2007 "قواعد تشكيل المجالس من النظام العام تتعلق بإجراء ردعي فيه الصالح العام، وهو حسن سير المحاكمات التأديبية، بحيث يعتبر الإخلال بها عيبا يبطل القرار الصادر عنه ومن ثم يتعين إلغاؤه.
وإذا قام أحد أعضاء المجلس بسبب من أسباب عدم الصلاحية أو الرد المنصوص عليها في المادة 315 من قانون المرافعات وجب عليه التنحي، إذ ليس أنفى للتهمة وأبقى لدواعي تطمين المحاكمين على مصائرهم، وأمكن لاقتلاع منابت القلق من نفوسهم من تنحي عضو المجلس من مهمته حتى تصدر الأحكام مبرأة من نوازع الهوى، ومصفاة من شوائب الميل ومعصومة من مزالق العنف. ولا مراء في أن المادة 87 من قانون موظفي الدولة الخاصة بوجوب التنحي عند عدم الصلاحية، إنما تضمنت في واقع الأمر أصلا مقررا من أصول المحاكمات الإدارية، كان مرددا في أحكام القضاء الإداري، فهي بهذه المثابة تلخص قاعدة كلية، ينبغي أن تسري على جميع المحاكمات التأديبية، ويتعين مراعاتها بغية توفير أول الضمانات في أية محاكمة جزائية كي لا تهدر بإصدار قيمة الأحكام، وذلك حتى ولو لم يرد نص مماثل في القوانين" [2]
  لقد كان بإمكان حسن النية في التعاطي مع الإشكالية أن يدفع إلى استلهام الفتوى من التجربة الفرنسية، التي تبقى رافدا تاريخيا للتشريع المغربي وتفسيراته وتطبيقاته؛ في حالة مماثلة في أطرافها، تحتفظ الصفحة 286 من الجريدة الرسمية لمجلس الشعب الفرنسي بتاريخ 05/02/2009 بسؤال كتابي للبرلماني M. Jean-Pierre Michel موجه إلى حارسة الأختام وزيرة العدل حول مقال نشر بجريدة لوموند من طرف نائب الرئيس المكلف بالتحقيق بالقطب المخصص لقضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية الكبرى بباريس، تضمن ردا قاسيا على انتقاد برلماني لمسطرة التحقيق في قضية إرهابية، وتساءل صاحب السؤال حول ما إذا كان بإمكان قاضي أن يعبر علانية عن موقفه الشخصي حول قضية باشر التحقيق في شأنها؟ فبالأحرى أن ينتقد بحدة برلمانيا حول رأيه الشخصي المشمول بالحصانة الدستورية، طالبا من وزيرة العدل رأيا في شأن ما إذا كان المقال يشكل خرقا لواجب التحفظ.
بتاريخ 09/04/2009 أجابت وزارة العدل بكتاب منشور بالجريدة الرسمية لمجلس الشعب ص 907 والذي لأهميته أسوقه أهم ما جاء فيه بتصرف في الترجمة:
"
تخبر وزيرة العدل، النائب المحترم بأن واجب التحفظ المنصوص عليه في المادة 10 من المرسوم رقم 58-1270 المنشور بتاريخ 22 دجنبر 1958 بمثابة القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، والذي لا يتوفر في شأنه أي تعريف نصي، هو مفهوم تحددت معالمه بمقتضى الاجتهادات التأديبية للمجلس الأعلى للقضاء، الذي اعتبر في رأيه بتاريخ 09 أكتوبر 1987 أن القاضي ليس ملزما بواجب الانسياق ولا بالتزام الصمت. وأن مبدأ الحق في حرية التفكير، والرأي والتعبير تشكل الأساس المحوري للاستقلالية المطلوبة منه كقاض وتميزه عن باقي الموظفين.(....) وأن المقال موضوع سؤال البرلماني لا يشكل مساسا بواجب التحفظ؛ إذ أن قاضي التحقيق الذي كتبه لم يخرق سرية التحقيق الملزم بها، وأن حارسة الأختام لا تملك إلا أن تشاطر النائب المحترم رفض مثل هذه الكتابات، وتستنكر بصفة عامة، رغم مبدأ الفصل بين السلط وحرية التعبير، أن تتحول وسائل الإعلام إلى فضاء لمناقشة القضايا الرائجة أمام المحاكم."
هكذا إذن التزمت وزير العدل الفرنسية الحياد رغم خطورة ما قام به القاضي من نشر مقال حول قضية كانت رائجة أمامه، ووجه انتقادا لرأي برلماني مشمول بالحصانة، مفضلة التفسير الحقوقي لواجب التحفظ، ومستحضرة الدور المطلوب من القضاء في مناقشة كل ما يتصل بممارساتهم المهنية دون أن يجدو أنفسهم مساقين إلى مقاصل التأديب.
  إن المعالجة الأخلاقية لتحريك المسطرة في حق ذ الهيني ، لا تقف عند حدود مساءلة واجب الحياد المفترض في رجل الدولة المكلف بتدبير الشأن العام، والتي تستوجب عليه فرض مسافة بين مهامه المؤسساتية وعقيدته السياسية، ولكن وأساسا في مدى شرعية تحصيل الدليل المفترض على ارتكاب المخالفة التأديبية.
  لقد تواترت الأنباء عن وجود لجنة تابعة للسيد الوزير محدثة خارج أي سياق قانوني مكلفة بتعقب ما ينشره القضاة على الفايسبوك، وتبت أن العديد من الزملاء الذين عرضوا على المفتشية العامة ووجهوا بتدويناتهم الخاصة، دون أن يتم تمكينهم من فحص شرعية مسطرة تجميعها.
وإذا صح وجود تكليف من السيد الوزير بتتبع القضاة على الفايسبوك فإن في الأمر خطورة بالغة ليس من منظور ديني فقط ( ...ولا تجسسوا... ) ولكن من منطلق قانوني صرف، إذ من المبادئ المستقرة أن تحصيل الدليل كيفما كان ينبغي أن يتسم بالشرعية من حيث الجهة والوسيلة، وفي قضايا التأديب ،كذلك؛ لا يبدو أنه تم احترام هذا المبدأ؛ فالجهة التي تقوم بتعقب كتاباتنا على الفايس لا نعلم لها سندا في القانون، ولا من عينها ولا مسطرة اشتغالها، ولا الرقابة على أعمالها في تتبع كتابات ليس هناك ما يمنع من التصرف فيها بالحذف أو الإضافة أو التعديل، ومن جهة أخرى هناك خرق واضح للقانون رقم القانون 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي،ولمرسومه التطبيقي الصادر في 21 ماي 2009. 
   ذلك أن كل صفحة بالفايسبوك تتضمن معطيات شخصية خاصة بصاحبها، وتخضع بالتالي للتعريف المضمن في المادة 1 من القانون، فإن الجهة المكلفة بالمعالجة الآلية لهذه المعطيات هي الشركة المالكة لموقع التواصل فايسبوك، وإذا كان استعمال المعطيات الشخصية ينبغي أن يتم بكيفية نزيهة وبموافقة صاحبها طبقا للمادتين 3 و 4 . فإن المادة 10 منعت استنساخ هذه المعطيات وإعادة استعمالها بغير رضا صاحبها، بل وحتى الأحكام القضائية بصريح المادة 11 لا يمكن أن تتضمن تقييما لسلوك شخص من الأشخاص بناء على معالجة آلية لمعطيات ذات طابع شخصي يكون الغرض منها تقييم بعض جوانب شخصيته. وتضيف الفقرة الثانية بأنه لا يمكن كذلك لأي قرار آخر أن تنشأ عنه آثار قانونية تجاه شخص من الأشخاص أن يتخذ فقط بناء على معالجة آلية لمعطيات يكون الغرض منها تحديد صفات الشخص المعني أو تقييم بعض جوانب شخصيته.
ولخطورة الأمر وضمانا لحماية الأشخاص فقد عاقبت المادة 54 بعقوبة حبسية وبغرامة كل من قام بتجميع معطيات ذات طابع شخصي بطريقة تدليسية أو غير نزيهة أو غير مشروعة، أو أنجز أو أخضع المعطيات المذكورة لمعالجة لاحقة متعارضة مع الأغراض المصرح بها.
  هناك ،إذن؛ خرق قانوني واضح جراء استنساخ تدوينات الزملاء  القضاة والاحتفاظ بها وطبعها ومواجهتم بها في مساطر تأديبية دون موافقة منهم.
كما أن اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية عند اللجوء إليها بناء على مرسوم إحداتها ستكون مجبرة للتصريح بمخالفة إعادة استعمال تديونات الفايسبوك دون إذن صاحبها للقانون وفي غير ما أعدت له.
   أما عن تحريك الدعوى العمومية وحتى لا أتهم بالتحليق في عالم المثل فقد سبق للصحفيين MM. Gérard Davet et Jacques Follorou  وجريدة لوموند الفرنسية أن تقدموا بشكاية في 9 نونبر 2010 مباشرة في مواجهة الوكيل العام لدى استئنافية نانتير M. Philippe Courroye من أجل تجميع معطيات ذات طابع شخصي بطريقة تدليسية، وغير مشروعة، رغم أن الأمر كان يتعلق بتعليمات أصدرتها النيابة العامة للضابطة القضائية قصد الحصول على مجموع الاتصالات الهاتفية التي أجراها الصحافيين خلال مدة معينة، في سياق البحت عن خرق سرية الأبحاث المتعلقة بقضية بتنكور. انتهت ببطلان المسطرة، وأحيل على إثرها الوكيل العام للملك أمام المجلس الأعلى للقضاء الفرنسي.
 
3- عدم اختصاص المجلس الأعلى للقضاء بالنظر في المتابعات التأديبية القضائية لعدم دستورية إحالة العارض  على المجلس الأعلى للقضاء:

  حيث استقر الفقه والقضاء على أنه رغم خلو التشريع من أي نص يخول المجالس التأديبية سلطة رقابة دستورية القوانين ؛ فإن من واجبها  التصدى لذلك إذا دفع أمامها بعدم دستورية قانون أو أي تشريع فرعى أدنى مرتبة يطلب أحد الخصوم تطبيقه فى الدعوى المطروحة عليها، سندها فى تقرير اختصاصها هذا إلى أنه يعتبر من صميم وظيفتها القضائية القائمة على تطبيق القانون فيما يعرض عليها من منازعات،  فإذا تعارض القانون المطلوب تطبيقه فى الدعوى مع الدستور وجب عليها أن تطبق حكمه وتغفل حكم القانون وذلك إعمالاً لمبدأ سيادة الدستور وسموه على التشريعات الأخرى.
  وحيث إنه في نازلة الحال تكتسي رقابة دستورية قانون المتابعة التأديبية وسند انعقاد المحاكمة أهمية قصوى مستمدة من واجب صون دستور 2011  وحمايته من الخروج على أحكامه باعتباره القانون الأسمى الذي يرسى الأصول والقواعد التى يقوم عليها نظام الحكم،  وأن هذا الهدف لا يتحقق على الوجه الذى يعنيه المشرع الدستوري إلا إذا انبسطت رقابة محكمة النقض  على فحص مدى انسجام المقتضيات المنظمة للتأديب ( الباب الخامس من ظهير 11 نونبر 1974 بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء ) مع الضمانات المكرسة دستوريا في باب السلطة القضائية ولاسيما المادة 112.
   وحيث إن ما يجعل البت في الدفع أمرا ضروريا هو التراجع عن  التزام مؤسسة وزير العدل في شخص الوزير السابق النقيب محمد الناصري (رحمه الله)  القاضي الدستوري الذي أكد غير ما مرة على إيقاف المتابعات التأديبية للقضاة، حرصا على حقهم في الطعن، وبما ينسجم ومنطوق دستور 2011 .
   وحيث إنه وأمام هذا التراجع الخطير دونما مبرر وجيه، كان  لزاما على المجلس احتراما للدستور، أن يبت في هذا الدفع لتبيان السند المعتمد في تحريك المتابعات التأديبية حفاظا  على الأمن القانوني  للقضاة، وصونا لهم من أي شطط؛
وحيث إن أوجه عدم الدستورية تتجلي واضحة من كون ظهير 11 نونبر 1974 بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء في بابه الخامس المتعلق بالمسطرة التأديبية ( المادة 58 وما يليها ) المعتمدة في المحاكمة التأديبية أضحت متعارضة من حيث الضمانات المخولة للقضاة مع مقتضيات الباب من الدستور.
   وحيث إن الأصل فى تطبيق القاعدة القانونية أنها تسري على الوقائع القانونية التى تتم فى ظلها أى خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغاؤها ، فإذا ألغيت قاعدة قانونية وحلت محلها قاعدة قانونية جديدة فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها ؛ وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين القانونيتين ، ومن ثم فإن المراكز القانونية التى نشأت وترتبت آثارها فى ظل أى من القانونين القديم أو الجديد تخضع لحكمه ، فما نشأ منها وترتبت آثاره فى ظل القانون القديم يظل خاضعاً له، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره فى ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون وحده، وأنه بتطبيق هذه القواعد على واقعة الدعوى يتبين أن الدستور النافذ منذ يوليوز 2011 بمنحه القضاة الحق في الطعن، وتعليق ذلك على صدور القوانين التنظيمية المنظمة للسلطة القضائية يكون قد عطل مقتضيات الباب الخامس من ظهير نونبر 1974 بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء، وحال دون تطبيقها في الزمن لأن من شأن ذلك أن يسلب القضاة حقا دستوريا مكتسبا بالطعن، وهذا هو التوجه الذي دفع النقيب محمد الناصري وهو للإشارة رحمه الله الفقيه والعضو المبرز في المجلس الدستوري  يعلن إيقاف التأديب إلى حين إخراج القوانين التنظيمية المنظمة للسلطة القضائية إلى حيز التنفيذ .
  وحيث إن الأفعال المنسوبة للمؤازرجاءت في ظل دستور يوليوز 2011 الذي أكسبه حقا في الطعن لا يمكن لقانون أدنى ( ظهير 1974 ) أن يلغيه .
وحيث فضلا عما ذكر فقد استقر قضاء النقض على أن صيانة الحقوق المكتسبة من المبادئ العامة التي لا تسمح للسلطات الإدارية بالتراجع في مقرراتها التي اتخذتها في نطاق القوانين والتنظيمات الجاري بها العمل، وقت صدورها وخولت المستفيد منها وضعية ادارية معينة،
 (القـــرار رقم 63 صادر في 2 مـارس 1979 ملف إداري عدد 60862).
    وحيث ولئن نص  الفصل 178 من الدستور على أنه في انتظار تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية يستمر المجلس الأعلى للقضاء في ممارسة صلاحياته؛ فإن ذلك لا يعني سوى استمرار هذا في ممارسة مهامه فيما لا يتعارض مع الدستور، و دون أن يؤدي ذلك إلى تطهير ما يخالفه من قوانين أو تحصينها من عدم الدستورية .
  وحيث بالتأسيس على ما سبق يستتبع القول بكون المحاكمة التأديبية المستندة على نصوص ( المادة 58 وما يليها من قانون ظهير 11 نونبر 1974 بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء ) مخالفة للدستور ( لاسيما المادة 114 ) ؛ مما يتعين التصريح بإلغاء القرار المطعون فيه.
   هذا وتعتبر إحالة القاضي العارض على المجلس الأعلى للقضاء غير دستورية، على أساس أن دستور 2011 قد نص في الفصل 114  منه على  كون المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية  قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام أعلى هيئة قضائية ادارية بالمملكة.
   لأنه ولئن كان الفصل 178 من الدستور ينص على أن المجلس الأعلى للقضاء يستمر في ممارسة صلاحياته إلى أن يتم تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، فان اعتماد التأويل الديمقراطي والحقوقي للدستور؛ فقد كان المأمول من مجلسكم الموقر تأخير البت في الملف إلى حين تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية ضمانا للمساطر و مزايا التشكيلة الجديدة للمجلس المذكور.
و في نفس المنحى تنص المبادئ التوجيهية التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة 8 لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في هافانا من 27 أغسطس الى 7 أيلول سبتمر 1990 بخصوص  الاجراءات التأديبية.
كما يتعين أن تعالج الشكاوى التي تقدم ضدهم و تدعي أنهم تجاوزوا بوضوح نطاق المعايير المهنية، معالجة سريعة و منصفة و في اطار اجراءات ملائمة، ويكون لهم الحق في الحصول على محاكمة عادلة ، و يخضع القرار لمراجعة مستقلة.
و قد سبق للمجلس الاعلى للقضاء  في عهد وزير العدل السابق المرحوم  محمد الطيب الناصري، أن قرر تأخير البت في الملفات التأديبية الى حين تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل ضمان حق القضاة في الطعن في مقرراته .
   للأسف، ففي الوقت الذي بح الجميع في المطالبة باحترام التزام سابق لمؤسسة وزير العدل، رغم أن العدل وقتذاك كان مجردا عن الحريات) على عهد المشمول برحمة الله النقيب الناصري بإيقاف المتابعات التأديبية انسجاما مع الوثيقة الدستورية، نفاجأ اليوم بمنحى تنقيبي/ تفتيشي يطارد الكلمة والصورة ويهب صاحبها قربانا للتأديب بمتابعات مطاطة تستفيد من فراغ مهول في الأسانيد القانونية، والتمظهرات الواقعية لواجب الوقار والكرامة.
  لقد بات القضاة  يخافون من أن التحول  جميعا إلى وليمة لواجب والتحفظ، مثلما باتوا يخشون أن تكون الوليمة مطبوخة على نار بعيدة عن غايات التأديب والاصلاح؛ إذ لم يسبق أن عرف القضاء المغربي إحالات على خلفية الأفكار والمعتقدات كما هو الحال اليوم .
وحيث اعتبارا لذلك يكون بت المجلس في المتابعة التأديبية غير مقبول لمخالفته الدستور وضمانات الوضعية الفردية للقضاة .
 
4- ببطلان المتابعة لصدورها عن جهة غير مختصة وهو الوزير في غيبة أعضاء المجلس المعينون بقوة القانون:

  وحيث إن الجهة المختصة بمتابعة القضاة تأديبيا طبقا للمادة 61  من النظام الأساسي لرجال القضاء هي لجنة المتابعة المكونة من الأعضاء المعنيين بقوة القانون والتي تمثل المجلس الأعلى للقضاء برئاسة نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء وزير العدل ، بحيث لا يملك وزير العدل تسطير المتابعة لوحده، مما يجعل المتابعة الحالية باطلة .
وهكذا نصت المادة 61  من النظام الأساسي للقضاة على ما يلي:
 "ينهى وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء الأفعال المنسوبـة للقاضي، ويعين بعد استشارة الأعضاء المعينين بقوة القانون مقررا يجب أن تكون درجته أعلى من درجـة القاضي المتابع.
 يحق لهذا الأخير الإطلاع على الملف وعلى جميع مستندات البحث باستثناء نظرية المقرر.
 يشعر القاضي علاوة على ذلك قبل ثمانية أيام على الأقل بتاريخ اجتماع المجلس الأعلى للقضاء للنظر فـي قضيته.
 يمكن للمجلس الأعلى للقضاء أن يأمر بإجراء بحث تكميـلي قبـل البت في القضية.
 يمكن للقاضي المحال على المجلس الأعلى للقضاء أن يؤازر بأحد زملائه أو أحد المحامين، ويحـق للمساعد المعين الإطلاع على المستندات كما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية.
 يمكن للمجلس الأعلى للقضاء أن يوقف النظر عند وجود متابعـة جنائية إلى أن يقع البت فيها بصفة غير قابلة للطعن" .
ونصت المادة 60 من نفس القانون على:
"تصدر العقوبات بعـد استشارة المجلس الأعلى للقضاء بقرار لوزير العدل بالنسبة لعقوبات الدرجة الأولى وبظهير بالنسبة لعقوبات الدرجة الثانية "
أول ما ينبغي ملاحظته أن رجال القانون ، وحتى بعض القضاة ، يعتقدون أن وزير العدل هو الذي يقرر إحالة القضاة إلى المجلس الأعلى للقضاء ومتابعتهم تأديبيا ، وسبب ذلك يعود إلى قراءة ظاهرية للفقرة الأولى من المادة 61 من النظام الأساسي لرجال القضاء .لكن بقراءة تحليلية للمادة المذكورة يتضح أن متابعة القضاة تأديبيا تمر عبر مراحل ثلاث:
المرحلة الأولى:
 ينهي وزير العدل إلى علم المجلس الأعلى للقضاة الأفعال المنسوبة إلى القاضي و المستخلصة من البحث الذي تجريه المتفشية العامة التابعة لوزارة العدل ،وبما أن المجلس الأعلى للقضاء لا يكون منعقدا بصورة دائمة ، إذ يعقد دورتين في السنة ، فإن الأعضاء المعينين بقوة القانون وهم: الرئيس الأول لمحكمة النقض ، والوكيل العام للملك لديها ، ورئيس الغرفة الأولى ، يشكلون بقوة القانون لجنة دائمة برئاسة وزير العدل تمثل المجلس المذكور.
 المرحلة الثانية :
 تقوم اللجنة المذكورة - بهذه الصفة - بدراسة الأفعال المنسوبة للقاضي من خلال ما يحيله عليها وزير العدل من أبحاث وتقارير فتقرر :
إما حفظ ملف القضية إذا تبين لها عدم جدية الشكوى المقدمة ضد القاضي أو أن الفعل لا يشكل مخالفة تأديبية ، أو عدم وجود وسائل مادية تنبث هذه الأفعال في حق القاضي، أو أن الفعل المنسوب إليه يشكل جريمة ولم يصدر بعد قرار بمتابعته جنائيا .
و إما متابعة القاضي بالأفعال المنسوبة إليه ، وإحالته إلى المجلس الأعلى للقضاء لينظر في قضيته .
المرحلة الثالثة:
 وفي هذه الحالة أي بعد تقرير متابعة القاضي، يقوم وزير العدل بـ :
 
  • تعيين مقرر تكون درجته أعلى من درجة القاضي المتابع؛ ليقوم بإجراء بحث بخصوص الأفعال المنسوبة إليه ؛
  • إشعار القاضي بإحالته للمحاكمة التأديبية ، وتعريفيه باسم وصفة القاضي المقرر في قضيته ؛
  • توقيف القاضي عن مزاولة مهامه إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ خطيرا.
   
وإذا كنا قد أنكرنا على وزير العدل الحق في متابعة القاضي تأديبيا، فإن سندنا في ذلك يعود إلى أن المادة 61
 من النظام الأساسي للقضاة حصرت مهمة وزير العدل في إخبار المجلس الأعلى للقضاء بالأفعال المنسوبة إلى القاضي، وإذا كانت المادة المذكورة قد أعطت لوزير العدل حق تعيين المقرر " الذي يعتبر مفتاح المتابعة التأديبية "؛ فإنها علقت صلاحية الوزير على استشارة أعضاء المجلس المعينين بقوة القانون، وهذه الاستشارة لا تنصب على تعيين المقرر ، وإنما تنصب على الأفعال المنسوبة إلى القاضي و التي يرفعها وزير العدل إلى المجلس ، والاستشارة هنا كمصطلح قانوني لا تعني مجرد إبداء وجهة النظر وإنما تعني النظر و التداول ، وحتى التصويت إن اقتضى الأمر ذلك ، وبصورة أوضح فإنها تعن ي:
دراسة الأفعال المنسوبة للقاضي من قبل اللجنة المكونة من الأعضاء الدائمين بالمجلس واتخاذ قرار بشأنها. وبهذا المعنى وردت عبارة "بعد الاستشارة "في عدد من نصوص النظام الأساسي لرجال لقضاء منها :
- المادة 60  التي تنص على أنه: « تصدر العقوبات بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء بقرار لوزير العدل بالنسبة لعقوبات الدرجة الأولى .
المادة 63 -الفقرة الثالثة- التي تنص على أنه: « يمكن أن تصدر ضد المعني بالأمر .............عقوبة العزل ....... بظهير بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء». و لا أحد يجادل في أن المقصود من إستشارة المجلس الأعلى للقضاء هو تداول المجلس المجلس المذكور في المسألة.
  وبذلك يمكن القول أن الجهة المختصة  بمتابعة القضاة تأديبيا طبقا للمادة61 من النظام الأساسي لرجال القضاء هي لجنة المتابعة المكونة من الأعضاء المعنيين بقوة القانون؛ والتي تمثل المجلس الأعلى للقضاء برئاسة وزير العدل طبعا ؛وليس وزير العدل وحده، لعدم إقامة الوزير الدليل على الاستشارة بما يثبتها قانونا ، لأن المشرع قدر أهمية وقيمة الرأي والمقومات الفنية التي تملكها الهيئة المعنية، بحيث يكون من شأن إغفاله تفويت الغاية التشريعية التي من أجلها ألزم المشرع استشارتها أو أخذ رأيها.
   وهكذا اعتبرت محكمة النقض  في قرار لها بتاريخ 25 مايو 1979 " أن القانون يوجب على الهيئة الإدارية أن لا تتخذ العقوبة الإدارية، إلا بعد أن يستشير رئيس المصلحة لمديرية التجارة الداخلية التابعة لوزارة التجارة، أو عند الاقتضاء رئيس المصلحة الخارجية ، وتضاف نسخة من هذه الاستشارة إلى الملف يعتبر المقرر الذي اتخذ بدون استيفاء الإجراء الذكور مشوبا بالشطط في استعمال السلطة ويتعين إلغاؤه.[3]"
  ولا يكفي لصحة قرار العقوبة استيفاء الإدارة لاستطلاع رأي لجنة مشورة،حسبما ألزمها المشرع بذلك، بل يجب لتقرير مشروعية القرار الصادر بتلك العقوبة، صحة تشكيل تلك اللجنة من الأعضاء المنصوص عليهم قانونا، مع ضرورة صحة انعقادها من حيث نصاب الأعضاء، ومكان الانعقاد، وبرئاسة الشخص الذي حدده القانون بصفته.[4]
  ويؤدي التغاضي عن طلب الاستشارة إلى بطلان القرار، لكون ذلك يؤدي إلى تفويت المصلحة التي عنى المشرع بتحقيقها،" مما يكون معه القرار موضوع الطعن حليفه الإلغاء .

5-عدم احترام قاعدة علنية المحاكمة التأديبية :

    توفرعلانية المحاكمة للإعلام خصوصا والجمهور عموما فرصة لمعرفة كيفية تطبيق القانون من قبل السلطة القضائية، إذ الأصل هو علانية المحاكمة ، فقد جاء في الفقرة (1) من المادة 11 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948" كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا الى ان يثبت ارتكابه لها قانونا، في محاكمة علنية تكون قد توفرت فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عنه"، وجاء في الفقرة (1) من المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، "الناس سواسية امام القضاء، ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجة اليه او في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، ان تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة وحيادية".
  وبناء على ما تقدم فان الأصل في المحاكمات هو العلنية وان الاستثناء هو جعلها سرية، أي عدم السماح للجمهور بحضورها؛ وقد جاء في الفقرة (1) من المادة (14) من العهد الدولي الخاص المذكور اعلاه ويجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمات كلها أو بعضها لدواعي الاداب العامة أو النظام العام أوالامن القومي في مجتمع ديمقراطي او لمقتضيات حرمة الحياة، او في ادنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية؛ وبالتالي فإن تغطية وسائل الإعلام للمحاكمة، بغض النظر عن نوعيتها، سواء أكانت مكتوبة أم مسموعة أم مرئية ينسجم ومبدأ علنية المحاكمة التي تشكل إحدى ضمانات المحاكمة العادلة اعتبارا لكونها سلطة رابعة ، على الا يؤدّي تواجدها داخل قاعات المحاكم إلى التشويش على سير إجراءاتها .

