MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



ما مدى مشروعية إقصاء بعض المترشحين لاجتياز مباراة المفوضين القضائيين المزمع إجراءها يوم 26 يوليوز 2015

     

بقلم عزالدين إدمولود
الإجازة في القانون الخاص



ما مدى مشروعية إقصاء بعض المترشحين لاجتياز مباراة المفوضين القضائيين المزمع إجراءها يوم 26 يوليوز 2015
 
في الساعات القليلة الماضية أعلنت وزارة العدل والحريات على لائحة تحمل ما يفوق 600 اسم مرشح لاجتياز مباراة المفوضين القضائيين التي ستجرى يوم 26 يوليوز 2015.لكن ما استوقفني بعد أن اطلعت عن هذه اللائحة هو إقصاء بعض المترشحين من اجتياز هذه المباراة لمجموعة من الأسباب منها عدم الإدلاء ببعض الوثائق أو نهاية صلاحيتها لكن من ضمن جملة الأسباب التي نشرت نجد سببين لا يمكن أن نمر عليهما دون تعقيب الأول يتمثل في خلوا السجل العدلي من التاريخ والثاني يكمن في وصول ملف الترشيح خارج الأجل فهاذين السببين الأخيرين وحسب رأي المتواضع  تنتج عنها مسؤولية تقصيرية  لان المتسبب في الإقصاء هو الغير والمتمثل في كتابة الضبط وبريد المغرب مما يستوجب معه قيام المسؤولية التقصيرية لكلى الجهتين.

لكن إلى  أي مدى يمكن أن نحمل كتابة الضبط وبريد المغرب المسؤولية عن عدم اتخاذ التدابير اللازمة وعدم حرص الأولى(كتابة الضبط) على إيراد جميع البيانات في السجل العدلي والثانية (بريد المغرب) في السهر على إرسال ملفات المترشحين في الآجال المحددة وتفويتهما فرصة اجتياز المباراة؟ 
وهل فعلا يمكن التمسك بمقتضيات الفصلين 79 و80 من قانون الالتزامات والعقود من طرف المقصيين؟

من خلال هذا المقال سأحاول تبيان مدى إمكانية مواجهة الجهتين(كتابة الضبط وبريد المغرب) بمقتضيات الفصلين79و80 من قانون الالتزامات والعقود بعد  تسليط الضوء على نظرية تفويت الفرصة والوقوف على قرار قضائي في هذا المضمار.

أولا: نظرية تفويت فرصة

تنطلق نظرية تقويت الفرصة من أن الشخص قد تكون أمامه فرصة ما ترتبط بتحسين أوضاعه المادية، أو الحياتية، أو المستقبلية فيأتي حادث ما ينسب إلى الغير فيقضي نهائيا على تحقيق تلك الفرصة، وهكذا فمن أخطأ الطبيب في تشخيص مرض يعاني منه قد تفوت عليه فرصة الشفاء، أو فرصة البقاء على قيد الحياة. ومن فوت عليه المحامي أجل الاستئناف أو أجل الطعن بالنقض - والأمر يتعلق بأجلي سقوط - تفوت عليه فرصة كسب الدعوى أو على الأقل تحسين مركزه في إطارها. ومن لم يتوصل باستدعاء لاجتياز امتحان يتعلق بولوج وظيفة ما، فتوت عليه فرصة النجاح في ذلك الامتحان أو إغفال موظف إيراد بيان من البيانات في إحدى الوثائق الإدارية مما نتج عنه إقصاء المرشح من اجتياز مباراة أو عدم إرسال ملف من طرف بريد المغرب في الوقت المحدد مما نتج عنه كذلك تفويت فرصة اجتياز المباراة بسبب الإقصاء المباشر.

وتندرج المسؤولية المدنية عن تفويت الفرصة - مبدئيا - في مجال المسؤولية المبنية على الخطأ الشخصي الواجب الإثبات، والتي يحكمها في إطار العلاقات الخاصة الفصلان 77 و 78 من ق.ل.ع، ويحكمها في إطار علاقة الإدارة بالأفراد الفصلان 79 و 80 من نفس القانون.

ثانيا: مدى قيام مسؤولية وزارة لعدل الحريات.

سأشير في هذه النقطة إلى مسؤولية وزارة العدل والحريات دون الإشارة إلى مسؤولية بريد المغرب عدم  وجود ما  يتبث تماطلها أو  تقصيرها في إيصال ملفات المترشحين.

تطرق قانون الالتزامات العقود إلى المسسؤولية التقصرية لموظفي الدولة  في الفصلين 79و80  لكن  المسؤولية لا تتحق إلا إذا توافرت ثلاثة اركان (الخطأ والضرر والعلاقة السببية).
 
