MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



تقرير المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ والبيئيّ حول التأثيرات المترتبة عن الاستثناءات في مجال التعمير

     



نسخة من التقرير الكامل قصد التحميل


ملخص التقرير

السياق العام لصدور المسطرة الإدارية للاستثناء في مجال التعمير

اضْطُرَّت ُ الإدارة في كثير من الأحيان إلى منح بعض الاستثناءات في مجال التعمير خارج الإطار القانوني، وإلى تسليم بعض الرخص الاستثنائية، الأمر الذي تشير إليه كلٌّ من الدورية الوزارية الصادرة سنة 1973 وأخرى سنة 1994.
وقد حاولت الإدارة، في كثير من الحالات، إنتاج مجال للتعمير دون التقيُّد بالمقتضيات التنظيمية الجاري بها العمل، وذلك من خلال تدبير عمراني قائم على مبدأ التكييف، يتم على المستوى المحلي. ويجدر التذكير هنا بالجهود التي بذلتها السلطات العمومية في مجال إعادة هيكلة الأحياء غير المنظمة. وفي هذا الصدد، اعتمدت ضمنيا دون التصريح بذلك تدبيرا عمرانيا مبنيا على الاستثناء.
وفي هذا السياق، ارتفعت قيمة الأراضي الموضوعة رهن إشارة وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية، وخاصة ثكنات سابقة تابعة للقوات المسلحة الملكية التي استفادت من تغيير للتنطيق لتصبح مناطق سكنية كثيفة بعد أن كانت في معظمها مخصَّصَة لمرافق عمومية ومساحات خضراء وارتفاقات . إضافة إلى ذلك، مكّنت الدورية المشتركة بين وزارة الداخلية والوزارة المكلفة بالإسكان رقم 352/337 د بتاريخ 12 يونيو 1995 من تسليم رخص استثنائية للمشاريع الداخلة في إطار البرنامج الوطني لبناء 200 ألف سكن.
وإضافة إلى الحالات السابقة، المؤطَّرَة رسميا من قبل الإدارة، فإن اللجان المكلَّفة بدراسة طلبات إحداث التجزئات العقارية والأبنية على المستوى المحلي، المعروفة باسم لجان الطرق، غالبا ما لجأت إلى إعمال مسطرة الاستثناء.
يبدو إذن أن ممارسة الاستثناء في مجال التعمير ممارسة قديمة، ولكنها لم تُعتَمد رسميا إلا سنة 1999، بصدور الدورية رقم 254 المؤرخة في 12 فبراير 1999، في سياق يتميز بتنصيب ما يعْرَف باسم حكومة التناوب سنة 1998.
وقد فرضت الوضعية الاقتصادية العامة للمغرب السائدة حينئذ، المتسمة بالانحسار والانكماش، اعتماد خطاب يسعى إلى تشجيع المبادرة الخاصة وتحديث الإدارة العمومية، قصد محو الصورة السلبيَّة اللّصيقة بها، كعقبة في وجه النشاط الاقتصادي، وجعلها محرِّكا لإنعاش الاستثمار.
وستصدر فيما بعد ثلاث دوريات ، في أعقاب الدورية السابقة، خلال سنوات 2001 و2003 و2010 على التوالي، بهدف بث نوع من الدينامية المجالية والاستجابة للمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية. وهي دوريات  اعتُبرت في حينها مؤقتة وانتقالية في انتظار إجراء الإصلاحات القانونية. ويمكن القول إن كل المحاولات في هذا الصدد ستصطدم بتردد السلطات العمومية.
هكذا، فإن إقرار مسطرة الاستثناء في مجال التعمير يعد تعبيرا عن إرادة لتحقيق الشفافية في دراسة المشاريع الاستثمارية، واستغلال فرص الاستثمار. ويُبرَّر اللجوء إلى إعمال هذه المسطرة بافتقار وثائق التعمير للمرونة واتسامها بالتصلب والصرامة في سياق اقتصادي واجتماعي دائب الحركة والتطور، وعجزها عن إدماج الحاجيات الطارئة سواء للسكان أو المستثمرين، مما استوجب توفير مرونة أكبر في دراسة الملفات المعروضة على أنظار الإدارة، مع تسريع وتيرة معالجتها.
وقد تم تدريجيا الانتقال من المعالجة المركزية لملفات طلبات الاستثناء، إلى معالجة لاممركزة على يد لجنة جهوية مُحدَثة لهذا الغرض برئاسة الوالي. ومع ذلك، ما زالت هذه المسطرة تعتريها بعض النقائص، نظرا لغياب التنصيص الدقيق على الشروط التي يجب أن تستوفيها المشاريع كي تستفيد من مسطرة الاستثناء في مجال التعمير، مع تحديد المسالك والمعايير المعتمَدة في منح الاستثناءات، ذلك أن الشروط الحالية تتسم بالتعميم، وتسمح بتعدد التأويلات.
وفي سياق عام، تتحكم فيه أكثر فأكثر مجموعة من الرهانات السياسية والاقتصادية، تم إعمال مسطرة الاستثناء في كثير من الأحيان ضد المصلحة العامة. وقد يكون هذا الأمر من بين الأسباب التي استوجبت إصدار الدورية الجاري بها العمل التي تنص صراحة على مجموعة من التدابير الكفيلة بتقييد مسألة منح رخصة الاستثناء في مجال التعمير، وإن ظلت مع ذلك عاجزة عن إحاطة التدبير الإداري للاستثناء بمجموعة من الضمانات التي تحول دون حدوث بعض التجاوزات. 
والحال أن التشريع المغربي في مجال التعمير لا يخلو من إجراءات متعلقة بالاستثناء، تم التنصيص عليها ضمن شروط محدَّدة بدقّة. ورغم أن هذه الإمكانات تظل محدودة، فإنها تشكل في نفس الوقت وسائل للتخطيط والتدبير المجالي ولفرص الحكامة الترابية في إطار من الشفافية والدينامية والاحتكام للقانون. ولكن غالبا ما يتم تجاهل هذه المرونة، إما جهلا بها، أو تنصُّلا منها، على اعتبار أن الاستثناءات المسموح بها يجب أن تُحدَّد مسبقا وتسطَّر بوضوح في ضابطة التهيئة.   
وقد ظلت السلطات العمومية دائما تشدِّد على الطابع المؤقت والانتقالي لمسطرة الاستثناء في مجال التعمير. ولم تتوقف في هذا الصدد النقاشات حول الأساس القانوني للاستثناء ومساطره ومنطقه وآثاره. ولهذا السبب، جمّدت حكومة إدريس جطو وبعدها حكومة عباس الفاسي أعمال لجان منح الاستثناءات، قبل أن تعمدا إلى إصدار الدوريتين المؤرَّختين في سنتي 2003 و2010 على التوالي، وذلك في غياب حلول قانونية بديلة يمكن اعتمادها لجلب الاستثمارات وتذليل العقبات المنتصبة في طريقها، علما أن إصلاح القوانين عملية محفوفة بالصعوبات وتتطلب نفسا طويلا.
فضلا عن ذلك، ففي مواجهة انتقادات ما فتئت تزداد حدة، سعت السلطات العمومية إلى إدراج ممارسة الاستثناء في مجال التعمير داخل إطار قانوني، ومع ذلك، ظلت مشاريع القوانين في هذا الباب حبيسة الرفوف أو متعثرة تتقاذفها الحسابات السياسية والقانونية، نظرا لما يتميز به التشريع في هذا الصدد من صعوبة وتعقيد.
 