وإليكم نظرة القانون المقارن عن الموضوع:
    فاذا كان النظام الأساسي للقضاة لم يتناول موضوع علنية المحاكمة التأديبية العادلة بشكل مطلق كما سبق ذكره، فان القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للقضاء بفرنسا الصادر بتاريخ 22 دجنبر 1958 كان في بداية الأمر ينص في فصله 57 على أن اجتماعات المجلس الأعلى للقضاء تكون سرية، وترجمة لهذا الفصل فقد أصدر المجلس المذكور بتاريخ 7-2-1981 و هو ينظر في طلب جعل جلسات المجلس التأديبي علنية مقررا جاء في تعليلاته "ان المجلس قرر رفض الطلب بعلة ان الفصل 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان لا تطبق أمام المجالس التأديبية ، كما أن الفصل 57 من القانون 22 دجنبر 1958 المعتبر بمثابة النظام الأساسي للقضاة كان ينص على جلسات المجلس الأعلى للقضاء تكون سرية.
و انطلاقا من هذا المقرر يبدو أن المجلس الأعلى للقضاء في فرنسا كان يميز بين قواعد المحاكمة التأديبية وبين قواعد المحاكمات الزجرية و المدنية و الادارية بشكل عام، واعتبر أن الفصل السادس من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان لا ينطبق على المحاكمات التأديبية وبالتالي فانه لم ينتصر لعلنية المحاكمة التأديبية الخاصة بالقضاء .
ونظرا للانتقادات التي تعرض لها هذا التوجه من طرف بعض الفقه فقد عمد المشرع الفرنسي بتاريخ 25 يونيو 2001 الى تعديل الفصل 57 من قانون 22 دجنبر 1958 بمقتضى الفصل 19 منه والذي جاء فيه : أن جلسات المجلس التأديبي تكون علنية ، غير أنه كلما كان حماية الأمن العام أو الحياة الخاصة ، أو نظرا لوجود ظروف خاصة من شأنها أن تشكل تهديدا على العدالة ، فانه يمكن منع الولوج الى قاعة الاجتماعات خلال مدة الجلسة كلها أو جزء منها "و أن مداولات المجلس التأديبية تكون سرية ، مع ضرورة اصدار القرار الذي يجب ان يكون معللا بشكل علني.
   وبعد استعراض التصورات المفصلية للمشرع الفرنسي لقواعد المحاكمة التأديبية العادلة وخاصة ما يتعلق بعلنية جلسات المجلس الأعلى للقضاء ، يمكننا استنتاج نفس المبدأ من خلال ما تناوله النظام الداخلي للمجلس الأعلى للقضاء بالمغرب -بغض النظر عن الخوض في قيمته الدستورية و الأسئلة التي طرحها من طرف بعض الحقوقيين و فقهاء القانون الدستوري – والذي نص في المادة 9 منه على أنه يمكن لنائب رئيس المجلس أن يستعين بالكاتب العام للوزارة الذي يحضر اجتماعات المجلس دون أن يشارك في المناقشات والتصويت ، ذلك أن السماح للكاتب العام للوزارة بالحضور لاجتماعات المجلس دون المشاركة في المناقشات و التصويت لا يعتبر هو الاخر دليلا على سرية الاجتماعات و لا يمكن ان يستشف منه المنع بالنسبة لغيره .
   لهذا يبقى في نظرنا مبدأ علنية مناقشات المجلس الأعلى للقضاء يعد أهم مقومات المحاكمة التأديبية العادلة خصوصا في الحالة التي يتمسك فيها القاضي المتابع بذلك، وهي الإمكانية التي يمكن تصورها بالسماح لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها بالحضور ومتابعة كل أطوارها، لأنها تشكل لا محالة ضمانة إضافية تعكس الشفافية و الرقابة المجتمعية على المحاكمات التأديبية للقضاة ، وما يدعم هذا التوجه أيضا ما انتهت اليه توصيات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة بنشر المقررات التأديبية ، وعدم وجود أي مقتضى قانوني يفرض السرية على اجتماعات المجلس الأعلى للقضاء، سيرا على التوجه الذي اعتمدته أفضل التجارب الدولية في العديد من الدول الأوروبية .
وحيث إن رفض المجلس الأعلى للقضاء الدفع بخرق العلنية  ضدا على الدستور يجعل المحاكمة سرية وتفتقد لأبسط الضمانات القانونية ،مما يبعث الشك والريبة على أدائها والضمانات المرتبطة بها ويؤدي بها إلى البطلان والإلغاء.
 
6الدفع بعدم قانونية تشكيل الهيئة:

تعني القواعد المتعلقة بتشكيل الهيئة الإدارية ، قواعد صحة اجتماعها وتشكيلها عند إصدار القرار الإداري أو المداولة فيه، بحيث يجب أن تكون الهيئة مختصة، ولا يصح تغيير عضو بآخر.
 وحيث إن  المنتدب للقيام بمهام أمين سر المجلس لم يحصل على ظهير التعيين بعد من طرف جلالة الملك باعتباره رئيس السلطة القضائية.
 
7- الدفع بعدم اختصاص المجلس للنظر في الوقائع موضوع المتابعة والاعتداء على اختصاص مطلق للقضاء في الموضوع، لأن الاستفزاز  مجاله القانون الجنائي وليس القانون التأديبي :

  نص الفصل 58 من النظام الأساسي للقضاة على أنه " يكون كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو بالشرف أو بالوقار أو الكرامة خطأ من شأنه أن يكون محل متابعة تأديبية".
   وحيث إن الخطأ المهني القضائي هو الخطأ الذي يقع من القاضي أثناء ممارسة عمله أو بمناسبته،وبهذا التعريف يخرج عن  ماهية الخطأ المهني التصرفات والالتزامات والعقود الصادرة عن القاضي في المجال الأسري  والعقاري  والمدني  كالبيع والشراء والكراء  والرهن ونحوه ،لأنه يبرمها بصفته كمواطن له نفس الحقوق وعليه من الالتزامات،وهكذا فإن وقوع خلاف أو منازعة قانوينة أو قضائية بشأنها يخول للطرف المتضرر اللجوء للقضاء ،ولا يمكنه التشكي أمام المجلس الأعلى للقضاء لأنه مجلس تأديبي مهني يحاكم تصرفات مهنية وليس محكمة ،ومن ثم لا يملك الفصل في المنازعات القانونية والقضائية المثارة سواء بين القضاة أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم من المواطنين،لأن تخويله النظر في مثل هذه القضايا فيه مصادرة لاختصاص القضاء الأصيل والطبيعي للفصل فيها ،لان اختصاص القضاء متصل بالنظام العام ،وهو اختصاص مطلق لا يمكن أن تشاركه فيه أي جهة إدارية آخرى تحت طائلة اعتبار البت فيه قرار إداري مشوب بالشطط في استعمال السلطة لخرق قواعد الاختصاص ؛ على أن هذه القاعدة البديهية يحدها قيدين استثنائيين مهمين أولاهما أن ارتكاب أفعال أو تصرفات غير أخلاقية ولو كانت خارج ممارسة المهنة تندرج في إطار الخطأ التأديبي ما لم يشكل الأمر جرما جنائيا ،نفس الأمر ينطبق على الجرائم القصدية المرتكبة من طرف القاضي التي تعد في جميع الأحوال خطأ تأديبيا ،وهنا يتعين إيقاف البت في المتابعة التأديبية إلى حين الانتهاء المسطرة الزجرية تحت طائلة عدم المشروعية.
كما أن إبداء القاضي لرأي معين بمناسبة مقال أو ندوة معينة لا يمكن أن يعتبر استفزازا أو خرقا لواجب التحفظ  .
وفي هذا الإطار ينص  الفصل 25 من الدستور على أن  حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكاله حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الإبداع الأدبي والفني والبحث العلمي والتقني مضمونة".فالإبداع هو إنتاج الخيال ،وتستعمل فيه الدلالة الرمزية والتصويرية، ولا يمكن قراءته بالقانون الجنائي ولا القانون التأديبي ، إذ الأدب هو موضوع اللذة والقراءة النقدية ، وهو خيال حر وجمال لا يحاكم عليه الأديب .
 وحيث إن  حرية النقد صورة من صور حرية الرأي والتعبير ، تتيح للإفراد بطريقة غير مباشرة المشاركة في الحياة العامة والإسهام في مواجهة المشكلات وإدارة شؤون الوطن .
 وهكذا جاء في قرار صادر عن محكمة النقض :
"القذف لا يتحقق الا بنسبة واقعة معينة مشينة الى الشخص المقذوف على سبيل التأكيد, أما مجرد انتقاد شخص دون توجيه اتهام له بما يشينه وذلك بالتساؤل عن طبيعة التسيير المالي للنادي محل النزاع فلا يعتبر قذفا حتى لو تضمن اسمه, اذ هو مجرد ممارسة لحرية التعبير''.
 قرار محكمة النقض عدد 1643/10 صادر بتاريخ 25 نونبر 2009"
كما جاء في قرار قيم للمحكمة الدستورية المصرية ما مؤداه أن "الطعن في أعمال الموظفين العموميين أو المكلفين بالخدمة العامة باعتبار أن هذه الأعمال من الشؤون العامة التي لا يجوز أن يكون الاهتمام بالاستقامة في أدائها والالتزام بضوابطها ومتطلبتها وفقا للقانون مقصورا على فئة من المواطنين دون أخرى، بما مؤداه أن يكون انتقاد جوانبها السلبية وتعرية نواحي التقصير فيها وبيان أوجه مخالفة القانون في مجال ممارستها، حقا لكل مواطن وفاء بالمصلحة العامة التي يقتضيها النهوض بالمرافق العامة وأداء المسئولية العامة على الوجه الأكمل، ولأن الوظيفة العامة وما يتصل بها من الشئون العامة لا تعدو أن تكون تكليفا للقائمين عليها. والتزامهم الأصلي في شأنها مقصور على النهوض بتبعاتها بما لا مخالفة فيه للقانون .
وهكذا فإن نقد الأشخاص المكلفون بمهام إدارة عمومية أو مرفق إداري بشأن أعمالهم لا يقع تحت طائلة التأثيم طبقا لما استقر عليه القضاء المقارن بكون من لا تتسع نفسيته للنقد أن يلزم بيته وألا يقبل بأن يكون مسؤولا، وما  خلص إليه قرار شهير لمحكمة النقض الفرنسية بأنه ﻻ يمكن لمن يتولى المناصب و المسؤولية في تسير الشأن العام أن يحصن سياساته من النقد حتى لو تضمن عبارات تقدح في كفاءته و قدرته على حسن اﻻدارة.
ومن المهم الإشارة في الأخير أن التأديب ليس ملكية خاصة لجهة المتابعة تستعمله متى تشاء وبدون ضوابط قانونية وإنما نظام قانوني يستهدف تخليق الممارسة القضائية بهدف حماية حقوق وحريات المتقاضين وصيانة قواعد سير العدالة. لكن يبدو أن الانقلاب على مسلسل إصلاح منظومة العدالة قد تطور ، ما دام أن وزارة العدل قد جعلت رؤوس القضاة المحركين لدينامية هذا الإصلاح هدفا للمتابعات التأديبية والاستدعاءات الترهيبية من طرف المفتشية العامة التابعة لها،وهكذا أصبح التأديب مدخلا للتأثير على استقلالية القضاء كمؤسسة والقضاة كأفراد لكبح جماح الجرأة والشجاعة الأدبية للقاضي وجعله آلية صماء لقضاء التعليمات.
 
8- بطلان المتابعة  لخرق حقوق الدفاع :

نص الفصل 120 من الدستور على أن "لكل شخص في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول.
حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم".
وهكذا اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي "أن حق الدفاع هو حق أساسي معترف به من طرف قوانين الجمهورية، وله قيمة دستورية، وبهذا يكون هذا المجلس، قد أرسى المبدأ القائل، بأنه لا يجوز توقيع أي جزاء، بدون أن يعلم به صاحب الأمر، وأن يقدم ملاحظاته بخصوص الوقائع المنسوبة إليه، وأن يطلع على الملف الخاص به"[5].
وفي هذا الاتجاه، نحت محكمة النقض بتاريخ 20 أبريل 1979 معتبرة" أن حقوق الدفاع، تعد من المبادئ العامة للقانون، تقضي على الإدارة قبل إصدار القرار المطعون فيه، اتخاذ ما يلزم من إجراءات،لإطلاع المعني بالأمر على المخالفات المنسوبة إليه، وتمكينه من تحقيق دفاعه عن نفسه، وذلك حتى في حالة عدم وجود أي نص تشريعي أو تنظيمي"[6].
كما جاء في حكم للمحكمة الإدارية بمراكش صادر بتاريخ 19-9-2001" إن عدم تمتيع الطاعن بحقه في الرد على المخالفات المنسوبة إليه، قبل اتخاذ القرار موضوع الطعن، يؤدي إلى إهدار مبدأ حق الدفاع،الذي يعتبر من المبادئ القانونية العامة التي يتعين احترامها قبل توقيع أي جزاء"[7].
كما اعتبر مجلس الدولة الفرنسي منذ قراره الصادر بتاريخ 5 ماي 1944، بأن حق الدفاع يعتبر من المبادئ العامة للقانون، كما أن المجلس الدستوري، اعتبر بموجب قراره الصادر بتاريخ 2 دجنبر 1976، أن حق الدفاع يكتسي قيمة دستورية، ويعتبر من المبادئ الأساسية المعترف بها من طرف قوانين الجمهورية[8].
وجاء في قرار للمجلس الدستوري صادر بتاريخ 17 يناير 1989 "لا يمكن لأي عقوبة، أن تفرض إلا إذا كان حامل الرخصة قد خول حقه في إبداء ملاحظاته، والاطلاع على الملف"[9].
وهكذا اعتبر اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 28 يوليوز 1989، أن مبدأ احترام حقوق الدفاع، يشكل أحد المبادئ الأساسية المعترف بها قانونا، ويطبق خصوصا في المجال الجنائي، بما يتضمنه ذلك من مسطرة منصفة، وعادلة تضمن التوازن بين حقوق الأطراف"، ومدى احترام هذا المبدأ إلى العقوبات الإدارية، كتلك التي تصدرها لجنة عمليات البورصة[10].
وجاء في قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 20 أبريل 1979 "إن حقوق الدفاع هي من المبادئ العامة، تقضي على الإدارة قبل إصدار المقرر المطعون فيه،اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإطلاع المعني بالأمر على المخالفات المنسوبة عليه،وتمكينه من تحقيق دفاعه عن نفسه،وذلك حتى في حالة عدم وجود أي نص تشريعي أو تنظيمي"[11].
وقد اعتبر المجلس الدستوري الفرنسي، أن أي جزاء إداري لا يمكن توقيعه، ما لم يكن المدار في وضعية تسمح له بتقديم ملاحظاته على الأفعال المنسوبة إليه، والاطلاع على الملف الذي يهمه[12].
وهكذا تنص المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، على جملة مقتضيات تكفل حقوق الدفاع، منها الحق في أن يمنح المتهم الوقت المناسب، والتسهيلات اللازمة لإعداد الدفاع، والحق في أن يدافع عن نفسه، سواء بنفسه أو عن طريق الاستعانة بمدافع من اختياره، وأن يستفيد عند اللزوم بالمساعدة القضائية المجانية، والحق في سؤال الشهود، وأخيرا الحق في أن يستفيد مجانا بمترجم.
وهكذا قبل مجلس الدولة الفرنسي، في قراره الصادر بتاريخ 3 دجنبر 1999، مراقبة الوسيلة المثارة المتعلقة بتجاهل تطبيق الفصل السادس من الاتفاقية، وكذا خرق حقوق الدفاع، كما يتحقق بشكل أكبر من أن مسطرة توقيع العقوبة،لم تخرق مبدأ الحياد[13].
كما قضت محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 23 أبريل 1963، بإلغاء قرار إداري بسبب عدم إتاحة الفرصة للمدار،لمناقشة الأفعال المنسوبة إليه، معتبرا أنه "بالنظر لنوعية العقوبة، والخطورة التي تشكلها، فإن هذا التدبير، لا يمكن اتخاذه من دون إتاحة الفرصة للمعني بالأمر، لمناقشة الأفعال المنسوبة إليه، وأن الملاحظات وتنبيهات الانضباط الموجهة من طرف الإدارة، لا يمكن اعتبارها قد أتاحت له فرصة إبداء ملاحظاته الدفاعية.
 
وحيث أن سلطة المتابعة التأديبية مقيدة بقواعد ومبادئ قانونية صارمة تمخضت عن جدلية الضمان ( ضمانات التأديب ) والفعالية ( حسن سير المرفق) تحت رقابة المجلس الموقر باعتباره سلطة قضائية؛
وأن الضمانات السابقة على التأديب هي من الأهمية بحيث يؤدي الإخلال بها إلى جعل المتابعة المستندة عليها حليفة البطلان كما هو الأمر في نازلة الحال؛هذا وقد تجسد على مستوى كافة المراحل:

على مستوى مرحلة الشكاية والبحث والتقرير والإحالة على المجلس :

إن بحث المفتشية وتقرير المقرر التابعين لوزير العدل والحريات  في قضية القاضي الهيني يتضمن لائحة اتهامات  سياسية وحزبية ضيقة من طرف الوزير السياسي  ،مجانية ورخيصة بمزاعم غير مؤسسة تحت ستار التحفظ والرأي السياسي بمغالطات كبيرة، تفتقد لأي إثبات مادي و تتنافى وأخلاقيات المرفق العمومي أو المرفق القضائي لاعتمادها على  أسلوب التزييف والتضليل -حسب مداولات هيئة دفاعي - للمواقف والأفكار المعبر عنها من طرفي حول استقلال السلطة القضائية عن وزارة العدل، بوطنية وغيرة وضمير  ،وتمويهها باستنتاجات وخلاصات  لا صلة لها بموضوعها إما بالحذف أو بالزيادة تعديلا أو تحويرا  أو بالتهويل من نقد عادي ومجرد للمشاريع المذكورة  بغاية وحيدة هو محاولة إقناع يائسة عن ثبوت مخالفات مزعومة لا توجد إلا في عقلية لا تؤمن بحرية الرأي والتعبير ولا بأحكام الدستور ومقتضيات القانون،وتعتمد الإنتقام منهجا وسلوكا ،والتحريف آلية ووسيلة ،وقد بلغ التحريف مداه بحذف كل إشارة في مقالاتي للمرجعية الملكية في المقابل اعتبار نقد بعض مقتضيات  مشروع ميثاق إصلاح العدالة مخالفة مهنية جسيمة ،وهو ما لا يستطيع أي عاقل أن يقول بذلك ،ويطرح سؤال حقيقة الإيمان العميق لوزارة العدل بالمرجعية الملكية في الإصلاح التي تحاول جاهدة إقبار مرتكزاتها، لأنها لا تتناسب وتصورها للإصلاح المرتكز على إضفاء طابع الوصاية على القضاء والقضاة والمحاكم والمجلس الأعلى للقضاء ، كما صرح بذلك وزير العدل في الندوة الأخيرة لمجلس المستشارين في تناقض مطلق وغير مفهوم مع المرجعيات الدستورية والملكية والدولية،وكذا العمل على إلغاء حرية التعبير المكرسة دستوريا بفرض منطق القاضي الصامت والجمعيات المهنية الصامتة التي لا تتحرك إلا للتمجيد أو التصفيق دون المتابعة عن خرق واجب التحفظ نحو وزارة العدل ،لان مداره هو عدم تكدير نفسية الوزير  واعتزازه بنفسه وتقديسه لها ولاعماله ومنجزاته الغير الموجودة على الأرض.
وأما واجب التحفظ فليس معناه وأد الحرية بشكل مطلق وإنما فقط هو صمام الأمان لممارستها على الوجه الأكمل ،وقد عرفته المعايير الدولية  بأنه ينحصر في عدم الخوض في القرارات و الأحكام القضائية بشكل يمس بمصداقيتها من منظور تحقيق العدالة ، و أيضا عدم إبداء أراء و مواقف حول قضايا مازالت رائجة و لم يتم البت فيها بأحكام نهائية ، و عدم إفشاء السر المهني ، إضافة إلى الابتعاد عن الإدلاء بأي رأي قد يزرع الشك لدى المتقاضين حول حياده و تجرده و نزاهته.
فالقاضي إذا حرم من الحق في التعبير سيصبح قاض صامت وسلبي ولا يمكن الاطمئنان لا على استقلاله ولا على حياده ،فحرية التعبير من مداخل الاستقلال الفردي للقاضي ومصدر لحمايتها.
فالقضاة مكلفون باتخاذ القرار الأخير بشأن حياة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم وواجباتهم وممتلكاتهم،ومن واجبهم دراسة المشاريع القانونية المؤطرة لرسالتهم أو لحياتهم الوظيفية أو لحقوق المواطنين وحرياتهم باعتبارهم خبراء في القانون لتفادي أي سوء تأويل أو انتهاك محتمل ،ومن واجب  الحكومات والمؤسسات التشريعية أن تراعى وتحترم، في إطار تشريعاتها وممارساتها الوطنية، المبادئ الأساسية المتعلقة بضمان استقلال السلطة القضائية
فوفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان المبادئ الاساسية الدولية لاستقلال السلطة القضائية ، يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع،وتكون للقضاة الحرية في تكوين جمعيات للقضاة أو غيرها من المنظمات لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي، وفى الانضمام إليها.
ولأعضاء النيابة العامة أيضا على غرار قضاة الأحكام وفقا للمبادئ التوجيهية الدولية بشأن دور أعضاء النيابة العامة، شأنهم شأن غيرهم من المواطنين، الحق في حرية التعبير والعقيدة وتشكيل الرابطات والانضمام إليها وعقد الاجتماعات. ويحق لهم، بصفة خاصة، المشاركة في المناقشات العامة للأمور المتصلة بالقانون وإقامة العدل، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وكذلك الانضمام إلى منظمات محلية أو وطنية أو دولية أو تشكيلها وحضور اجتماعاتها، دون أن يلحق بهم أي أذى من الوجهة المهنية بسبب عملهم المشروع أو عضويتهم في منظمة مشروعة.
و لأعضاء النيابة العامة حرية تشكيل الرابطات المهنية أو غيرها من المنظمات التي تمثل مصالحهم وتعزز تدريبهم المهني وتحمى مركزهم، والانضمام إليها.
أن القضاة من حقهم الدفاع عن حقوقهم و مصالحهم ، و إذا لم يدافعوا عنها فمن سيقوم بهذه المهمة بدلهم ، و الدفاع عن الحقوق يتطلب الانفتاح و التعبير عن المواقف و الآراء بكل حرية فلا يمكن أن ننتظر من وزارة العدل كجهاز ينتمي إلى السلطة التنفيذية الدفاع عن مصالح القضاة و على مبدأ استقلالية القضاء و الحال أن و جودها في حد ذاته هو ضرب لهذه الاستقلالية . كما أن القضاة لا يمكن أن يتقوا في مؤسسة وزارة العدل و الحال أنهم يطالبون بإلغائها و زوالها و جعل القضاء شان قضائي خالص في يد القضاة يدبرونه بشكل مستقل إداريا و ماليا و قضائيا.
 إن الدستور ارتقى بدور المواطن في المساهمة و الرقابة على السياسات العمومية في شتى المجالات من خلال منحه آلية الطعن في دستورية القوانين ، ومادام القاضي مواطن قبل كل شيء فمن حقه التمتع بهذا الامتياز الذي يتمتع به المواطن العادي بل إنه من باب أولى فإن القاضي بالنظر للمهام الخطيرة و الجسيمة التي يمارسها فإنه من حقه إبداء أرائه و التعبير عن رفضه لكل قانون أو مشروع قانون يقوض استقلاله بشكل شخصي أو في إطار مؤسساتي . و بالتالي فأن رفض مشاريع القوانين و اعتبارها ردة دستورية له ما يبرره قانونيا و دستوريا.
 أن الصلاحيات التي أتيحت للبرلمان انطلاقا من تقويتها عن طريق التعديلات الدستورية الجديدة، أصبحت تمكنه ليس فقط القيام بالأدوار التقليدية من تشريع و مراقبة للحكومة ، بل إنه أصبح من حقه ومن واجبه الانفتاح على جميع الآليات و الأجهزة الحقوقية و السياسية والجمعوية من اجل أن يستوضح النواب أوجه السياسات العمومية في هذا المجال ، و هذا ما يجعل الدور الذي قام به القضاة في إطار نادي القضاة أو الائتلاف المشكل من باقي الهيئات المهنية من خلال شرح و جهات نظرهم حول التراجعات التي وقعت في هذه المشاريع المتعلقة بالسلطة القضائية من صميم العمل البرلماني بمفهومه الجديد المؤسس على ثقافة الانفتاح و التعاون في اتجاه إخراج قوانين تتميز بالجودة و تحقق مفهوم الأمن القانوني في أبهى صوره.
لم يكن يخطر ببال أن تصل محاكمة النوايا إلى حقيقة وأن يصل تفتيش الأفكار إلى محاكمة إدارية مطبوعة بالتأديب ترجع بنا إلى عهد محاكم التفتيش الكنسية حيث تقرأ الخلفيات والظنون بطابع التجريم ،حيث لا مجال لقرينة البراءة لأن القصد الجرمي واضح ،وما ينقص فقط هو إجبار الظنين على الاعتراف، لأنه لا حيلة له للتخفي تحت عقدة لسانه وفكره ،لأن طريق الادانة واضح
 
وهكذا يمكن عرض الخروقات الدستورية والقانونية للمحاكمة العادلة وحقوق الدفاع  والتي يترتب عنها فقدان المساطر التأديبية للحياد والنزاهة والاستقلالية من ثلاث مستويات :

أ:على مستوى الشكاية :

