MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



مجهر الموقع: إخترنا لكم من الفايسبوك كلمة ذ حكيم وردي في حق الدكتورة رشيدة أحفوظ و حول القاضي الروداني الذي أدخل المطبعة إلى المغرب

     




وحي القلم 63 ـ قلب بسعة الحلم

تقدم الدكتورة رشيدة أحفوظ دروسا بليغة في نبل الأخلاق، وصفاء الطوية، والسعي الجزيل بالخير بين البرية. وتذكر لها شواهد الحال أنه عندما كانت تدلهم الخطب، ويرخي ليل اليأس سدوله قامعا شمس الأمل في تدفئة الصقيع الزاحف على الجروح المفتوحة، تنبري الدكتورة من الغبش كالبلسم الشافي لتوقظ فينا الرغبة على الإعتقاد بأنه مازال على هذه الأرض ما يستحق العيش، وأن أطروحة هوبز حول الانسان الذي هو ذئب لأخيه الإنسان ليست صالحة للانطباق على البشر في كل زمان ومكان.

فعلا، نحتاج كثيرا للتعلم من الأستاذة رشيدة أحفوظ،...مثلا أن النهوض بجلائل الأعمال لا يقتضي التربع على كرسي الزعامة بقمرة قيادة سفينة عاجة بالأشياع، وأن المصداقية باعتبارها الرأسمال الرمزي الكفيل بالتتويج على قلوب الأتباع، لا تنال بالدعاية الجوفاء، أو الكلام المنمق المرسل على الهواء. وأن أفضل طريق للقول هي الفعل، وأن إخلاص النية في الدفاع عن المبدأ، والانتصار للقيم الاسلامية الخالدة: بالترفع عن الأحقاد، وإشاعة الطمأنينة في وجه القبح والضغينة وإدامة السلام والسكينة وحدها الكفيلة بالبرهان على أنه انتصر فيك الانسان.

فبعدما انتزعت بجدارة مكانا مستحقا كرئيسة الغرفة الاجتماعية بمحكمة الاستئناف تتويجا لمسار مشرف في الممارسة القضائية داخل المدينة المليونية، منذ أكثر من ربع قرن، وبعدما نجحت في إدخال العمل القضائي إلى البيوت ببرنامج موفق هو الأكثر مشاهدة من المغاربة، وبعدما قدمت صورة مشرفة عن القضاء المغربي الكفء، المنفتح على محيطه، المندمج في مسار التنوير، المنشغل بهموم المجتمع. وبعدما أصبحت أيقونة في قانون الشغل، ممارسة، وتدريسا، وتنظيرا، وتحولت إلى سلطة مرجعية في مادتها يرجع إلى مؤلفاتها الفقهية طلبتها في المعهد العالي للقضاء، وفي الكلية، والقضاة في المحاكم، والمحامون في المكاتب، ومختلف الباحثين والدراسين، وبعدما احتفت بعطائها الخصب الجمعيات الحقوقية، والفنية، والصحافة الوطنية،....فقد كان من الطبيعي أن يكون ولوج الدكتورة إلى العمل الجمعوي المهني مطبوعا بهذه التجربة الغنية التي جعلت منها مفردا بصيغة الجمع.

وينبغي الاعتراف أن الجمعية المغربية للقضاة بقيادة ذة أحفوظ وانخراط قوي لزميلتنا ذ سعد سعيدة هي الجمعية المهنية الوحيدة التي حرصت على الممارسة الراشدة دون خسائر في العلاقات، بل أكسبتها الممارسة هوية فريدة قوامها السعي إلى رأب الصدع، ووأد الخلاف في المهد، وإصلاح ذات البين، وجمع ما قد ينفرط من حبل المودة.

وهكذا كانت للجمعية مواقف ناضجة، قائمة على جعل المصلحة العليا للقضاة فوق كل اعتبار، وتمكنت من تحقيق منجزات حقيقية دون ضجيج أو ادعاء، فعلى الصعيد الاجتماعي أبرمت اتفاقيات مهمة لفائدة مع كبريات شركات الانعاش العقاري ( الضحى ) ومؤسسات التمويل، وعلى المستوى المهني تقدمت بمشروع متكامل حول مسودتي القوانين التنظيمية، وعلى المستوى الثقافي نظمت ندوة وطنية حضرها مجموع الفاعلين في المنظومة، مثلما حرصت على الحضور القوي في مختلف القضايا التي طرحت على النقاش العمومي.
ورغم اشتغالها على أكثرة الملفات احتراقا، فقد حافظت ذة احفوظ وأصحابها في الجمعية على رباطة جأش، وسلامة القصد، وتمكنوا من تكميم الأفواه المشرعة على السباب الرخيص، بالعطاء المثمر على الأرض، فنزعوا فتيل الغضب من الساكنة في قضية مول السباط، ورافعت ذ أحفوظ أمام المجلس في قضية نائب تازة، وتدخلت بخيط الصلح في نزاع زميلنا جابر مع المحامي طوطو، وأدى عضو الجمعية الزميل مصرف ضريبة المرافعة في ملف قاضي الجديدة، بأن أحيل على التقاعد بدون تمديد، وأخيرا وليس آخرا التدخل في إطار لجنة المساعي الحميدة لتجاوز سوء الفهم الذي نشب بين مدير الشؤون المدنية والدكتور الهيني لتجنبنا صراعا هامشيا نحن في غنى عنه.

