MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



حصيلة البرلمان في مجال تقييم السياسات العمومية : ملامح التقييم الأولي.

     

زهير غازلي.
باحث بسلك الدكتوراه، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، وجدة.



حصيلة البرلمان في مجال تقييم السياسات العمومية : ملامح التقييم الأولي.

باختتام الولاية التشريعية التاسعة كان البرلمان المغربي يختم أولى ولاياته في مجال تقييم السياسات العمومية، ولاية تأسيسية لاختصاص أوكله دستور 2011 للبرلمان، بعد أن ظل على امتداد التجربة الدستورية المغربية  بعيدا عن أي اهتمام بمجال التقييم. حيث نص الفصل 70 منه على أن "يصوت البرلمان على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية"

وكشأن أي تجربة تأسيسية، فإن تقعيد اختصاص البرلمان في تقييم السياسات العمومية، و أجرأته داخل القانون البرلماني. رافقه نقاش قانوني وجدال سياسي، ارتبط، بشكل أساس،بالتأطير القانوني لوظيفة التقييم، و بتمثل الفاعل السياسي لهذه الوظيفة الجديدة الذي انعكس على حصيلة البرلمان في مجال تقييم السياسات العمومية خلال الولاية التشريعية المنتهية.

لذلك فانصرام أولى ولايات البرلمان في مجال تقييم السياسات العمومية هي مناسبة لتقييم حصيلتها، من خلال إعادة قراءة الإطار القانوني المنظم لوظيفة التقييم، و الوقوف على إمكانيات البرلمان وكذلك الحدود المعيارية لدوره في تقييم السياسيات العمومية، و رصد المسار الذي سلكه تفعيل وظيفة التقييم.
وذلك كله، وفق التفصيل التالي :

ـ المطلب الأول : نظام تقييم السياسات العمومية بين الفعالية و المحدودية.
ـ المطلب الثاني : حصيلة تقييم البرلمان للسياسات العمومية: إكراهات التأسيس.

المطلب الأول : نظام تقييم السياسات العمومية بين الفعالية و المحدودية.

مسايرة منه للتطور الحاصل على مستوى وظائف المؤسسات البرلمانية في العديد من التجارب الدولية، و التي أضحت تولي لوظيفة التقييم أهمية متزايدة. عمل المشرع الدستوري المغربي على تخويل البرلمان وظيفة تقييم السياسات العمومية1، بعد أن ظل على امتداد التجربة الدستورية بعيدا عن أي اهتمام بمجال التقييم، حيث نص دستور2011 لأول مرة على أن البرلمان يقيم السياسات العمومية.
اختار المشرع الدستوري أن يؤسس للقواعد الدستورية المؤطرة لوظيفة تقييم البرلمان للسياسات العمومية في ثلاثة فصول دستورية (70.100.101)، حدد فيها الفصل 70 الإطار العام لوظائف البرلمان، حيث نص على أن : "يصوت البرلمان على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية". فيما حدد الفصلين 100 و101 الآليات التي يقيم بها البرلمان السياسات العمومية، حيث نص الفصل 100 في الفقرة الثالثة منه على أن :"...تقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسات العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر."، ونص الفصل 101 على تخصيص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية و تقييمها.
أما النظام الداخلي لمجلس النواب، وكذا النظام الداخلي لمجلس المستشارين، فقد عمل على تحديد الهدف من تقييم السياسات العمومية وضبط الاجراءات المتعلقة بها، حيث جعل الهدف منها هو :" القيام باجراء أبحاث و تحاليل للتعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية،وقياس تأثيرها على الفئات المعنية وعلى المجتمع،ومدى تحقيقها للأهداف المتوقعة وتحديد العوامل التي أدت إلى بلوع هذه النتائج."2
وتعزيزا لدور البرلمان في هذا المجال، أتاح له الدستور امكانية الطلب من المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي أوإحدى هيئات الحكامة الواردة في الدستور اجراء أبجاث ودراسات في موضوع السياسة العمومية المراد تقييمها وذات الصلة بمجال اشتغال هذه المؤسسات3.
الملاحظ من خلال الإطار القانوني، المبسط أعلاه، أن المشرع الدستوري المغربي اختار أن يؤسس لنظام يختلف مع بعض التجارب المقارنة التي توكل مهمة تقييم السياسات العمومية لبرلماناتها، وتزودها ببنيات داخلية متخصصة في التقييم وبشكل منتظم واعتيادي، كالولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر تجربة مرجعية، حيث يتوفر الكونغرس على عدد كبير من الوكالات المتخصصة في تقييم السياسات العمومية، وتجربة البرلمان الايطالي المتمثل في المكتب البرلماني لمراقبة الإدارة4. وكذا التجربة الفرنسية التي ميزت أعمال تقييم السياسات العمومية عن أعمال المراقبة والتدقيق، حيث تبرز لجنة مراقبة وتقييم السياسات العمومية، التي تشكل برلمانا مصغرا من حيث تكوينها، من داخل الجمعية الوطنية بشكل كبير في مجال تقييم السياسات العمومية.
 حيث جعل من تقييم السياسات العمومية آلية دورية (جلسة سنوية)، و بآليات شبيهة بآليات الرقابة الكلاسيكية. ولئن كان النظام الداخلي لمجلس النواب كما تم إقراره يوم 12 يناير2012 نص على تخصيص جلسات لتقييم السياسات العمومية من داخل اللجان البرلمانية المختصة، فإن هذا المقتضى اصطدم بالقراءة النصية للمجلس الدستوري للفصل 100 من الدستور، الذي قضى بعدم دستوريته5 .
لذلك يجوز القول، أن المشرع المغربي أسس لمبدأ التقييم باعتباره إنجازا تأسيسيا، لكن دونما تمتيعه بالآليات الدستورية العملية والتطبيقية اللازمة. حيث أن تفعيل تقييم السياسات العمومية غاب إلى حد بعيد عن المشرع الدستوري6.