1-إن المتابعة التأديبية المثارة من طرف وزير العدل والحريات، والمحركة بناء على شكاية من الفريق السياسي البرلماني لحزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه وزير العدل والحريات والفرق البرلمانية الأخرى للأغلبية الحكومية  جاءت بناء  على مزاعم غير مؤسسة تتمثل في "خرق واجب التحفظ والإدلاء بموقف يكتسي صبغة  سياسية" عن مجرد انتقاد مشاريع السلطة القضائية المعروضة على البرلمان ،في خرق سافر لحرية الرأي والتعبير والتنظيم المكرسة دستوريا والمعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائية، ولاسيما البندين الثامن والتاسع للمبادئ الدولية لإعلان استقلالية السلطة القضائية الصادر بتاريخ 6/12/1986 ،والبندين 8و9 من المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بخصوص النيابة العامة؛ والتي أقرت لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، وفق مسلك  يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء،وتكون للقضاة الحرية في تكوين جمعيات للقضاة أو غيرها من المنظمات بمختلف أنواعها  لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي، وفى الانضمام إليها ،والمشاركة في المناقشات العامة للأمور المتصلة بالقانون وإقامة العدل، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، دون أن يلحق بهم أي أذى من الوجهة المهنية بسبب عملهم المشروع أو عضويتهم في منظمة مشروعة.
2- من الواضح  جدا أن تعلیقات القاضي  محمد الھیني  أو مقالاته العلمية الرصينة التي كتبها بصفته فاعل جمعوي وحقوقي وليس بصفته القضائية"لم يكن يرتدي الجبة القضائية على عكس ما ورد في الشكاية  "  كانت وبالشكل الذي أجمعت عليه كافة المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية في إطار حقه في حریة التعبیر والتنظيم طبقا لما يسمح به الدستور المغربي في إطار الفصل 111 منه،فالدفاع عن استقلال السلطة القضائية ليس عملا سياسيا بل عملا وطنيا نبيلا يحق للوطن  أن يفخر به.
3- إن شكاية فرق الأغلبية بمجلس النواب بشأن ما أسمته تصريحات مستفزة للقاضي الهيني اتجاه المؤسسة التشريعية تفتقر لأي أساس دستوري أو قانوني وصادرة عن غير ذي صفة، لان رئيس مجلس النواب هو الممثل القانوني للمجلس، وليس فريق أو لون سياسي  بعينه يعتبر نفسه وصيا على المؤسسة التشريعية  والحكومة والقضاة ،ويتسلح بتأييده وزير العدل والحريات المنتمي لهم والذين نصبوه مشتكيا وخصما وحكما للاقتصاص من قاض خالفهم وجهات نظرهم حول إصلاح القضاء  بدل الحوار وقبول الرأي الآخر كقاعدة حضارية للتطور والتغيير لمن له ذرة تفكير وعقل راجح.
4-الفرق البرلمانية لا تتوفر على الشخصية المعنوية للتقاضي أو التشكي لأنها مجرد أدوات قانونية للتشريع وفقا للنظام الداخلي لمجلس النواب ،كما أنهم لم يدلون بما يفيد موافقة الاعضاء المنتمون للفرق البرلمانية على الشكاية،مما يجعل عملهم مفتقد لأي قيمة قانونية ولغو فقط .
 5- الشكاية تنم عن تهور خطير لمقدمي الشكاية ينم عن جهل فاضح بأحكام الدستور والقانون من خلال وصف القاضي الهيني  بالحارس على المؤسسات الدستورية ،وهذا من اختصاص الملك وحده .
6-الشكاية مصاغة بشكل مستفز لأنها لم تقبل أن ينجح القاضي المتابع في خطة الدفاع عن استقلال النيابة العامة التي فشل المشتكين ووزيرهم في العدل  في الاحتفاظ بها، فضلا عن إثارته لعدم دستورية رغبة وزير العدل في الاحتفاظ بمقعد في المجلس الأعلى للسلطة القضائية ،وهو ما جعل الشكاية تركز عليها رغم أنها تخص الوزير بالذات ،مما يدل أن الشكاية محررة بديوانه ،والموقعين عليها ليسوا إلا ارتداد وبوق لتبلغيها وإعادتها إليه ،في مسرحية سيتدكرها التاريخ ،باعتبارها  اول سابقة في عمل من يدعون حماية المؤسسة التشريعية، ويسعون إلى إثارة الفتنة والوقيعة بين المؤسسة التشريعية كمؤسسة والسلطة القضائية بمسعى ومباركة وزير العدل ممثل السلطة التنفيذية،والذين ظلوا لأكثر من ستة أشهر وهم يخفون وجوههم ويطلبون عدم إثارة أسمائهم في الإعلام،بمنع القاضي من تسلم نسخة منها حتى لا يفضح أمرهم ،والخطير في الأمر هو ان العديد من الزملاء النواب البرلمانيين  المحترمين من فرق الأغلبية صرحوا لوسائل الإعلام  بأنه لا توجد أي شكاية من طرف رؤساء الفرق،مما يعني أنها مقدمة باسم أشخاص لم يفوضوهم في ذلك ؟؟؟وذلك من أعمال الفضوليين؟؟ .
6- هذا النوع من التشكي يسائل حدود مستويات المعرفة القانونية لمقدمي الشكاية لأنه شتان بين النقد والتجريح، فلم يكن يوما ما مناقشة مشاريع القوانين والاختلاف عليها تجريحا إلا عند عشاق التمجيد والتصفيق وإلغاء الرأي المخالف، مما يبين مستوى التخبط الذي وصل إليه هؤلاء بالرجوع بنا للقرون الوسطى حيث يحاكم الإنسان عن رأيه وتفكيره،فالانزعاج من الفكر والرأي يعبر عن ضعف في مبادئ التكوين النفسي والإنساني والتواصلي وعدم التشبع بالافكار الديمقراطية ،وننصحهم بالاهتمام بالتشريع وبتخصههم والادمان عليه عوض الادمان على متابعة مقالات وتعليقات وندوات القاضي الهيني لأنها تستفز فقط بشكل إيجابي أصحاب العقول النيرة للتفاعل معها ومناقشتها وتقييمها سلبا أو ايجابا .

ب:على مستوى المفتشية العامة

1-عدم صحة ما ورد من اطلاع القاضي الهيني على شكاية الفرق البرلمانية للأغلبية؛
2-اقرار المفتشية العامة برفضها تسليم نسخة من الشكاية المذكورة؛
3-إقرار المفتشية برفضها مهلة للجواب  لا تقل عن 15 يوما رغم الدفع بالإرهاق من المداومة الليلية لأشغال النيابة العامة؛
4-عدم تسجيل حضور الاستاذ عبد اللطيف الشنتوف  رئيس نادي قضاة المغرب للمؤازرة وتبرير ما يفيد الرفض؛
5-عدم صحة ما ورد من تصريح القاضي بأن جلسة الاستماع عبارة عن مسرحية ؛
6- تفسير غريب لم يشهده التاريخ  لحق الدفاع من خلال اعتبار رفض تسليم نسخة من الشكاية الممتد لأكثر من 6 أشهر من تسجيلها التخوف من استعمالها من طرف القاضي لأغراض أخرى دون تفسير طبيعة هذه الأغراض ومفهومها وأساسها الدستوري والقانوني ،اللهم خشية تحميل الوزير للمخاطر الناتجة عن تقديم شكاية سياسية وحزبية من طرفه لفريقه البرلماني والتخفي ورائها وهي حيلة لم تنطل على أحد ابعادها الانتقامية والتوظيفات الحزبية لها أمام الرأي العام والصحافة،لان الشفافية والحق في المعلومة أكبر عدو لوزارة العدل ،مع استثناء تهريب الشكاية للموقع الشخصي للوزير والمسمى"الرأي "والذي يديره مستشاره الاعلامي "المراقب الفايسبوكي" .
 
7-تنصيب المفتش العام نفسه طبيبا نفسيا للحديث عن غضب القاضي وتوتره والحال أن القاضي كان مبتسما ومنشرحا لحال ما وصلت إليه أزمة حقوق الدفاع أمام وزارة العدل لأن الترهيب لم ينفع معه.
8-الانقلاب على المفاهيم القانونية للحق في التعبير كحق دستوري واعتبار نقد مشاريع ما سمي باستقلال السلطة القضائية أو ميثاق إصلاح العدالة جريمة لا تغتفر واصطفاف وراء المعارضة ،بحيث أن انتقاد موقف الأغلبية من تمسكها من تبعية النيابة العامة صار موقفا انحيازيا ضدها وعملا ضد الحكومة وضد السلطة التشريعية  رغبة في إضعافها؟؟؟؟؟ من منطلق نظرية المؤامرة التي يؤمنون بها أو كون كل صاحب رأي حر ومستقل هو عدو ووجب محاربته مما يبين بشكل جلي أنهم خارج التاريخ الحقوقي والدستوري للمملكة ،لايمانهم العميق بنظرية التمجيد والتصفيق والتطبيل.
9-إسقاط  بعض الافكار من المقال مثل عدم الإحالة على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة واعتبار الرأي صادر عن القاضي ولاسيما بخصوص التجاوزات التي عكستها الهيئة عن الاشراف السياسي لوزير العدل على النيابة العامة.
10- اعتبار انتقاد أسلوب وزارة العدل في حرمان القضاة من الترقية أو التهديد بعزلهم كما وقع مع القاضي المتابع مخالفة مهنية جسيمة رغم ان الأمر يتعلق بقرارات إدارية قابلة للطعن بالشطط في استعمال السلطة،ويمكن انتقادها ومناقشتها من الناحية القانونية والقضائية ،و يعتبر الاختلاف ظاهرة صحية  حول طريقة تدبير ملفاتها التأديبية لضمان حكامتها  وشرعيتها تفعيلا لاستقلال القضاء والقضاة لتخليصها من مختلف التجاوزات غير الدستورية التي تخرجها عن أهدافها الحقيقية  حتى لا تصبح مطية للانتقام كما حصل مع القاضي  ومع القضاة المشتكون من حرمانهم من الترقية كما جاء في بيانات نادي قضاة المغرب.
11-مناقشة المفتشية للملف التأديبي السابق والخروج بخلاصة أن القاضي الهيني لم يستوعب درس التأديب وهي محاولة يائسة لتبرير أي قرار بالعزل باعتبار أنه من ذوي السوابق رغم أن الملف الأول  أو الثاني يتعلق بسوء فهم خطير لحرية التعبير وكأنها الحق في الصمت ،وهوما يفسر إهمال متعمد وبسوء نية لمسألة مساس الدوريات والمنشورات الصادرة عن وزارة العدل باستقلالية القضاء والقضاة ولاسيما تلك الموجهة للرؤساء الاولين بمحاكم الاستئناف ورؤساء المحاكم الابتدائية والتي حولت وزارة العدل إلى محكمة نقض مختصة بتفسير القانون .
12-اعتبار التوصل بقرارالعقوبة الأولى والذي يشير لعقوبتين مختلفتين أحدها ثلاثة أشهر والثانية أربعة أشهر مخالفة مهنية جسيمة دون بيان سند ذلك  رغم أن الخطأ تتحمله الوزارة لعدم ضبطها لمدة العقوبة وهو ما خلف أثرا نفسيا عميقا للقاضي الناتج عن وجود عقوبتين مختلفتين،وعوض مبادرة الوزارة إلى تصحيح الأمر بمراسلة القاضي المعني اتهمته بالادعاءات الكاذبة وتغليط الرأي العام ؟؟؟؟متناسية أن هي السبب في كل ذلك.وما يطرح أكثر من علامة استفهام هو القول بعدم أحقية القاضي في التوصل بشهادة تسليمه وكأن العقوبة تهم الوزير وليس القاضي ،مما يثبت نية الانتقام والتنكيل بالقاضي كذبا وزورا وبهتانا.
 
ج:على مستوى تقرير المقرر الوكيل العام الحسن مطار:

1-عدم احترام أجل الاستدعاءات الوارد في قانون المسطرة المدنية كأصل عام لجميع الاجراءات فيما لم يرد نص خاص وهو أجل 15 يوما الوارد في قانون المسطرة المدنية ؛ لأن  همه الأكبر كان هو تسريع المسطرة  لغاية يعلمها هو فقط ورئيسه ،وليس فعالية إجراءات التحقيق بعدل وحياد ونزاهة واستقلالية ،فمن استدعاء في أجل يقل عن 24 ساعة إلى استدعاء لا يتجاوز 3 أيام إلى استدعاء باطل قانونا جاء متأخرا عن ساعته  بنحو ساعة ،إذ بلغ على الساعة العاشرة صباحا للانتقال في نفس اليوم من القنيطرة للبيضاء على الساعة التاسعة صباحا من نفس اليوم؟؟؟؟ ،والقاضي عائد في يومه الأول من المرض؟؟؟؟؟،  ودون أن يتم  إيداع الملف التأديبي للاطلاع عليه وأخذ نسخة منه قبل الاستماع على الأقل بمدة معقولة لا تقل عن خمسة عشر يوما ،والأدهى والأخطر هو ادعاء غير الحقيقة  ،في أول سابقة قضائية خطيرة ،بأن القاضي المتابع لم يحضر رغم التوصل الشخصي ،فهل الاستدعاء الذي جاء خارجا عن أجله  بسبب خطأ المقرر وتفويت الأجل ينهض مبررا لاعتباره صحيحا،وهو ما لم يستطع أن يقول به أي قاض بالمملكة،لأن مقتضيات النزاهة والضمير والعدل تفترض تحكيم القانون.
 
2-عدم تضمين إفادة السيد الوكيل العام للملك بمحكمة الاسئتناف بالقنيطرة والرئيس الأول بها سواء في التقرير او الملف التاديبي مما يطرح أكثر من تساؤل عن سر إخفائها لا سيما وأنها تضمنت شهادة إيجابية  تصب في صالح القاضي واعترافا بنزاهته وأخلاقه وتميزه في عمله القضائي،وهذا شأن جميع المسؤولين القضائيين في المحاكم التي عمل بها أو في وزارة العدل نفسها  ،لأن مقرر وزير العدل كان همه هو التحامل على القاضي خدمة لرئيسه وزير العدل أكثر من التحقيق المحايد والمستقل
3-عدم صحة ما ورد في تقرير المقرر من تخلف القاضي المتابع عن الحضور إلى مكتبه من إجل استفساره عن المنسوب إليه والمشار إليه في الصفحة الثانية دون إيراد عن أي جلسة يتحدث ؟ناهيك عن أن العبرة بالجواب وليس بالحضور الجسماني .
4-رفض طلب تسجيل الدفاع المتكون من محامين وقضاة بعلة غريبة وهو أن التحقيق الذي يجريه المقرر شبيه بالبحث الذي تجريه الشرطة القضائية رغم أنه لا قياس مع وجود الفارق ،والأدهى هو عدم إدراك التعديل الوارد على قانون المسطرة الجنائية والذي يسمح بحضور المحامي امام الشرطة القضائية رغم أن المقرر هو وكيل عام للملك؟ 
5-حذف طلب الاستماع للمشتكين وإجراء مواجهة معهم ،وهو ما يبرره عدم تحرير محضر لجلسة الاستماع يوثق عملياتها وماراج بها تكسبه الصبغة الرسمية والوثوقية عند المنازعة في مضمنه حتى يحلو له أن يسجل ما يفيده في تحوير البحث ،وعدم تحرير أي محضر لجلسة الاستماع الأولى.
6-عدم جواب المقرر بشكل مستقل عن طلب تجريحه وتنحيه عن نظر الملف التأديبي رغم تقديم طلب كتابي بذلك ،وما يفيد تبليغ الرفض المسبب ،أو ما يفيد إحالته على وزير العدل للنظر فيه ،والمثير للدهشة والاستغراب لغياب الوعي بأبسط القواعد القانونية التي يعرفها الطلبة أن يقال عن  دفع قانوني أنه غير مفهوم فما على المقرر إلا الرجوع لكراسات كلية الحقوق لمعرفة أن قانون المسطرة المدنية هو الشريعة العامة للإجراءات فيما خلا فيه نص،وقد أكد قرار المجلس الدستوري ذلك في أكثر من قرار ،والأخطر من ذلك هو نفيه حتى لواقعة تحميله المسؤولية الادارية عن الخطأ القضائي المرتكب من طرفه غير مميز بين مرتكب الخطأ ومن يتحمل مسؤولية أداء التعويض.
 إن قواعد التجريح وضعت لرفع كل سبب يقدح في حياد القاضي وتجرده واستقلاله أو يجعل إجراءات تحقيقه أو حكمه محل شك وارتياب بشكل يفقد الثقة في القضاء وعدله ،لأن القاضي يجب أن يكون خالي الدهن صافي السريرة من أحكام مسبقة أو وقائع مما قد يشوب ضميره في تنزيل حكم القانون بنزاهة وعدل ومسؤولية.
وحيث إن صدور حكم ضد القاضي المقرر بصفته رئيسا لمرفق النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء  من طرف قاض موضوع المتابعة والتحقيق يجعل  جل أسباب التجريح الواردة في الفصل 295 من ق.م.م  متوافرة،فكيف سيتولى التحقيق بحياد ونزاهة وتجرد واستقلالية من حكم عليه  القاضي بعدما  كان مدعيا عليه في دعوى المسؤولية الادارية أمامه ؟؟ناهيك عن الخصومة الشخصية بين الوزير والقاضي المتابع والتي يعرفها العام والخاص والرأي العام القضائي الوطني والدولي بسبب عدم تقبل الوزير إصدار حكم على رئيس الحكومة بشأن توظيف الأطر المعطلة وما تبعها من عقوبات تأديبية  ظالمة من توقيف عن العمل ثلاثة أشهر وبدون أجر وحرمان من الترقية لسنتي 2013 و 2014 ونقله من القضاء الاداري إلى النيابة العامة رغم عدم وجود رابط بين المخالفة التأديبية المزعومة والتنقيل التعسفي من القضاء الاداري .
وحيث إن العدالة  كانت تقتضي تعيين مقرر لا تربطه بالوزير أي رابطة التبعية وإنما كان يجب تعيين قاض للحكم من منصب رئيس غرفة من محكمة النقض متخصص في قضايا حرية الرأي والتعبير .
وحيث إن من دواعي التجريح والثابتة ثبوتا قطعيا فضلا عما ذكر هو مخالفة السيد القاضي المقرر لأبسط قواعد المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع المكرسة  دستوريا ودوليا للمواطنين والقضاة مما يطرح إشكالية تجديد النخب القضائية وفقا لما جاء في الخطاب الملكي السامي المتعلق بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب .
وحيث إنه من غريب الصدف الجديرة بالاستشهاد بها وللتاريخ أن ما يثيره القاضي المتابع حاليا من أسباب التجريح هي نفسها التي أعابها الحكم أساس التجريح على النيابة العامة من إخلال بضوابط المحاكمة العادلة والمعاملة المهينة.
وحيث إن كل هذه المخالفات الدستورية جعلت من التحقيق المباشر من قبل المقرر موجها ومشكوك فيه لإخلاله بقواعد الحياد والنزاهة والأمانة .
وحيث إنه إذا كانت هذه المخالفات الدستورية على خطورتها وحجمها ترتكب بحق قاض مؤتمن على حقوق وحريات المواطنين فكيف سيتصور التعامل مع المتقاضين البسطاء ،وما هي الرسالة بالضبط التي يراد توجيهها للقضاة حماة القانون المفتقدين لأي حماية فعلية ؟
وحيث فضلا عن ذلك فإن السيد وزير العدل بصفته رئيسا للنيابة العامة عين مرؤوسه الوكيل العام بصفته مقررا في القضية وهو يتبع تعليماته بصفته رئيسا تسلسليا له ،فكيف للمرؤوس أن يخالف تعليمات الرئيس،ويحقق بحياد وتجرد  ؟
7-عدم تبليغ القاضي ما يفيد قرار وزير العدل بشأن طلب التجريح للمقرر المعين من طرفه وعلله وأسبابه ،وما يفيد تبليغ المقرر
8-عدم استدعاء المقرر للقاضي بعد عدم الجواب بصفة غير قانونية عن طلب التجريح لمواصلة التحقيق،وهذه قاعدة من أبجديات القانون التي نستغرب عدم علم المقرر بها،مما يطرح إشكالية التكوين في العمل القضائي وإعداد التقارير ومباشرة التحقيقات،فهدا وحده من يزرع الشك في ثقة القضاة في تكوين المسؤولين القضائيين وفي ثقة المواطنين بقضائهم.
9- تنصيب المقرر نفسه طبيبا نفسيا للحديث عن غضب القاضي وتوتره،وتقديره لحالته النفسية  وهي أسطوانة مشروخة رددها كلازمة لتتسق مع ادعاء المفتشية  والحال أن القاضي كان مبتسما ومنشرحا لحال ما وصلت إليه أزمة حقوق الدفاع لأن الترهيب  ووسائل المراوغة بادعاء مساعدته في التحقيق لم تنفع معه،وهذا بخلاف المقرر الذي كان في حالة لا يحسد عليها وهو يستمع للقاضي وأفكاره غير مرتبة ولم يقدر حتى على إحضار الملف التأديبي أمام القاضي مفضلا إحضار أسئلة وكأننا في القسم الأول من الابتدائي.
     وحيث إن محاولة المقرر طمأنة القاضي المتابع على أنه سيساعده ويتعاون معه في البحث لم تمنع القاضي المتابع  بكل جرأة وشجاعة بالجواب بأنه  لا يريد إلا حقوقه الدستورية في الدفاع والمحاكمة العادلة وليس الهبات والوصايا،فضلا عن تعبير المقرر للقاضي  بأنه محرج ولم يختر المهمة بمشيئته وبرغبته بعد سبق إثارة تنبيهه بالاعتذار عن المهمة .
10- انتقاد المقرر لحضور القاضي في برنامج قفص الاتهام بعد عودته من المرض رغم عدم ارتباطه بالتحقيق لكونه مقيد بأفعال المتابعة وليس تتبع اللقاءات الإذاعية والحوارية مما نصب نفسه خبيرا في شؤون الإعلام بوصف الجواب عن أسئلة معد البرنامح بالشكل المحرج والمستفز ،والخطير في الأمر هو ربطه بين هذا الحضور الذي كان يومه الجمعة 25 دجنبر  وعدم الحضور لاستدعائه الذي كان يومه 29/12/2015 والذي جاء متأخرا بساعة عن موعده المحدد ؟رغم عدم وجود أي رابط بينهما ،والأدهى من ذلك والمثير للدهشة والاستغراب هو اعتبار عدم الحضور عن استدعاء -لا يمكن عمليا الاستجابة له لأنه جاء بشكل رجعي وكأن عقارب الساعة تعود للوراء ،فالتحريف والتزيد ليس من شيم القضاة وأخلاقهم اللهم إن كان لها مفهوم هو التحامل والخضوع لرغبات وزير العدل في التنكيل والانتقام من قاض بتقرير متحامل تحت الطلب ويتجنى عن الحقيقة ويتضمن إخلالا بأخلاقيات القضاة وبمبادئ الاستقلالية والحياد.
11-تفسير غريب بسوء نية لا يقبلها عقل ولا يصدقها منطق بإسقاط الآية الكريمة في سورة التوبة على المشتكين بأن جزاءهم جهنم،وكأن المقرر يعلم بالغيبيات ومآل الناس لأن أخلاق القاضي المتابع تحتم علينا أن ندعو لهم وللمقرر وللوزير بالهداية ،رغم أن المقال يتحدث عن الفتنة الدستورية وليس الفتنة الدينية ،مما يبين أن المقرر كان يخيط بثوب من ثوب الوزير وعقيدته وحده؟
12-تفسيره العبثي لعنوان مقال "إعلان الحداد على قضاء الوطن "بموت القضاء والحال أن المقال يقصد موت مشاريع الردة والانتكاسة الدستورية التي تحاول إقبار القضاء المستقل ،ولأن المقرر ممن يتمنون موت القضاء جنح لمثل هذا التفسير ،لأن موت القضاء اعلان لانحلال الدولة؟.
13-استعمال المقرر لمصطلحات تجريحية  تيمنا ببحث المفتشية العامة  المعتبر لديه مقدسا مثل"التدليس " "الادعاءات الكاذية" "وتغليط الرأي العام " و"الاستغلال بسوء نية" وكأننا به يمتح من قاموس وزير العدل  الذي نعت تظلمي القاضي الهيني من حقه في الترقية" بالافتراءات والأباطيل "وكأننا إزاء مقاولة وليس مرفق عمومي يحتكم للقانون ويحترم أهل المرفق والمتعاملين معه،وهذا وحده ينهض دليل على خرق الحياد والأمانة وأخلاقيات القضاة مما يعد معه خرقا لواجب التحفظ ومساس بقواعد الشرف القضائي أو أخلاقيات المرفق العمومي بالنسبة للوزير كمسؤول حكومي التي تتطلب تكوينا خاصا عليها للاهتداء إلى كون المرفق العمومي  ملك للمواطنين  وليس للمسؤول الحكومي ليتصرف فيه على هواه.
14- الغريب في الأمر هو تضمين الملف التأديبي لمقالين يتضمنان سبا وقدفا وتجريحا في حق القاضي المتابع تم نسيانهما في الملف،وشاءت الأقدار أن تكتشف حقيقة كتابة مقالات باسم الوزير في شخص مستشاره الإعلامي ومديره موقعه الشخصي  أو في  إسم شخص آخر مستعار في حملة تشويه منظمة من طرف الوزير مما يبين معدن  وتصور رجل الدولة للمرفق العمومي؟؟
15-الانقلاب على المفاهيم القانونية للحق في التعبير كحق دستوري واعتبار نقد مشاريع ما سمي باستقلال السلطة القضائية أو ميثاق إصلاح العدالة جريمة لا تغتفر واصطفاف وراء المعارضة ،بحيث أن انتقاد موقف الأغلبية من تمسكها من تبعية النيابة العامة صار موقفا انحيازيا ضدها وعملا ضد الحكومة وضد السلطة التشريعية  رغبة في إضعافها؟؟؟؟؟ من منطلق نظرية المؤامرة التي يؤمنون بها أو كون كل صاحب رأي حر ومستقل هو عدو ووجب محاربته مما يبين بشكل جلي أنهم خارج التاريخ الحقوقي والدستوري للمملكة ،لايمانهم العميق بنظرية التمجيد والتصفيق والتطبيل.
16-إسقاط  بعض الافكار من المقال مثل عدم الإحالة على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة واعتبار الرأي صادر عن القاضي ولاسيما بخصوص التجاوزات التي عكستها الهيئة عن الاشراف السياسي لوزير العدل على النيابة العامة.
17- اعتبار انتقاد أسلوب وزارة العدل في حرمان القضاة من الترقية أو التهديد بعزلهم كما وقع مع القاضي المتابع مخالفة مهنية جسيمة رغم ان الأمر يتعلق بقرارات إدارية قابلة للطعن بالشطط في استعمال السلطة،ويمكن انتقادها ومناقشتها من الناحية القانونية والقضائية ،و يعتبر الاختلاف ظاهرة صحية  حول طريقة تدبير ملفاتها التأديبية لضمان حكامتها  وشرعيتها تفعيلا لاستقلال القضاء والقضاة لتخليصها من مختلف التجاوزات غير الدستورية التي تخرجها عن أهدافها الحقيقية  حتى لا تصبح مطية للانتقام كما حصل مع القاضي  ومع القضاة المشتكون من حرمانهم من الترقية كما جاء في بيانات نادي قضاة المغرب.
18-مناقشة المقرر للملف التأديبي السابق والخروج بخلاصة أن القاضي الهيني لم يستوعب درس التأديب وهي محاولة يائسة لتبرير أي قرار بالعزل باعتبار أنه من ذوي السوابق رغم أن الملف الأول  أو الثاني يتعلق بسوء فهم خطير لحرية التعبير وكأنها الحق في الصمت ،وهوما يفسر إهمال متعمد وبسوء نية لمسألة مساس الدوريات والمنشورات الصادرة عن وزارة العدل باستقلالية القضاء والقضاة ولاسيما تلك الموجهة للرؤساء الاولين بمحاكم الاستئناف ورؤساء المحاكم الابتدائية والتي حولت وزارة العدل إلى محكمة نقض مختصة بتفسير القانون في سابقة خطيرة تعصف باستقلالية القضاء وبدور محكمة النقض كجهة قضائية وحيدة مخولة توحيد تفسير القانون .
19-اعتبار التوصل بقرارالعقوبة الأولى والذي يشير لعقوبتين مختلفتين أحدها ثلاثة أشهر والثانية أربعة أشهر مخالفة مهنية جسيمة دون بيان سند ذلك  رغم أن الخطأ تتحمله الوزارة لعدم ضبطها لمدة العقوبة وهو ما خلف أثرا نفسيا عميقا للقاضي الناتج عن وحود عقوبتين مختلفتين،وعوض مبادرة الوزارة إلى تصحيح الأمر بمراسلة القاضي المعني اتهمته بالادعاءات الكاذبة وتغليط الرأي العام ؟؟؟؟متناسية أن هي السبب في كل ذلك.وما يطرح أكثر من علامة استفهام هو القول بعدم أحقية القاضي في التوصل بشهادة تسليمه وكأن العقوبة تهم الوزير وليس القاضي ،مما يثبت نية الانتقام والتنكيل بالقاضي كذبا وزورا وبهتانا.
20-إن قضية طوم كوز والقاضي الهيني تستحق أن تكون مثالا حيا عن عمق الجهل بأحكام الدستور والقانون ،فهل إبداء الرأي بصفة الباحث الجامعي والدكتور المتخصص في القضاء الإداري عن قضية قطع الطريق لتصوير الفيلم"مهمة مستحيلة" وإثارة إمكانية مقاضاة الادارة عن قرار إغلاق الطريق في حالة ثبوت مسؤوليتها قضاء يعتبر مخالفة مهنية ،الحقيقة أن هذا يندرج ضمن النكتة المشفوعة بالسخرية ،اللهم إذا كان البحث الجامعي محظور على القاضي ممن يعادون العلم كعادتهم وينفرون منه ،وهل تدعيم دولة الحق والقانون وتشجيع المواطنين بسلوك المساطر القانونية المناسبة مخالفة قانونية؟ ،وهل كانوا ينتظرون من القاضي الهيني مطالبة المواطنين بالاحتجاج وفتح الطريق بالقوة والاعتداء على القوات العمومية ؟إنه لمنكر كبير أن يصبح الرأي القانوني جريمة مع الدستور العظيم لسنة 2011؟.ألم يمنح الاعلان العالمي لاستقلال السلطة القضائية وإعلان النيابة للقضاة الحق في الدفاع عن سيادة القانون ؟
21-وخاتمة الملاحظات وأخطرها على الإطلاق والتي تعكس علاقة التبعية الحميدة التي تربط المقرر بوزير العدل  واخلاله بمقتضيات الحياد والنزاهة والاستقلالية هو اعتبار وزير العدل من "الأمناء على العدل" شاكرا له تعيينه وقيامه بالمهمة على احسن وجه باعتباره مقررا على المقاس، نحمد الله أننا جرحنا فيه لاخلاء ذمتنا للتاريخ  ،وكأننا نحن من الخارجين عليه نحتاج لمتابعة عن التآمر على إسقاط العدل بالمملكة؟؟
إن هذا التقرير ومعه تقرير المفتشية يحتاجان لتدريسهما بالمعهد العالي للقضاء وبكليات الحقوق باعتبارهما نمودجان سيئان من التقارير الادارية المفتقدة للعلمية والمهنية والاحترافية  والحيادية والاستقلالية لجنوحها نحو التحريف والتزييف حسبما أكدته هيئة دفاعي، للكم  الكبير من المغالطات والاستنتاجات غير السليمة التي تضمنها،ولنا في المجلس الأعلى للقضاء ،ولملكنا خير منقذ وحام من الشطط والانحراف،لأنه يعلم علم اليقين مسلسل الانتقام والتنكيل بقاض مستقل لم يخضع للضغوط والتهديدات ولا لصنوف الترهيب والتخويف لأنه عاهد الله على المضي قدما في الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية والمطالبة بإلغاء وزارة العدل من المشهد القضائي مع ثلة مخلصة من قضاة نادي قضاة المغرب 
 إن الاطلاع البسيط على الملف  التأديبي يسمح بالوقوف على حجم كارثة التقارير الإدارية لوزارة العدل والتي تجاوز تحريفها للحقيقة كل تصور لخدمة رأي الوزير في مسلسل الانتقام والتنكيل بالقاضي، وحينما نقارنها بمستوى الاحكام الصادرة عن قضاتنا  الأجلاء تجدها انها غريبة عن منظومتنا القضائية;لذلك فان الضمير المهني المسؤول الذي تحدث عنه صاحب الجلالة ليس مطلوبا فقط قي القاضي بل مطلوب ايضا في الوزير والمفتش العام والمقرر،ولكن ما أفرحني هو افتقادها لّأي منطق أخلاقي أو علمي أو قانوني ولو في الحد الأدنى المفترض العلم به من لدن كافة رجال القانون ،فهي تقارير موجهة وعلى المقاس وتحت الطلب ،ومن المهم الإشارة ان الاجتهاد القضائي الإداري سبق له أن اعتبر التقارير الإدارية مجردة عن ّأي قيمة قانونية لأنها من صنع الإدارة،لأني تعلمت من مدرسة القضاء الاداري أن أعلى مراتب الانحراف في استعمال السلطة اجتماع الجهل  بالدستور والقانون بالتسلط في العمل الاداري. 
وحيث إن من يزرع الشك في ثقة المواطنين في القضاء والعدالة والمرافق العمومية  معروف لدى الرأي العام ،وهو من يرتكب المخالفات الدستورية بدون خجل ،ومن يرتكب المخالفات المهنية ويخرق أخلاقيات القضاء ،و مارس التحريف في صناعة التقارير الإدارية ،ومن يمارس السياسة و يشكر الوزير في خاتمة تقريره بصفته الأمين على العدل،ويضع تقريره على مقاسه ،ولم يكلف نفسه حتى عناء الاستماع للقاضي وتمتيعه بحقوقه الدستورية في محاكمة عادلة .
وحيث مما لا شك  فيه أن المجلس الاعلى للقضاء هو المؤسسة الدستورية التي تملك صلاحية و سلطة الرقابة على الابحاث الادارية القبلية التي تتولى المفتشية العامة  والمقررين و تقدير مدى احترامها للتواجهية و حقوق الدفاع ، لأن ذلك لا يجب ان يقتصر على المحاكمة التأديبية أمامه طبقا للفصل 61 من النظام الأساسي للقضاة ، بل يجب أن يمتد أيضا الى جميع الاجراءات و الأبحاث السابقة لها ، و هو التوجه الذي اعتمده المجلس الأعلى للقضاء بفرنسا في قراره الصادر بتاريخ 11 يوليوز 2013 .
وحيث إن التأديب خلق لتخليق المرفق القضائي وتحقيق وضمان حسن سير العدالة وليس الانتقام من قاض والمساس باستقلاليته وإعدام حقه في التعبير عن رأيه  تنميطا للفكر وتدجينا له، والقضاء على الحق في الاختلاف ،وانتصارا  لعقلية التحكم والهيمنة ،والتمجيد والتصفيق عوض منهج الحوار والتوافق الايجابي لخدمة قضايا الوطن بما يقتضيه ذلك من حكامة جيدة وفكر دستوري .
وحيث إن التأديب الممارس حاليا  تم لغايات سياسية وحزبية ضيقة غير وطنية من طرف وزير العدل بدعم وإيعاز من حزبه وفريقه البرلماني الذي سبق لرئيسه السيد بوانو "المشتكي الحالي "أن وجه للقاضي المتابع اتهام خطير "بشان مشاركة و حضور الغير في تحرير ملف المعطلين "،وكذا توجيه "اتهام خطير ومجاني إلى نادي قضاة المغرب من كونه قام بتحالف مع أحد الفرق البرلمانية بهدف افساد الانتخابات المقبلة وهدد بمواجهته"ودون أن يتم التحقيق معه من طرف زميله ورفيقه في الحزب وزير العدل رغم مطالبة نادي القضاة بذلك ،في حين حرك شكايته ضد القاضي المتابع وكل من يخالفه الرأي ،وبسرعة البرق،مما يدل على أن العدالة عند السيد الوزير أصبحت انتقائية وتلبس لبوسا حزبيا ضيقا خارج الدستور والقانون وعدالة الوطن ،وتتعامل مع المرفق العمومي كملك خاص لها وليس كملك للوطن والمواطنين،وتكتسي صبغة الاعتداء المادي على الحقوق والحريات، بما يحمله ذلك من انحراف في استعمال السلطة غير مسبوق في تاريخ المغرب.
وحيث إن هذه الاجراءات التأديبية السياسية والانتقامية والمشوبة بالشطط والانحراف في استعمال السلطة  تستهدف في حقيقتها  عزل قاض ،بعدما عجزت وزارة العدل في شخص وزيرها عن إجباره على تقديم استقالته بصفة إكراهية ،والمس باستقلاليته ،لمجرد التعبير عن آراءه بكل حرية واستقلال حول الاختلالات الدستورية لمشاريع القضاء،والدفاع عن استقلالية السلطة القضائية  ،وكذا الأحكام والاجتهادات التي سبق له إصدارها سواء في مواجهة الحكومة أو وزارة العدل والتي لا تقع تحت حصر والمنشورة في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية المغربية والأجنبية .
 وحيث إنه من الغريب أن يقوم وزير العدل بإعطاء أوامره بالبحث والتحري بشأن شكاية تقدم بها فريق الحزب الذي ينتمي إليه وفرق الأغلبية المتحالفة مع الحزب وأن يأمر بإحالة القاضي  على المجلس كنتيجة لذلك ويترأس جلسة تأديبه ،ومع كل هذا نطلب القاضي أن يطمئن لحياد الوزير وتجرده......... محاكمة تفتقد لأبسط مقومات عدالتها.......وأملنا الكبير في جلالة الملك الضامن لاستقلالية السلطة القضائية ورئيس المجلس الأعلى للقضاء في أن يتدخل قصد إرجاع الأمور إلى نصابها والحيلولة دون خروج ممارسة النيابة عنه في رئاسة المجلس عن إطارها العادي والطبيعي  كما يحصل حاليا.
وحيث إنه حرصا على  حقوق الدفاع وقواعد المحاكمة العادلة المكرسة دستوريا ودوليا ،وقضاء من طرف الغرفة الادارية بمحكمة النقض ،وللمكتسبات الوطنية في مجال حقوق الإنسان،ومراعاة لأخلاقيات القضاء وأمانة الرسالة وقواعد الحياد والتجرد المعتبرة يتعين إيقاف المتابعة  السياسية والانتقامية لتجريح كل من المقرر والوزير لعدم أهليتهما القانونية لإجراء أي محاكمة تأديبية عادلة  لفقدانهما الحياد والأمانة والاستقلالية بسلوكهما لإجراءات غير دستورية لا علاقة لها مطلقا بدولة الحق والقانون.