وطيلة هذا المسار المشرف في العطاء الميداني، تحولت الأستاذة أحفوظ إلى حمامة سلام، تزرع المحبة، وتنشر الوئام وتقدم الدليل على ما ينبغي أن نتحلى به من القيم القضائية الرفيعة، حيث لا شقاق، ولا نفاق، ولا سباب. فقط أخوة في الانتماء، والبقية تفاصيل بدون معنى.

وحي القلم 64 ـ القاضي والمطبعة

ما أجمل أن تشعل فتيل صمتك وتحترف الظل في عطلة منتزعة من تعايش قسري مع الجريمة. عطلة تخلو فيها إلى ذاتك الشريدة وسط ضجيج القاعات الباردة، والملفات الملتهبة، ولغة المحاضر الجامدة.

ما أجمل أن تتوسد رأسك وتبكي عليه، بعدما يخنقك التأمل في المسار، ويتعبك قلة الصبر على الانتظار، بدون أمل في الانتصار، فمحيطك خراب ومع ذلك تواصل العيش كجندي مهزوم، مثقل بالفواجع والانكسار.

ما أجمل أن تلوذ في غمرة السويداء المغلفة للشعور الجميل بالعزلة، من رداءة اليوم إلى تألق الأمس، أن تسافر من هامش الحاضر بحثا عن نقطة ضوء وسط العتمة في الماضي التليد، فتظفر عما يبعث فيك الاعتزاز بالانتماء إلى القضاء. مقال أكاديمي بمجلة رصينة تعنى بالدراسات التارخية( مجلة زمان العدد 6 15مارس-15 أبريل 2014 ) يحكي قصة أول مطبعة بالمغرب، تستهله ذة لطيفة الكندوز ( أستاذة باحثة في التاريخ ) بالتأكيد على أن جميع الوثائق تشير إلى أن دخول أول مطبعة حجرية باللغة العربية إلى المغرب لم يكن على يد الدولة، وإنما تم بمبادرة فردية على يد القاضي محمد الطيب الروداني، رائد الطباعة بالمغرب سنة 1864.

وتضيف أن القاضي الروادني قصد الحج سنة 1864، وعند رجوعه مر بمصر – كدأب المغاربة – اشترى مطبعة حجرية جلبها إلى المغرب، كما استقدم معه طبيعا مصريا يسمى محمد القباني ليشتغل بها بموجب عقد سنوي ( من 1864 إلى 1865 ) مقابل تحمل القاضي مأكله ومشربه وملبسه وأجرته الشهرية ( 200 قرش مصري ).

وبعدما تشير الباحثة إلى اختلاف الروايات التاريخية حول انتقال المطبعة من مرسى الصويرة إلى قصر السلطان محمد الرابع في مكناس، تسوق رأي المنوني الذي أكد أن " القاضي الروداني كان في أول الأمر سيستخدم المطبعة في اسمه، غير أنه لا يلبث أن يقدمها هدية للسلطان ( محمد الرابع) بمجرد رجوعه إلى المغرب"، وفي اتجاه آخر نجد المختار السوسي يشير إلى أن " القاضي الروداني اشترى في حجته المطبعة الحجرية الفاسية الأولى من مصر يديرها لنفسه ثم حازها منه السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان فنقلت من الصويرة إلى المكناسة" حيث طبع بها أول كتاب على الحجر هو " الشمائل المحمدية"

وبعد التأكيد على الغبن التاريخي الذي تعرضت له شخصية القاضي محمد الطيب الروداني على مستوى التعريف به كأول من أدخل المطبعة إلى المغرب، عدا بعض الإشارات المتفرقة، تحيل على ما أورده المختار السوسي باعتباره المرجع الوحيد لهذه الشخصية الوطنية، الذي يرجع أصله إلى مدينة تارودانت، والده هو امحمد بن أحمد القاضي التملي الذي تولى القضاء بتارودانت في 1255 هـ، كان الطيب معروفا بدوام الدرس، ودماثة الخلق، وعرف عنه التبحر في العلم، فقد كان عالما ومدرسا لمختلف التخصصات الدينية، مثلما ساهم بالعديد من أعمال الخير والإحسان ببلده، حيث بذل المجهود في حفر عين من الماء العذب، وأجراه بتاراودانت، وعم النفع بها في المساجد والحمامات والمطاهر والسقايات" يقول السوسي.

ما أحوجنا نحن قضاة اليوم، الذين يعوزهم المثال، وتخذلهم نماذج الحاضر أن نستحضر هامات سامقة من طينة محمد الطيب الروداني، والقيم التي كان يحملها: سعة في العلم ، ودماثة في الخلق ، وحرص على مصلحة البلاد ( ادخال المطبعة) والعباد ( حفر العيون والسواقي).




الاحد 13 أبريل 2014

تعليق جديد
Twitter