المطلب الثاني : حصيلة تقييم البرلمان للسياسات العمومية: إكراهات التأسيس.

جاءت حصيلة البرلمان في مجال تقييم السياسات العمومية خلال الولاية التشريعية المنتهية متواضعة وضعيفة، بحيث بلغت عدد الجلسات الشهرية المخصصة لإجابة رئيس الحكومة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسات العامة 44 جلسة شهرية، موزعة بين مجلس النواب بحصة 24 جلسة شهرية، وبين مجلس المستشارين بحصة 20 جلسة شهرية. فيما لم يعقد مجلسي البرلمان إلا جلسة سنوية واحدة لمناقشة وتقييم السياسات العمومية، حيث عقد مجلس النواب أولى جلساته السنوية بتاريخ 03غشت 2016 خصصها لتقييم "برنامج الكهربة القروي الشمولي والبرنامج الوطني لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب"، فيما عقد مجلس المستشارين أولى جلساته السنوية بتاريخ 05غشت 2016 خصصها  لمناقشة وتقييم "المخططات الاستراتيجية للمغرب الأخضر، والمغرب الأزرق، والاقلاع الصناعي، المغرب الرقمي، والطاقات المتجددة بالاستناد إلى دعامات: التعليم والتكوين والتشغيل والحكامة واللوجستيك وأثرها على الجهوية"7.
ساهم في تواضع هذه الحصيلة عوامل تمثلت بالأساس ـإضافة إلى محدودية الإطار القانوني كما أشرنا إليه سابقا ـ في تمثل الفاعل السياسي لهذه الوظيفة الجديدة، والذي كشف عنه بداية في المحاورات التي جمعت البرلمان والقاضي الدستوري خلال مرحلة تقعيد نظام تقييم السياسات العمومية في القانون البرلماني، و في النقاش القانوني والسياسي الذي جمع الحكومة و المعارضة، خصوصا الخلاف حول مسألة الوقت المخصص لرئيس الحكومة والوقت المخصص للفرق المتدخلة.
ثم من خلال المسار الذي سلكه تفعيل تقييم السياسات العمومية، حيث أن العطب الذي سيلاحق هذه الوظيفة الجديدة، ويفرغها من جوهرها التقييمي، سيتمثل أساسا في الانحراف الذي ستشهده، خصوصا، الجلسات الشهرية المخصصة لإجابة رئيس الحكومة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسات العامة، التي تحولت إلى موعد شهري للتصريف المنبري للصراع السياسي القائم بين الحكومة والمعارضة، و الذي سيصل مداه إلى درجة ايقاف ورفع إحدى الجلسات الشهرية قبل اكتمال أشغالها و المدة الزمنية المخصصة لها8.
ومن حيث مضمون الجلسات، فلقد شكلت نسخة مشابهة للجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفوية من حيث الرتابة وتكرار نفس الأسئلة.
زاد من تواضع الحصيلة، عدم انتظامية عقد الجلسات الشهرية، خصوصا داخل مجلس المستشارين، الذي أجل عقد هذه الجلسات أكثر من مرة بمبررات مختلفة.
وكذا التعثر الذي شهدته الجلسات السنوية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية، حيث بلغت حصيلتها جلسة واحدة لكل من مجلسي البرمان.