بطلان المتابعة كعلة للتجريج :

مناقشة موضوع متابعة الأستاذ  الهيني  من أجل الإخلال بالواجبات المهنية  يستوجب تناوله من خلال ثلاث نقط اساسية تتعلق أولاهما حرية التعبير و ثانيهما واجب التحفظ وثالثهما الادلاء برأي سياسي  .

أولا: بخصوص حرية التعبير

  جاء دستور 2011 ليفتح صفحة جديدة في تاريخ المملكة المغربية من خلال المقتضيات السباقة التي عمل على تكريسها خاصة في الشق المتعلق بضمانات استقلال السلطة القضائية، ويعتبر الحق في التعبير من أهم الحقوق التي كرسها الدستور الجديد للقضاة حيث نص في الفصل 111 منه على أنه:
"للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية"، ومن الواضح أن هذا الحق مكفول للقضاة سواء من خلال نصوص وطنية أو دولية.
   بداية يمكن تعريف حرية الرأي والتعبير بأنها الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو العمل الفني بدون رقابة أو قيود حكومية، بشرط أن لا يمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة، أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير. وغالبا ما ترتبط حرية الرأي والتعبير بحقوق وحريات أخرى مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية.
ويمكن التمييز بين حرية الرأي وحرية التعبير.
فحرية الرأي هي عملية فكرية يتولاها العقل، تعتمد على عدد من المقدمات والفرضيات لاستخلاص النتائج، أو الربط بين حوادث موضوعية أو زائفة، أو بيان الكل بالجزء أو الجزء بالكل، سواء كانت المحاولة صائبة أو خاطئة، أو إتيان الرأي لإيضاح أو تفسير رأي آخر ، و بالتالي فإنه لا عبرة بالأفكار التي تبقى قيد الذهن، وللرأي ركنين: مرسل ومرسل إليه، وتشترط وجود هدف أو غاية من إبداء الرأي، و مرونة في ابدائه، بمعنى أنه يعرض ولا يفرض .
أما حرية التعبير، فتعني إخراج هذا الرأي الي الناس عبر وسائل التعبير المختلفة، من كتابة وفن وكلام وحتي عبر لغة الجسد ، وتندرج حرية التعبير ضمن منظومة حقوق الإنسان السياسية.
وحرية الرأي والتعبير مكفولة بمقتضى المواثيق الدولية العامة أو الخاصة وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث تطرقت إليه المادة (19) ونصت على أنه" لكل شخص الحق في التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة دونما اعتبار للحدود".
كما نصت على هذا الحق المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي جاء فيه:
"أ-لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة.
ب-لكل شخص الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواءً على شكل مكتوب أو مطبوع، أو في قالب فني بأية وسيلة يختارها.
ج-تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة، وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ، ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون ، وأن تكون ضرورية:
لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم،
لحماية الأمن القومي ، أو النظام العام ، أو الصحة العامة ، أو الآداب العامة".
أما المواثيق الخاصة بالسلطة القضائية فنجد في مقدمتها مبادئ الأمم المتحدة بخصوص استقلال القضاء التي نصت في مادتها الثامنة على أنه:
"وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السلطة القضائية، شأنهم في ذلك شأن المواطنين الآخرين، التمتع بحرية التعبير والاعتقاد والانتساب والتجمع، شريطة أن يتصرف القضاة دائماً في ممارستهم هذه الحقوق على نحو يحافظ على هيبة ووقار مناصبهم وعلى نزاهة واستقلال السلطة القضائية"
وبمقتضى هذا النص كما هو واضح ، يتمتع أفراد الجهاز القضائي ، نتيجة لهويتهم المهنية واستقلالهم الوظيفي ، بحرية المعتقد والفكر والكلام والتعبير وإنشاء الجمعيات والاجتماع والتنقل ، وهذه الحريات هي ضمانات لحقوق الإنسان الأساسية . ومن حق القضاة التمتع بهذه الحريات ليس كأفراد فحسب ولكن بصفتهم قضاة أيضا ، لأن هذه الحريات أساسية ومفيدة في مهمة القضاء.
وقد تم التنصيص على ذلك أيضا لقضاة النيابة العامة من خلال وثيقة مبادئ هافانا التي نصت في مبدئها الثامن على ما يلي:
"لأعضاء النيابة العامة شأنهم شأن غيرهم من المواطنين الحق في حرية التعبير والعقيدة وتشكيل الرابطات والانضمام إليها وعقد الاجتماعات ويحق لهم بصفة خاصة المشاركة في المناقشات العامة للأمور المتصلة بالقانون والنظام القضائي وتعزيز حقوق الانسان وحمايتها وكذلك الانضمام إلى منظمات محلية أو وطنية أو دولية أو تشكيلها وحضور اجتماعاتها دون أن يلحق بهم أي أدى من الوجهة المهنية بسبب عملهم المشروع أو عضويتهم في منظمة مشروعة وعليهم أن يتصرفوا دائما في ممارسة هذه الحقوق طبقا للقانون والمعايير والآداب المعترف بها لمهمتهم".
وقد ورد في هذا السياق في شرعة الأخلاقيات القضائية العالمية، المعروفة بشرعة بنغالور ما مفاده: "إن للقاضي الحق مثله مثل أي مواطن آخر في التعبير والتجمع شرط أن يحافظ على حياده واستقلاله وعلى كرامة الوظيفة القضائية":
وأكدت نفس الوثيقة على أنه يحق للقاضي:
"الكتابة والتدريس وإعطاء المحاضرات والمشاركة في الانشطة المتعلقة بالقانون أو إدارة القضاء أو المسائل ذات الصلة والمشاركة في الأنشطة التي لا تنقص من هيبة المنصب القضائي، أو تدخل في المهام القضائية للقاضي، وأن يشكل أو ينضم إلى جمعيات القضاة أو يشارك في هيئات من شأنها تمثيل مصالح القضاة".
وبالمغرب فإن الدستور السابق وإن لم ينص صراحة على حق القضاة في التعبير فإن هذا الحق كان مكفولا على المستوى النظري والأكاديمي من خلال الفصل التاسع من دستور 1996 الذي ضمن لجميع المواطنين التمتع بـ"حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع". بمن فيهم القضاة طالما لم يكن ينص على أي استثناء بهذا الخصوص، فإلى أي حد تمتع القضاة فعلا بحقهم في التعبير الحر في ظل الدستور السابق؟
لا شك أن التضييق الممارس على حرية القضاة في التعبير في ظل الدستور السابق كان يبرز من خلال العديد من المستويات فبالرغم من أنه من الناحية المبدئية كانت للقضاة الحرية في الاعتقاد والتعبير حسبما يفهم من ظاهر الفصل 22 من النظام الأساسي لرجال القضاء الذي منع إدراج أي إشارة تتعلق بالأفكار السياسية أو العقائدية في ملف القاضي، غير أنه من الناحية العملية لم يكن يخول للقضاة الحق في الإطلاع على المعلومات المدرجة في ملفهم حتى يتم التأكد من احترام هذه المقتضيات ، بل ويلاحظ أن وزارة العدل كانت ولا زالت المالكة لزمام مراقبة حرية القضاة في التعبير من خلال إخضاع إشارة القضاة إلى صفتهم القضائية في مؤلفاتهم سواء العلمية أو الأدبية أو الفنية لإذن مسبق لوزير العدل مما يعني أن هذا الأخير يمارس رقابة قبلية على ممارسة القضاة لحريتهم في التعبير.
أما في ظل الدستور الجديد ورغم أن المادة 111 منه صريحة في الاشارة إلى أنه: "للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية" .
فإن التنزيل الواقعي لهذا النص من خلال الممارسة كان يصطدم في كثير من الأحيال بالاعمال المفرط لسلاح واجب التحفظ ويمكن في هذا الصدد أن نشير لعدة مؤشرات لا تزال تبعث على كثير من القلق.
المؤشر الأول: أن المشرع الدستوري قيد حرية التعبير المعترف بها للقضاة بضرورة مراعاة واجب التحفظ، وإذا كان غياب تعريف تشريعي واضح ومحدد لمفهوم واجب التحفظ، هو أمر يعتبر ايجابيا لكون مهمة التعريف هي من اختصاص القضاء والفقه. إلا أن ذلك قد يعتبر سلبيا في نفس الوقت بالنظر إلى كون هذا المفهوم مطاط ويحتمل أكثر من تفسير، وتركه على هذا الحال يجعله مناطا للاستغلال من طرف عدة جهات تحاول الركوب علية للإجهاز على مكتسبات السلطة القضائية، وأحيانا لاستغلاله من أجل تحقيق أهداف خفية،
المؤشر الثاني في ظل الفترة الانتقالية التي تعرف تنزيل الدستور الجديد بدأت تظهر بعض المؤشرات التي تؤكد أن بعض الجهات تحاول استباق القوانين التنظيمية المتعلقة باستقلالية السلطة القضائية وإفراغ واجب التحفظ من محتواه ودلالاته. وهنا لا بد من التذكير بالتصريحات الصادرة عن وزير العدل والحريات التي أشهر من خلالها لأول مرة سلاح واجب التحفظ الوارد في المادة 111 من الدستور الجديد، حيث اعتبر أن طريقة حديث واشتغال نادي قضاة المغرب كجمعية مهنية مؤسسة في إطار الدستور الجديد تشكل خروجا عن واجب التحفظ،
ويمكن في هذا الصدد أن نبدي ملاحظتين أساسيتين بخصوص هذه التصريحات من حيث طبيعة الجهة الصادرة عنها، ومن حيث مضمونها.
فمن جهة أولى صدور مثل هذه التصريحات التي تحاول فرض مفهوم معين لواجب التحفظ عن وزير العدل والحريات يبقى مثارا لإشكاليات عديدة أهمها  كون مهمة تحديد التعاريف والمفاهيم ليست من مهمة السلطة التنفيذية عموما، ويكتسي هذا الأمر حساسية كبيرة خاصة إذا تعلق بتفسير مادة دستورية شديدة الحساسية كحق القضاة في التعبير لمساسها باستقلالية سلطة أساسية من السلطات المكونة للدولة وهي السلطة القضائية.
من جهة ثانية وبالوقوف عند مضمون هذه التصريحات يمكن تسجيل ملاحظة أساسية تتمثل في أن الوزير لم يكن موفقا في محاولته لتحديد مفهوم واجب التحفظ المتعلق بحرية التعبير لدى القضاة، حيث اعتمد تعريفا موسعا غير دقيق محاولا في ذلك الاجهاز على مكتسبات القضاة بهذا الخصوص، محاولا تمديد نطاق مفهوم واجب التحفظ الوارد في المادة 111 من الدستور في الشق المتعلق بحرية التعبير، على حق آخر يتعلق بحق القضاة في التجمع وتأسيس جمعيات مهنية رغم أن الدستور لم يقيد حق القضاة بهذا الخصوص إلا بمراعاة واجبات التجرد واستقلال القضاء، والشروط المحددة في القانون، وليس من بينها واجب التحفظ، الشيء الذي يفهم منه أن السلطة التنفيذية تحاول اضافة شرط جديد على ممارسة القضاة لحقهم في التجمع والاشتغال من خلال جمعيات مهنية، وهو ما يبدو من خلال مسودة مشاريع القوانين التنظيمية الجديدة التي حاولت فرض واجب التحفظ على القضاة عند ممارسة العمل الجمعوي في تنزيل غير سليم لمقتضيات الدستور الجديد.
من جهة ثالثة وإن سلمنا جدلا بإمكانية وزارة العدل بوصفه وزيرا للحريات أيضا في ابداء رأياه بخصوص مفهوم واجب التحفظ، فإنه لا مناص من الاعتراف بأنه من غير المستساغ إعطاء واجب التحفظ مفهوما واسعا، لأن في ذلك نسف لنطاق حرية التعبير المخولة للقضاة، إذ يعتبر واجب التحفظ من أكثر الواجبات المفروضة على القضاة إثارة للجدل، وهو أول ما يواجه به القضاة عند ممارستهم لحقهم في التعبير أو عند دفاعهم عن حقوقهم المهنية، لذا ينبغي حصر هذا المفهوم ليشمل فقط :

ــ مجال ممارسة المهام القضائية:

 فمن المعلوم أنه لا يقبل من القضاة إبداء آرائهم بخصوص القضايا الرائجة المعروضة عليهم لأن في ذلك مساس بحقوق المتقاضين وتأثير على السير العادي للعدالة، كما لا يقبل منهم إفشاء السر المهني عموما أو أسرار المداولة على وجه الخصوص.
ولا يمكن أن نقيس على ذلك الممارسة الجمعوية للقضاة لأن إلزامهم بالتحفظ بهذا الخصوص مساس خطير بحريتهم في التجمع، وهي الحرية المكفولة دستوريا، وعلى صعيد المواثيق والاتفاقيات الدولية، ومن شأن التسليم بهذا التأويل غير الديمقراطي للنص الدستوري تحويل جمعيات القضاة إلى  جمعيات صامتة عاجزة عن القيام بأي أدوار حقيقية للدفاع عن ضمانات استقلال السلطة القضائية بالشكل الذي تقره افضل التجارب الدولية في هذا الصدد.
بل وحتى بالرجوع إلى بعض الوثائق الدولية التي تطرقت لواجب التحفظ المفروض على حرية القضاة في التعبير يلاحظ أنه غالبا ما يتم ربطه بممارسة القضاة لمهامهم القضائية أو بمناسبة ذلك، وهكذا تؤكد مبادئ الأمم المتحدة لاستقلال السلطة القضائية في مادتها الخامسة عشر على أن القضاة ملزمون بالمحافظة على سر المهنة فيما يتعلق بمداولاتهم وبالمعلومات السرية التي يحصلون عليها أثناء أداء واجباتهم الأخرى خلاف الإجراءات العامة. ويشير تعريف الاتحاد العالمي للقضاة لواجب التحفظ بأنه يعني ممارسة القضاة لواجباتهم باعتدال وكرامة وباحترام لمهامهم ولأي شخص معني. وفي هذا الإطار اعتبر المجلس الأعلى للقضاء بفرنسا من صور إخلال القاضي بواجب التحفظ قيامه بإفشاء سرية  التحقيق الجنائي في قضية ما.
الشيء الذي يؤكد أن التعريف الديمقراطي لواجب التحفظ يقتضي حصر نطاقه على مجال ممارسة القضاة لمهامهم القضائية دون توسيعه ليشمل نشاطهم خارج إطار عملهم أو أي أنشطة جمعوية أخرى.
لقد أكدت التجارب الدولية أن واجب التحفظ كان ولا يزال هو ذلك السلاح أو القيد الذي تمارسه السلطة التنفيذية لمواجهة أي محاولة من السلطة القضائية لفرض استقلاليتها خاصة في الأنظمة الاستبدادية، إذ يمكن بالمناسبة أن نستحضر موقف أحد القضاة الشجعان بتونس عندما أرسل رسالة إلى رئيس الجمهورية السابق يؤكد فيها أن السلطة التنفيذية في البلاد لا تتوانى على التدخل في شؤون السلطة القضائية من خلال عملها المتواصل على التأثير على استقلالية القضاة في إصدارهم للأحكام، فما كان من وزير العدل إلا أن عمل على التعجيل بعزل هذا القاضي بحجة أنه أخل بواجب التحفظ المفروض على القضاة، وفي سوريا فاجئ وزير العدل القضاة بإصدار مرسوم يحظر عليهم فيه التحدث إلى وسائل الاعلام دون الحصول على إذن خاص منه، وهو ما اعتبر من طرف جهات حقوقية انتهاكاً خطيراً لحق القضاة في التعبير عن آرائهم أسوة بكل المواطنين، ومخالفة صريحة لمبادئ الأمم المتحدة حول استقلال القضاء ، وخرقاً لأحكام القانون السوري التي لم تمنع القضاة من الإدلاء بآرائهم الشخصية حول مختلف شؤون الحياة العامة باستثناء إبداء الآراء السياسية و إفشاء سر المداولات.
 
