MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



دور المجتمع المدني المغربي في دستور 2011 ـ الجزء الثاني

     



من اعداد : بوزيدي حسن – حاصل على دبلوم ماستر في القانون الدولي الإنساني و حقوق الإنسان
كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية بمكناس






 
     بعد تخصيصنا في مقالتنا السابقة التي كانت تحت عنوان - دور المجتمع المدني في دستور 2011 - لدور مؤسسات المجتمع المدني - بإعتبارها تنظيمات قانونية  سنخصص مطلبا ثانيا في المقالة التالية لدور " اللأفراد " من دون انخراطهم داخل تنظيم قانوني في اتخاذ القرار العمومي ،و ذلك من خلال قراءة و
تحليل مختلف  فصول دستور 2011
التي لها علاقة بالموضوع .                                                                   

                                       المطلب الثاني : دور المواطنين "  كأفراد " في اتخاذ القرار العمومي    

                 
لقد أدى تباعد بين الأحزاب المغربية والمواطن من جهة، وضعف العمل والانخراط السياسي لفئات عريضة من المجتمع ،وتراجع ثقة المواطنين في المجال العمومي من جهة ثانية - لعدة أسباب تاريخية واجتماعية وسياسية ،واقتصادية - إلى الدفع بالمشرع الدستوري ليس فقط إلى التفكير في تبني مفهوم الديمقراطية التشاركية كأساس للحكم ، ولكن أيضا إرساء آليات فعالة للتواصل ،والتفاعل والمشاركة في اتخاذ القرار العمومي داخل مختلف المؤسسات، والإدارات والمرافق العمومية المحلية والوطنية وأتاح للمواطنين فرادى ،وجماعات ودون انخراطهم في هيكل تنظيمي محدد إمكانية المشاركة في صناعة واتخاذ القرارات العمومية
[1]، سواء بتقديم الملتمسات في المجال التشريعي (الفصل 14 من الدستور)، أو تقديم العرائض إلى السلطات العمومية (الفصل 15 من الدستور)، أيضا الدفع بعدم دستورية قانون ما ،أثير أثناء النظر في قضية أمام المحاكم الوطنية (الفصل 133 من الدستور) [2]، هذا دون أن ننسى آلية الاستفتاء الشعبي المنصوص عليه في جميع دساتير المملكة السابقة، فمن هنا سنحاول تحليل ودراسة هذه الآليات ودور المواطن فيها وأفاق عملها من خلال ثلاثة فقرات .                                             

الفقرة الأولى : الملتمسات كآلية لإشراك المواطنين في التشريع
الفقرة الثانية: دور المواطن " الفرد " في تقديم العرائض
الفقرة الثالثة: الدفع بعدم دستورية القوانين
 