  1. الخطأ:
كما هو معلوم أن الفقه لم يعرف الخطأ نظرا  لكون فكرة لخطا غير مضبوطة  الحدود
والخطأ المرفقي الذي ارتكبته كتابة الضبط يتمثل في  إغفال إيراد التاريخ على  السجل العدلي

2-الضرر:

أجمعت الشرائع السماوية والوضعية على أن كل من تسبب بفعله في ضرر بغيره وجب عليه تعويض الضرر الحاصل للغير.
والضرر هو الركن الثاني للمسؤولية التقصيرية ولا يكفي لتحقق المسؤولية  وقوع الخطأ بل يتعين أن يترتب عن هذا الخطأ ضرر وإلا ما استطاع المتضرر المطالبة بالتعويض  لغياب المصلحة في الادعاء.
والضرر  في النازلة التي نحن  بصدد مناقشتها وارد  وهو ضرر مادي يتمثل في عدم إيراد كتابة الضبط  التاريخ على السجل العدلي مما نتج عنه  الإقصاء  المباشر من اجتياز مباراة المفوضين القضائيين لسنة  2015.

3-العلاقة السببية:

العلاقة  السببية هي الركن  الثالث والأخير في المسؤولية التقصيرية وتعني أن تكون  هنالك علاقة سببية بين الفعل والضرر أن يكون الخطأ سببا مباشرا للضرر وبمفهوم المخافة فلو قامت كتابة الضبط بإيراد التاريخ على السجل  العدلي لما تم إقصاء مجموعة من المترشحين.
من خلال  ما أومأت إليه أعلاه  يتبين أن خطا كتابة الضبط وارد ويمكن من المتضررين المطالبة بالتعويض أمام المحكمة الإدارية ضد وزارة العدل والحريات لتفويتهم فرصة اجتياز المباراة. 

ثالثا: قرار المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكم رقم 1203 بتاريخ 21/11/2007 (حميد ..ضد وزير العدل)

 قضت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في حكم لها ما يلي: "الخطأ المرفقي هو الإخلال غير المنفصل ماديا ومعنويا عن ممارسة أعمال الوظيفة وتتحمل فيه الدولة مسؤولية التعويض عن الأضرار المترتبة عليه... التعويض عن تفويت فرصة نتيجة لهذا الخطأ.



* قيام المدعي بتوجيه طلب ترشيحه للمشاركة في الامتحانات المهنية للترقية من منتدب قضائي إلى منتدب إقليمي وإقدام وزارة العدل على إجراء هذه الامتحانات دون إدراج طلبه رغم توفره على الشروط القانونية يعتبر تفويتا لفرصة ترقيته..."


يثير حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء إشكالية حق التعويض عن تفويت فرصة نتيجة الخطأ المرفقي. بمعنى آخر أن هذا الحكم يثير تساؤلات حول طبيعة الخطأ المرفقي الذي تتحمل فيه الدولة مسؤولية التعويض عن الأضرار المترتبة عليه، وكذا إشكالية شروط تقرير مسؤولية الدولة عن تفويت الفرص نتيجة الخطأ المرفقي.

للتعليق على هذا الحكم لابد من استعراض الوقائع والحيثيات والمنطوق.

I- الوقائع:

يرمي الطلب إلى الحكم على المدعى عليهم بأدائهم تضمنا للمدعي تعويضا قدره 100.000,00 درهم عن تفويت فرصة اجتياز الامتحان المهني المنظم من طرف وزارة العدل برسم السنة المالية لسنة 2007 لترقية الموظفين المتوفرين على الشروط النظامية من درجة منتدب قضائي إلى منتدب قضائي إقليمي.

II
- الحيثيات:
أولا: في المسؤولية
  1. الخطأ:

حيث أجابت الجهة المدعى عليها الأولى بريد المغرب بأن الطلب غير مقبول لانعدام العلاقة التعاقدية بينه وبين المدعي وأنه غير مسؤول عن الرسائل العادية وأن المدعي لم يدل بما يفيد أن وزارة العدل وجهت له إشعارا بالمشاركة في الامتحان المهني المذكور.

وحيث أجابت الجهة المدعى عليها الثانية وزارة العدل بأنها حددت تاريخ 15/1/2007 كآخر أجل لوضع الترشيحات الخاصة بإجراء الامتحانات المهنية للترقية إلى درجة منتدب قضائي إقليمي إلا أنها لم تتوصل بطلب المدعي إلا بتاريخ 06/02/2007 أي بعد يومين من إجراء هذا الامتحان بتاريخ 04/02/2007  مما تعذر عليها دراسته لوروده خارج الأجل المحدد.

وحيث إن الأمر يتعلق بالخطأ المرفقي ذلك الخطأ الذي تتحمل فيه الدولة مسؤولية التعويض عن الأضرار المترتبة عليه وهو الإخلال غير المنفصل ماديا ومعنويا عن ممارسة أعمال الوظيفة، والقضاء الإداري في هذه الحالة لا يبحث عن شخص مرتكب الخطأ وإنما ينصب اهتمامه وبالدرجة الأولى على دراسة هذا الإخلال أو الخطأ الواقع الذي سوف تسأل عنه الدولة مباشرة.