تعدد العقبات وتباين الأرقام كمظاهر للإشكالية المطروحة  

يبدو، بناء على ما سبق، أن تنظيم المجال العمراني ظل دائما عُرضَة لتقلبات الظرفية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ليندرج الاستثناء في سياق الحلول الجزئية وردود الأفعال المعيبة التي لا تسعف في اعتماد مقاربة رصينة للمسألة العمرانية. وقد أصبح التدخل العمومي أشبه ما يكون بعملية تقديم مسكنات مؤقتة، في محاولة للتصدي للاختلالات والاستجابة لبعض الحاجيات المستعجلة.
صحيح أن لا أحد يمكنه أن يجادل في الصرامة التي تتصف بها بعض النصوص القانونية، وعدم استجابتها للحاجيات الطارئة، مما ينعكس سلبا على الاستثمار في المغرب، بيد أن هذا الأمر ليس مطلقا، ليظل التساؤل حول سبل إصلاح هذ الوضعية قائما، وكل جواب في هذا الصدد، يجب أن يجمع بين المرونة والمشروعية.
وتكشف الأرقام المرتبطة باعتماد مسطرة الاستثناء، حجم هذه الظاهرة، وأيضا الآثار الاقتصادية والسوسيو-مجالية والبيئية الناتجة عنها على مجموع التراب الوطني.
ومنذ تطبيق الدورية الوزارية المشتركة رقم 3020/27 وحتى نهاية 2013، درست اللجنة المختصّة بطلبات الاستثناء 13222 مشروعا، بمعدل 110 مشروع شهريا.
ويتبين من هذه الحصيلة أن 7578 مشروعا حصل على الموافقة المبدئية، أي بنسبة 58 في المائة، و4150 تم رفضه، بنسبة 31 في المائة، و1492 أُجِّل البتُّ فيه. وقد وُزِّعَت هذه المعطيات زمانيا ومكانيا من أجل الإحاطة بشكل أفضل بنتائج إعمال مسطرة الاستثناء، حسب الجهات والمدن، وفي فترتين زمنيتين مختلفتين هما (2003-2009) و(2010-2013). وتتزامن هاتان الفترتان مع سريان العمل بالدوريتين الأخيرتين المنظمتين لمسطرة الاستثناء في مجال التعمير، وهما الدورية الوزارية المشتركة رقم 3020/27 بتاريخ 04 مارس 2003، والدورية الوزارية المشتركة رقم 10098/31 بتاريخ 06 يوليوز 2010.
ويبدو من خلال النظر في صيرورة العمل بهذه المسطرة وجود تباين بين الجهات خلال الفترتين. ففي فترة تطبيق الدورية الصادرة سنة 2003، ارتفع بشكل ملحوظ عدد الاستثناءات الممنوحة في مجال التعمير، حيث درست اللجنة المختصة 9256 مشروعا، بمعدل 128 مشروعا شهريا، ووافقت على 59 في المائة من الطلبات المقدَّمَة.
ويبدو أيضا أن عدد الطلبات المقدَّمة للحصول على رخص الاستثناء، حسب الجهات، لا علاقة له بالدينامية العمرانية والاقتصادية لهذه الجهة أو تلك، علما على أن إعمال هذه المسطرة يظل في جزء كبير منه رهينا بدرجة اقتناع المسؤولين المحليين بنجاعتها.
وخلال الفترة الممتدة من 2010 إلى 2013 ، التي تتزامن مع دخول الدورية الأخيرة الصادرة سنة 2010 حيز التنفيذ، درست اللجنة المختصة 3966 مشروعا، بمعدل 99 مشروعا شهريا. وقد أعطت موافقتها المبدئية لما يعادل 2175 مشروعا، بنسبة 55 في المائة.
  هكذا انخفض عدد الملفات المدروسة من 128 إلى 99، وتراجعت نسبة الموافقة المبدئية من 59 في المائة إلى 55 في المائة. وقد يُفسَّر ذلك الانخفاض، على وجه الخصوص، بالقيود التي أتت بها الدورية الصادرة سنة 2010، فيما يخص معايير قبول طلبات الحصول على رخص الاستثناء في مجال التعمير، وخاصة طبيعة المشاريع التي يمكن أن تستفيد من ذلك، وحصر الاستفادة على صاحب طلب الاستثناء، والمحافظة على المرافق العمومية والمساحات الخضراء وطرق التهيئة ودوائر الريّ، الخ.
