MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



دور الجوار في عملية التحفيظ العقاري بقلم د العربي محمد مياد

     



دور الجوار في عملية التحفيظ العقاري بقلم د العربي محمد مياد
   في إطار المناقشة لفصول قانون التحفيظ العقاري ، عرض علي بعض الأصدقاء واقعة مفادها أن أحد الأشخاص تقدم بمطلب لتحفيظ قطعة أرضية في ملكه بإحدى المدن المغربية ، إلا أن ممثل إحدى الإدارات العمومية تقدم بتعرض على المطلب المذكور بدعوى أن لهذه الأخيرة حقوقا على هذه القطعة الأرضية ، ولما أحيل الملف على القضاء طبقا لمقتضيات الفصل 32 من قانون التحفيظ العقاري من أجل البت في صحة التعرض .

  وأثناء مناقشة الملف أمام المحكمة الابتدائية المختصة ، تنازلت المتعرضة عن تعرضها بعدما تبين لها أنها لا تتوفر على وثائق مؤيدة لتعرضها ، ترتب عليها صدور حكم بالإشهاد على التنازل على التعرض وأعيد الملف إلى المحافظ على الأملاك العقارية المعني من أجل متابعة باقي إجراءات التحفيظ .

   وعوضا أن يؤسس المحافظ العقاري رسما عقاريا خاصا بالمطلب المذكور بصفة تلقائيا مادام يتوفر على تصميم التحديد المرفق بمحضر التحديد المعد من طرف المهندس المساح الطبوغرافي المنتدب لإجراء هذه العملية ، راسل الجوار من أجل إبداء الرأي . ولم يكن هذا الجوار إلا إدارة عمومية من مهامها تدبير أملاك الدولة العقارية .

   ورغم توصل هذه الإدارة بكتاب المحافظة العقارية استنكفت عن تخصيص جواب للمحافظ العقاري ، الشيء الذي جعل المحافظ على الأملاك العقارية يعلق تأسيس الرسم العقاري على التوصل بجواب الجوار .

 والتساؤل المطروح هل ما قام به المحافظ العقاري من إجراءات قانونية يجد سنده القانوني ؟ وهل يعتبر استنكاف الإدارة المجاورة عن تخصيص جواب للمحافظ العقاري يعتبر هفوة إدارية تؤكد عدم معرفتها بحدود الأملاك التي تشرف عليها ، وتصرفا يعتبر في المفهوم العميق لقانون التحفيظ العقاري تعرضا "سلبيا خارج الأجل القانوني" المنصوص عليه في المادة 27 من قانون التحفيظ العقاري يمكن أن يوصف بالتعرض الكيدي يخضع للعقوبة المالية المنصوص عليها في الفصل 48 من نفس القانون ؟
   بداية لا بد أن نشير إلى أنه طبقا لمقتضيات الفصل 13 من قانون التحفيظ العقاري فإن طالب التحفيظ يكون ملزما أثناء تقديمه لمطلب التحفيظ بتضمين مطلبه بوصف للعقار مع ذكر بيان الأملاك المتصلة والمجاورة له وأسماء وعناوين أصحابها إلى غير ذلك من البيانات الإلزامية .

  وهذا يعني أن طالب التحفيظ ملزم بقوة القانون بإجراء عملية قانونية سابقة على الإجراءات التقنية التي يقوم بها لاحقا  المهندس المساح الطبوغرافي أو من يقوم مقامه ، تتمثل في التعرف على المالكين المجاورين .

 وفي المقابل يتكلف المحافظ على الأملاك العقارية باستدعاء هؤلاء خلال عملية التحديد من أجل حضور هذه العملية إما بصفة شخصية أو بواسطة وكيل يحمل وكالة قانونية صحيحة .

 وفي هذه الحالة ، يتم استفسار المجاورين عن كل ما يتعلق بالعقار المعني ، ويبقى من حقهم إبداء ملاحظاتهم ومنازعاتهم ، ويتعين على المهندس المساح الطبوغرافي المشرف على عملية التحديد تضمين المحضر الذي سينجز لهذا الغرض بكل أقوالهم والتصرفات التي واكبت عملية التحديد .

   هذا الوضع يكون مطلوبا متى حضر الجوار عملية التحديد ، أما في حالة تغيبهم يفسر تصرفهم هذا بأنهم لا يعترضون على عملية التحديد .