وحيث انه بالرجوع إلى وثائق الملف ومستنداته تبين للمحكمة أن ما أقدمت عليه وزارة العدل لعدم استدعاء المدعي للمشاركة في الامتحان المهني المذكور وإن تم في إطار القانون والضوابط التشريعية الناظمة لهذا الامتحان اعتبارا لكون طلب المشاركة في هذا الامتحان لم تتوصل به مديرية الموارد البشرية لوزارة العدل إلا بتاريخ 06/02/2007 حسب تأشيرة مكتب الضبط المركزي والامتحان نظم بتاريخ 04/02/2007 إلا أن الثابت من أوراق الملف أن المدعي تقدم بطلبه بتاريخ 01/01/2007 ولم يتم التأشير عليه من طرف مسؤوله المباشر إلا بتاريخ 15/01/2007 وهو آخر أجل لوصول طلبات الترشيح إلى مديرية الموارد البشرية لوزارة العدل.

وحيث إن المدعي يعمل كمنتدب قضائي بمحكمة الاستئناف التجارية وأن هذه المحكمة هي امتداد عضوي لوزارة العدل وأن أي تقصير من طرفها تعود المسؤولية فيه إلى وزارة العدل لعدم تمتعها بالشخصية المعنوية، وبالتالي فمسؤوليتها ثابتة ولا تعفى من المساءلة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن خطأ المحكمة المذكورة المتمثل في الاحتفاظ بطلب المدعي لمدة 5 أيام وعدم التأشير عليه إلا في اليوم الأخير المحدد لورود طلبات الترشيح على وزارة العدل وهو شيء لم تدل هذه الأخيرة بما يثبت عكسه.

  1. -الضرر

حيث إنه وبصرف النظر عن الشرط الذي أخذ به مجلس الدولة الفرنسي في تقرير مسؤولية الإدارة عن تفويت فرصة والمتمثل في أن تكون هناك أسباب جدية ومعقولة مع الأخذ بعين الاعتبار موقف المضرور إزاء المرفق أي وجه العلاقة بين المدعي والمرفق فإن المدعي وهو موظف تابع لوزارة العدل لا ينتظر إلا ترقيته إسوة بزملائه لتحسين وضعه المالي والإداري وبالتالي لا يمكن إعفاء الإدارة من المسؤولية وتقييد المدعي بشرط الجدية حتى وإن اعتبر خطأها بسيطا ولا يمكن نعت الضرر الذي أصاب المدعي في نازلة الحال بأنه مجرد أمل لا يرقى إلى مرتبة الحق لأن الموظف لا يتعلق له حق إلا بتفويت ترقيته وأنه إذا كانت الفرصة أمرا محتملا أو مجرد أمل فإن التفويت أمر محقق.
وحيث إن الامتحان المهني المذكور تنظم مقتضياته أحكام المرسوم رقم 403-04-2 الصادر في 02/02/2005 بتحديد شروط ترقي موظفي الدولة في الدرجة أو الإطار ومنشور وزارة تحديث القطاعات العامة رقم 2 و.ع، من أهم ما تضمنته  مقتضيات المرسوم والمنشور المذكورين تعميم امتحان الكفاءة المهنية للترقية إلى الدرجات أو الأطر المرتبة ابتداء من سلاليم الأجور رقم 2 إلى 11، أي أنهما خلقا ولول مرة في تاريخ الوظيفة العمومية، فرصة الترقي من السلم 10 الذي ينتمي إليه المدعي إلى السلم 11، وذلك دون خصم الترقيات الناتجة عن امتحانات الكفاءة المهنية برسم السنوات السابقة علما أنه يمكن اعتماد إمكانية واحدة للترقي في الحالة التي لا يخول فيها تطبيق نسبة التحصيص المالي أي إمكانية للترقي، مما حاصله أن الضرر المحتج به من طرف المدعي بخصوص تفويت فرصة المشاركة في هذا الامتحان المهني ضررا جديا وواضحا، الشيء الذي يكون معه المدعي قد تضرر فعلا بهذا الخصوص.

ثانيا: في التعويض

حيث إنه بثبوت مسؤولية وزارة العدل في قيام الضرر الناتج عن تفويت فرصة المشاركة في الامتحان المهني المذكور وثبوت العلاقة السببية بين هذا التفويت وذلك الضرر يتعين الحكم للمدعي بالتعويض الملائم على ما فاته من كسب نتيجة خطأ الإدارة وتباطئها في أداء الخدمة المطلوبة.

وحيث إنه واعتبارا للأضرار المشار إليها أعلاه فإن المحكمة بما لها من سلطة تقديرية تحدد قيمة التعويض المستحق لفائدة المدعي في مبلغ خمسة عشر ألف درهم (15.000,00 درهم(.


  1. - منطوق الحكم:


الحكم على الدولة المغربية (وزارة العدل) بأدائها للمدعي تعويضا قدره خمسة عشر ألف درهم (15.000,00) وتحميلها الصائر



السبت 11 يوليوز 2015

تعليق جديد
Twitter