MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



دلالة التعيين الملكي وفق أحكام الفصل 47 من الدستور عرف دستوري مدشن أم سلطة تقديرية؟

     

جابر لبوع- باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة



دلالة التعيين الملكي وفق أحكام الفصل 47 من الدستور عرف دستوري مدشن أم سلطة تقديرية؟

لما كانت الانتخابات تأخذ معناها وطابعها السياسي عندما يكون هناك علاقة مع نتائجها، فإن ما كرسته إرادة صائغ القاعدة الدستورية بموجب الفصل 47 من دستور 2011 تعتبر ترجمة لهذا المعنى عندما ألزم وقيد سلطة التعيين الملكي لرئيس الحكومة، حيث نقرأ في هذا الفصل ما يلي: "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها"، وبالرغم من أن هذا النص جاء واضحا من زاوية الإلزام الدستوري، فإن اتجاه النقاش ابتدأ منذ 2011 بكون هذا النص جاء "ناقصا" من حيث تبيانه لمن تؤول إليه رئاسة الحكومة، وهو ما جعل البعض يعتقد بأن تعيين أمين عام الحزب (للمرة الثانية) هو النهج الديمقراطي الذي عليه تسير مختلف الأعراف الدستورية في مختلف التجارب المقارنة، بدون أي محاولة لاستفسار واستقصاء خصوصية تجربة عن أخرى وبدون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النظم السياسية القائمة في كل بلد على حدى. الامر الذي ادى بنا إلى التساؤل هل حقا تعيين الملك لأمين عام حزب سياسي رئيسا للحكومة يعد تفسيرا مكملا للإغفال الذي سقط فيه صائغ القاعدة الدستورية؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى تكريسا لإرادة ملكية وسلطة تقديرية تعطي للملك حرية الاختيار مع التقييد، وسلطة ملاءمة النص الدستوري مع متغيرات الواقع السياسي؟

ولأجل تبيان هذا، يتضح لنا أن الاتجاه القائل بكون الملك دشن عرفا دستوريا بتعيينه أمين عام حزب سياسي رئيسا للحكومة، ينطلقون مما يطلقون عليه التجارب الديمقراطية و الحالات التي يمكن أن ينشأ من خلالها العرف الدستوري والمتمثلة في ما يمكن أن نطلق عليه "عيب الاختصاص السلبي" الذي سقط فيه المشرع، عندما صاغ قاعدة ناقصة وعندما امتنع عن ممارسة كافة صلاحياته! وفي حقيقة الأمر فإن هذا التفسير القائل بقيام عرف دستوري من خلال الممارسة الملكية، وغموض نص الفصل 47 كشرط لقيام العرف، لا يمكن أن يكون فاعلا ما دام أنه يبقى بعيدا عن معرفة نية مالك سلطة التعيين وإرادة واضع القاعدة العامة.

في الواقع فإن سلطة التفسير الدستوري كعمل معرفي تبقى خاضعة للنقاش ما لم تحسم من طرف سلطة التفسير الدستوري كعمل أصيل ينتج مفعوله الإلزامي، وهو ما قد يدفعنا إلى التشكيك في مخرجات هذا التفسير الذي لا يأخذ بعين الاعتبار إرادة المشرع أثناء صياغته للنص وكذلك أنماط التحديدات الدستورية التي عليها تقع الصياغة النصية. فتفسير الدستور يتطلب تحديد المفاهيم بشكل دقيق والأخذ بعين الاعتبار التوجهات الفكرية التي يقوم عليها الدستور وتحديد الاتجاه الذي يربط نصوصه ببعضها البعض، وبعبارة أخرى الرؤية التي أدت إلى صياغة النص الدستوري، وهذه الرؤية لا يمكن أن نفصلها عن الواقع السياسي حيث يوضع الدستور في ضوء معطياته الاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى الاقتصادية بهدف تحقيق الانتظام والاستقرار(انظر عصام سليمان- التفسير الدستوري، ص 365).

وعليه يمكن القول بعبارة الفقيه "سانتياغو نينيو كارلوس " أن غموض وعمومية اللغة الدستورية تفيد بأن النص الدستوري يستطيع أن يتعامل مع حالة الطوارئ والدورات المستقبلية   las contingencias y cursos futuros والتي لا يمكن التنبؤ بها زمن المصادقة، وهو ما قد يفيد كذلك أن نص الفصل 47 بقدر ما جاء غامضا بقدر ما جاء عاما بهدف تكييفه مع حالة الطوارئ المستقبلية.
وعلى هذا الأساس، فإن نص الفصل 47 بقدر ما يمكن القول بأنه جاء ناقصا، بقدر ما يمكن التصريح بأن صياغته جاءت على شكل نص مفتوح (textura abierta) كنوع من الغموض الذي يحدث عندما يستخدم الدستور التعبيرات التي تحتمل الشك حول مجال تعريفها، كما يمكن اعتبار هذا الغموض غموضا تركيبيا والذي يحدث عندما يستخدم الدستور التعبيرات التي تفتقر إلى الإشارة إلى بعض الصفات والخصائص الضرورية والكافية. وهذا ما يدفعنا إلى الانتقال من التفسير النظري والمفاهيمي العام للدستور، إلى التفسير الدستوري الذي يستحضر مجموعة من التحديدات المتميزة عندما يتعامل مع نص دستوري مفتوح.