 
الفقرة الأولى : الملتمسات كآلية لإشراك المواطنين في التشريع

لقد وعى المشرع الدستوري التغييرات الجارية على صعيد المفاهيم الكبرى للسياسة، فتبنى آليات للديمقراطية التشاركية ومكن المواطنين من تقديم الملتمسات للسلطة التشريعية، حيث جاء في الفصل 14 من الدستور الجديد: "للمواطنات والمواطنين، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع"، ومن شأن تفعيل هذه الآلية زيادة من المشاركة الشعبية، وإذكاء روح المواطنة والمسؤولية، ويستنتج من قراءة متمعنة للفصل 14 أن حق تقديم الملتمسات هو حق دستوري – قانوني ممنوح فقط للمواطنين الحاملين الجنسية المغربية وليس الأجانب ،ويمارس شخصيا ،فمنظمات المجتمع المدني غير مسموح لها بالمشاركة في هذه الآلية ، ،كما أن الملتمسات تقدم حصريا للبرلمان حسب شكليات وشروط سيحددها القانون التنظيمي ،ومن هنا يمكن تعريف الملتمس التشريعي بأنه كل مبادرة أو فعل جماعي أو فردي يهدف إلى تقديم اقتراح للبرلمان من أجل سن قانون عادي أو إلغاء قانون موجود، إن تمكين المواطنين من المشاركة في العملية التشريعية سيعزز التواصل والحوار بين الناخبين والمنتخبين البرلمانيين مما سيعطي مكانة هامة للعملية الانتخابية، وبالرجوع إلى المواثيق الدولية فقد نص ميثاق الأمم المتحدة في المادة 87 (ب)، وأيضا في المادة 24 و32 من نظام منظمة العمل الدولية، وفي البروتوكول الاختياري الملحق بالميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من المادة 1 إلى المادة 5 على حق تقديم الملتمسات ،كما نص النظام الداخلي للبرلمان الأوربي بشكل تفصيلي على حق تقديم الملتمسات، حيث مكن جميع مواطني السوق الأوروبية المشتركة من ممارسة هذا الحق؛ ونصت المادة 56 من النظام الداخلي للجمعية الاستشارية لمجلس أوربا بمعاهدة الوحدة الأوربية "مسترخت" سنة 1992 م، وجاءت كالتالي: "كل مواطن في الاتحاد وكل شخص طبيعي أو معنوي مقيم وله مركز قانوني في دولة عضو، له الحق بشكل فردي أو جماعي بتقديم ملتمس للبرلمان الأوربي حول موضوع يدخل في مجال نشاط المجموعة الأوربية ويتعلق بها بشكل مباشر".
أما في التجارب المقارنة فقد نصت المادة 17 من الدستور الألماني أن لكل مواطن الحق توجيه طلبات وملتمسات للجنة العرائض " بالبنديستاج " بشرط تدعيمها من طرف 50 ألف شخص، وفي غضون ثلاثة أسابيع من التوصل بها تقوم اللجنة بدراستها بشكل عمومي، وقد يتم استدعاء مقدم العريضة لعرضها والدفاع عنها أمام اللجنة؛ أما المادة 29 من الدستور الإسباني فقد سمحت بتقديم الملتمسات للبرلمان الإسباني للأفراد والجماعات كتابيا، لكن استثنت بعض المجالات: كالقوانين التنظيمية أو الضريبية
[3]، كما يجب التذكير هنا بدور كل من الثورة البريطانية والفرنسية في ترسيخ و تطوير هذه الآلية.
ومن هنا نلاحظ أن القانون التنظيمي المنظم لعملية تقديم الملتمسات سيضع مجموعة من القيود والشروط من أجل ممارسة هذا الحق، وإذا كان هذا الأمر يبدو منطقيا لكي يتم تفادي أي إعاقة للعمل التشريعي، فإن التشدد في شروط، وحيثيات ممارسة هذا الحق سيفرغ هذه الآلية من محتواها، ويتضح من قراءة لمقترح قانون تنظيمي يتعلق بتحديد شروط وكيفيات تقديم المواطنات، والمواطنين للملتمسات في المجال التشريعي مقدم من إحدى الفرق النيابية
[4] أنه أوجد لجنة دائمة للعلاقة مع المجتمع المدني داخل مجلس النواب تتكلف بدراسة الملتمسات والتأكد من مدى توفرها على جميع الشروط الضرورية لقبولها أما شروط تقديمها فيتبين أن بعضها يقيد من فعالية هذه الآلية مما يتطلب قراءة ثانية لهذا المقترح، فهي إن كانت قد أكدت على ضرورة الالتزام بتوابيت الأمة، وأحكام الدستور والقوانين الجاري بها العمل، وأن يدخل في اختصاص مجلس النواب، وأن لا يكون موضوع المقترح مقيدا في جدول أعماله، وأن يحترم المعاهدات الدولية، ومنظومة الدولية لحقوق وحريات الأفراد، وكذلك أن لا يتضمن أي تجريح أو تمييز عرقي، فإن اشتراط عدم توقيع المواطنين سوى على ملتمس واحد وأيضا ضرورة أن ينتمي الموقعون المساندون إلى ثلاثة جهات مختلفة، وضرورة أن يكون الموقع مسجلا في اللوائح الانتخابية، وعدم تحديد الجهة المختصة في الطعن في حالة رفض الملتمس، وكيف يمكن لأكثر من ثلاثة ملايين مغربي مهاجر أن يشاركوا في هذه الآلية، كما أن إمكانية الاعتراض بواسطة ملتمس على قانون صوت عليه البرلمان لم يتم الإشارة لها، معطيات قد تقيد وتعرقل بشكل قوي اللجوء إلى هذه التقنية السياسية، على أن التنصيص في هذا المشروع على استعمال الإنترنت للتواصل والتسجيل، والتبرير في حالة الرفض والسماح بالطعن وتتبع ومساعدة وتأطير الملتمسون، قواعد تدبيرية مهمة تسمح بالتفاعل والشراكة الإيجابية بين المواطنين ومجلس النواب[5].
فحق تقديم الملتمسات من طرف المواطنين مكسب ديمقراطي تاريخي يقتضي صياغة قانونه التنظيمي إشراك كل المواطنين في بلورته، وهذا ما تحاول أن تؤسس له وزارة العلاقة مع المجتمع المدني والبرلمان سواء بإنشاء وإطلاق الحوار الوطني حول الأدوار الدستورية الجديدة للمجتمع المدني، وأيضا فتح بوابتها الإلكترونية من أجل تلقي مقترحات الجمعيات، على أنه في الأخير نِؤكد أن هذه التقنية السياسية ما هي إلا وسيلة وليس غاية في حد ذاتها، وسيلة يجب أن تمكن المواطنين من المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات العمومية التي تخدم وتدافع على المصالح العليا للمجتمع من أجل تحقيق حياة أفضل، بالموازاة مع استعمال تقنية تقديم العرائض، فما هي مستلزمات هذه التقنية الإدارية؟
 
