MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



ضبابية الفصل 321 من قانون التحكيم بين الابقاء والالغاء؟

     

حمزة التريد
باحث قانوني ومتخصص في
مجال الوسائل البديلة لفض النزاعات



ضبابية الفصل 321 من قانون التحكيم بين الابقاء والالغاء؟

ينضاف نص الفصل 321 من قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي الى زمرة النصوص القانونية الأكثر اثارة للتساؤل والغموض في مجال أحد أوجه الرقابة التي يخضع لها التحكيموبالأخص الشخص المزاول للمهمة التحكيمية.

حيث جاء فيه :

 " يجب على الأشخاص الطبيعيين الذين يقومون اعتياديا أو في إطار المهنة بمهام المحكم إما بصورة منفردة أو في حظيرة شخص معنوي يعتبر التحكيم أحد أغراضه الاجتماعية، أن يصرحوا بذلك إلى الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف الواقع في دائرة نفوذها محل إقامة الأشخاص الطبيعيين المذكورين أو المقر الاجتماعي للشخص المعنوي .

يسلم الوكيل العام وصلا بالتصريح ويقيد المعنيين بالأمر في قائمة المحكمين لدى محكمة الاستئناف المعنية وذلك بعد دراسة وضعيتهم".

الا أن القراءة المتأنية لمقتضيات الفصل أعلاه ، تستدعي منا الوقوف عند العديد من النقاط القانونية التي أثارها المشرع بنصه على هذه المقتضيات ايمانا منه بأن فرض هذا النوع من الرقابة على مزاولة المهمة التحكيمية من شأنه احاطة جهاز النيابة العامة علما بالشخص الممارس من جراء دراسة وضعيته،والتي أثارت بدورها المقتضيات القانونية المؤطرة لها العديد من التساؤلات بخصوص ما تنطوي عليها من ثغرات وسلبيات تضفي عليها طابع الغموض واللبس وعدم الفعالية (أولا )، الأمر الذي حدى بالمشرع المغربي الى تجاوز هذا الطرح في ظل التوجه الجديد الذي أبان عنه مشروع قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية (ثانيا).

أولا : في ظل الابقاء

 تعد رقابة جهاز النيابة العامة على الشخص المزاول للمهمة التحكيمية من بين أوجه الرقابة التي يبسطها القضاء على التحكيم ، والتي تعرضت بدورها للعديد من الانتقادات أبانت عن معارضين كثر لهذا الفصل لكونه يجعل رقابة القيام بالمهمة التحكيمية لجهاز بعيد كل البعد عن مهمة التحكيم الاختيارية ، وهو بالمقابل ما يشكل ضربا صارخا بمبدأ سلطان ارادة الاطراف و يقيد من حريتهم في اختيار المحكمين .
ليكون بذلك المشرع المغربي قد خالف المبدأ الذي دأبت عليه العديد من التشريعات المقارنة، فيما يخص خضوع الشروط الواجب توفرها في الشخص المزاول للمهمة التحكيمية لإرادة الأطراف ، وذلك بصياغته للفصل 321 مخضعا بمقتضياته الأشخاص المتولين للمهام التحكيمية للرقابة القبلية للقضاء والمتجسدة في جهاز النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف .
 الا أن دراستنا لهذا الفصل ، تستوجب منا ابداء الملاحظات التالية :
 