إن متابعة القاضي الهيني بناء على شكاية لبرلمانيين جراء مواقفه  من مشاريع قوانين تهم القضاة أكثر من غيرهم، هو نوع من التجني و ليس لهذا السلوك البرلماني سوابق وطنية أو دولية، أو أي سند قانوني أو دستوري يسنده ويعضده. بل على العكس من ذلك فان التوجهات الجديدة في مجال العدالة لدى الدول الديمقراطية التي تؤمن بدور العدالة في المجتمع أصبحت تمنح المواطنين وجميع الهيئات الأخرى إمكانية مقاضاة الدولة على أعمالها التشريعية خاصة حينما تضر بشخص أو بفئة معينة . لذلك فإنه من هذا المنطلق فإن الأولى هو أن يرفع القضاة عبر آلياتهم المهنية مساطر في وجه البرلمان يدعون من خلاله إلى التصحيح و التعويض بالنظر لما شهدته مشاريع القوانين التي ستنظم الشأن القضائي من تراجعات خطيرة تضر باستقلالية القضاء و تزرع الخوف و الرهبة في النفوس القضاة.
أن القضاة من حقهم الدفاع عن حقوقهم و مصالحهم ، و إذا لم يدافعوا عنها فمن سيقوم بهذه المهمة بدلهم ، و الدفاع عن الحقوق يتطلب الانفتاح و التعبير عن المواقف و الآراء بكل حرية فلا يمكن أن ننتظر من وزارة العدل كجهاز ينتمي إلى السلطة التنفيذية الدفاع عن مصالح القضاة و على مبدأ استقلالية القضاء و الحال أن و جودها في حد ذاته هو ضرب لهذه الاستقلالية . كما أن القضاة لا يمكن أن يتقوا في مؤسسة وزارة العدل و الحال أنهم يطالبون بإلغائها و زوالها و جعل القضاء شان قضائي خالص في يد القضاة يدبرونه بشكل مستقل إداريا و ماليا و قضائيا.
 إن الدستور ارتقى بدور المواطن في المساهمة و الرقابة على السياسات العمومية في شتى المجالات من خلال منحه آلية الطعن في دستورية القوانين ، ومادام القاضي مواطن قبل كل شيء فمن حقه التمتع بهذا الامتياز الذي يتمتع به المواطن العادي بل إنه من باب أولى فإن القاضي بالنظر للمهام الخطيرة و الجسيمة التي يمارسها فإنه من حقه إبداء أرائه و التعبير عن رفضه لكل قانون أو مشروع قانون يقوض استقلاله بشكل شخصي أو في إطار مؤسساتي . و بالتالي فأن رفض مشاريع القوانين و اعتبارها ردة دستورية له ما يبرره قانونيا و دستوريا.
 أن الصلاحيات التي أتيحت للبرلمان انطلاقا من تقويتها عن طريق التعديلات الدستورية الجديدة، أصبحت تمكنه ليس فقط القيام بالأدوار التقليدية من تشريع و مراقبة للحكومة ، بل إنه أصبح من حقه ومن واجبه الانفتاح على جميع الآليات و الأجهزة الحقوقية و السياسية والجمعوية من اجل أن يستوضح النواب أوجه السياسات العمومية في هذا المجال ، و هذا ما يجعل الدور الذي قام به القضاة في إطار نادي القضاة أو الائتلاف المشكل من باقي الهيئات المهنية من خلال شرح و جهات نظرهم حول التراجعات التي وقعت في هذه المشاريع المتعلقة بالسلطة القضائية من صميم العمل البرلماني بمفهومه الجديد المؤسس على ثقافة الانفتاح و التعاون في اتجاه إخراج قوانين تتميز بالجودة و تحقق مفهوم الأمن القانوني في أبهى صوره،للتعمق يراجع د خالد الادريسي:قضاة الراي وواجب التحفظ ،مقال منشور بموقع هبة بريس وموقع العلوم القانونية وموقع بديل .
 
 
-الفايسبوك لا يحقق شرط العلنية لكونه مجال خاص ومحدود لا يكتسي الصبغة العمومية :

 نقضت محكمة النقض بفرنسا قرارا قضائيا سابقا، يدين مواطنة فرنسية نشرت ألفاظ قدحية بحق مشغلتها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ومطالبتها بالتعويض المادي والمعنوي.
واعتبرت المحكمة أن هذه الحجة والسب الذي بنيت عليه الدعوى لا يمكن أن يعتبر علنيا لكونه وضع على صفحة شخصية محدودة المتابعة وان المطلعين عليها هم اشخاص لا تجمعهم سوى روابط اجتماعية بسيطة.
كما أن الحيز الذي وضعت عليه هذه الاتهامات كان شخصيا وخاصا، بعكس المنابر المؤسساتية والجمعوية التي تضم عددا كبيرا من المتابعين والذي يحقق شرط العلنية.
 ولأن المنشور اعتبر غير علني لكون الاصدقاء المقربين فقط هم الوحيدون الذين بإمكانهم الاطلاع عليه، رفضت المحكمة متابعة التظلم كما رفضت التماس المشغلة بتغريم الموظفة التي صدر عنها هذا السلوك Arrêt n° 344 du 10 avril 2013 (11-19.530) - Cour de cassation - Première chambre civile - ECLI:FR:CCASS:2013:C100344 
 
  ثانيا- بخصوص واجب التحفظ:

  ينص الفصل 58 من النظام الأساسي لرجال القضاء على أنه: " يكون كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو بالشرف أو بالوقار أو الكرامة خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية" ؛
وتبعا لهذا الفصل تكون المخالفات التأديبية وفق النظام الأساسي الحالي لرجال القضاء محصورة فقط في:
الإخلال بالواجبات المهنية؛
الإخلال بالشرف؛
الإخلال بالوقار؛
الإخلال بالكرامة؛
لكن يلاحظ أنه تمت متابعة القاضي محمد الهيني بـ "الاخلال بواجب التحفظ"، علما بأن هاته المخالفة لا وجود لها  في الفصل المذكور ؛ مما يطرح سؤالا مشروعا حول مدى شرعية هذه المتابعة؟
   يقصد بمبدأ الشرعية في مفهومه العام بأنه "لا جريمة (مخالفة للقانون) إلا بنص" ؛ ويرى جانب واسع من الفقه أنّ مبدأ الشرعية يُعدّ ركناً من أركان المخالفة التأديبية، رغم الصعوبات التي تواجه تطبيق هذا المبدأ ؛ وحجتهم أنه إذا كان القانون التأديبي لا يتقيد بمبدأ الشرعية حسب مفهومه الجنائي، إلا أنّ ذلك لا يعني عدم الخضوع لقاعدة شرعية الخطأ التأديبي؛ فالشرعية هنا تأخذ لونا مختلفاً يتفق مع طبيعة القانون التأديبي، بحيث تتنوع مصادر الركن الشرعي بصورة تنسجم مع واجبات الوظيفة ومقتضياته[14].
كما أن مبدأ الشرعية يعني "خضوع الإدارة للقانون"[15] .
ولعل مبدأ الشرعية يحقق ثلاثة أهداف سامية: 
- تحقيق مصلحة المعني بالمخالفة؛ حتى يعلم مسبقا بالأفعال المحظورة عليه والتي يؤدي اقترافها إلى تعرضه للعقاب الإداري؛
- منح فرصة للدفاع لمناقشة الفعل المرتكب في علاقته بالوصف الذي أقرته جهة التأديب والذي يجب أن يكون من بين المخالفات المحددة حصرا ولو شابها التعميم ؛
- منح محكمة الطعن إمكانية بسط رقابتها على التكييف المستند على مخالفات محددة من قبل المشرع ولو كانت عامة.
وهو ما أشارت إليه مذكرة اللجنة الدولية للحقوقيين بجنيف حينما أوصت بضرورة أن يعرف القانون الأخطاء المهنية، بما في ذلك الأخطاء الجسيمة، بدقة ووضوح حتى يتمكن القضاة من معرفة الأعمال أو الاغفالات التي قد تعرضهم للمساءلة التأديبية، والعقوبات التأديبية المقررة لها[16].
فهل ما نسب للسيد محمد الهيني يشكل فعلا اخلالا بواجب التحفظ؟
يهدف واجب تحفظ القضاة باعتباره مبدأ أخلاقي الى تدعيم الثقة في السلطة القضائية وأعضائها، وذلك بالكف عن زرع الشك لدى المتقاضيين في حياد المحاكم والقضاة، بعدم اعطاء تصريحات أو القيام بمواقف تؤدي الى هدم هذه الثقة.
وبالرجوع إلى بعض الوثائق الدولية نجد ما يلي:
مبادئ مجلس بيرغ بشأن استقلال السلطة القضائية :والتي جاء في بندها 7/1 ما يلي : ( يتمتع القضاة بحرية التعبير وتكوين الروابط أثناء توليهم منصب القضاء بطريقة لا تتعارض مع مهامهم الوظيفية والقضائية أو قد تنال من حياد ونزاهة القضاء)، كما جاء في البند 7/2 من نفس المبادئ ما يلي : ( يحظر على القضاة إفشاء أسرار المداولات وإبداء أي تعليقات حول الدعاوى قيد النظر)، ونص البند 7/3 من نفس المبادئ على أنه : ( يتعين على القضاة أن يكونوا متحفظين في التعليق على الأحكام أو على مسودة الحكم، أو أي مشاريع أو مقترحات أو موضوع متنازع عليه من المحتمل أن ينظر أمام محكمتهم خارج النطاق القضائي أو المحاكم الأخرى)...
إن المقصود بالتعليق المتحفظ هنا فقط  قصر التعليق على الجوانب العلمية للحكم بشكل يحفظ احترام وهيبة احكام القضاء ،كما أن المشاريع والمقترحات تتعلق بما يمكن أن يثار امام المحكمة ،وليس مطلقا مشاريع ومقترحات القوانين التي حاول المقرر جاهدا إدخالها ضمن دائرة التحفظ بشكل غير علمي ،ودون أن يأخذ بعين الاعتبار ان الاعلان العالمي لاستقلال السلطة القضائية،وإعلان النيابة العامة  يشكلان دائرة الحدود الدنيا لحقوق وحريات القضاة واللذان ينصان صراحة على حق القضاة في المشاركة في النقاشات المجتمعية والاصلاحات القانوينة والقضائية ،مادام أن مبادئ مجلس بيرغ تبقى قواعد أقل قيمة في هرمية القواعد والمعايير الدولية ،وهي متحفظة بشكل كبير إن لك تكن متخلفة عما أقرته القواعد الدولية التي تسمو عليها عند التطبيق .
فمن خلال كل ما سبق يمكن القول أن جميع المواثيق الدولية الحقوقية التي تطرقت لحق القضاة في التعبير قرنت ممارسة هذا الحق ببعض القيود، وهذه القيود هي ما يمكن أن يطلق عليها واجب التحفظ، وسوف نعمل على تحديد هذه الضوابط من خلال الخوض في مدى التوافق أو التعارض ما بين واجب التحفظ وحق القضاة في التعبير .
فانطلاقا من مقتضيات المادة 111 من الدستور التي أقرت بحق القضاة في التعبير دون الإخلال بواجب التحفظ، و انطلاقا من المواثيق الحقوقية الكونية التي سبق بسطها، يمكن القول كقاعدة عامة، أن واجب التحفظ في علاقته بحرية التعبير لا يخرج عن معنى : (ممارسة القاضي لحقه في التعبير بشكل لا يؤثر على حياده واستقلاله ورفعة المهمة التي أسندت إليه)، وقد حددت المواثيق الحقوقية الكونية السالف ذكرها، صورا للالتزامات التي يفرضها واجب التحفظ، وذلك حين اعتبرت أن واجب التحفظ يفرض على القاضي ما يلي:
ـ عدم الخوض في القرارات القضائية بشكل ينال من مصداقيتها:
  فإذا كان من حق القاضي التعبير بكل حرية فإن ذلك يجب أن يكون مع احترام واجب التحفظ الذي يفرض عليه عدم الخوض في قرارات السلطة القضائية بالشكل الذي يجهز على مصداقية هذه القرارات، فقد جاء في المبدأ 7/3 من مبادئ مجلس بيرغ بشأن استقلال السلطة القضائية ما يلي : ( يتعين على القضاة أن يكونوا متحفظين في التعليق على الأحكام أو على مسودة الحكم، أو أي مشاريع أو مقترحات أو موضوع متنازع عليه من المحتمل أن ينظر أمام محكمتهم خارج النطاق القضائي أو المحاكم الأخرى)، إلا أن ذلك لا يعني عدم الخوض في القرارات القضائية عن طريق التعليق وفق المناهج العلمية للتعليق على القرارات القضائية، والتي تنطلق أساسا من دراسة الإشكاليات القانونية للقرار القضائي لا تقييمه من حيث العدالة أو غيره.

ب- عدم إبداء تعليقات حول قضايا قيد النظر وعدم إفشاء السر المهني:

يحق للقضاة التعبير بكل حرية، لكن دون الإخلال بواجب التحفظ الذي يمنع عليهم إفشاء سرية المداولات أو إبداء تعليقات بخصوص القضايا المعروضة على المحاكم، أو توضيح الاتجاه الشخصي أثناء المداولات... فقد جاء في المبدأ 7/2 من مبادئ بيرغ ما يلي : ( يحظر على القضاة إفشاء أسرار المداولات وإبداء أي تعليقات حول الدعاوى قيد النظر).
3 -عدم المجاهرة بأي برأي من شأنه زرع الشك لدى المتقاضين حول تجرده وحياد القاضي :
فإذا كان من حق القاضي أن يعبر بكل حرية عن أفكاره، فإن واجب التحفظ يفرض عليه عدم المجاهرة بأي رأي من شأنه زرع الشك لدى المتقاضين حول تجرده وحياده، ومن ذلك عدم المجاهرة بالميل لأي توجه سياسي أو عرقي أو عقائدي، لما في ذلك من زرع للشك لدى المتقاضين حول تجرد القاضي وحياده، فقد جاء في البند 4/6 من مبادئ بنغالور ما يلي:( يحق للقاضي كأي مواطن آخر حرية التعبير و... ولكن يتعين عليه دائما عند ممارسته تلك الحقوق أن يتصرف بشكل يحافظ فيه على هيبة المنصب القضائي وحياد السلطة القضائية واستقلالها).
إذن فواجب التحفظ لا يعني بأي حال من الأحوال مصادرة حق القضاة في التعبير، وإنما هو واجب يروم أساسا إلى تحقيق غاية أساسية، وهي الحفاظ على حياد وتجرد القاضي واستقلاليته.
من هذا المنطلق يمكن طرح التساؤل التالي: هل يعتبر انتقاد المجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية اخلالا بواجب التحفظ؟
ان الاجابة على هذا السؤال تقتضي وضع كتابات السيد محمد الهيني في سياقها الراهن وفي سياقها التاريخي أيضا.
فمن جهة السياق الراهن يلاحظ أن الدستور الجديد رفع صفة القدسية التي حاول البعض الصاقها بأشغال المجلس الأعلى للقضاء من خلال اقرار حق القضاة في الطعن في المقررات التي يصدرها المجلس الأعلى للسلطة القضائية بخصوص تدبير وضعيتهم الفردية.
بل ونجد أن الجمعية المهنية التي ينتمي اليها السيد محمد الهيني دأبت على اصدار بيانات لتقييم أشغال المجلس الأعلى للقضاء انطلاقا من الأدوار المعترفة لها طبقا للمعايير الدولية والدستورية، وما نشر هذه البيانات وما تضمنتها من انتقادات موضوعية لمؤسسة المجلس الأعلى للقضاء على نطلق واسع اعلامي وحقوقي وأكاديمي الا تنزيل لروح الدستور الجديد الذي اعترف بالطابع المجتمعي للشأن القضائي.
بل وإذا وضعنا كتابات السيد محمد الهيني في سياقها التاريخي سنجد أنها تنهل من مضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح دورة المجلس الاعلى للقضاء في فاتح مارس 2002، التي جاء فيها: " على المجلس أن ينأى بنفسه وبصفة نهائية عن كل النزعات الفئوية المهنية والانتخابوية الضيقة والممارسات المنحازة حتى يحقق لذاته الاستقلال اللازم ويدرك بنفسه ويرسخ الوعي لدى الغير بأن الاستقلال هو الشرط الملازم للمسؤولية جاعلا مصلحة الأمة فوق كل اعتبار".
ان الانتقادات الموجهة إلى طريقة عمل المجلس الاعلى للقضاء نجدها واردة حتى في الوثائق الرسمية التي تصدرها وزارة العدل نفسها والتي اعتبرت في تقريرها مفتشيتها العامة أن كتابات السيد محمد الهيني التي انتقد فيها المجلس الأعلى للقضاء عملت على زعزعة ثقة المواطنين في جهاز القضاء ومن ثم شكلت صورة من صور اخلاله بواجب التحفظ المفروض على القضاة، ونشير في هذا الصدد لما أورده تقرير رسمي صادر عن وزارة العدل يحمل عنوان: اصلاح القضاء حصيلة المنجزات 1997-2002 مسار الاصلاح، جاء فيه بالحرف:
"لقد أساء نظام البارونية والتكتلات، بشكل ملحوظ ومند وقت طويل، إلى استقلال القضاء ومصداقيته، حيث وجدت شبكات موسعة وخفية تستفيد من دعم وحماية بعض الجهات، استطاعت أن تخترق جسم القضاء، وتمكنت من عرض نظرتها ومنطقها المخالف للدستور والمسيء لاستقلال العدالة والقانون.
كما ساد هذا النظام داخل المجلس الأعلى للقضاء، مما جرد هذه المؤسسة من قيمتها الدستورية، وحف أهدافها على حساب العدالة والمصلحة العامة.
لذا كان لزاما استبدال ثقافة التعتيم والمصالح الفئوية، بتكريس منطق الشفافية والعمل بمساطر محددة ومعايير موضوعية، تضمن معالجة موحدة لجميع ملفات قضاة المملكة، وترسخ ثقافة المكافأة استنادا إلى الجدارة والاستحقاق"[17].
ان ما ادعاه تقرير المفتشية والمقرر في حق السيد محمد الهيني من كون كتاباته ساهمت في زعزعة ثقة المواطنين في جهاز القضاء، لا يعدو أن يكون مجرد افتراء يفنده الواقع إذ لا بد من الاعتراف بأننا أمام زخم من البيانات الصادرة عن جمعيات حقوقية، ومواقف الجمعيات المهنية الداعمة لحق القضاة في التعبير عموما ولقضاة الرأي على وجه الخصوص .. وهي مواقف وصل صداها الى المحيط الاقليمي والدولي (بيان اللجنة الدولية للحقوقيين وهي احدى الجهات التي عرضت عليها مسودة وزارة العدل لمشاريع القوانين التنظيمية للسلطة القضائية،معهد لاهاي الدولي لحقوق الانسان ،التحالف الدولي لحقوق الانسان ) وعلى المستوى الوطني نجد الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الانسان والذي يضم 22 جمعية حقوقية-.. التفاف مهني، وشعبي، وحقوقي يؤكد عدالة قضية الدكتور محمد الهيني وطابع المتابعة الانتقامي والسياسي والحزبي  .
بل وان المؤشرات الاحصائية الممسوكة لدى المندوبية السامية للتخطيط تثبت أن قطاع العدالة يأتي على رأس المؤسسات لتي يضع فيها المغاربة ثقتهم، إذ أن21٪ منهم تعطي ثقة كبيرة للعدالة، و17٪ للصحافة و16٪ للمنظمات غير الحكومية و9٪ للبرلمان و7٪ للجماعات المحلية و 5٪ للأحزاب السياسية[18].
كل ذلك يؤكد عدم وجاهة الاستنتاجات التي خلصت اليها تقارير المفتشية والمقرر.
وإذا كان الفصل 111 من الدستور قد نص  في فقرته الأولى  على انه "للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية."
بمعنى أخر فان الفصل 111 من الدستور اقر بحق القاضي في التعبير و رسم حدود هذا الحق في الالتزام بواجب التحفظ و الأخلاقيات القضائية .
يتضح جليا بما لا يدع مجالا للشك أو التأويل السلبي أن للقضاة حرية التعبير دون قيد أو شرط إلا بما يتعلق بواجب التحفظ و الأخلاقيات القضائية و التي لا  يجب التوسع في إعطائها تأويلا غير ديمقراطي لأن ذلك يتنافى وجوهر وروح الدستور و الذي يتعين على كل عاقل التقيد التام بتأويل نصوص الدستور بما يتلاءم مع الجوهر الديمقراطي و الحقوقي له وليس العكس كما أكد على ذلك جلالة الملك في خطاب 30 يوليوز 2011 (أن أي ممارسة أو تأويل منافي لجوهره الديمقراطي يعد خرقا مرفوضا مخالفا لإرادتنا ملكا وشعبا  ).
وعليه فإن أي متابعة تأديبية- تعتبر غير مشروعة - في حق القضاة على ما يصدر عنهم من أراء أو مواقف تجاه بعض مشاريع النصوص القانونية والتي تهم وضعيتهم وتمس استقلاليتهم وحتى معارضتها يمكن اعتباره من صميم واجباتهم لأن في دفاعهم عن استقلاليتهم  دفاعا عن حقوق  المواطن لأن باستقلال القضاء سنضمن احدى أهم دعائم دولة الحق و القانون،ميمون خراط :مواقف القضاة بين حرية التعبير وبدعة الصبغة السياسية ،منشور بموقع العلوم القانونية .
يبقى أن نستقرئ الأنظمة القانونية المقارنة؛سيما القانون الفرنسي وتطبيقاته لنتأكد أن القاضي الهيني لم يقترف بتاتا أي فعل يندرج في خرق واجب التحفظ اللهم انتقاد مشاريع القوانين غير الدستورية لما سمي بالسلطة القضائية والتي حاول وزير العدل إضفاء طابع القداسة عليها في عداء مطلق مع الحق في حرية التعبير والحق في الاختلاف في محاولة يائسة لتمرير هذه المشاريع الكارثية التي تكرس لهيمنة السلطة التنفيذية على القضاء لجعله كما قال وزير العدل في الندوة الأخيرة لمجلس المستشارين قضاء الوصاية .
 
ـ الإطار القانوني  لواجب التحفظ في النظام القانوني الفرنسي [19].

 إن واجب التحفظ في النظام  الفرنسي  محدد بالمرسوم رقم -58-1270 الصادر بتاريخ 22/12/1958 المعتبر   بمثابة قانون تنظيمي متعلق بنظام القضاء ، هذا القانون التنظيمي الذي حدد  مجموعة من الالتزامات المفروضة  على القاضي الفرنسي و التي من بينها واجب التحفظ.
   فالبر جوع إلى المادة 6 من هذا النظام الأساسي و التي تحدد مضمون قسم القاضي، نجدها تفرض على القاضي الفرنسي الالتزام بسرية المداولات والالتزام بالشرف .
كما أن المادة 10 من نفس القانون تحدد مضمون  واجب التحفظ لدى القاضي  وتمنع عليه الخوض في كل المداولات السياسية أو التصريح المنافي  لمبدأ  وشكل الحكومة  وكذلك أي تصريح ذي طبيعة سياسية  يتنافى مع طبيعة مهنته او يعرقل  عمل المحاكم .
وبالرجوع الى المادة 43 من النظام الأساسي للقضاء  نجده يعتبر الخطأ التأديبي كل إخلال من طرف القاضي بواجبات الشرف و اللياقة  والكرامة .
وابتداء من سنة 2010 اعتمد المجلس الأعلى للسلطة القضائية" مجموعة قواعد سلوك القضاة " [20] وذلك  بناء على التقرير المنجز من طرف خلية التفكير حول أخلاقيات  القاضي ،هذه  الخلية التي تم إحداثها   من طرف وزير العدل الفرنسي و التي قدمت  تقريرها  سنة 2003 ، ليتم بعد ذلك تبني هذه القواعد عوضا عن إحداث مدونة للسلوك[21] .
و بالرجوع إلى" مجموعة قواعد سلوك القضاة"  هذه ، نجد بأن واجب التحفظ يشكل ركنا من بين أركان هذه القواعد .
 ثانيا : التطبيقات العملية  لواجب التحفظ في النظام القانوني الفرنسي .
زيادة على الإطار القانوني المحدد لواجب التحفظ ،  فان القرارات  الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية  باعتبارها هيئة تأديبية و  القرارات الصادرة عن مجلس الدولة الفرنسي   كجهة طعن كفيلة بتبيان الخيط الابيض من الخيط الاسود لواجب التحفظ .
فعلى  مستوى  تشخيص واجب التحفظ انطلاقا من مجموعة قواعد السلوك  المنشورة  والمعتمدة  من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية ،فواجب التحفظ الغاية منه الحفاظ على صورة العدالة  وذلك انطلاقا من ان القاضي هو جزء من مؤسسة العدالة  وعليه الحفاظ على هذه الصورة انطلاقا من سلوكه الشخصي.
  وانطلاقا دائما من  مجموعة قواعد السلوك التي يجب على القاضي الخضوع اليها فواجب التحفظ يمكن النظر اليه انطلاقا من الزاوية المؤسساتية  والزواية الوظيفية ثم في الاخير من الزاوية الشخصية .
على المستوى المؤسساتي  :

فواجب التحفظ مفروض على قضاة الحكم والقضاء الواقف .
فالقاضي يجب عليه الامتناع عن التعليق على القرارات  والاحكام التي اصدرها ، كما أن عليه ان يمتنع عن انتقاد الأحكام  الصادرة عن زملائه في المحكمة التي يعمل بها ، وذلك احتراما لمبدأ ان التحليل  القضائي للحكم  هو من اختصاص محكمة الطعن.
كما ان واجب التحفظ يفرض على القاضي  مراعاة سرية المداولات والنقاشات القانونية والمساطر  والمعلومات التي حصل عليها بصفته قاضيا ، كما  يمنع عليه  ان يمد  الغير بأسرار الملفات التي كانت تحت يده  وبالتالي عليه ان يتخذ واجب الحيطة كقفل مكتبه  وإغلاق الحاسوب وما إلى ذلك .

 أما على المستوى الوظيفي :

فالقاضي يجب عليه الامتناع عن التصريح بشكل فردي للصحافة حول القضايا المعروضة عليه فقط ،دون غيرها من القضايا باعتباره خبيرا في القانون  .
غير ان واجب التحفظ لا يمنع القاضي من المشاركة في إعداد القوانين بصفته ممتهننا لمهنة قانونية ، كما انه  لا يمنع  عليه التعاطي الحر مع هذه النصوص القانونية  وبالتالي فواجب التحفظ  لا يمنع القاضي من  الانضمام  الى هيئة مهنية تمثيلية للقضاة دون أخرى .