 
الفقرة الثانية: دور المواطن " الفرد " في تقديم العرائض

عند دراستنا للوثيقة الدستورية يتضح أن المشرع الدستوري حاول أن يبوأ الفرد مكانة متميزة، وذلك بالاعتراف له بحقوق دستورية يمكن أن يمارسها دون وساطة أو توجيه من أحد، خصوصا بعد أن ازداد وعي المواطن المغربي بالتعاطي مع الشؤون الإدارية والسياسية المحلية والوطنية، فتقديم العرائض وسيلة عرفها ومارسها المغاربة منذ زمن وهنا نذكر فقط عريضة المطالبة بالاستقلال لسنة 1944 م، أيضا هناك العريضة المقدمة من طرف حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1970 للقصر الملكي بخصوص تدهور في الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد -وتقدم لنا التجربة التاريخية البريطانية أسمى تعبير لهذه الآلية
[6]- ولئن كانت طبيعة تلك العرائض سياسية فإن الدستور الجديد أراد أن يؤسس لتقديم لعرائض ذات طبيعة إدارية وسياسية وكشكل من أشكال اتخاذ ومراقبة تسيير وتنفيذ القرارات العمومية بالموازاة مع تقديم الملتمسات التي قد تصطبغ بطابع سياسي (هناك نقط التقاء قوية بين تقنيتي العرائض والملتمسات في مجال التشريع) [7].
فقد نص الفصل 15 من الدستور الجديد على أن " للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية "، كما أكد الفصل 139 على أنه " يمكن للموطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله "، أيضا نص الفصل 156 من الباب 12 المخصص للحكامة الجيدة على أن " تتلقى المرافق العمومية ملاحظات مرتفقيها، ومقترحاتهم وتظلماتهم، وتؤمن تتبعها "، وما يلاحظ بخصوص الفصلين 15 و 139 أن تقديم العرائض مخول للأفراد والجمعيات على السواء وأن تقديم العرائض والتظلمات يمكن أن يقدم لأي سلطة أو مؤسسة أو مرفق عمومي، وهذا طبعا في محاولة لتحقيق الجودة في اتخاذ القرارات والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، ومن هنا يمكن تعريف العريضة بكونها رسالة مفتوحة وموقعة وموجهة إلى سلطات أو مؤسسات عمومية لتغيير أو إقرار أو استفسار على وضع ما أو قانون أو مرسوم إداري ما
[8]، وتلعب العريضة دورا مهما في تحقيق العدالة والإنصاف، وتقريب الرؤى بين الإدارة والمرتفقين، وقد تبدأ بتقديم ملاحظات وشكاوى شخصية وفردية (حيث تنشأ خلايا للتواصل داخل الإدارات والمؤسسات العمومية) وصولا إلى تقديم عرائض فردية للإدارات، والعمالات والمندوبيات الجهوية، والمصالح الخارجية مع إنشاء مصلحة خاصة للتتبع هذه العرائض، لأنها في الحقيقة تشكل جزءا من الحلول البديلة لصناعة القرار العمومي،وأسلوب سلمي لممارسة الحريات والمشاركة في الشأن العام.
وهنا لابد من التذكير ما قد تقوم به مؤسسة الوسيط جهويا ومركزيا ليس فقط من أجل البحث عن حلول للتظلمات والشكاوى والوساطة
[9]، ولكن أيضا تأطير المواطنين وتوجهيهم لرفع عرائض مقبولة شكلا ومضمونا، لكن في انتظار صدور قانون تنظيمي (كما نص على ذلك الفصل 15 والفقرة الثالثة من الفصل 146) لتنزيل وإجراء آلية تقديم العرائض، نطرح العديد من الأسئلة: هل هذه العرائض تقدم بشكل فردي أم جماعي؟ وهل هناك عدد أدنى وأقصى للموقعين على العريضة؟ هل هناك استثناءات مجالية وموضوعاتية يحظر أن تكون موضوع عريضة مقدمة للسلطات المعنية؟، هل هناك فئات اجتماعية مستثناة من تقديم العرائض، من قبيل المشتغلين في القوة العمومية، أو المدانين في أحكام جنائية؟، ثم هل هناك آليات زجرية ضد ممثلي السلطات العمومية الذين لا يتجاوبون مع العرائض المقدمة لهم من قبل المواطنين؟ وهل في مجتمع تنخره الأمية والفقر وقلة الوعي بالحقوق والالتزامات يمكن تحقيق فعالية آلية تقديم العرائض؟.
انطلاقا مما سيق فإن بلورة إستراتجية واضحة المعالم من أجل تحقيق ديمقراطية التشاركية يتوقف على تحقيق مجموعة من المحددات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، و في الأخير يمكن القول أن تقديم العرائض انتقل من تقديم لمطالب شخصية إلى تقديم مطالب جماعية، بعكس الدفع بعدم دستورية قانون يثار أمام المحاكم الوطنية بمناسبة رفع دعوى لحماية حق شخصي، مما يدفعنا للتساؤل حول هذه الوسيلة التي أتاحها الدستور الجديد وما المزايا التي ستحققها هذه الوسيلة في عملية إشراك المواطنين في اتخاذ القرارات العمومية ؟.
 