فضلا عن ذلك، بلغ عدد المشاريع المعروضة على اللجان الجهوية المختصة في الجماعات الحضرية التي تعتمد نظام وحدة المدينة، وهي أكادير والدار البيضاء وفاس والقنيطرة ومراكش ومكناس ووجدة والرباط وآسفي وسلا وطنجة وتازة وتطوان، 3209 و 1322 مشروعا، على التوالي خلال الفترتين ما بين (2003 و2009) و(2010 و2013)، أي ما يعادل 36 في المائة من الملفات المقدَّمَة وطنيا خلال هاتين الفترتين. وبلغت نسبة المشاريع التي نالت الموافقة المبدئية على التوالي 68 في المائة و63 في المائة، مما يدل على الدينامية التي تتميز بها المدن الكبرى المحتضنة لأهم الأنشطة الاقتصادية.
وقد بلغت المساحة المفترَضة القابلة للتعبئة خلال الفترة ما بين (2003 و2013)، 27046 هكتارا. ومن  بين 7578 مشروعا حاصلا على الموافقة المبدئية، يُلاحَظ أن 898 مشروعا فقط هو الذي يقع في مناطق جديدة للتعمير، بمساحة إجمالية تبلغ 6649 هكتارا. أما الباقي، فهو عبارة عن مشاريع تعلية الأبنية وتسوية بعض الوضعيات العقارية ومراجعة المقتضيات المنظِّمة لبعض المشاريع المنجزَة سلفا، الخ.
وخلال الفترة ما بين 2003 و2013، قدّر مبلغ الاستثمارات الإجمالي الذي قد ينتج عن إنجاز 7578 مشروعا حاصلا على الموافقة المبدئية بما يفوق 583 مليار درهم. وقد استفادت المدن الكبرى من نسبة 56 في المائة من مبلغ الاستثمارات الإجمالي على المستوى الوطني.
وفيما يتعلق بطبيعة الاستثناءات الممنوحة، تبين هذه المعطيات الأثر الواضح لمسطرة الاستثناء في مجال التعمير في المجال العقاري مقارنة بالاستثمار المنتِج. ويتجلى ذلك أساسا في المدن الكبرى، حيث يمثل هذا القطاع 69 و58 في المائة، مقابل 55 و51 في المائة بمختلف الجهات، على التوالي في الفترتين ما بين 2003و2009 و2010 و2013. وقد انخفضت نسبة المشاريع العقارية نتيجة القيود المنصوص عليها في الدورية الأخيرة الصادرة سنة 2010.
وخلال الفترة ما بين 2003 و2009، سجلت المرافق العمومية والخاصة نسبة 25 في المائة، متبوعة بالمشاريع السياحية (11 في المائة) والصناعية (9 في المائة)، وسجل القطاعان المنتِجان للثروة، وهما السياحة والصناعة، نسبة 24 في المائة.
وفيما يتعلق بطلبات الحصول على الاستثناء، فإنها تتركّز أساسا في المناطق التي تغطيها وثائق التعمير، بنسبة 74 في المائة. ويظل عدد المشاريع الواقعة في المناطق غير المغطاة بهذه الوثائق ضعيفا نسبيا، ولكن بنتائج وآثار سوسيو-اقتصادية وبيئية متباينة لا يبدو أثرها الإيجابي واضحا. 
وتتعلق أغلب طلبات الاستثناء المقدَّمَة بتغيير التنطيق وتغيير نسبة شغل السطح ونسبة استعماله. وفي هذا الصدد، يُلاحَظ أن الأماكن المخصَّصة لفضاءات الترفيه والمرافق العمومية تصبح أغلب الأحيان عرضة لزحف الإسمنت.
فضلا عن ذلك، فمسألة مآل المشاريع التي نالت الموافقة تكتسي أهمية خاصة، وإذا سلّمنا بالحصيلة الوطنية لمسطرة الاستثناء التي سمحت بالإفراج عن العديد من المشاريع التي عُقدت عليها آمال كبيرة لبث الدينامية في قطاع الاستثمار، فإن النتائج المترتبة على إعمال هذه المسطرة وآثارها الحقيقة تظل مع ذلك غير مؤكدة.
وفي هذا الصدد، يبدو أن من أصل 7578 مشروعا، 4319 مشروعا فقط، أي بنسبة 57 في المائة، هو الذي حصل على موافقة لجنة المشاريع الكبرى التي كانت تعقد عادة اجتماعاتها في الوكالات الحضرية.
 