 وعلى  المستوى الشخصي :

فواجب التحفظ يمنع على القاضي الانتماء إلى أي تنظيم أو مجموعات الهدف منها معارضة  القضاء كما يمنع عليه التعبير العلني  عن الولاء السياسي لأي هيئة وذلك في حدود عدم المساس  بوظيفة القاضي والسلطة القضائية .
كما ان  الامتناع عن التصريح العلني  يدخل ضمنه ما يمكن  أن يصدر عن القاضي من كتابات،  هذه الكتابات التي يجب أن لا تنصب حول مذكرات  قضائية  ومتعلقة  بقضايا كانت معروضة عليه .
 وإذا كانت هذه الحدود المؤطرة لواجب التحفظ من خلال المبادئ المتبناة   من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، فان القرارات الصادرة عن هذا المجلس باعتباره هيئة تاديبية تزيد مبدأ وجوب التحفظ لدى القاضي وضوحا  .
فانطلاقا من القرارات التاديبية الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية و الى حدود سنة 2014 ،
فان المجلس الاعلى للسلطة القضائية اعتبر بأن القاضي يكون مخلا بواجب التحفظ عندما يسمح لنفسه بمناقشة قضية معروضة عليه عبر شبكة التواصل الاجتماعي  و ماسا بثقة المتقاضي في القرارات القضائية و هو الضامن للحياد و التجرد [22].
و اعتبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية في قرار أخر ، بان واجب التحفظ لا يعني تقييد حق القاضي و إلزامه بالسكوت ، بل يجب أن يكون واجب التحفظ مراعيا للحق في الاستقلالية و مختلفا عن واجب التحفظ لدى الموظف العمومي [23] ، كما انه اعتبر بان واجب التحفظ لا يمس بحرية التفكير و التعبير لدى القاضي [24] .
اما على مستوى القرارات الصادرة عن مجلس الدولة الفرنسي حول واجب التحفظ ، فقد اعتبر بأن قهقرة القاضي لمدة سنة بسبب تصريحه الصحفي المرفق ببيان نقابي صادر في نفس الصحيفة لا يشكل خرقا لواجب التحفظ [25] ، في حين اعتبر مجلس الدولة الفرنسي في قرار أخر بأن تصريح القاضي لوسيلة إعلام و إعطاء وجهة نظره حول قضية معروضة عليه يشكل خرقا لواجب التحفظ لدى القاضي [26].
و خلاصة القول فان واجب التحفظ  يتمثل في امتناع القاضي عن التصريح الذي يؤدي الى خلق الشك حول استقلاله و حياده متى ارتبط بمهامه القضائية .
و في الاخير فانه و انطلاقا مما سبق عرضه ، فان  واجب التحفظ لم يكن الا قيدا لضمان استقلال القاضي و حياده  واحترام المتقاضي و ليس الغرض منه مصادرة حقه في التعبير و على ضوء هذا يجب قراءة مقتضيات الفصل 111 من دستور 2011 قراءة عمودية .
وهكذا يلاحظ أن تقرير المفتشية العامة وتقرير المقرر تعمد وأمام غياب أي سند قانوني للمتابعة التأديبية المتعلقة بالإخلال بواجب التحفظ والتي لم يصدر بشأنها أي قانون تنظيمي لتنزيل المقتضيات الدستورية ذات الصلة، تعمد أسلوب الانتقائية المقيتة  الهادفة  بشكل يائس إلى  محاولة غير موفقة في اثبات ما جاء في مضمون الشكاية من خلال الاستعانة ببعض التطبيقات من القانون المقارن، خاصة بعض اجتهادات المجلس الأعلى للقضاء في فرنسا، وهي اجتهادات ينبغي وضعها في سياقها التاريخي والحقوقي، إذ من المعلوم أن موقف المجلس الاعلى للقضاء في فرنسا عرف مرونة أكبر بحسب تطور مفهوم الأخلاقيات القضائية، فما كان يعتبره المجلس خلال الستينيات من القرن المنصرم كإحدى تطبيقات اخلال القضاة بواجب التحفظ أصبح اليوم لا يعدو أن يشكل مظهرا من مظاهر حرية القضاة في التعبير التي ينبغي احترامها طبقا لتطور المعايير الدولية المتعلقة باستقلال القضاء.
وفي هذا الصدد نلحظ أن تقرير المقرر تعمد الاستعانة باجتهاد سابق للمجلس الأعلى للقضاء يعود إلى سنة 1966، تراجع عنه نفس المجلس خلال الألفية الجديدة مع الطفرة الحقوقية التي يشهدها العالم، فإذا كان المجلس الفرنسي المحافظ اعتبر نشر قاض مقالا ينتقد فيه وزير العدل، وان استعان باسم مستعار، خروجا عن واجب التحفظ، فإنه سلك وخلال القرن الواحد والعشرين مسلكا أكثر مرونة وأقل صرامة بخصوص اعمال واجب التحفظ،  ففي حالة مماثلة (أسلفنا الحديث عنها) في أطرافها، تحتفظ الصفحة 286 من الجريدة الرسمية لمجلس الشعب الفرنسي بتاريخ 05/02/2009  بسؤال كتابي للبرلماني M. Jean-Pierre Michel  موجه إلى حارسة الأختام وزيرة العدل حول مقال نشر بجريدة لوموند من طرف نائب الرئيس المكلف بالتحقيق بالقطب المخصص لقضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية الكبرى بباريس، تضمن ردا قاسيا على انتقاد برلماني لمسطرة التحقيق في قضية إرهابية، وتساءل صاحب السؤال حول ما إذا كان بإمكان قاضي أن يعبر علانية عن موقفه الشخصي حول قضية باشر التحقيق في شأنها؟ فبالأحرى أن ينتقد بحدة برلمانيا حول رأيه الشخصي المشمول بالحصانة الدستورية، طالبا من وزيرة العدل رأيا في شأن ما إذا كان المقال يشكل خرقا لواجب التحفظ.
وقد أجابت وزارة العدل بتاريخ  09/04/2009  بكتاب منشور بالجريدة الرسمية لمجلس الشعب ص 907 . كالتالي: " تخبر وزيرة العدل، النائب المحترم بأن واجب التحفظ المنصوص عليه في المادة 10 من المرسوم رقم 58-1270 المنشور بتاريخ 22 دجنبر 1958 بمثابة القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، والذي لا يتوفر في شأنه أي تعريف نصي، هو مفهوم تحددت معالمه بمقتضى الاجتهادات التأديبية للمجلس الأعلى للقضاء، الذي اعتبر في رأيه بتاريخ 09 أكتوبر 1987 أن القاضي ليس ملزما بواجب الانسياق ولا بالتزام الصمت. وأن مبدأ الحق في حرية التفكير، والرأي والتعبير تشكل الأساس المحوري للاستقلالية المطلوبة منه كقاض وتميزه عن باقي الموظفين.(....) وأن المقال موضوع سؤال البرلماني لا يشكل مساسا بواجب التحفظ. إذ أن قاضي التحقيق الذي كتبه لم يخرق سرية التحقيق الملزم بها، وأن حارسة الأختام لا تملك إلا أن تشاطر النائب المحترم رفض مثل هذه الكتابات، وتستنكر بصفة عامة، رغم مبدأ الفصل بين السلط وحرية التعبير، أن تتحول وسائل الإعلام إلى فضاء لمناقشة القضايا الرائجة أمام المحاكم."
هكذا إذن التزمت وزير العدل الفرنسية الحياد رغم خطورة ما قام به القاضي من نشر مقال حول قضية كانت رائجة أمامه، ووجه انتقادا لرأي برلماني مشمول بالحصانة، مفضلة التفسير الحقوقي لواجب التحفظ، ومستحضرة الدور المطلوب من القضاء في مناقشة كل ما يتصل بممارساتهم المهنية دون أن يجدو أنفسهم مساقين إلى مقاصل التأديب.
وفي نفس السياق نشير إلى نازلة أخرى تؤكد تطور مفهوم واجب التحفظ، ففي أواخر أبريل 2013 نشر الصحفي Clément Weill-Raynal من قناة France 3 على موقع Atlantico فيدو مصور بواسطة الهاتف خلسة لسبورة بداخل مقر نقابة القضاة sm) تمثل حوالي 30% من القضاة الفرنسيين) علقت عليها ما بين 2005 إلى 2012 عشرات الصور الشخصية لمجموعة من رجال السياسة، وزارء عدل سابقين، رئيس الدولة ساركوزي، بعض أعلام الفكر والصحافة، النشر، والعديد من الشخصيات البارزة المحسوبة على اليمين وحتى بعض القضاة وأرفقت الصور بتعليقات حادة و جارحة ترقى إلى درجة السب والقذف، بل إن الجدار المتضمن لتلك الصور سمي بـ le "Mur des cons".
  أحدث نشر الفيديو زلزالا قويا داخل الطبقة السياسية، وشغل حيزا كبيرا في النقاش العمومي على وسائل الإعلام، وتوالت التصريحات المنددة بخرق القضاة لواجب التحفظ، ومعاداتهم لرموز اليمين ولرجالات الفكر وحقدهم الدفين عليهم، بل وهناك من نبش في ملفات قضائية أدارها أعضاء من النقابة واستنتجوا أنها حركت بدوافع سياسية، ولم يعدموا الدليل فقد كانت الصور المصحوبة بالتعليقات الجارحة واضحة الدلالة في جدار العار المعلق بمقر النقابة.
وبطبيعة الحال وجدت حارسة الأختام Christiane Taubira نفسها في موقف لا تحسد عليه، فهناك من جهة استنكار حاد وإجماع لمختلف مكونات الطيف السياسي والإعلامي على التنديد بما قام به القضاة الذين فقدوا أمام الرأي العام حيادهم وتحولوا إلى خصوم سياسيين، وهناك من جهة تقاليد الاستقلالية، وحرص الوزيرة على عدم التورط في صراعات مفتوحة مع القضاة، فاهتدت بحس سياسي لافت إلى رمي الجمرة إلى المجلس الأعلى للقضاء وطلبت كتابة استشارته حول ما إذا كان جدار العار بصوره وتعليقاته الصادمة يشكل مخالفات للأخلاقيات القضائية وخطأ يستلزم تحريك المتابعة التأديبية.
وبالفعل كان المجلس الأعلى للقضاء في مستوى الانتماء واعتذر عن الإفتاء بعلة التخوف من المساس بحياد وتجرد أعضائه، فلم تجد الوزيرة في معرض جوابها عن السؤال الكتابي للسيناتور Alain Houpert الذي طالب بتحريك المتابعة التأديبية في حق القضاة، سوى القول بأن المجلس الأعلى لم يمنح الضوء الأخضر للمتابعة، خوفا على حياده من جهة، ولأن سبورة صور العار رغم ما تضمنته من إساءة لا يمكن أن تكون محل متابعة تأديبية لكونها معلقة في مقر خاص بنقابة القضاة، وأنه خارج الشكايات ذات الطبيعة الجنحية لكل من تضرر والتي لن تتدخل فيها الوزيرة، يستحيل تحديد المسؤولية الشخصية وبالتبعية تحريك مسطرة التأديب.
وبالفعل توجه المتضررون بشكايات مباشرة أمام قاضي التحقيق مع الانتصاب كطرف مدني، في مواجهة Françoise Martres  رئيسة نقابة القضاة. ونأت وزيرة العدل بنفسها عن استعمال سلطتها في تحريك المتابعة التأديبية، ورحمت أعضاء المجلس من قضية ملتهبة كان من شأن تحريكها أن يدفع إلى اختبار ولاءهم لمنتخبيهم اختبارا قاسيا. وكفى المؤمنين شر القتال.
للأسف هذه التطبيقات الرائدة للاجتهادات القضائية الفرنسية في مجال اعمال واجب التحفظ والتي تقدم نماذج رصينة في تدبير الأزمات الناشئة بين السياسي والقضائي[27]، تم طمسها تماما من مجال الأبحاث التي باشرها جهاز المفتشية العامة بخصوص الشكاية المقدمة في مواجهة السيد محمد الهيني، بل وحتى استعانة هذه التقارير ببعض النماذج المحافظة لتطبيقات واجب التحفظ حسب اجتهادات المجلس الأعلى للقضاء لم تشفع لاثبات صحة ما جاء في مضمون الشكاية، حيث استعان السيد المفتش والمقرر باجتهادات خارج السياق، لقضاة فرنسيين أدينوا بالاخلال بواجب التحفظ، ومن بينها حالة القاضي الفرنسي الذي أدلى بتصريح خلال الجلسة ينتقد فيه السياسة الجنائية المتبعة في مجال مواجهة الادمان، حيث اعتبر المجلس الاعلى  للقضاء بفرنسا "أن مبدأ حرية الكلام خلال الجلسة لا يشكل حصانة لفائدة قاضي النيابة العامة إذا تعمد ممثل النيابة العامة خرق الالتزامات المرتبطة بواجب التحفظ، أو أدلى بتصريحات تكتسي صبغة سياسية طبقا لمقتضيات الفصل 10 من القانون الأساسي للقضاة".
ان استعانة السيد المقرر بهذا القرار الصادر بتاريخ 09/10/1987، يؤكد عدم وجود أي أساس قانوني للمتابعة المسطرة في حق السيد محمد الهيني، فالمثال الذي استعان به السيد المقرر يتعلق بتصريح صادر عن قاض داخل جلسة، باعتباره جزءا من الهيئة القضائية، ومن ثم يبق منطقيا اعتبار أي تصريح صادر عنه خلال الجلسة فيه انتقاد للمشرع أو للسلطة التنفيذية خروجا عن واجب التحفظ، وهو التفسير المنطقي الواجب اعطاؤه للفصل 13 من النظام الأساسي لرجال القضاء بالمغرب الذي ينص على أنه : "يمنع على الهيئة القضائية كل نشاط سياسي وكذا كـل موقف يكتسي صبغة سياسية". لكن إلى أي حد يمكن التسليم بإمكانية تمديد نطاق هذا الفصل ليشمل تصريحات القضاة خارج مجال عملهم، بعيدا عن الجلسات والمهام القضائية؟
إن الدكتور الهيني ومواقفه وأحكامه هي من تزرع الثقة في تطور النظام القضائي  بشهادة العام والخاص محليا ودوليا ،ومتابعته هي من تزرع الثقة في استقلال القضاء وحياده بالنزوع نحو السيطرة على السلطة القضائية والتأسيس لقضاء سياسي أو حزبي بمتابعات انتقامية وسياسية أقيمت بناء على شكاية من فاعلين سياسيين من حزب الوزير .

مفهوم الموقف الذي يكتسي صبغة سياسية :
 
   حظر الفصل 111 من الدستور على  القضاة الانخراط في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية،وترتيبا عليه يمنع عليهم ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي ،و هذا الأمر يعد محسوما ولا يقبل الجدل لأنه من نتائج استقلالية السلطة القضائية كمؤسسة واستقلال القاضي كفرد ليكون بعيدا عن التأثيرات والالتزامات التي يفرضها الحزب أو المنظمة ، ويجعله منحازا بعيدا عن مبادئ العدالة و ما يعد خرقا لمبادئ السلوك القضائي  التي تفرض التجرد والتحفظ،لكون الفعل السياسي أو النقابي قد يؤدي إلى تطويع القضاة لرغبات ومواقف أهل السياسة الذي يضعف مناعة وتحصين العمل القضائي ويضرب استقلاليته في العمق،ويجعل المحاكم تبدو شكلية وصورية بعيدا عن العدالة والنزاهة .
وقد أكدت المواثيق الدولية الخاصة بتعزيز استقلال القضاء، هذا المبدأ بتأكيدها أن القضاء لا ينبغى أن يكون أداة فى العمل السياسى، أو يتم استخدامه لإجازة أوامر تصدرها أي من السلطتين التنفيذية أو التشريعية، حتى لا تهتز ثقة الرأى العام فى حياد السلطة القضائية، ومما لا شك فيه أن انخراط القضاة فى العمل السياسى، أياً كانت صورته، يؤثر فى تجردهم ونزاهتهم واستقلالهم.
لكن ما قد يثير التساؤل والنقاش العمومي هو شمول الحظر ليس فقط بالانخراط في الاحزاب السياسية والمنظمات النقابية وممارسة الانشطة السياسية والنقابية وإنما أيضا إبداء الموقف السياسي ،فما هي إذن مقومات الموقف السياسي؟
 