  • الملاحظة الأولى:تضييق نطاق الالتزام بالتصريح
لعل من بين أولى الملاحظات التي يمكن ابداءها بخصوص هذا الفصل هو من ناحية نطاق تطبيقه ، حيث ذهب المشرع من خلاله الى حصره فقط في الأشخاص الطبيعيين الذين يقومون اعتياديا أو في اطار المهنة بمهام التحكيم وهو ما يستشف بقراءتنا المتأنية للفقرة الأولى منالفصل 321 ، أي ما يفيد بالمقابل أن الالتزام بالتصريح الذي يخضع له الأشخاص المخاطبين بصياغة الفصل السالف الذكر يبقى مفعوله منحصرا في تلك الفئة التي تزاول مهام التحكيم لأكثر من مرة ، مما يستثني معه بالمقابل المحكم الذي يتولى المهمة التحكيمية لأول مرة. الأمر الذي يدفعنا الى التساؤلحول ما اذا كان الهدف من هذا الاجراء هو تسهيل المهمة المنوطة برئيس المحكمة في حالة تدخله لتذييل الصعوبات المتعلقة بتعيين أو اتمام تشكيل الهيئة التحكيمية ، وهو بالفعل ما أبان عنه وزير العدل والحريات من خلال رسالته التوضيحية التي وجهها الى السادة الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين لديها والرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف التجارية والسيدين الرئيسين الأولين لمحكمتي الاستئناف الادارية بخصوص تطبيق الفصل 321 السالف الذكر[1].
 ومن وجهة نظرنا نعتقد أن المشرع حينما قام بتضييق نطاق الالتزام بالتصريح وحصره في فئة معينة من المحكمين قد كان همه الوحيد تذييل الصعوبات التي قد تواجه القضاء في حالة اذا ما طلب منه التدخل من قبل الأطراف- لتعيين أو اتمام التشكيل-، في مقابل مراعاته لحريتهم في اختيار المحكم أو الهيئة التحكيمية شريطة توليها لأول مرة للمهمة التحكيمية ، وهو بالتضييق السلبي الذي قد تكون له اثار وخيمة مادام أن الخاضعين لنطاق تطبيق هذا الفصل سيتم اجراء دراسة بخصوص وضعيتهم مما قد يشكل ضمانة أساسية للأطراف اتجاه وضعية المحكم المعين من قبل الرئيس ، في حين أن المحكمين الخارجين عن نطاق الفصل تبقى وضعيتهم محل شك وخاضعة لإرادة الأطراف لتحديد أثناء اعمالهم لسطلتهم الاختيارية للمحكم أو الهيئة التحكيمية مدى حسن وضعيتهم من عدمها من خلال تحريكها للنصوص القانونية ذات الصلة بها خاصة تلك المعترف بها للأطراف بعد اعمال سلطة التعيين (سواء من خلال لجوئها لنظام التجريح في حالة اذا ما تبين لها مثلا أن المحكم من ذوي السوابق القضائية وغيرها ) ، وهو بالأمر الذي كان يتطلب من المشرع مراعاته عند صياغة مقتضيات هذا الفصل خصوصا على مستوى تحديده لنطاق تطبيقه من حيث الأشخاص لتجنب جل السلبيات التي قد تواجه الأطراف في حالة تعيينهم لمحكم غير سليم الوضعية من الناحية القانونية .
 
  • الملاحظةالثانية:غموض ببعض الجوانب القانونية
ان الاشكال الحقيقي المطروح بخصوص هذا الفصل ينطلق من خلال العديد من الجوانب القانونية التي أغفل المشرع التعرض لها بخصوصه ، سواء فيما يتعلق بطبيعة الدراسة التي يتولى السيد الوكيل العام للملك القيام بها بخصوص وضعية المحكمين الخاضعين لنطاق تطبيق الفصل والذين استجابوا لالتزام الملقى على عاتقهم فيما يخص ضرورة تصريحهم ، وكذا الجانب القانوني المتعلق بالأثر المترتب بخصوص المقرر التحكيمي الصادر من قبل المحكمين الخاضعين للفصل السالف الذكر والذين لم يقوموا بالتصريح أي ما يفيد عدم تقييدهم المسبق باللائحة الممسوكة من قبل الوكيل العام المختص ، هل سيكون مصيره البطلان مع العلم أن المشرع لم ينص على أي جزاء قانوني في حالة عدم احترام مقتضياته ، ناهيك عن أن عدم القيام بالتصريح من قبل المحكم الخاضع وبالمقابل اصداره للمقرر التحكيمي لا يدخل ضمن خانة الأسباب الموجبة للطعن بالبطلان .  وهو بالتالي ما يفرغ هذا الفصل القانوني من محتواه لأن المشرع لم يزامن عند صياغته لهذا الفصل بين الالزامية والجزاء القانوني الذي ينبغي ترتيبه بحق الشخص الذي أخل بالالتزام الملقى على عاتقه ، ليكون بذلك ما أعطاه المشرع بيده اليمنى قد سحبه بيده اليسرى .