   ويبقى في جميع الأحوال من حقهم تقديم تعرض على المطلب متى توافرت الشروط القانونية لذلك؛ الشيء الذي يفيد أن المشرع منح الجوار حماية خاصة لضمان حدود حقوقهم المحتملة خلال المرحلة الإدارية للتحفيظ .

  لكن ماذا عن الوضع الذي يكون فيه القضاء المختص قضى بعدم صحة التعرضات المقدمة ضد مطلب التحفيظ أو بالإشهاد عن التنازل عن التعرض كما في الحالة التي نحن بصددها ؟ فهل يكون المحافظ حتى في هذه الحالة ملزما بمكاتبة الجوار من أجل إبداء رأيهم قبل تأسيس الرسم العقاري ؟

  طبقا لمضمون الفقرة الرابعة من الفصل 37 من قانون التحفيظ العقاري ، فإنه إذا تنازل المتعرض عن تعرضه فإن المحكمة المعروض عليها النزاع تشهد بذلك التنازل وتحيل الملف على المحافظ  على الأملاك العقارية الذي يقوم عند الاقتضاء بالتحفيظ مع اعتبار اتفاقات الأطراف أو تصالحهم .

 يستشف مما سبق أن المشرع لم يلزم المحافظ بالقيام بعملية الإشهار طبقا للفصل 83 من قانون التحفيظ العقاري على اعتبار أنه لم ينشأ أي حق عيني على العقار المعني أو تغييره أو إقراره ، ومن  باب الأولى لا يكون ملزما بمكاتبة الجوار من جديد ، وإنما يتعين عليه تأسيس رسم عقاري خاص بالعقار المعني في اسم طالب التحفيظ أو من يقوم مقامه ، لأن مقتضيات الفصل المذكور تتعلق بوضعية المتعرض ولا علاقة لها بطالب التحفيظ .

   وهذا ما أقرته دورية المحافظ العام عدد 400 بتاريخ 5 يونيو 2014 في شأن استئناف مسطرة التحفيظ العقاري في اسم المتعرض المحكوم له بصحة تعرضه.

 وبناء على ما ذكر قضت المحكمة الإدارية بمكناس بأن الاستظهار بأحكام انتهائية ولا تعقيب فيها قاضية بعدم صحة جميع التعرضات المقدمة ضد مطلب التحفيظ كاف لتأسيس الرسم العقاري في اسم طالب التحفيظ ، وإن رفض المحافظ على الأملاك العقارية تحويل مطلب التحفيظ إلى سند عقاري في اسم طالبي التحفيظ يعتبر قرارا ضمنيا متسما بتجاوز السلطة ومعرضا للإلغاء(حكم رقم 96/ 2006  بتاريخ 23 نونبر 2006 في الملف عدد 50/2006 ).

   ومجمل القول فإن المحافظ على الأملاك العقارية لا يحق له التوقف عن تأسيس الرسم العقاري بعلة أن الجوار لم يخصص جوابا لكتابه ، وباستطاعة طالب التحفيظ الطعن في قراره هذا أمام المحكمة المختصة مع المطالبة بغرامة تهديدية عن كل تأخير في التنفيذ، كما يمكن للمحكمة الحكم بالتعويض لفائدة المتضرر ومصالح المحافظة العقارية عند الاقتضاء .
   وفي المقابل يتعين على رئاسة الحكومة حث  رؤساء المصالح الإدارية على التعاون مع المحافظة العقارية من أجل رفع وثيرة التحفيظ العقاري ولا سيما في الحالة التي تكون أملاك الدولة والجماعات الترابية تقع  مجاورة للعقارات موضوع مطلب التحفيظ وليست موضوع تعرضات متبادلة ، مع التأكيد على ضرورة:

* وضع خطة للتكوين وإعادة التكوين بالنسبة للموظفين المعهود إليهم تسيير ملفات التحفيظ العقاري ، حتى إذا تبث سوء نية هؤلاء  أو تعسفهم  قامت مسؤوليتهم الشخصية الإدارية والمالية.

*إعادة تكوين المحافظين على الأملاك العقارية في الحالة التي يثبت عدم قدرتهم على مسايرة التطور الذي يعرفه التشريع المغربي في مجال الأمن العقاري.
 
 
 
 
 



الجمعة 2 أكتوبر 2015

تعليق جديد
Twitter