من وجهة نظرنا فإننا نعتبر أن تأثيم الموقف السياسي يعد أمرا عاديا ولا خلاف عليه من حيث المبدأ لكونه من مستلزمات ونتائج الحظر الأصلي الدستوري والنظام الأساسي للقضاة  ،وما ينقصه فقط هو ضبط مدلوله لكي لا يتوسع في تفسيره على نحو يخنق حرية التعبير ويعدمها ،ومحاولة منا في استجلاء وضبط المفهوم يمكن تعريفه على النحو التالي :هو" كل موقف انحيازي لفائدة طرف سياسي أو نقابي واضح لذاته إما بمناصرته دفاعا عنه  أو بمعاداته تبرما وحطا من شأنه "ولا يعد كذلك ممارسة النقد للأفكار والبرامج والخطط الوطنية  بشكل علمي أو اتساق مواقف القاضي عرضيا مع مواقف فاعل حزبي أو نقابي دون تنسيق أو دعم في مجالات الشأن العام .
ويشمل الموقف السياسي أيضا ألا تشمل جلسات المحاكم ولا الأحكام الصادرة ولا الأسباب التى تبنى عليها الأحكام، إبداء رأى يتعلق بأمور السياسة . 
فالقضاء محايد والسياسة منحازة ، هكذا طبائع الأمور، وعندما يتسيس القاضي لأي سبب يفقد حياده وعدله ، لأن هناك علاقة تعارضية بين السياسة والقضاء،لكن السياسة المقصود بها هنا السياسة الحزبية والمسائل الداخلية للمنظمات السياسية التي يمنع على القاضي مجرد الخوض أو الجدال فيها ،لأن حظر انتمائه إليها يعني بداهة عدم الدخول في مجالاتها ، لانه بذلك يحمي استقلاله وبه تحصن وامتنع ،ليحس المواطن بعدل القاضي وبالثقة في أحكامه وبالتزامه بقسمه بألا يحكم إلا بضميره والقانون.
غير أن المثير للجدل هو توسيع مجال الحظر ليشمل ليس فقط الموقف السياسي وإنما أيضا التصريح المعتبر سياسيا مما سيعصف بشكل واضح بحرية التعبير بالنسبة للقضاة وسيجعلهم قضاة صامتين لا رأي لهم ،لأن كل تصريح إذا لم يكن سياسيا سيعتبر كذلك من باب الاشتباه قياسا على" ظهير كل ما من شأنه "وهذا يعد في الحقيقة مخالفة للدستور ولاسيما الفصل 111 الذي متع القضاة بحرية التعبير طالما أن التعبير متوافقا مع مبادئ التجرد والاستقلال والأخلاقيات القضائية،فضلا عن أن هذا المفهوم غير منضبط بالمرة ،ويستوعب جميع التصريحات التي يمكن الإدلاء بها من طرف القاضي بمناسبة عمله الجمعوي أو المهني أو العلمي في المنتديات العلمية والثقافية وفي وسائل الإعلام ،والهدف منه إقبار كل رأي قضائي حر مدافع عن استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ،لأنه سيؤدي إلى فتح مجالات المتابعات التأديبية الموجهة عن كل انتقاد للسلطة التشريعية أو التنفيذية أو حتى لمؤسسات السلطة القضائية ،وكأنها معصومة من الخطأ .
وهكذا لا يعد أبدا من قبيل السياسة مناقشة القضاة ومنهم الفقيه المبدع والقاضي المحنك د الهيني أو الجمعيات  المهنية  للقضاة  للسياسات العمومية التشريعية أو التنفيذية في المجالين القانوني والقضائي أو نقدها لأنها من قبيل النقاشات المجتمعية الوطنية التي لا يحظر المشاركة فيها أو التعبير عن الرأي بخصوصها وفق منهج علمي يبعدنا  عن أي شبهة  لفكر الاصطفاف أو التخندق لصالح هذا الطرف أو ذاك ،بغية تحرير السلطة القضائية مِن الهيمنة الإدارية والمالية للسلطة التنفيذيَّة ،وتحرير القضاة بالمقابل أيضا من جميع المؤثرات السياسية أو من سلطة المال والإعلام،ومناطق التحكم والنفوذ  ،لأن الأهم هو المساهمة في ارتقاء تشريعاتنا القانونية والقضائية وسياساتنا العمومية لما تخدم المجتمع والمواطن بعيدا عن الحساسيات الضيقة التي قد تعتبر أي رغبة في التغيير معاكسة لإرادة الإصلاح ،لأن الاصلاح لن يتقدم إلا بالمصارحة والنقد البناء ولو كان قاسيا ،لأن طريق الاصلاح شاق وصعب ويتطلب تضافر جميع الجهود والضمائر الوطنية المخلصة والوفية لمبادئ العدالة ولدور القضاء المواطن في إحقاق الحقوق وصون الحريات وضمان الامن القانوني والقضائي.
ومن المهم الإشارة أن التجريم التأديبي "لكل تصريح معتبر سياسيا" يبرز أزمة القلق التشريعي من تنامي موجة حرية التعبير وتأثيرها على  أداء المؤسسات التي عوض أن تتلقف مكامن الخلل وتسعى لإصلاحها تحاول وأد مكتشفيه"الخلل" والرمي بهم في أحضان التأديب حتى يرتدع دعاة الاصلاح ويلتزمون بإخراس ألسنتهم،لأن سيف التأديب قد يسلط عليهم عاجلا أو آجلا بشكل مطاطي وبتفسير واسع لا يخضع إلا لمخيلة أصحابه ،لأنه حمال أوجه تبعا للتفسير المراد له ولاستخداماته المتعددة التي يمكن استغلالها للمس باستقلال القاضي في أي وقت وزمن ،وفي مواجهة أي شخص، وحسب مشيئة جهة التأديب واختياراتها ومنطلقاتها وأفكارها، إن شاءت عاقبت ،وإن شاءت عفت، وإن شاءت ضيقت ،وإن شاءت وسعت،المهم أن يظل القاضي تحت رحمتها خاضعا لرغباتها ومتمسكا بنواهيها  ،ويصعب بعدئد  دحض أي تفسير مخالف  أو مناقشته بدعوى أنه مرتكز على أساس من مشروع القانون ومعبر عن اختيارات المشرع والمجتمع،لأنه الاهم بالنسبة لجهة التأديب ليس مشروعية فعل المتابعة أو عدم ملاءمتها وإنما قانونيتها أي استنادها للقانون بصرف النظر عن جدية المتابعة وحسن سير العدالة ،وثقة المواطنين في فعالية المتابعة ،مما يجعل أي رقابة على سلامة التفسير كأن لم تكن في غياب أي تحديد لعناصر التفسير ولا لخصائصه وفقا لأبجديات خاصية القاعدة القانونية،لأن التشريع علم وفن بأهداف واضحة ووسائل محددة وليس مجرد رغبات لتضييق الحريات وخنق الحقوق  .
ان وأد ومناهضة هذا المقتضى غير الدستوري صمام الأمان للفكر الديمقراطي المؤمن بتعددية الافكار وفضائل الحوار ،طالما أنه لا أحد يملك الحقيقة ،ولا يمكن إقامة محكمة تفتيش للآراء والأفكار خارج الدستور والقانون،ففتح قنوات حرية التعبير يعزز سيادة القانون واستقلال القضاء ،أما قمع الحريات فلا يولد إلا الشطط والتعسف والخوف وانعدام الثقة ويقوي الفساد ومنافذ التحكم .
فالأمن القانوني للقاضي منطلق للأمن القضائي للمواطن ،فالقاضي الذي لا يأمن نفسه من شر التأويلات القانونية الهاضمة لحقوقه وحق المواطن في قضاء قوي لا يأتمن على حقوق وحريات المواطنين،فكيف يدافع عن حقوق الناس من لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو أعجزه القانون عن الدفاع عنها؟ نبيل بوحميدي: إلى أعضاء مجلس المستشارين..إنكم تناقشون قوانين السلطة القضائية التي بدأ العمل بها ، منشور بموقع العلوم القانونية.
وهكذا فالدكتور الهيني لم يتدخل في شأن خاص للاحزاب السياسية أو الحكومة حتى تنسب له ظلما وزورا إبداء موقف سياسي،بل ساهم باقتدار وكفاءة في مناقشة العديد من القضايا القانونية والقضائية كان له قصب السبق في مناقشتها بشكل علمي وأكاديمي كفاعل حقوقي وجمعوي وكخبير أكاديمي .
وحيث إن القضاة غير مُمثّلين في غرفة البرلمان ولا يمكنهم أن يدلوا بآرائهم في هذه المواضيع التي تتعلّق بهم ولهم فيها موقف يقترب من الصواب نتيجة الخبرة النظرية والعَمَلية، فإنهم راموا الاستفادة مما يتيحه لهم الدستور (حرية التعبير وحرية الانخراط في جمعيات مهنية كانت أو غير مهنية، لأن المشرّع الدستوري لم يكن يعبث لمّا فرّق بين "الانتماء إلى جمعيات" من دون تحديد كنهها، وبين "الانخراط في الجمعيات المهنية"، ولم يكن يعبث لمّا حضَر على القضاة الانتماء فقط إلى النقابات والأحزاب، فالأصل هو إباحة الانخراط في جميع الكيانات المدنية والاستثناء هو الامتناع عن عضوية الأحزاب والنقابات، وعلى المشاريع المقترحة أن تُراعي هذا الأمر الذي يجد شرحه وتأكيده في المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب)، فانخرطوا في جمعيات تهتم بمنظومة "العدالة" وتولوا فيها مسؤوليات، التي من ضمنها إصدار مواقف في العديد من القضايا التي لا تهم فئة القضاة فقط بل سائر  المواطنين، لأن من طبيعة المجتمع المدني التجرّد من الذاتية، وإلا ما الهدف من انتماء القاضي إلى جمعية إذا كان سيظل ممنوعا من الكلام إلا فيما يخص حياته المهنية؟ كما كتبوا مقالات وبحوث علمية تبيّن العَوار الذي تتضمنه مشاريع القوانين التنظيمية للسلطة القضائية، رغبة منهم في تجويدها وتنبيه المشرع إلى خطورة ما يُقدِم عليه نتيجة مخالفته للدستور والقوانين الدولية، (وهذا حال مقال ذ. الهيني بعنوان: "فرق الأغلبية البرلمانية وتبعية النيابة العامة لوزير العدل: ألا في الفتنة الدستورية سقطوا؟" الذي يُعبر فيه مواطن - لديه خبرة في الموضوع - عن همومه سواء لأنه مارس مهنة القضاء ويعرف خباياها، وساء لأنه منضوٍ  في جمعية مهنية من شأنها رصد حرية القضاة، ومنتسب لجمعية حقوقية تهدف إلى تطوير منظومة العدالة في المغرب، وهو بمقاله هذا لم يتّخذ موقفا سياسيا،لأن انتقاد بعض المواقف في الهيئة التشريعية حاولت الالتفاف عن نتائج الحوار الوطني الذي صُرفت عليه الملايين، واستغرق الكثير من الوقت والسجال، لا يُعتبر موقفا سياسيا إطلاقا ،بل هو موقف وطني بامتياز يتعلق بمصلحة العدالة في بلد يسعى إلى التخلّص من الماضي السلبي، ويسعى إلى  وتكريس استقلالية القضاء و يسمُو به على التصنيفات السياسية، فهذا يدخل في باب حرية التعبير والمشاركة في النقاشات كما هو حال القاضي المتابع).
ألم يجمع وزير العدل مؤخرا شيوخ القضاة من الرئيس الأول والوكيل العام للملك وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمسؤولين القضائيين في برنامح سياسي تلفزي في القناة الوطنية الأولى حول الانتخابات، ألا يشكل ذلك بحق خروجا عن واجب التحفظ وبمثابة رسالة سياسية على أن الوزير السياسي يده الطولى على القضاء.مقالة د عبد الرحيم العلام: فيما بين حريّة التعبير  والموقِف السياسي من انفِصال: حالة القُضاة،منشورة في موقع هسبريس ،وموقع العلوم القانونية.
ألا يعلم من يريد إخراس ألسنة القضاة، أن هؤلاء، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من البشر، "لا يمكنهم أن يَفصلوا أنفسهم عن نموذج القيم الكامن في المجتمع أو في الجماعة التي ينتمون إليها"  (ألان سوبيو: الانسان القانوني، ص241).
بناء على كل ذلك، فإن حرية التعبير تضمن للقضاة إبداء رأيهم في كل الأمور المطروحة للنقاش العمومي ما لم تكن مطروحة أمام محاكمهم بصفتهم قضاة موضوع، وهذا هو التمييز الوحيد الذي ينبغي أن يحضر  في هذا المستوى، فمثلا لا يمكن لقضاة المحكمة الدستورية أن يكون لهم رأي في الموضوع خارج ما تصدره المحكمة عندما يُعرض عليهم المشروع، كما أن رأي القضاة لا يتّخذ طابعا سياسيا ما لم يواكبه انخراط صاحبه في حزب سياسي، لأن مسألة التمييز بين ما هو سياسي وما هو غير سياسي تبقى مستحيلة، فالأفكار  تنتمي لعالم النسبية، وما يبدو بعيدا عن السياسية في نظر البعض  قد يراه البعض الآخر من صميم العمل السياسي، فكثيرا ما مُنعت روايات وأعمال أدبية ولوحات فنية بدعوى أنها تحمل أفكارا سياسية، لكن بعد ذلك بعقود أو بقرون تَبيّن أن هذا الأمر  مُجحف وأن تلك الأعمال تدخل ضمن دائرة حرية التعبير.
علما أن الاختلاف بين المدارس العلمية لا يقتصر على تحديد الأفعال السياسية من غيرها، بل انصبّ قبل ذلك على السياسة في حد ذاتها، فإذ رأى بعض العلماء أن السياسة "فعل يهدف إلى حسن التدبير والاهتمام بالشأن العام"، فإن البعض الآخر  رأى فيها "فن إلهاء الناس عن شؤونهم، أو هي القدرة على خداع المواطنين"، وفي تعاريف علماء الاسلام للسياسة هي "سياسة شؤون الناس ومساعدتهم على النهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، وتحت هذا التحديد يمكن إدخال جميع الأعمال النبيلة في دائرة ممارسة السياسة، فالفقيه في مسجده يَسُوس الناس، والقاضي في محكمته يمارس السياسة، والكاتب في روايته يحرص على توعية الناس ومن تم سَوسهم.  لذلك اتجه علماء السياسة إلى الاقتصار على التمييز الضيق للسياسية بما هي انخراط الناس في هيئات سياسية تروم الوصول إلى السلطة وممارسة الاصلاح من فوق، وفي هذا السياق يأتي التمييز بين المجتمع السياسي الذي من سماته الرغبة في الوصول إلى الحكم وبين المجتمع المدني الذي من سماته التوعية والتثقيف والتربية أي أنه يهدف إلى الاصلاح من تحت.
وبالتالي، فإن ما يقوم به بعض القضاة في المغرب يدخل ضمن ما تتيحه لهم المواثيق الدولية، وما يكفله لهم الدستور، ولا يمكن أن يتعرّضوا بموجِب ذلك إلى التأديب أو التوقيف، تحت أي مبرر كان ما داموا قادرين على مزاولة مهامهم، ولا تأثير  لمواقفهم وآرائهم على القضايا التي يحكمون فيها، كما لا يمكن أن يخرجهم ذلك عن واجب التحفّظ الذي يليق بهم، ما داموا لا يفشون أسرارا استودِعوها، ولا يُحابُون طرفا ضدا آخر، ولا يناصرون جهة ضد أخرى، ولا يتورطون في قضايا جنائية أو مادية أو أخلاقية تجعلهم عرضة للتشنيع وفقدان الثقة، أما غير ذلك فهو  ضمن حرية التعبير بصرف النظر  عن التوصيف الذي يعطيه البعض لمضمون هذا التعبير ما لم تؤدي حرية التعبير إلى إلحاق الضرّر بالغير، وهو الشرط الوحيد الذي وضعه فلاسفة الحرية للاستفادة من الحق في التعبير  وعلى رأسهم ج. لوك وج.ج روسو  واستيوارت ملْ وغيرهم.
ويجدر التنويه إلى أن التجارب المقارنة متقدمة جدا عن ما هو متاح للقضاة في المغرب حتى على المستوى الدستور، فالقضاة في تونس والجزائر القريبتين من المغرب، من حقهم الانخراط في النقابات والدفاع عن مصالحهم وإبداء آرائهم، وتم إحداث "مجلس الدولة" الذي يؤدي دورا مهما في النهوض بالعدالة. وللقضاء في بلدان آخرى صَولات وجولات في قضايا تكتسي طابعا سياسيا في الوهلة الأولى، من قَبيل الدور المزدوج لرئيس مجلس اللوردات البريطاني بصفته رجل سياسة، وبصفته رئيس أعلى للقضاء. ولحماية القضاة في هذا البلد، فإن القانون نص على استمرار القاضي في منصبه مدى الحياة او إلى حين إحالته على التقاعد، وعدم جواز إقصائه بإجراء من السلطة التنفيذية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، ففضلا على أن بعض ولاياتها تعتمد انتخاب قضاة محاكمها بدل تعيينهم، فإن لهؤلاء القضاة أدوارا سياسية ذات فاعلية، فقد اتّخذوا، من خلال المحكمة العليا، موقفا حاسما من مسألة العبيد، وهم اللذين أبطلوا قوانين روزفلت في إطار "الخطة الجديدة"، ووقفوا في وجه الكونجرس والرئيس معا، في مسألة التمييز بين السود البيض في المدارس، وهو التمييز الذي كان معمولا به قانونيا منذ 1896، وأنصفوا الأجانب. ومن القرارات الجرئية التي اتخذها قضاة المحكمة العليا، نجد إقرارهم الحق في الإجهاض، والحق في التنقل والذهاب والعودة، وإقرار حرية الصحافة في قضية فيتنام (راجعه في: عبد الرحمان بدوي، سيرتي الذاتية، ص 244).
و يمكن القول مع أحد أبرز القضاة والمفكرين البريطانين صاحب كتاب "فكر القانون" القاضي "دنيس لويد" إن القانون وديعة في صدور القضاة، لكن هؤلاء ليسوا مستقبلين سلبيّين للقانون، بل يُثبِت التاريخ الحديث والمعاصر أنهم ساهموا بشكل كبير في صياغة قواعده، رغم أن سلطة القضاة على صنع القانون تختلف اختلافا أساسيا عن وظيفة التشريع. بمعنى أنه لا يمكن استغلال مبدأ "واجب التحفظ" للسيطرة على عقول القضاة ولجم ألسنتهم، وجعلهم عبارة عن آلات لأصدار الأحكام، لأنه أكبر خاسر في هذه الظروف هو المجتمع والدولة، إذ لا يمكن لقاض خائف ومرعوب ولا رأي له أن ينتصر لحرية المواطنين ويخدم العادلة التي هي أساس الحكم. فواجب التحفظ ينبغي ألا يتم توسيع مجاله إلى الدرجة التي يصبح فيها سيفًا مسلّطا على حرية تعبير القضاة، وإنما هو مبدأ يجب ألا يتجاوز حدوده المتعارف عليها عالميا، وإلا فإننا سنتوسل مرة أخرى بـ"الخصوصية المتوهّمة" التي لا يُلجأ إليها إلا عندما يطالب الناس بحقوقهم، أما أثناء إلزامهم بالتكاليف فهم والشعوب العالمية على حدٍّ سواء.
وحيث خلص تقرير المفتشية العامة وكذا تقرير المقرر إلى أن السيد محمد الهيني ومن خلال عدد من المقالات والتدوينات المنشورة بمواقع التواصل الاجتماعي وبعدد من الصحف التي انتقد فيها مشاريع القوانين التنظيمية للسلطة القضائية التي وضعتها وزارة العدل، والتعديلات التي قدمتها فرق الأغلبية، يكون قد عبر عن موقف سياسي متدخلا في عمل السلطة التشريعية بمجاهرته بموقفه المنحاز إلى جانب المعارضة في مواجهة الأغلبية.
بداية نتساءل هل ما نسب إلى السيد محمد الهيني من انتقاد لمشاريع القوانين التي أعدتها الحكومة يندرج فعلا ضمن باب ممارسة السياسة، أم في باب حرية ابداء الرأي المكفولة دستوريا؟
وإذا كان الجواب هو اعتباره ضربا من ضروب ممارسة السياسة، فحري بنا أن نتساءل هل المحظور الانحياز الي مطلق أي فريق، أم الانحياز الي فريق معين دون فريق آخر؛ وبمعني أوضح هل نحاكم تأديبيا من اعترض على مشاريع القوانين التي أعدتها الحكومة ونتهمه بالتماهي مع موقف المعارضة، ونرفع إلى مصاف البطولة من صفق لهذه المشاريع ووقف مدافعا عنها دون أن نتهمه بمجاراة الحكومة؟
ان الجواب على هذا السؤال يقتضي وضع مواقف وآراء السيد محمد الهيني في سياقها العام وهو سياق مناقشة مشاريع قوانين السلطة القضائية من طرف الجمعيات المهنية القضائية والحقوقية التي يعد عضوا فاعلا فيها، (أنظر المرفقات : بيان ائتلاف الجمعيات المهنية القضائية، وبيان النسيج المدني، بيانات المكتب التنفيذي والمجلس الوطني لنادي قضاة المغرب)،  ومن تم فإن كتاباته لا تعدو أن تكون مجرد مناقشة لمواقف الجمعيات المهنية والمدنية التي ينتمي اليها، وهي كتابات ينبغي وضعها أيضا في سياق كتابات زملائه القضاة الذين عبروا عن تحفظاتهم بخصوص عدة مقتضيات تضمنتها مشاريع قوانين السلطة القضائية (أنظر المرفقات : حوار مع رئيس الودادية الحسنية للقضاة، حوار مع رئيس نادي قضاة المغرب، حوار مع رئيسة الجمعية المغربية للمرأة القاضية، مقالة رئيس جمعية المنتدى المغربي للقضاة الباحثين ، حوار مع عضو جمعية رابطة القضاة..).
بل ان التقارير المنجزة في حق السيد محمد الهيني تعمدت  الانتقائية من أجل محاولة اثبات ما جاء في مضامين الشكاية التي تقدم بها بعض البرلمانيين من فرق الأغلبية، فعوض أن تباشر أجهزة وزارة العدل أبحاثا مستقلة وموضوعية للتأكد من مضمون الشكاية المقدمة، اعتمدت أبحاثها على اثبات ما جاء في مضمون الشكاية، ذلك أن السيد المفتش العام تعمد الاستعانة ببعض الفقرات المقتطفة من مقالات سابقة للسيد محمد الهيني نشرت في عدة منابر اعلامية، التي تتضمن انتقادات موضوعية لبعض مشاريع القوانين التي أعدتها الحكومة، في الوقت ذاته تعمد عدم الاشارة إلى مقالات سابقة للسيد محمد الهيني منشورة على نطاق واسع في نفس المنابر الاعلامية التي اعتمدها تقرير المفتش، ومن أجل اثبات أن ما صدر عن السيد محمد الهيني لا يعدو أن يكون مجرد آراء علمية تعتمد أسلوب النقد العلمي البناء، نسوق بعض الأمثلة لفقرات من مقالات سابقة للدكتور الهيني تعمدت تقارير وزارة العدل اغفالها؛ حيث جاء في مقال للدكتور الهيني منشور على هامش ميثاق اصلاح منظومة العدالة بعدد من الصحف والمواقع الالكترونية:  "وبالنظر لأهمية وجودة التوصيات التي جاء بها ميثاق إصلاح العدالة والتي تشكل موجهات إرشادية للمؤسسة التشريعية لا تكتسي صبغة إلزامية، وإنما صبغة معنوية لا يمكن نكرانها، مع الإقرار بداية بعمومية وإجمال بل وفضفاضة بعض التوصيات التي تتناول إصلاح بعض القوانين مثل قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية وقانون المساعدة القضائية وغيرهما، دون إبراز ملامحها وأبعادها وتصوراتها الجلية والجديرة بمقاربة تفصيلية ذات مضمون إجرائي وموضوعي محدد، فقد ارتأينا الإدلاء بدلونا في النقاش العمومي حول المسائل الخلافية التي قد تبدو مؤشرات سلبية من وجهة نظرنا يجب معالجتها وإعادة النظر فيها للدفع بالأمام عملية تفعيل الإصلاح القضائي في صورة نصوص تشريعية وتنظيمية في المنظور القريب".
(محمد الهيني: تأملات حول اصلاح منظومة العدالة، مقال منشور بجريدة الأخبار وبموقع العلوم القانونية، موجود ضمن المرفقات).
بل ونجد حوارا للسيد محمد الهيني مع موقع جديد بريس أجرته الصحفية سناء كريم تحت عنوان "الهيني: مسودة القانون الجنائي تعاطت بشكل إيجابي مع الضحايا"، تضمن اشادة ببعض مضامين هذه المسودة التي اعدتها الحكومة، وهي نفس الاشادة الي تضمنها مقال آخر للدكتور محمد الهيني جاء فيه: "الحقيقة أن المشروع يعد في جزء كبير منه رائد في تبني سياسة جنائية حديثة زاوجت بين الخصوصية المغربية والانفتاح على التجارب المقارنة، لكن أي عمل إنساني شابه قصور من عدة أوجه غلب عليها الطابع المحافظ رغم الطابع الوضعي للقانون الجنائي منذ 1962".
ويضيف المقال "هكذا تضمنت مسودة مشروع القانون الجنائي مستجدات إيجابية جدا هامة لاسيما على مستوى تنزيل النص الدستوري –الفصل 23 منه بتجريم الاختفاء القسري –م 231-9 والإبادة الجماعية –م 448-5 والجرائم ضد الإنسانية –م 448-7 وجرائم الحرب–م 448-10 ،كما تم تجريم الاتجار في البشر وتهريب المهاجرين،وتجريم التمييز والحث على الكراهية ،وازدراء الأديان لكن ذلك لا يمنع من القول أنها محاولة تشريعية أولية تحتاج لنضج كبير وهوية حقوقية واضحة تتسق مع التفسير المتنور للدين وأحكام الاتفاقيات الدولية حتى لا يتم إيقاف حملها أو إجهاضها".
ونجد نفس المقال الذي تضمن بعض اشادة بالمقتضيات الايجابية الواردة في مسودة القانون الجنائي، تضمن أيضا جردا لبعض المقتضيات السلبية، إلى جانب مقترحات عديدة تضمنها أيضا نفس الحوار، ومن بينها: " ضرورة تفعيل القضاء رد المبالغ المتحصلة من بيع الأشياء أو الأمتعة المنقولة التي كان للضحية الحق في استردادها عينا وكذا الأشياء أو الأمتعة المنقولة المتحصل عليها بواسطة ما نتج من الجريمة، وتوسيع وعاء الجرائم المشمولة بالتنازل والصلح، بالإضافة إلى منح القضاء الجنائي سلطة كاملة على الدعوى المدنية التابعة للدعوى العمومية بنفس سلطات المحاكم المدنية ومنها اختصاص إبطال العقود المزورة وإتلافها، وتوسيع وعاء الطلبات المدنية بقبول طلبات إدخال شركة التأمين والمسؤول المدني وصندوق تعويض ضحايا الجريمة حالة إحداثه لتفادي ظاهرة التضخم في الدعاوى وتشتتها بين القضاء الجنائي والقضاء المدني".
ان هذه المقتطفات تؤكد أن السيد محمد الهيني موضوعي في تحليلاته، يسلط الضوء على ما هو ايجابي يستحق التنويه، ويضع أصبعه على ما هو سلبي ويسلط الضوء عليه، ويقدم أيضا الحلول التي يراها قد تسهم في اغناء النقاش العمومي في المواضيع التي تدخل ضمن اهتمامات الجمعيات التي ينتمي اليها.
لكن هل انتقاد القاضي للقوانين -في اطار ممارسة حقه في التعبير-يعد تدخلا في عمل المشرع؟ وهل انتقاد القاضي في نفس المناسبة لأداء قطاع معين (صحة، تعليم، عدل...) في مقال أو ندوة أو مداخلة يعد تدخلا في عمل السلطة التنفيذية وخروجا عن مبدأ فصل السلط ، بالشكل الذي أقره مونتيسكيو؟؟؟
نكاد كفريق دفاع نجزم بأننا نعيش حالة "تيه مفاهيمي"، ومحاولة تنكر للذاكرة الحقوقية والقضائية الوطنية التي آن الآوان لترميمها وحفظها للأجيال الراهنة والقادمة، فالنقاش الدائر اليوم على خلفية الشكاية التي نشرت على نطاق واسع لبرلمانيين من فرق الأغلبية في مواجهة الدكتور محمد الهيني أحد أبرز القضاة الناشطين على مستوى البحث العلمي والاكاديمي، والبارزين على صعيد العمل الجمعوي باعتباره من بين الأعضاء المؤسسين لنادي قضاة المغرب، والفاعلين في جمعية عدالة، والخبير لدى عدة منظمات حقوقية، هو نقاش محفز للانتباه للمحاولات التي تبذلها عدة جهات لجعلها نقاشا معزولا عن سياقه الوطني الراهن، وسياقه التاريخي.
فمن حيث السياق الوطني الراهن، يبدو مثيرا للانتباه أن وزارة العدل والحريات قطعت أشواطا كبيرة في جولات الحوارات الوطنية التي نظمتها بخصوص عدة اصلاحات تشريعية على رأسها قوانين السلطة القضائية، وقوانين المسطرتين الجنائية والمدنية، والقانون الجنائي، وهي جولات استقطبت آراء المهتمين بهذه القوانين وعلى رأسهم القضاة، فكيف يعقل أن تطلب وزارة العدل والحريات في اطار المقاربة التشاركية التي تعلن عنها آراء القضاة وتستاء من الآراء التي تنتقدها؟
ومن حيث السياق التاريخي حري بنا ان نتساءل: ألم يسبق أبدا لقضاة، أن انتقدوا مشاريع قوانين تقدمت بها فرق أغلبية أو معارضة، ألم يسبق لقضاة أن انتقدوا القوانين الجاري بها العمل، ألم تنطلق دعوات تغيير عدة تشريعات بفضل أصوات قضاة؟
للإجابة على هذه الأسئلة التي تبدو حائرة أمام النقاش الراهن، نعود بذاكرتنا إلى عدة محطات وطنية مفصلية سجلت الحضور القوي للقضاة بخصوص القضايا التي تهم مرتكزات الدولة والمجتمع، قبل الاستقلال وبعده، إذ نجد أن القضاة المغاربة كانوا من بين الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال التي قدمت لسلطات الحماية بتاريخ 11 يناير 1944، وبعد الاستقلال قاد القضاة معركة المطالبة باستعادة السيادة على المحاكم المغربية والتي توجت بصدور قانون توحيد القضاء وتعريبه ومغربته، ونجد خلال تلك المرحلة الحاسمة في تاريخ قضائنا المغربي كتابات خالدة لقامات قضائية كبيرة لم تتوانى عن تشجيع مواقفها بكل جرأة وشجاعة دون أن تتوجه لها أصابع الاتهام بأنها تتدخل في عمل السلطتين التشريعية أو التنفيذية، أو كونها تسهم بانتقاداتها لبعض المؤسسات الدستورية في زعزعة ثقة المواطنين في جهاز القضاء، فقبل أزيد من نصف قرن كتب السيد حماد العراقي المحامي العام حينئذ بالمجلس الأعلى معلقا على طريقة عمل المجلس الاعلى للقضاء : "..وقد دلت التجربة على أن مجلسا من هذا النوع يخضع تركيبه لإرادة وزارية..من شأن ذلك أن يخل باستقلال القضاة وحصانة رجاله، فان القاضي الذي يملك الوزير وحده حق نقله لا يعتبر نفسه في نجوة من سلطانه، وقد يضطر إلى مصانعته والانحراف عن الطريقة المثلى ليظفر بعطفه وينال المكان الذي يطمع فيه.".[28]
في نفس السياق يضيف القاضي حماد العراقي : "اذا أعطينا سلطة التشريع حق التنفيذ فإنها تصدر قوانين ظالمة".[29]
لم ينظر أحد لتصريحات القاضي حماد العراقي بأنها تزرع الشك في مؤسسة المجلس الاعلى للقضاء واستقلالية القضاء، أو أنها تشكل تدخلا في عمل السلطتين التشريعية أو التنفيذية، وانما تم استقبالها بصدر رحب ووضعت في سياقها الطبيعي الداعي لإصلاح حقيقي لمؤسسة المجلس الاعلى للقضاء حتى تضطلع بمهامها الموكولة اليها دستوريا، ولاحترام تطبيقات مبدأ فصل السلط المنصوص عليه دستوريا.
ان المؤسف ما تضمنه  تقرير المفتشية العامة من أن مقالا للسيد محمد الهيني موضوع الشكاية، تضمن فقرات تتحدث عن ما أسماه ماضي انتهاكات حقوق الانسان بأسلوب يمس مؤسسات البلاد دون مراعاة للمقتضيات التي تحظر على القضاة اظهار اي انتقاد لمبادئ النظام السياسي وهو ما يبدو من خلال عبارة: "انما وضعها داخل رحم السياسي وجبروته من يذكرنا بالماضي البعيد، ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والذي كان فيه القضاة مجرد ذيل له".
إذ أن تبريرات المفتشية العامة الهادفة إلى اضفاء صيغة  التهويل من بعض كتابات السيد محمد الهيني من اجل اثبات صحة ما جاء في الشكاية موضوع النازلة، جعلها تبدو وكأنها مؤسسة تعيش خارج اطار دستور 2011 الذي أقر مبدأ دسترة توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، وخارج السياق التاريخي والحقوقي الذي نعيشه، فمتى كان الاستشهاد بمقتطفات من تقرير الانصاف والمصالحة الذي قدم أمام أعلى سلطة في البلاد، وهو القاضي الأول جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، شكلا من أشكال الاخلال بواجب التحفظ.
وفي هذا الإطار جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة تخليد ذكرى السادسة والأربعين لثورة الملك والشعب يوم 20/8/1999 "وفي هذا السياق أحدثنا هيئة تحكيم مستقلة إلى جانب المجلس الاستشاري لحقوق الانسان بهدف تحديد تعويض ضحايا وأصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء والاعتقال التعسفي وأصدرنا تعليماتنا بأن تشرع هذه الهيئة في مباشرة أعمالها"وجاء في خطاب آخر "غايتنا المثلى تضميد الجراح وفتح صفحة جديدة تكرس فيها كل الطاقات لبناء مستقبل مغرب ديمقراطي وعصري وقوي لمواجهة المشاكل الحقيقية والملموسة لاجياله الصاعدة..[30]"وفي سياق المرتكزات الحقوقية جدد جلالته مقتضيات الإنصاف والعدل التي طبعت معالجة ملفات الماضي وبوضعها في سياق المصالحة ،مؤكدا في هذا الصدد "...منذ تولينا عرش أسلافنا المنعمين أعلنا بكل حزم ووضوح إنحيازنا للقضايا العادلة وللديمقراطية وإشراك أبناء شعبنا في معركة التنمية المستديمة الشاملة.وقد أولينا عناية خاصة لقضايا حقوق الانسان تجسدت في العديد من الإجراءات والتطورات الهادفة إلى مصالحة المغاربة مع تاريخهم  وتسوية ما شابه من تجاوزات وانتهاكات،وكان هدفنا ولا يزال هو توفير الشروط الضرورية لتأمين المستقبل عبر جبر الضرر ورد الاعتبار للضحايا وإعادة التأهيل وإرساء الضمانات الكفيلة بالوقاية والحماية من عدم تكرار الماضي.كما ان دعوتنا إلى تجاوز الضغينة وإرساء ثقافة التسامح مع الإنصاف لمن شأنها أن تفتح آفاق المستقبل ومتطلبات بنائه بكامل الاعتزاز والمسؤولية .وشكل هذا الاختيار حلقة من مشروع متكامل يتوخى توسيع فضاء الحريات وإصلاح التشريعات وتطوير الآليات وتدعيم التربية على حقوق الإنسان ،وبناء على علاقات جديدة بين الإدارة والمواطن قوامها المصلحة العامة والثقة المتبادلة والمسؤولية في الأداء والتضامن مع الضعفاء والمهمشين وإشراك كافة المجتمع المدني في هذه المعركة المتواصلة".[31]
ومن أجل إنجاح المسار المغربي للإنصاف والمصالحة باعتباره مشروعا وطنيا وعملا حضاريا لبناء المستقبل ولرفع التحديات الداخلية والخارجية للبلاد في إطار تعزيز الانتقال الديمقراطي من طرف شعب لا يهرب من ماضيه ولا يظل سجين سلبياته ،بل يعمل على تحويله إلى مصدر قوة ودينامية لتشييد مجتمع ديمقراطي يمارس فيه كل المواطنين والمواطنات حقوقهم بحرية وينهضون بواجباتهم بكل وعي والتزام في إطار دولة الحق والقانون.[32]
ان ما قاله السيد محمد الهيني مستدلا بتقرير الانصاف والمصالحة، قالته كل الطبقة الحقوقية والأكاديمية والقضائية جهارا، بل وتم تبني هذا التقرير في مخرجات الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة، ويكفي في هذا السياق الاشارة إلى ما جاء في مؤلف لأحد رموز القضائي المغربي: " ظهر ذلك جليا من خلال التقرير الختامي الذي أعدته هيئة الانصاف والمصالحة بمناسبة انتهاء أشغالها فيما يخص تحديد مسؤولية الدولة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان  وتحديد التعويضات جبرا للضرر، والذي خلصت فيه أن القضاء لعب دورا أساسيا في تكريس هذه الخروقات، وكان ورقة مضمونة بيد السلطة التنفيذية من أجل بلوغ أهدافها[33].
  إن واجب التحفظ مستحدث في ظل الدستور المغربي لابد من الاطلاع على التجارب القضائية المقارنة للاستفادة منها وهو ما يسمى "بانش ماركين" وللاستفادة من المنهجية والتجارب الأجنبية وخلق منهجية واقامتها مع الوضع المحلي هذا ليس عيبا  ومتداولا في الدول المتقدمة  والدول  السائرة في طريق النمو .
ويشير تعريف الاتحاد العالمي للقضاة لواجب التحفظ بأنه يعني ممارسة القضاة لواجباتهم باعتدال وكرامة وباحترام لمهامهم ولأي شخص معني. وفي هذا الإطار، اعتبر المجلس الأعلى للقضاء بفرنسا من صور إخلال القاضي بواجب التحفظ قيامه بإفشاء سرية  التحقيق الجنائي في قضية ما.
فمن المعلوم أنه لا يقبل من القضاة إبداء آرائهم بخصوص القضايا الرائجة المعروضة عليهم لأن في ذلك مساس بحقوق المتقاضين وتأثير على السير العادي للعدالة، كما لا يقبل منهم إفشاء السر المهني عموما أو أسرار المداولة على وجه الخصوص.
ولا يمكن أن نقيس على ذلك الممارسة الجمعوية  للقضاة لأن إلزامهم بالتحفظ بهذا الخصوص مساس خطير بحريتهم في التجمع، وهي الحرية المكفولة دستوريا، وعلى صعيد المواثيق والاتفاقيات الدولية؛ ومن شأن التسليم بهذا التأويل غير الديمقراطي للنص الدستوري تحويل جمعيات القضاة إلى جمعيات صامتة عاجزة عن القيام بأي أدوار حقيقية للدفاع عن ضمانات استقلال السلطة القضائية بالشكل الذي تقره افضل التجارب الدولية في هذا الصدد  وهنا تجدر الاشارة الى برلمانين فرنسين قدموا اقتراح قانون سنة 1982لالزام نقابات القضاة بالتقيد بموجب التحفظ الملزم للقضاة لكن الاقتراح اصطدم بممانعة قوية ولم يتم إقراره.
 
