MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



محاولة في مقاربة مبدأ الفصل بين المجال التشريعي والمجال التنظيمي

     



هشام هدي
دكتور في الحقوق (القانون العام)



محاولة في مقاربة مبدأ الفصل بين  المجال التشريعي والمجال التنظيمي

يعتبر الفصل بين المجال التشريعي والمجال التنظيمي ترجمة للفصل الدستوري بين السلط. ويرجع الفضل العلمي في تفسير مبدأ الفصل بين السلط إلى ''مونتسكيو'' في كتابه ''روح الشرائع''، حيث أقام روابط ثابتة بين هذا المبدأ وحماية الحرية، وحتى لا يكون هناك تعسف في ممارسة السلطة، يتوجب بصوت المنطق أن توزع السلطات وأن توقف السلطة السلطة. وقد جاء الإعلان  الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن لتأكيد هذا المبدأ معتبرا أن الفصل بين السلطات ضمانة من ضمانات حقوق المواطن.

لكن قبل الاتتقال إلى مقاربة بعض أوجه الفصل بين المجالين التشريعي والتنظيمي، نرى من المناسب إفراد بعض المصطلحات بتعاريف مقتضبة.

ماهية القانون والتشريع

القانون بالمعنى اللغوي هو كل قاعدة مضطردة ومستقرة تنتج آثارا معينة، وهو مقياس كل شيء وطريقه، بهذا المعنى أطلقت مفردة القانون على النظم التي تحكم الظواهر الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية... فيقال على سبيل المثال قانون الجاذبية، قانون العرض والطلب، قانون رد الفعل... وقد انتقلت لفظة قانون من أصلها اليوناني Kanon إلى اللغات الأخرى بمن فيها العربية بمعنى ''مستقيم''، فيكون بذلك القانون هو الخط الذي يميز بين الاستقامة والاعوجاج.
أما القانون في الاصطلاح، فيستعمل في معنى عام وآخر خاص، القانون بالمعنى الاصطلاحي العام هو مجموعة القواعد القانونية الملزمة التي تنظم حياة الأفراد في علاقاتهم الاجتماعية، فيما يفيد المعنى الخاص للقانون مجموع القواعد الصادرة عن السلطة التشريعية.   
التشريع نوع من القانون، والتشريع يعتبر قانونا وهو الشكل الغالب له، إلا أن التشريع لا يستغرق كل صور القاعدة القانونية، فالعرف قانون ولكنه ليس تشريعاً، وعليه فكل تشريع هو قانون وليس كل قانون يعتبر تشريعا. بناء عليه، يتبين أن لمفردة قانون معنيين: المعنى الواسع الذي يعرف القانون بكل قاعدة عامة ملزمة أيا ما كان مصدرها، والمعنى الضيق الذي يرى في القانون كل قاعدة عامة ملزمة تولد من رحم السلطة التشريعية.
إلى جانب القانون، يوجد مفهوم ينحدر منه وهو مفهوم الحق، فإذا كان القانون يتولى تنظيم حياة الأفراد في مجتمع يتميز بالتعقيد على مستوى منظومة المصالح التي تنشأ بين أفراده، فإنه يعمل في الوقت ذاته على تغليب  بعض هذه المصالح على البعض الآخر، فيثبت لها حقوقاً تخول لأصحابها  الاستئثار بسلطات معينة تلزم سائر الأفراد باحترامه.