 ومن بين التحديدات يمكن الإشارة إلى التحديد الأجدى والتحديد الإبداعي كما وظفهما  الفقيه "بيذرو ساجيس نيستور"؛ الأول يهدف تحديدا تطبيق قاعدة أساسية لحل قضية سياسية قانونية، ووفق هذا المعنى يقتضي الأمر تحديد معنى ونطاق النص الدستوري، بحيث يجب أن يكون وظيفي ومفيد وقادر على إعطاء إجابات معقولة ومفيدة للمجتمع والنظام السياسي. أما الثاني يتجلى في كون التفسير الدستوري يقوم بوظيفة التوضيح والإظهار والملاءمة والإدماج والتكييف مع الدستور، لذلك في بعض الأحيان تكون هناك حاجة لإلقاء الضوء على مختلف الخيارات التفسيرية، وفي أحيان أخرى توسيع وتطوير نطاق القاعدة الدستورية، أو حتى تبيين الفرضيات التي لا يغطيها المشرع الدستوري، كما قد يؤدي التفسير إلى ترجيح القاعدة الأقرب إلى المبادئ والقيم الدستورية الأكثر أهمية من الناحية السياسية والقانونية.

ويضيف "بيذرو ساجيس" إلى جانب ذلك تحديدين أساسيين؛  الأول يتعلق بالتحديد التوقعي الذي يكون مسؤولا عن التحديد المسبق لكل الآثار السياسية والقانونية لأي نشاط، وبهذا المعنى فنتائجه تكون معروفة مسبقا، فالتفسير هنا يجب أن يتضمن التكهن والتنبؤ بالواقع السياسي على نحو أفضل. أما الثاني يتعلق بالتحديد السياسي والذي بموجبه يتحمل التفسير الدستوري مسؤولية تأكيده على المبادئ والقيم السياسية، فهو يؤثر تأثيرا مباشرا على إدارة الكيان السياسي.

وعطفا على ما سلف، وإذ نحن نستبعد فكرة تدشين العرف الدستوري، فهذا لا يعني أننا نرمي إلى تفنيد الرأي القائل بذلك بقدر ما نرمي إلى تبيان إمكانيات الانفتاح على تفسيرات أخرى قادرة على وضعنا في النسق التوقعي الممكن أن ينتجه النص الدستوري في المستقبل جراء التغيرات التي قد تنكشف لنا في الممارسة السياسية.

ولأجل ذلك، نعتقد من وجهة نظرنا بأن تعيين أمين عام حزب سياسي تصدر نتائج الانتخابات من طرف الملك لا يندرج ضمن ما يمكن أن نطلق عليه عرفا دستوريا قياسا بالتجارب المقارنة التي تنطبق عليها هذه الصفة. ذلك أن صياغة الفصل 47 بالرغم من كونها لم تشر إلى من تؤول إليه الرئاسة فإن حالة السكوت لا يجب أن تفسر لصالح تكريس العرف، وإنما لصالح الإرادة الملكية التي لها حرية الاختيار فيمن تراه الأكفأ والقادر على تسيير دواليب الحكومة. لذلك لا يجب أن نقيس واقع تعيين الأمناء العامين في البلدان الديمقراطية بواقع تعيين أمين عام حزب سياسي فاز في الانتخابات في بلادنا. فالفرق واضح بينهم وبيننا؛ الأمر الذي قد يفيد إذن بأن سكوت صائغ نص الفصل 47 من الدستور لا يعني أننا ندشن عرفا مكملا او مفسرا، وإنما يعني أن هذا النص  يترك سلطة تقديرية للملك وحرية الانفتاح على جميع الاختيارات التفسيرية أخذا بعين الاعتبار سلطاته الدستورية باعتباره ضامنا للاختيار الديمقراطي والسير العادي للمؤسسات.

فالأساس وفقا لمنطوق الفقرة الأولى من الفصل 47 هو أن يكون التعيين من الحزب السياسي الفائز وفقط وليس بالضرورة أن يكون أمينا عاما له؛ والقول بخلاف ذلك يحيلنا إلى التشكيك في مدى المعرفة الدستورية لصائغ القاعدة الدستورية أثناء وضعها، إلا أننا نميل الى القول  بأن المشرع واضع النص تعمد اتباع تقنية الصياغة المرنة التي تدع المجال مفتوحا على جميع الإمكانيات والتوقعات المستقبلية.