 
الفقرة الثالثة: الدفع بعدم دستورية القوانين

إن الغاية من تقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين هو تأكيد مبدأ سمو الدستور، لأن ما يحتويه الدستور من مبادئ تتعلق بالحقوق والحريات العامة، فإنها قد تقررت لمصلحة الأفراد في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية، لذلك يصبح هؤلاء الأفراد من أكثر المستفيدين من تقرير مبدأ الرقابة على دستورية القوانين، كما تسمح هذه الآلية لإشراك المواطنين بشكل غير مباشر في عملية التشريع واتخاذ القرارات العمومية.
وقد تبنى الدستور الجديد الدفع بعدم دستورية القانون بمناسبة رفع الدعاوى أمام المحاكم المغربية كمحاولة لتكريس الديمقراطية الشبه المباشرة وترسيخ مفهوم العقد الاجتماعي، وهكذا نص الفصل 133 من الدستور على أن "تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية"، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور
[10]، أما مآل هذا القانون فقد حدده الفصل 134 من الدستور عندما صرح بأن ".....وينسخ كل مقتضى تم التصريح بعدم دستوريته ابتداء من تاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية في قرارها"، ولا تقبل قرارات المحكمة الدستورية أي طرق من طرق الطعن وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية وهكذا يمكن تحديد ثلاثة أهداف يمكن تحقيقها من خلال هذه الوسيلة :

أ- إعطاء حق جديد يمكن للمتقاضي من الدفاع عن حقوقه المضمونة دستوريا.
ب- تصفية النظام القانوني من مقتضيات غير دستورية وبالتالي إشراك المواطنين بطريقة غير مباشرة في عملية التشريع.
جتحقيق مبدأ سمو القاعدة الدستورية في النظام المعياري الداخلي، وانطلاقا مما سبق يمكن استنتاج ما يلي:

أولا- استعمال دفع بعدم دستورية الفانون هو آلية لولوج المواطن للقضاء الدستوري بشكل غير مباشر.
ثانيا- هذه الوسيلة يمكن إثارتها من أطراف الدعوى بمناسبة نزاع قضائي.
ثالثا– أن حكم المحكمة الدستورية يؤدي ليس فقط إلى عدم سريانه على القضية المطروحة بل إلغاؤه ونسخه، وهو عكس ما يتبناه النظام القانوني الأمريكي الذي يبعد تطبيق القانون المخالف للدستور على القضية دون إلغاءه.
رابعا– يمكن إثارة الدعوى في أية مرحلة من مراحلها بمجرد إشعار الأطراف بالقانون الواجب التطبيق.
خامسا– لم يعطي المشرع للنيابة العامة أو قضاة الحكم إمكانية الدفع بعدم دستورية، مما يدفعنا للتساؤل هل القواعد الدستورية ليست قواعد آمرة ومن النظام العام التي لا يجوز مخالفتها حتى لا نمكن القضاة من إثارتها بشكل تلقائي
[11]، من هنا ندعو إلى تبني قانون تنظيمي الخاص بتنزيل الدفع بعدم دستورية قانون متسم بالانفتاح والمرونة، ويتجاوز بعض نقط ضعف القاعدة الدستورية، على أن هذا لا يعني فتح الباب أمام مصراعيه لكل القضايا المعروضة أمام المحاكم الوطنية، ويمكن هنا الأخذ كثير من النقط الإيجابية التي جاءت بها مذكرة القانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية التي رفعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان للبرلمان المغربي، ومن أبرز نقط القوة التي جاءت بها هذه المذكرة اقتراح مسطرتين للدفع بعدم الدستورية:

- السيناريو الأول: يتمثل في اقتراح مسطرة للدفع بعدم دستورية مع فحص مسبق للقبول على مستوى المحكمة الدستورية.
- السيناريو الثاني: يقترح الدفع بعدم الدستورية مع فحص مزدوج للقبول، الأول على صعيد المحاكم بالمملكة، ثم يحال الدفع أمام المجلس الدستوري الذي يجري فحصا أخر إنه بمقتضى التعديلات الدستورية، تم التأكيد من جديد بأن المحكمة الدستورية تحتكر مجال الرقابة على دستورية القوانين سواء تعلق الأمر بالرقابة الوقائية (الرقابة السياسية) أو تعلق الأمر بالرقابة عن طريق الدفع (رقابة امتناع)
[12].
وعلى هذا الأساس، يستخلص بأن الدستور المغربي أخذ بالرقابة السياسية والرقابة عن طريق الدفع مع احتكار مجال الاختصاص للمحكمة الدستورية، لمعنى عدم جواز البت في دستورية القوانين من طرف المحاكم (مدنية، جنائية، إدارية...)؛ وبالتالي أضحى المواطن مشاركا بصفة غير مباشر في رسم معالم القاعدة الدستورية، وبانتظار صدور قانون تنظيمي يحدد معالم هذه التقنية الدستورية التشاركية، لا يسعنا إلا أن نؤكد أنه إذا توفرت الإمكانيات المادية والإرادة السياسية فسنخط خطوة إلى الأمام في مجال فصل السلط وتوازنها وتأسيس لرقابة شعبية، ستكرس أكثر بإشراك المجتمع المدني في تنفيذ وتقييم القرارات العمومية التي شارك في اتخاذها، مما يجعلنا نتساءل حول تصور المشرع الدستوري لدور المجتمع المدني في عملية تنفيذ وتقييم القرارات العمومية.

 