التشريع بين المؤسسة البرلمانية والحكومة

في تعريف السلطة التشريعية، يعتمد الفقهاء مفهومين أحدهما واسع والآخر ضيق، المفهوم الواسع يعرف السلطة التشريعية بكل جهة يخولها القانون سلطة التشريع، الشعب سلطة تشريعية بالنسبة للدستور، والبرلمان سلطة تشريعية بالنسبة للقانون العادي، والحكومة سلطة تشريعية بالنسبة للنص التنظيمي.
أما المفهوم الضيق فيسند السلطة التشريعية للبرلمان بوصفه المشرع الوحيد مع بعض الاستثناءات المحدودة لصالح الحكومة.
بشكل عام، يمكن القول بأن اختصاص سن القوانين وفقا لمقتضيات دستور 2011 ليس حكرا على سلطة واحدة ولا مجالا محفوظا تستأثر به دون غيرها.  هكذا يمارس جلالة الملك وظيفة التشريع إلى جانب رئيس الحكومة بموجب السلط المخولة لجلالته بصريح النص الدستوري، ويعتبر الظهير الآلية الدستورية التي يمارس بها جلالة الملك صلاحياته التشريعية والإدارية والسياسية. والظهائر الملكية قد تتخذ شكل قوانين أو مراسيم أو نصوص تنظيمية.
ويمكن لجلالة الملك أن يحل محل البرلمان في تشريع القوانين سواء في الفترات الانتقالية أو الاستثنائية أو العادية. دستور 2011 في فصليه 41 و42 يخول لجلالته ممارسة وظيفة التشريع من منطلق مبدأ الازدواجية التمثيلية للأمة: تمثيلية الملك باعتباره الممثل الأسمى للأمة (الفصل 42 من دستور 2011)، وتمثيلية البرلمان بموجب الفصل 2 من نفس الدستور.
في هذا السياق، نذكر على سبيل المثال أن الفصل 95 من الدستور ينص على أن للملك أن يطلب بخطاب من كلا مجلسي البرلمان أن يقرأ قراءة جديدة لكل مشروع أو مقترح قانون ولا يمكن أن ترفض هذه القراءة الجديدة. 
بمنطوق المادة 70 من دستور 2011، يمارس البرلمان السلطة التشريعية ويصوت على القوانين، ويؤذن للحكومة أن تتخذ بمقتضى مراسيم في زمن محدد ولغاية محددة تدابير يختص القانون باتخاذها. كما تملك الحكومة الحق في إصدار مراسيم قوانين في الفترة الفاصلة بين الدورات بشرط المصادقة عليها في الدورة العادية الموالية بموجب المادة 81، وهما الحالتين اللتين تظهر فيهما الحكومة بمظهر السلطة التشريعية المنتجة للقوانين. ولا غرابة في ذلك إذا ما وجدنا دستور 2011 يجعل من التقدم باقتراح القوانين حق لرئيس الحكومة وأعضاء البرلمان معا بمقتضى المادة 78.
إلا أن اختتام الدورة الخريفية الأخيرة للبرلمان يطرح أكثر من تساؤل حول حقيقة العمل التشريعي بين البرلمان والحكومة؟ إذا ما علمنا بأنه تمت الموافقة على 21 مشروع قانون تقدمت به الحكومة، في حين لم تتم الموافقة إلا على مقترحي قانونين يتيمين، بالإضافة إلى ثلاثة مشاريع قوانين تنظيمية.
من خلال قراءة الحصيلة القانونية لهذه الدورة، نتقدم بالملاحظات الآتية:
- تفوق الحكومة على المؤسسة البرلمانية في العمل بمقتضيات المادة 78 المشار إليها أعلاه، والتي توزع مناصفة على البرلمان والحكومة مهمة اقتراح القوانين؛
- ترجمة الحكومة لإرادة سياسية قوية في الاشتغال على أوراش القانون بالنظر لأهميتها الكبرى في بناء مغرب ما بعد دستور 2011، فلا يعقل أن نتصور بلدا متقدما بتشريع متخلف؛
- اعتماد الحكومة أسلوب التخطيط التشريعي باعتباره من الأساليب الأساسية للحكامة الجيدة، وهو ما يتمثل في إنتاج مخطط تشريعي يمتد لأربع سنوات، فكما أن هناك ضرورة للتخطيط الاستراتيجي والاقتصادي والتنموي، هناك ضرورة أيضا للقيام بتخطيط تشريعي على حد قول الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان؛
- وأخيرا، تخلف المؤسسة البرلمانية عن مجارة وثيرة الأداء القانوني للحكومة في مجال التشريع، من هنا يحق لنا أن نتساءل من ناحية سياسية عن حقيقة الجهة المنتج الأول للقوانين؟ وعن حقيقة تمتيع البرلمان بصفة المشرع الوحيد؟
على صعيد آخر، تأتي المادة 71 لتسطير الميادين التي يختص بها التشريع دون غيره وذلك من أجل الحيلولة دون وقوع حالات التداخل أو لنقل حالات التنازع مع المجال التنظيمي.
أما القوانين التنظيمية فهي جزء من المنظومة التشريعية، باعتبارها قوانين مكملة للدستور ومفسرة له، وقد أوكل الدستور المغربي اختصاص سن هذه الفئة من القوانين إلى البرلمان في إطار صلاحياته التشريعية.