ثانيا :في ظل الالغاء :

بعد النقاش الفقهي الذي عرفته مقتضيات الفصل 321 بخصوص السلبيات التي انطوى عليها وما أبان عنه من معارضين كثر له، لأنه بالمقابل يبقى نصا قانونيا عديم الفعالية والجدوى خصوصا في ظل غياب ما يدعيه المشرع بضرورة التصريح من قبل المحكمين الخاضعين لأحكام هذا الفصل والذي يفهم من زاوية تجاهل الجزاء القانونيابان صياغة المشرع لمقتضياته.
 الأمر الذي لا طالما دعا الى تفاعل تشريعي يتجاوز بذلك الاشكالات التي تطرحها مقتضيات الفصل السالف الذكر ، والذي سرعان ما استجاب لها مشروع قانون التحكيم ليس بالإلغاء التام للرقابة القبلية للقضاء وانما بالإعلان عن الجهة الجديدة صاحبة الاختصاص والمستفيد بالدرجة الأولى من هذا التصريح ألا وهو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف عوض جهاز النيابة العامة .
 الا أنه بالرغم من ذلك فضبباية الفصل 321 انعكست بشكل سلبي حتى على مستوى دراسة المشروع من قبل أعضاء اللجنة ، مما أفرزت معها توجهين :

أولهما : لا يريد الابقاء على هذا الفصل ، لأنه يرى فيه انتهاك لحرية الأطراف في اعمال سلطتهم في التعيين وكذا مساس بخصوصية التحكيم النابعة من كونه كجهاز قضائي خاص ينبغي أن يبقى بمنأى عن أي رقابة قضائية خصوصا تلك التي تفرضها مقتضيات الفصل 321 .
ثانيهما : يرى في هذا الابقاء تيسير لعمل رئيس المحكمة في الاستجابة للطلبات الخاصة بالتعيين أو اتمام تشكيل الهيئة التحكيمية ، وهو بدوره ما يساهم في ضمان سير المسطرة التحكيمية بالتصدي لأي خلل قد يحول دون السير العادي لها خصوصا تلك التي تطلبت من المشرع صياغة الفصل السالف الذكر لتلافي وقوعها .

 ليكون بذلك المشرع المغربي من خلال التوجه الجديد لمشروع القانون قد أناط الاختصاص بالتصريح للجهة القضائية المستفيدة بالدرجة الأولى من هذا الاجراء – الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف –دون أن يقدم أية اجابات بخصوص بعض الجوانب القانونية التي كان ينتابها الغموض واللبس في ظل الصياغة السالفة للفصل 321 مما كان يفرغ النص القانوني من محتواه ولايزال يفرغه في ظل الرؤية التشريعية الجديدة .
ومن هذا المنطلق نتمنى أن يقوم المشرع بإعادة النظر في الجوانب القانونية لهذا الفصل، لأن التعديل بتغيير الجهة القضائية المختصة فقط غير كاف للقول بفعاليته وانما أصبح الأمر يتطلب أكثر من ذلك خصوصا أن الابقاء على هذا النوع من الرقابة التي تخدم صالح الدور الرقابي للقضاء في تذييل الصعوبات التي قد تواجه انطلاق سير المسطرة التحكيمية رهين بتفاعل تشريعي يزامن بين ضرورة التصريح و تقرير الجزاء القانوني في حالة مخالفته لأن في ذلك ضمان لفعاليته .
 
[1]- المجلة المغربية للتحكيم العربي والدولي،  العدد الثاني، 2016، ص: 299.
                                          



السبت 10 ديسمبر 2016

تعليق جديد
Twitter