ولكي أوضح أكثر رأيي حول عدم اعتبار تعيين أمين عام حزب سياسي ( في التجارب المقارنة هناك فرق بين امين عام الحزب. secretario general del partido وبين رئيس الحزب presidente del partido) عرفا دستوريا "مكملا"؛ أسوق مثالا صغيرا يتعلق الأمر بالحزب الشعبي الاسباني الذي كان يترأسه "أثنار ماريا خوسي" منذ انتخابه في سنة 1990 و كذا 1999- 2002، فكما هو معلوم فبعدما فاز الحزب لأول مرة في تاريخه 1996 تم تعيين رئيس الحزب رئيسا للحكومة، لكن هذا الأخير في سنة 2004 قرر عدم الترشح للانتخابات ورشح الحزب إبان تلك المرحلة "ماريانو راخواي" ليكون رئيسا للحكومة. فماذا قد يعني هذا؟

بالنسبة لنا يعني أنه مربط القياس في حال قرر بنكيران عدم الترشح للانتخابات او رفض ان يترشح لرئاسة الحكومة، وهو ما يؤدي الى القول بأن الأمر يتعلق بالفوز في الانتخابات وليس بشخص رئيس الحزب، فالثقة منحت من طرف الشعب في هذه الحالة للحزب وليس للشخص، ويمكن أن نفهم كذلك أن رئيس حزب سياسي معين ليس ملزما في هذه الحالة ليكون رئيسا للحكومة في حالة امتناعه عن الترشح للانتخابات أو لرئاسة الحكومة، وهو ما يعني كذلك أن المشرع كان واعيا ومتفطنا بهذه المسألة قبل أن يبدأ في تركيب النص الدستوري.

إذن في هذه الحالة، فإن الملك إن كنا نتحدث عن قيام عرف دستوري سيجد نفسه في مأزق دستوري حتى ولو نص الدستور على تعيين رئيس الحزب الذي تبقى له الحرية في اختيار رئاسة الحكومة من عدمها، وهو ما قد يؤدي إلى إلزام الملك بتعيين أمين عام حزب سياسي حتى ولو لم تتوفر فيه أدنى شروط الكفاءة والقدرة على التسيير، لذلك فإن التفسير الأقرب إلى المبدأ الديمقراطي يقتضي أن يكون قادرا على استظهار التناقضات التي قد تصطدم بها القاعدة الدستورية الجامدة، لذلك فالتحديد الأجدى والإبداعي هو الذي يفتح المجال لمجموعة من الخيارات أثناء فوز حزب معين بالانتخابات، ومنها إمكانية تعيين الملك لأطر من داخل الحزب الفائز لكي يكونوا مرشحين لرئاسة الحكومة، في حالة ما إذا امتنع رئيس الحزب او في حالة عدم قدرته أو كفاءته.

 اما القول بنشوء العرف بمجرد التواتر، فلا أعتقد أن تعيين بنكيران مرتين قد يشكل عرفا ما لم تكن هناك حالات متواترة أخرى، وما لم نعرف نية مالك سلطة التعيين، كما أن القول بأن نص الفصل 47 جاء ناقصا يؤول إلى التشكيك في معرفة المشرع وهو أمر نستبعده بالمطلق. والجدير بالإشارة أن الحديث عن هذا العرف ابتدأ طرحه حتى في عهد الحسن الثاني أثناء تعيين عبد الرحمن اليوسفي،  لكن هذا السلوك لم يمنع مرة أخرى الملك من تعيين وزير أولا تكنوقراطيا، وهو ما قد يدفعنا الى التشكيك في حجج انصار التدشين الملكي للعرف الدستوري، عوض التشكيك في صائغ القاعدة الدستورية الذي يتسلح أثناء وضعه للنص بكل الحقول المعرفية السياسية واللغوية وحتى التوقعية.

وختاما لا يمكن لنا إلا أن نتشبث برأينا القائل بكون الصياغة العامة لنص الفصل 47 من الدستور تؤول لصالح الإرادة والسلطة التقديرية للملك باعتبارها سلطة تفسيرية قد تنفتح على مختلف الإمكانات أثناء إعماله لاختصاصاته في مجال اختيار من تؤول إليه رئاسة الحكومة.
 



الاربعاء 12 أكتوبر 2016

عناوين أخرى
< >

الجمعة 19 أبريل 2024 - 01:41 كليات القانون فى جامعات المستقبل

الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 10:43 محنة المدونة


تعليق جديد
Twitter