من يمارس السلطــــــة التنظيميــــــــة؟

تعرف السلطة التنظيمية بالسلطة المخولة لإحدى الأجهزة الحكومية من أجل إصدار أوامر عامة وذلك في إطار الحفاظ على النظام العام بعناصره الثلاثة، أو هي السلطة المسندة قانونا على سبيل الحصر لسلطات تنفيذية وإدارية من أجل القيام بأعمال ملزمة actes exécutoires تتضمن مقتضيات عامة ومجردة. 
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 72 من دستور 2011، يختص المجال التنظيمي بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون، وتنص المادة 73 على إمكانية أن يتحول نص تشريعي من حيث الشكل إلى المجال التنظيمي إذا كان مضمونه يدخل في اختصاص السلطة التنظيمية بعد موافقة المحكمة الدستورية.
المجال التنظيمي بمنطوق المادة 79 هو من اختصاص الحكومة، وتملك الحكومة الحق في الدفع بعدم قبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في مجال القانون.
يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية ويمكن أن يفوض بعضا من سلطه إلى الوزراء. تحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها (المادة 90).
ممارسة السلطة التنظيمية لا تقتصر على السلطة التنفيذية، بل ويخولها الدستور أيضا إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى، التي تتوفر في مجالات اختصاصها وداخل دائرتها الترابية على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحيتها (المادة 140).
القرارات التنظيمية هي تلك القرارات التي تحتوي على قواعد عامة مجردة تسري على جميع الأفراد الذين تنطبق عليهم الشروط التي وردت في القاعدة. وعمومية المراكز القانونية التي يتضمنها القرار التنظيمي لا تعني أنها تنطبق على كافة الأشخاص في المجتمع، فهي تخاطب فرد أو فئة معينة في المجتمع معينين بصفاتهم لا بذواتهم.
والقرارات التنظيمية هي في حقيقتها تشريع ثانوي يقوم
إلى جانب التشريع العادي إلا أنه يصدر السلطة التنظيمية، وعلى ذلك فهو تشريع ثانوي يطبق على كل من يستوفي شروطا معينة تضعها القاعدة مسبقا، ولا تنتهي الأنظمة بمجرد تطبيقها بل تظل قائمة لتطبق في المستقبل بالرغم من كونها اقل ثباتا من القانون.
وعلى الرغم من اشتراك النص التنظيمي مع القانون من حيث أنهما يتضمنان قواعد عامة مجرده فإنهما يختلفان من حيث المضمون، فإذا كان القانون يضع مبادئ عامة وأساسية، فإن النص التنظيمي يتولى التفصيل في الأحكام التي يتعرض إليها القانون، كما أن القانون يصدر عن السلطة التشريعية، أما القرارات التنظيمية فتصدر عن السلطة التنفيذية.
بشكل عام، يختص المجال التنظيمي بامتلاكه سلطة عليا تميزه عن مجرد الأعمال الإدارية المادية والفردية - هذه الأخيرة التي تكتفي بإنشاء مراكز قانونية خاصة بحالات فردية تتصل بفرد معين بالذات أو أفرادا معيين بذواتهم وتستنفذ موضوعها بمجرد تطبيقها مرة واحدة- و يتم التمييز عادة بين فئات عدة من الأنظمة:
1- الأنظمة التنفيذية: يتحدد مجال اللجوء إلى هذه الأنظمة في تطبيق القوانين والتفصيل في الأحكام العامة التي يتضمنها القانون. تخضع هذه الأنظمة للقانون وتتقيد به ولا تملك أن تعدل فيه أو تعطل تنفيذه.
 قد يحق لنا القول بأن الأنظمة التنفيذية تمارس دورا شبيها بالدور الذي تقوم به القوانين التنظيمية في علاقتها مع الدستور. تعرف هذه الأنظمة بالمجال الضيق لممارسة السلطة التنظيمية.
2- الأنظمة المستقلة: هو مجال اختصاص السلطة التنظيمية بكل من لا ينتمي إلى مجال التشريع، وهو المجال الواسع لعمل السلطة التنظيمية، في هذه الحالة تقترب وظيفة السلطة التنظيمية من التشريع عبر آلية الأنظمة المستقلة.
3- - قرارات الضبط : وهي الأنظمة التي تصدرها الإدارة بقصد المحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة (الأمن العام والصحة العامة والسكنية العامة)، تتعلق هذه القرارات مباشرة بحياة الأفراد وتقيد حرياتهم لأنها تتضمن أوامر ونواهي وتوقع العقوبات على مخالفيها، مثل أنظمة المرور وحماية الأغذية والمشروبات والمحال العامة.
4- مراسيم الضرورة (مراسيم قوانين): هي المراسيم التي تصدرها السلطة التنفيذية بين الدورات الفاصلة للبرلمان من أجل مواجهة ظروف استثنائية مستعجلة تهدد أمن الدولة وسلامتها (الفصل 81).  قد نقول بأن السلطة التنظيمية من خلال هذه المراسيم تقتحم مجال اختصاص القانون وتتولى تنظيم ميادين تدخل ضمن صلاحياته، على أساس أن تعرض هذه المراسيم على البرلمان في الدورة العادية الموالية من أجل المصادقة عليها.
5- المراسيم التفويضية: وهي المراسيم التي تصدرها السلطة التنفيذية بتفويض من السلطة التشريعية (قانون الإذن) في ظرف من الزمن محدود ولغاية معينة من أجل تنظيم بعض المسائل الداخلة أصلا في نطاق التشريع، ويكون لهذه القرارات قوة القانون بشرط المصادقة عليها من طرف السلطة المفوضة (الفصل 70).
يبقى أن نذكر أن من أقوى الآليات التي تمتلكها السلطة التنظيمية هي مراقبة دستورية القوانين الصادرة عن البرلمان، حيث تمكن الحكومة من صد كل التجاوزات المحتملة للسلطة التشريعية في مجال سن القوانين.




الاثنين 7 أبريل 2014

عناوين أخرى
< >

السبت 20 أبريل 2024 - 18:38 سوسيولوجيا الضريبة بالمغرب

الجمعة 19 أبريل 2024 - 01:41 كليات القانون فى جامعات المستقبل


تعليق جديد
Twitter