MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



قراءة سريعة في مسارات الحكامة على عهد الملك محمد السادس بقلم الدكتور محمد براو رئيس مركز الأبحاث والدراسات حول الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد

     



قراءة سريعة في مسارات الحكامة على عهد الملك محمد السادس بقلم الدكتور محمد براو رئيس مركز الأبحاث والدراسات حول الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد
يمكن تقييم عهد الملك محمد السادس بخصوص نموذج الحكامة الاقتصادية والإدارية والمالية عبر ثلاثة مراحل (=مسارات) ، فيما نحن على أبواب مرحلة رابعة :  

المرحلة الأولى اتسمت بقوة الزخم الرمزي المتجه نحو الاصلاح الاقتصادي والإداري انطلاقا من مبادئ ومعايير عصرية قوامها المفهوم الجديد للسلطة والرقابة والمحاسبة وحكم القانون طبقا للمعايير المتعارف عليها دوليا ، فتمت إشاعة جو جديد من روح الحرية والمبادرة من خلال سياسة الأوراش الكبرى التنموية في مختلف قطاعات الاقتصاد ، ولاسيما ذات العلاقة بالتجهيزات الاساسية والمشاريع التنموية الكبرى في ظل انفراج سياسي وانفتاح حقوقي كبيرين ، وشهدنا متابعات قضائية لرموز محددة ارتبطت بنمط التدبير الاداري والمالي السابق.

المرحلة الثانية يمكن أن نؤرخ لها بتقرير الخمسينية وانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حيث ركز التوجه الملكي على التنزيل الميداني لخياراته ذات النفس الاجتماعي ، بحيث لاحظنا ترجيحا للأولوية الاقتصادية والاجتماعية في مقابل تراجع الاولوية السياسية والحقوقية في أعقاب أحداث الدارالبيضاء التي دفعت بالهم الأمني للأمام ، لكن سنوات 2008 و2009 و2010  شهدت تركيزا للاهتمام نحو مفاهيم الحكامة الاقتصادية و الإدارية والمالية لعل أبرز تجليتاها الثورة الهادئة التي أحدثتها في ذهنية ونفسية متخذي القرار الاقتصادي والإداري المالي  في أجهزة الدولة والمرافق العمومية ،تقارير المجلس الأعلى للحسابات وما رافقها من إعلاء لمفاهيم الرقابة والمحاسبة والتي جسدتها متابعات قضائية لبعض المسؤولين السامين، والتي جاءت تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك للضرب بيد من حديد على كل متلاعب بالمال العام أو مستغل للنفوذ من خلال آليات المراقبة الصارمة والمحاسبة الحازمة حسبما جاء حرفيا في خطبه المتوالية .

المرحلة الثالثة:  هي التي انطلقت مع تحولات سنة 2011 التاريخية ، والتي يمكن أن نطلق عليها العصر الذهبي للحكامة المؤسساتية الشاملة والتي قوامها منظومة متناسقة ومتكاملة ومنسجمة للرقابة والمحاسبة والنزاهة أسس لها دستور 2011  الذي جعل من الحكامة الرشيدة أحد مقوماته التأسيسية، ثم ما تلاها من ورش إصلاحي مؤسساتي ركز على تفعيل آليات الاستشارة والدراسة والتقييم والمراقبة والمحاسبة ذات العلاقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ،

ولكن الملاحظ أن الإنجازات في مجال الحكامة الاقتصادية والادارية والمالية لئن كانت مبنية على رؤية وإرادة ملكيتين متينتين وحقيقيتين ، لكن تنزيلها في أرض الميدان بقي يشكو من ضعف التخطيط العملاني والتعثر المؤسساتي ، وقلة الأثر الملموس على حياة المواطن ، وهذا ما دعا جلالة الملك للحث على الوقوف وقفة تأمل ومراجعة من أجل استخلاص العبر والانطلاق من جديد وهذا هو العنوان الأساسي في المضمون البيداغوجي لخطاب جلالة الملك.

المرحلة الرابعة ( المقبلة) : التأسيس لمنهجية التقييم الميداني المستند لأخلاقية النقد الذاتي ، انطلاقا من معيار الرأسمال اللامادي ، وهذا جديد جوهري من حيث المنهجية من ثلاثة وجوه :

أولا: التقييم الميداني ، القائم على  الحقائق الواقعية والتدابير العملانية ، والمبني على النتائج وطي صفحة التقارير الورقية المبنية على سرد الانشطة والأرقام،  فما هو أهم بالنسبة لجلالة الملك هو الجواب عن سؤال : ماذا استفاد المواطن، وهو هنا يضع مبدأ الجدوى في صدارة المبادئ التوجيهية للتقييم.

ثانيا : التقييم الميداني المستند على الفعالية : بحسبانها معيارا تقييميا يستهدف قياس مدى مساهمة مدخلات السياسات العمومية في الوصول لمخرجات طبقا للنتائج المرسومة والأهداف المنتظرة ، دون لف أو دوران ، ودون تلبيس أو لوي لعنق الحقائق الميدانية ،أو البحث عن تبريرات اعتذارية.

ثالثا : التقييم الميداني المستند للنجاعة : أي تبرير الأثمان التي تم دفعها ماديا وماليا وزمنيا ، حتى لو تحققت النتائج المرسومة.

رابعا : التقييم الميداني المستند للآثار الملموسة : القريبة والبعيدة المدى ، الإيجابية والسلبية ، المتوقعة وغير المتوقعة لمشاريع التنمية .

إنه تدشين لتصور منهجي واستراتيجي جديد لنموذج الحكامة ينقلنا من حكامة النوايا والتوجهات والمسارات،  إلى حكامة النتائج والإنجازات، والآثار الملموسة. والهدف الأسمى هو تجسير الفجوة الاجتماعية التي وقف عليها جلالته شخصيا من خلال جولاته الميدانية التفقدية.


الرباط في 31 يوليو تموز 2014
 




الجمعة 1 غشت 2014

تعليق جديد
Twitter