وحيث يجب القول  بكل صراحة و وضوح  أن الذين يهددون ثقة المواطنين في جهاز القضاء هم اللصوص الذين يبيعون اﻷحكام و يتاجرون في حقوق الناس و حرياتهم....وليس القاضي الهيني الذي ﻻ يمكن ﻷي أحد التشكيك في نزاهته و استقامته.....القاضي الهيني وأمثاله من القضاة النزهاء و ما أكثرهم ولله الحمد هم الذين يعززون ثقة المواطنين في القضاء وليس العكس....
وحيث إن القاضي سيدي الرئيس السادة الأعضاء المحترمين لا يمكنه أن يحمي حقوق وحريات المواطنين ويصون الأمن القانوني والقضائي وهو مفتقد للحماية الذاتية لحماية استقلاله كمرتكز دستوري لفائدة المتقاضين للاحتماء بقضاء مستقل ومحايد وكفئ ،ويبقى الأمل معلقا على اجتهاد قضائي إداري وفقا للمسار المشرق الذي خطته الغرفة الادارية باقتداروالذي من شأنه يعيد الاعتبار للقاعدة الدستورية والقانونية  لحماية الأمن القانوني والقضائي  للقضاة من منطلق القضاء المواطن لتخليق وتهذيب الادارة ورد شططها وانحرافها لتسلك جادة الصواب وطريق المشروعية  ،وما ذلك على الله بعزيز.
 
لأجله:

يلتمس العارض من المجلس الموقر بعد الإشهاد له على الإدلاء بهذه المذكرة الكتابية ما يلي:

الحكم بإيقاف سير المتابعة التأديبية لتجريج الوزير نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء في انتظار بت جلالة الملك في الدفع بتنحيته عن ترؤس المجلس لفقدانه الحياد ولبطلان جميع الاجراءات المباشرة من طرفه للخروقات الدستورية والقانونية الخطيرة التي شابتها والتي تجعلها باطلة بطلانا مطلقا لانعدام جسم المخالفة مطلقا وسيطرة نوازع الانتقام السياسي والحزبي الضيق والمس باستقلالية قاض  باستغلال التأديب لغير أغرض حسن سير العدالة ومصلحة المرفق القضائي .
مع كامل التقدير والاحترام
 ولمجلسكم الموقر واسع النظر
 
 
التوقيع
هيئة الدفاع عن الدكتور محمد الهيني
 
 
 
 مرفقات

رأي الخبير الدولي سعيد بنعربية 
الخبير الدولي لدى اللجنة الدولية للحقوقيين
ومدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
في قضية المتابعة التأديبية للقاضي الهيني
 
نص المبدأ الثامن من مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية على انه وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع، ومع ذلك يشترط أن يسلك القضاة دائما، لدى ممارسة حقوقهم، مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء"
 وعموما، اذا كان على القاضي أن يحاول الامتناع عن التحدث أمام العامة في القضايا المثيرة للجدل، فان هذا لا ينطبق على التدخلات المتعلقة بالدفاع عن المؤسسة القضائية، والحقوق الأساسية أو حكم وسيادة القانون، أو بغرض تفسير القضايا القانونية.[1]
:للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع الرجاء الرجوع الى دليل اللجنة الدولية في الصفحة 32 وما يليها
http://icj.wpengine.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/2013/08/PGJL_Arabic_ElecDist.pdf
 
بالاضافة الى ذلك، فان تهمة الإدلاء بتصريح ذي طابع سياسي تتعارض مع مبدأ الشرعية. ويستوجب هذا المبدأ، بموجب القانون الدولي، تعريف المخالفات بدقة ووضوح حتى يتسنى للشخص المعني معرفة الأفعال و/او الامتناعات التي قد تترتب عليها مسؤوليته التأديبية. وعلاوة على ذلك، ومن اجل احترام هذا المبدأ، يجب ان يكون كل عنصر من عناصر المخالفة قابلا للإثبات. وبشكل متصل، يجب ان لا يكون النص فضفاضا بحيث يشمل في منع الأفعال و/او الامتناعات المعنية السلوكات التي يحميها القانون الدولي، بما في ذلك الحق في حرية الرأي والتعبير.
 
ان اي تصريح يمكن اعتباره بشكل او بآخر ذي طابع سياسي، وذلك حسب السلطات التقديرية الواسعة التي ستكون لجهات المتابعة والبث في الموضوع في تفسير هذا النص. وعمليا، فانه يمكن ان يستخدم هذا النص بشكل تعسفي لمتابعة اي قاضي بشأن اي تصريح، وفي ذلك انتهاك لمبدأ الشرعية وتقييد تعسفي للحق في حرية الرأي والتعبير. وعندما أراد المشرع المقارن تقنيين  هذا الموضوع فلقد كان اكثر دقة، بحيث عادة ما يتم التنصيص عَلى منع القضاة من الانتماء الى الأحزاب السياسية، حيث يكون من السهل إثبات المخالفة ان تمت، ويكون من السهل تحقيق  الهدف المتوخى ( الحفاظ عَل حياد القاضي). بل حتى في هذه الحال، فان الانتماء السياسي الحزبي السابق (الولايات المتحدة) او في بعض الحالات حتى اثناء الممارسة القضائية ( فرنسا) لا يعتبر مخالفة تأديبية 
 
حيث ينص المبدأ 21 الصفحة السادسة من المدونة على ان : " القاضي يتمتع بنفس الحقوق المعترف بها لما لكل مواطن بالانتماء الى حزب سياسي، الى نقابة مهنية، او الى جمعية  وان يمارس الدين الذي يختاره" 
 
http://www.conseil-superieur-magistrature.fr/files/recueil_des_obligations_deontologiques_des_magistrats_FR.pdf


هوامش

[1]  تعليق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تحت 2.2. راجع أيضاً السلطة القضائية في إنكلترا وويلز، "دليل السلوك القضائي"، مارس 2013، الفقرة 8.2.1: "ليس هناك من اعتراض على هذه المشاركة طالما أنّ القضية تؤثر بشكلٍ مباشر على سير المحاكم، واستقلالية القضاء، أو جوانب إدارة العدل
وفي هذا الإطار طالبت اللجنة الدولیة للحقوقیین، الإثنين 7 دجنبر، السلطات المغربیة، بوضع حد فوري للإجراءات التأدیبیة المتخذة ضد القاضي  محمد الھیني، على خلفية إحالته من طرف وزير العدل والحريات، على المجلس الأعلى للقضاء بناء على ما اعتبرتها اللجنة "مزاعم غیر مؤسسة" تتمثل في "الإخلال بواجب التحفظ" و"اتخاذ موقف یكتسي صبغة سیاسیة".
وفي هذا الصدد، فإنه على السلطات المغربیةالامتثال لالتزاماتھا بموجب المعاییر الدولیة بضمان استقلال القضاء وحمایتھا والحفاظ علیھا، بدلا من فرض إجراءات تأدیبیة تعسفیة وغیر مبررة على قضاة یساھمون في تعزیز سیادة القانون واستقلال القضاء، لأنه من الواضح أن الإجراءات التأدیبیة المتخذة ضد القاضي  لا أساس لھا ویجب إنھائھا على الفور وبدون شروط
كما يجب على السلطات المغربیة وضع حد لھجومھا على استقلالیة القضاء، بما في ذلك من خلال إعادة النظر في الإصلاحات المؤسسیة والقانونیة المعیبة، ومن خلال إنھاء الإجراءات المسیسة المحركة ضد القضاة".
وأشارت اللجنة ضمن بيانها، إلى أن "التهم الموجهة للقاضي  مستندة على تعلیقات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى مقالات صحفیة كتبھا وانتقد  من خلالھا مشروع القانون رقم 100.13 بشأن المجلس الأعلى للسلطة القضائیة ومشروع القانون رقم 106.13 بشأن النظام الأساسي للقضاة، الذین أعدتھما الحكومة، بما في ذلك المقتضیات التي یبدو أنھا وضعت للإبقاء على سیطرة السلطة التنفیذیة على القضاء وعلى المسار الوظیفي للقضاة".
وشددت اللجنة، على أن المعاییر الدولیة واضحة؛ حيث "یتمتع أعضاء الھیئة القضائیة، مثلھم مثل كافة المواطنین، بحریة التعبیر والاعتقاد وحریة تأسیس الجمعیات وحریة التجمع، بحیث لا تعتبرُ ھذه الحقوق الأساسیة بطریقة تصون كرامة مناصبھم وحیاد القضاء تأدیبیة مخالفة ممارسة واستقلالیتھا. ومن الواضح أن تعلیقات القاضي  محمد الھیني كانت في إطار حقه في حریة التعبیر".
وتبعا لذلك تكون متابعة القاضي الهيني غير مؤسسة على أساس صحيح من القانون والمعايير الدولية ؛ فما قام  به عضو نادي قضاة المغرب لا يعدو أن يكون مجرد تنزيل عملي لما تكفله المعايير الدولية من أدوار لتكتلات القضاة وروابطهم في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية، حيث أوجبت المادة التاسعة من الميثاق العالمي لاستقلال العدالة : "على القضاة أن يعملوا بصفة جماعية على حماية استقلالهم المهني.." [34].
كما جاء في شرعة الأخلاقيات القضائية العالمية، المعروفة بشرعة بنغالور : "إن للقاضي الحق مثله مثل أي مواطن آخر في التعبير والتجمع شرط أن يحافظ على حياده واستقلاله وعلى كرامة الوظيفة القضائية":
 
وعموما، اذا كان على القاضي أن يحاول الامتناع عن التحدث أمام العامة في القضايا المثيرة للجدل، فان هذا لا ينطبق على التدخلات المتعلقة بالدفاع عن المؤسسة القضائية، والحقوق الأساسية أو حكم وسيادة القانون، أو بغرض تفسير القضايا القانونية.[1]
:للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع الرجاء الرجوع الى دليل اللجنة الدولية في الصفحة 32 وما يليها
http://icj.wpengine.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/2013/08/PGJL_Arabic_ElecDist.pdf
 
بالاضافة الى ذلك، فان تهمة الإدلاء بتصريح ذي طابع سياسي تتعارض مع مبدأ الشرعية. ويستوجب هذا المبدأ، بموجب القانون الدولي، تعريف المخالفات بدقة ووضوح حتى يتسنى للشخص المعني معرفة الأفعال و/او الامتناعات التي قد تترتب عليها مسؤوليته التأديبية. وعلاوة على ذلك، ومن اجل احترام هذا المبدأ، يجب ان يكون كل عنصر من عناصر المخالفة قابلا للإثبات. وبشكل متصل، يجب ان لا يكون النص فضفاضا بحيث يشمل في منع الأفعال و/او الامتناعات المعنية السلوكات التي يحميها القانون الدولي، بما في ذلك الحق في حرية الرأي والتعبير.
ان اي تصريح يمكن اعتباره بشكل او بآخر ذي طابع سياسي، وذلك حسب السلطات التقديرية الواسعة التي ستكون لجهات المتابعة والبث في الموضوع في تفسير هذا النص. وعمليا، فانه يمكن ان يستخدم هذا النص بشكل تعسفي لمتابعة اي قاضي بشأن اي تصريح، وفي ذلك انتهاك لمبدأ الشرعية وتقييد تعسفي للحق في حرية الرأي والتعبير. وعندما أراد المشرع المقارن تقنيين  هذا الموضوع فلقد كان اكثر دقة، بحيث عادة ما يتم التنصيص عَلى منع القضاة من الانتماء الى الأحزاب السياسية، حيث يكون من السهل إثبات المخالفة ان تمت، ويكون من السهل تحقيق  الهدف المتوخى ( الحفاظ عَل حياد القاضي). بل حتى في هذه الحال، فان الانتماء السياسي الحزبي السابق (الولايات المتحدة) او في بعض الحالات حتى اثناء الممارسة القضائية ( فرنسا) لا يعتبر مخالفة تأديبية 
 
حيث ينص المبدأ 21 الصفحة السادسة من المدونة على ان : " القاضي يتمتع بنفس الحقوق المعترف بها لما لكل مواطن بالانتماء الى حزب سياسي، الى نقابة مهنية، او الى جمعية  وان يمارس الدين الذي يختاره" 
 
http://www.conseil-superieur-magistrature.fr/files/recueil_des_obligations_deontologiques_des_magistrats_FR.pdf
 

[1]  تعليق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تحت 2.2. راجع أيضاً السلطة القضائية في إنكلترا وويلز، "دليل السلوك القضائي"، مارس 2013، الفقرة 8.2.1: "ليس هناك من اعتراض على هذه المشاركة طالما أنّ القضية تؤثر بشكلٍ مباشر على سير المحاكم، واستقلالية القضاء، أو جوانب إدارة العدل
وفي هذا الإطار طالبت اللجنة الدولیة للحقوقیین، الإثنين 7 دجنبر، السلطات المغربیة، بوضع حد فوري للإجراءات التأدیبیة المتخذة ضد القاضي  محمد الھیني، على خلفية إحالته من طرف وزير العدل والحريات، على المجلس الأعلى للقضاء بناء على ما اعتبرتها اللجنة "مزاعم غیر مؤسسة" تتمثل في "الإخلال بواجب التحفظ" و"اتخاذ موقف یكتسي صبغة سیاسیة".
وفي هذا الصدد، فإنه على السلطات المغربیةالامتثال لالتزاماتھا بموجب المعاییر الدولیة بضمان استقلال القضاء وحمایتھا والحفاظ علیھا، بدلا من فرض إجراءات تأدیبیة تعسفیة وغیر مبررة على قضاة یساھمون في تعزیز سیادة القانون واستقلال القضاء، لأنه من الواضح أن الإجراءات التأدیبیة المتخذة ضد القاضي  لا أساس لھا ویجب إنھائھا على الفور وبدون شروط
كما يجب على السلطات المغربیة وضع حد لھجومھا على استقلالیة القضاء، بما في ذلك من خلال إعادة النظر في الإصلاحات المؤسسیة والقانونیة المعیبة، ومن خلال إنھاء الإجراءات المسیسة المحركة ضد القضاة".
وأشارت اللجنة ضمن بيانها، إلى أن "التهم الموجهة للقاضي  مستندة على تعلیقات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى مقالات صحفیة كتبھا وانتقد  من خلالھا مشروع القانون رقم 100.13 بشأن المجلس الأعلى للسلطة القضائیة ومشروع القانون رقم 106.13 بشأن النظام الأساسي للقضاة، الذین أعدتھما الحكومة، بما في ذلك المقتضیات التي یبدو أنھا وضعت للإبقاء على سیطرة السلطة التنفیذیة على القضاء وعلى المسار الوظیفي للقضاة".
وشددت اللجنة، على أن المعاییر الدولیة واضحة؛ حيث "یتمتع أعضاء الھیئة القضائیة، مثلھم مثل كافة المواطنین، بحریة التعبیر والاعتقاد وحریة تأسیس الجمعیات وحریة التجمع، بحیث لا تعتبرُ ھذه الحقوق الأساسیة بطریقة تصون كرامة مناصبھم وحیاد القضاء تأدیبیة مخالفة ممارسة واستقلالیتھا. ومن الواضح أن تعلیقات القاضي  محمد الھیني كانت في إطار حقه في حریة التعبیر".
هيئة الدفاع عن الأستاذ الدكتور محمد الهيني نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة،عضو مؤسس بنادي قضاة المغرب
-الأستاذ النقيب عبد الرحمان بن عمرو المحامي بهيئة الرباط، رئيس سابق لجمعيات هيئات المحامين بالمغرب
-الأستاذ النقيب عبد الرحيم الجامعي المحامي بهيئة الرباط، رئيس سابق لجمعيات هيئات المحامين بالمغرب
-الأستاذ النقيب عبد السلام البقيوي المحامي بهيئة طنجة رئيس سابق لجمعيات هيئات المحامين بالمغرب
-النقيب عبد الرحيم  بن بركة محام بهيأة المحامين بالرباط
-الأستاذ  الحبيب حجي المحامي بهيأة المحامين بتطوان
الأستاذ جمال الدين الشعيبي محام بهيأة المحامين بتطوان
-الأستاذ عبد الله الكرجي المستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط  ،عضو نادي قضاة المغرب
-الأستاذ  عبد اللطيف  الشنتوف القاضي بالمحكمة التجارية بالرباط رئيس نادي قضاة المغرب
-الاستاذة حجيبة البخاري قاضية بالمحكمة الابتدائية بمكناس ،نائبة رئيس نادي قضاة المغرب
-الاستاذ أنس سعدون نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسوق الاربعاء الغرب ،عضو مؤسس بنادي قضاة المغرب
-الأستاذ ياسين العمراني قاض بالمحكمة الابتدائية بالقصر الكبير ،الكاتب العام لنادي قضاة المغرب
 
 
[1] -الرسالة الملكية بتاريخ 10/12/1999 بمناسبة الذكرى 51 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
- حكم منشور بمجموعة أحكام محكمة القضاء الإداري المصري السنة 11 ص 224.[2]
[3] - أورده: إبراهيم زعيم الماسي: المرجع العملي في الاجتهاد القضائي الإداري، مرجع سابق ص 152.
[4] - هذا الاتجاه استقر عليه القضاء الإداري المصري: للتعمق راجع، عبد العزيز عبد المنعم خليفة:مرجع سابق ص 34.
[5] - conseil d’état, Les pouvoires de l’administration dans le domaines des sanctions, Section du rapport et des etudes, La documentation francaises p 60.
[6] - أورده: إدريس بوزرزايت: الزجر الإداري مرجع سابق ص 219، أشار إليه أيضا : عبد الإله الإدريسي: دور القضاء الإداري المغربي في حماية الموظف العمومي، دراسة في اجتهـادات = =
= = المحاكم الإدارية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية الحقوق وجدة السنة الجامعية 2000- 2001 ص 73.
كما اعتبرت محكمة الاستئناف الإدارية" أن رفض الإدارة اختيار الموظف أحد الأشخاص للدفاع عنه أمام المجلس التأديبي بدعوى أنه ينتمي إلى هيئة نقابية يجعل القرار الإداري المتخذ في حق الموظف المذكور متسما بتجاوز السلطة لخرق حقوق الدفاع الذي يشكل ضمانة من الضمانات المنصوص عليها في الفصل 67 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي لا يستثني المنتمي إلى هيئة نقابية من أن يكون مدافعا عن الموظف "قرارعدد 351 بتاريخ 04/03/2009 في الملف رقم 170/07/5، المنتقى من عمل القضاء في المنازعات الإدارية، مرجع سابق ص 37.
[7] - حكم عدد 113 ملف رقم 24-2001 غير منشور.
[8]-  Courrier juridique des affaires sociales et des sports, n 88 septembre octobre 2011, dossier les sanctions administratives.
[9] - Courrier juridique des affaires sociales et des sports, n 88 septembre octobre 2011, dossier les sanctions administratives.
[10]  -Martin Colet: op cit p333..
[11] - أورده عبد الإله الإدريسي: دور القضاء الإداري المغربي في حماية الموظف العمومي - دراسة في اجتهادات المحاكم الإدارية - رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية الحقوق وجدة السنة الجامعية 2000- 2001 ص 73.
[12] - حكم المجلس الدستوري الصادر في 19 يناير 1989، وذلك لضمان المساواة بين الأطراف حكم المجلس الدستوري الصادر في 28 يوليوز 1989، أنظر:
- Moderne )F( :Sanctions administratives et protection des libertés individuelles au regard de la convention européenne des droits de l’Homme, op .cit p 22
[13] -  Martin Colet :op cit p335.
[14]- محمد عثمان مختار محمد: الجريمة التأديبية بين القانون الإداري وعلم الإدارة العامة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1973 .
[15]- محمد عصفور: ضوابط التأديب في الوظيفة العامة، مجلة العلوم الإدارية، س 5 ، عدد 1 ، 1963.
[16]- اللجنة الدولية للحقوقيين : مذكرتان حول مشروعي القانونين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والنظام الأساسي للقضاة.
[17]- وزارة العدل: اصلاح القضاء حصيلة المنجزات(1997-2002) مسار الاصلاح، أكتوبر 2002، مطبعة فضالة بالمحمدية، ص 13 و14.
[18]- تقرير المندوبية السامية للتخطيط، أية أهداف للتنمية لما بعد 2015 ؟
[19] -مقالة للدكتور مصطفى بونجة:منشورة بموقع العلوم القانونية .
[20] Conseil supérieur de la magistrature , Recueil des obligations déontologiques des magistrats, Collection : Guides Dalloz2010.
[21] Recueil des obligations déontologiques des magistrats, opc,p9.
[22] S213CE Conseil supérieur de la magistrature statuant comme conseil de discipline des magistrats du siège Date : 30/04/2014: Par l’utilisation inappropriée qu'il a faite d’un réseau social durant le déroulement d'un procès d'assises, le magistrat a manqué à son obligation de dignité et à son obligation de réserve, gage pour les justiciables de son impartialité et de sa neutralité, et porté atteinte à la confiance que les justiciables doivent pouvoir accorder aux décisions de justice .
 
[23] le Conseil supérieur de la magistrature, dans une décision du 9 octobre 1987, rappelle que « l'obligation de réserve ne saurait réduire le magistrat au silence et au conformisme, mais doit se concilier avec le droit particulier à l'indépendance qui distingue fondamentalement le magistrat du fonctionnaire. »
[24] CONSEIL SUPÉRIEUR DE LA MAGISTRATURE. RAPPORT D’ACTIVITÉ 2011 ;P137 et suites ; L’obligation de réserve conditionne le respect du justiciable à l’égard de l’institution judiciaire. C’est ce qu’a jugé la commission de discipline du parquet dans son avis du 28 janvier 1975 (no P006), considérant que, « si elle n’oblige pas le magistrat au conformisme et ne porte pas atteinte à sa liberté de pensée et d’expression », cette obligation « lui interdit toute expression outrancière, toutes critiques de nature à porter atteinte à la confiance et au respect que sa fonction doit inspirer aux justiciables » (voir aussi avis du 12 août 1976 no P007).
Dans son avis du 9 octobre 1987 (no P 013), la commission de discipline du parquet ajoute que l’obligation de réserve est « justifiée par le souci d’éviter que soient mises en cause l’impartialité et la neutralité des magistrats, qu’il s’agit là d’une garantie pour les justiciables ».
 
Toutefois, ce principe peut connaître des dérogations qui sont liées au statut du magistrat. Tel est le sens de l’avis du 9 octobre1987 (no P013) jugeant que « l’obligation de réserve ne saurait servir à réduire le magistrat au silence ou au conformisme, mais doit se concilier avec le droit particulier à l’indépendance qui distingue fondamentalement le magistrat du fonctionnaire ».
 
[25] Conseil d'Etat 1975-01-31 n. 84791: Abaissement de la notation d'un magistrat pour une année judiciaire ayant été exclusivement motivé par les déclarations que celui-ci avait faites à un quotidien local et qui avaient accompagné la publication d'une motion syndicale par ce journal. Compte tenu de ce que l'intéressé était membre du conseil national du syndicat en cause et de ce qu'il s'était borné à commenter la motion qui venait d'être adoptée par un congrès de cette organisation, son comportement ne constituait pas un manquement au devoir de réserve. Annulation, pour erreur de droit, de la décision portant notation de ce magistrat.
[26]Conseil d'Etat N° 337245 mai 1982: Le fait pour un magistrat de donner, au cours d'une émission de radio-télévision, son opinion sur une affaire dont il avait été saisi constitue un manquement à l'obligation de réserve prévue à l'article 43 de l'ordonnance du 22 décembre 1958.
[27]- حكيم الوردي:  تأديب الرأي أسئلة الأخلاق والقانون، دراسة منشورة بالصفحة الرسمية لنادي قضاة المغرب، وكذلك بجريدة الأخبار، العدد 971، بتاريخ 15 يناير 2015، ص 14.
 
 
[28]- المحاضرة التي ألقاها السيد حماد العراقي المحامي العام بالمجلس الأعلى، منشورة بمجلة  رابطة القضاة، العدد الأول، السنة الأولى، يناير 1964، ص 26.
[29]- نفس المرجع السابق، ص 26.
 
 
[30] -خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى الاولى لعيد العرش المجيد ليوم 30/7/2000.
[31] -رسالة جلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم 8/1/2001 إلى المؤتمرين في المؤتمر الدولي الرابع والثلاثين للفيديرالية الدولية لحقوق الإنسان .
[32] -ديباجة النظام الأساسي لهيئة الإنصاف والمصالحة .للتعمق يراجع :هيئة التحكيم المستقلة ،مسار المقاربة المغربية لتسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ،مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان الطبعة  الأولى يونيو 2004ص 362.
[33]- عبد السلام العيماني: القضاء ورهان الاصلاح مساهمة في النقاش حول اصلاح القضاء، طبعة 2009، ص 24.
[34]- صدر الميثاق العالمي لاستقلال العدالة بموريال بكندا سنة 1983. 




الجمعة 29 يناير 2016

تعليق جديد
Twitter