خاتمة :

من بين الصعوبات التي تصطدم بها وظيفة تقييم السياسات العمومية،خصوصا في الدول الحديثة العهد بهده الوظيفة. هو ذلك الالتباس الذي لا يزال يثيره مفهوم التقييم، خاصة من زاوية اختلاطه بمفهوم المراقبة9. لذلك نجد العديد من الدول تعمل على التمييز بين أعمال تقييم السياسات العمومية و أعمال المراقبة والتدقيق، سواء من حيث الوظائف و الأهداف، أو من حيث الآليات و الوسائل.
على خلاف التجربة المغربية التي على ما يبدو تأثرت بذلك الالتباس الحاصل على مستوى مفهوم التقييم. بحيث و إن كان المشرع الدستوري أوكل للبرلمان وظيفة تقييم السياسات العمومية، فإن ذلك لم يرافقه تمكين البرلمان بالآليات التطبيقية اللازمة لتفعيل دوره التقييمي، حيث كانت هذه الاليات شبيهة بآليات الرقابة الكلاسيكية.
زاد من هذا الالتباس، التمثل السلبي للفاعل السياسي لوظيفة التقييم، والذي شكل الانحراف الذي شهدته جلسات تقييم السياسات العموميةـ خصوصا الجلسات الشهريةـ أبرز تمظهراته... كل هذا جعل من أولى ولايات البرلمان في مجال تقييم السياسات العمومية تشهد تعثرا و تسجل حصيلة متواضعة.
 
 
 
الهوامش

أحمد بوز،البرلمان المغربي ـالبنية والوظائفـ دراسة في القانون البرلماني المغربي.المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، عدد خاص،دجنبر2016،ص :151.
2ـ المادة 212 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
3ـ المادة 214 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
4ـ للاستزادة أكثر راجع : حسن طارق، مبادئ ومقاربات في تقييم السياسات العمومية، منشوارات جمعية الوسيط من أجل الديموقراطية، أبريل2014،ص:19.20.
5ـ قرار المجلس الدستوري رقم829/12.
6ـ يوسف اليحياوي،تقييم السياسات العامة وفق دستور2011:بين التباس المقتضى الدستوري وضعف فعاليتها.مؤلف جماعي للدراسات والأبحاث القانونية والاقتصادية والاجتماعية تكريما للأستاد محمد بضري، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، 2016، ص60
7ـ حصيلة عمل الحكومة في علاقتها مع البرلمان الولاية التشريعية التاسعة 2011ـ2016، منشورات الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني،ص،ص،ص،327.328.333.
8ـ ونقصد بالخصوص الجلسة الشهرية لرئيس الحكومة المنعقدة بتاريخ 28 أبريل 2015، التي أوقفها رئيس مجلس النواب على إثر الضجة التي شهدتها قاعة الجلسات عقب تلفظ رئيس الحكومة بلفظ "السفاهة" و استنكار الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقواب الشعبية و وصفه لرئيس الحكومة بالسفيه، ليتم بعد دلك ايقاف الجلسة.
9ـ أحمد بوز، البرلمان المغربي...، مرجع سابق،ص 150.
 



الاحد 5 مارس 2017

تعليق جديد
Twitter