الهوامش

1- فاطمة الزهراء هيرات، من أجل مقاربة تشاركية في إعداد الميزانية السنوية: المجتمع المدني نموذجا، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، (دراسات) عدد 104، ماي – يونيو 2012، مرجع سابق، ص 134.
[2] - انظر الفصول 14- 15- 133 من دستور 2011 م.
[3] - ندير المومني، مشاركة المجتمع المدني في السياسات العمومية، مجلة الأبحاث، عدد : 52، فبراير-مارس 2010، مرجع سابق، ص 153
[4]- مسجل بمجلس النواب، يوم 04/02/2013، تحت رقم 59 باسم الفريق البرلماني لحزب التجمع الوطني للأحرار
1- الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من المقترح القانون التنظيمي لتقديم الملتمسات المشار إليه أعلاه المنشور بالبوابة الإلكترونية لمجلس النواب تحت رقم 59 باسم حزب التجمع الوطني للأحرار.
1- عرفت الممارسة حق تقديم العرائض في النظام البريطاني القائم على الأعراف الدستورية الذي تكرس وبات ثابتا اليوم، مع إعلان الميثاق الأعظم سنة 1215 ، وفي عهد الملك ادوارد الثالث تم سن تشريع ينص على عدم السماح بتوقيف أي شخص بسبب عرائض أو ملاحظات أبداها في مجلس الملك تم التأكيد على هذه الممارسة في عهد الملك جاك الثاني إذ أصدر سنة1687 إعلانا يسمح بحرية إقامة الشعائر الدينية، هذا الإعلان رفض البرلمان المصادقة عليه فأمر الملك رئيس الأساقفة بتفعيل الإعلان وقراءته جهرا على المنابر، غير أن رئيس الأساقفة رفض هو وستة من مساعديه القيام بذلك من خلال عريضة تقدموا بها للملك تتضمن الرفض، فعمل الملك على إحالتهم إلى هيئة محلفين، غير أن الهيأة برأتهم بدعوى أنهم استعملوا حقهم الطبيعي، وخلد هذا الحدث بلوحة لازالت في البرلمان في سمتنبر. وهذا الحدث أسس بشكل فعلي للوجود حق تقديم العرائض. إن الثورة البريطانية لسنة 1688 و لتي جاءت بالملك وليام وزوجته للعرش البريطاني واللذان وقعها قانون الحقوق سنة 1689 بموجب هذا القانون تم تقييد السلطات الملكية في بريطانيا بوضع الأسس الدستورية 37 36- للسلطة التنفيذية، والاعتراف بحق تقديم العرائض بشكل خاص، لكن ذلك عرف تحولا سنة 1787 أسس لحق تقديم العرائض ذات طابع عام أي المواضيع التي تهم المصلحة العامة كإلغاء العبودية ، عرفت هذه الفترة كثرة العرائض، الأمر الذي حتم وضع نظام قانوني يحدد مسطرة تقديمها، أما ثورة فرنسا لسنة 1879  فأقرت حق تقديم العرائض بموجب المادة 62 من المرسوم الصادر في 14 دجنبر 1789 والمتعلق بتشكيل البلديات، تم صدر مرسوم آخر في 18- 22 مايو 1791 ينص على أن حق تقديم العرائض لا يمكن تفويضه أو استعماله بشكل جماعي، حيث نص دستور 1793 في الباب الأول على أن: للمواطنين الحرية بأن يراسلوا إلى السلطات المؤسسة عرائض موقعة بشكل فردي كما نصت المادة 32 من حقوق الإنسان والمواطنة سنة 1793 على حق تقديم العرائض بشكل مطلق وغير محدد، غير أن الملاحظ هو أن دستور الجمهورية الخامسة لم يمنح حق تقديم العرائض نفس الأهمية، فاكتفى بالتنصيص على ذلك الحق النظم الداخلية لكل من مجلس الشيوخ والجمعية العامة.
2- محمد حجوي تنزيل القوانين المنظمة للعريضة الشعبية والمبادرة التشريعية مسؤولية الدولة والمجتمع المدني، بيان اليوم عدد : 1600 يوم 13/03/2012.
1- رشيد لزرق، دراسة مقارنة لحق تقديم العرائض بين التجارب الدولية والتراكم المغربي، الأربعاء 14-03-2012 12:53 مساء   www.politiquetimes.com/maroc/news.php?action=view&id=1302
2– منار السليمي، مناهج عمل القاضي الدستوري بالمغرب (دراسات)، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 56، يونيو 2006 ص:107.
[10]- محمد بو رمضان، دستورية القوانين وتراتبيتها في أفق تنصيب المحكمة الدستورية، مجلة عدالة، عدد 19 يونيو 2012 ص :64
1- مصطفى بن شريف، الحوار القانوني في مذكرة المتعلقة بالقانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية: http://www.almassae.ma/node/68653
[12]- للمزيد من التوضيحات انظر مذكرة الدفع بعدم الدستورية المنشورة في البوابة الإلكترونية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.




الجمعة 31 يناير 2014


1.أرسلت من قبل رضوان في 30/09/2014 16:33
السلام خويا حسن تبارك الله عليك
بغيت نسولك أخويا واش عندك شي موضوع على : آليات تطبيق القانون الدولي الإنساني في المغرب
في اسرع وقت ممكن جزاك الله خيرا
فيسبوك: https://www.facebook.com/redwan.sensali

تعليق جديد
Twitter