تباين في تطبيق مسطرة الاستثناءات

يتبيّن من خلال تحليل أنماط التدبير الإداري لمسألة منح الاستثناء وجود مقاربات مختلفة بين الجهات في طريقة تطبيق هذه المسطرة. إضافة إلى ذلك، فإن النظر المليّ في استيفاء المشاريع المستفيدة من الاستثناء للشروط المنصوص عليها في هذا الصدد  يبين وجود مجموعة من عيوب الشكل والجوهر في هذه المسطرة.
والملاحظ أن الدوريات  لا توضح بما فيه الكفاية مسالك ومعايير قبول المشاريع المرشَّحة للاستفادة من الاستثناء، ولا تنص على أي إجراء كفيل بتتبع إنجاز المشاريع المستفيدة من هذه المسطرة، مما يؤدي إلى نوع من الغموض المسطري، ويخلق هامشا واسعا لتأويل منطوق تلك الدوريات . ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى تعدد المقاربات وتنافرها، لهذا نجد أن كل جهة تطبق مسطرة الاستثناء بطريقة تختلف عن الجهات الأخرى.
وضمن هذه الشروط، يصبح التدبير العمراني خاضعا في جوانب عديدة منه إلى الظروف المحلية. وتلعب كاريزمية كل عضو من أعضاء اللجنة ووزنه السياسي والفكري دورا كبيرا في هذا الصدد، لتصبح المقاربات والممارسة الإدارية  مرتهنة بوزن الفاعلين والوضعيات المحلية، وخاصة كاريزمية  العمال والولاة ورؤساء الجماعات ومديري الوكالات الحضرية ومديري المراكز الجهوية للاستثمار. 
فضلا عن ذلك، فإن تحليل استيفاء المشاريع المستفيدة من الاستثناء للشروط المنصوص عليها في الدوريات  يكشف عن مجموعة من الاختلالات، مما يسائل المنظومة المرجعية والممارسة الإدارية.
يطالعنا غموض المسطرة والصعوبات التي تكتنفها بدءا من الوثائق المكوِّنة لملفات طلب الاستثناء، ومكان الإيداع والمسار المحدد للملفات لعرضها على اللجان المختصة، وآجال دراسة الطلبات، وتركيبة اللجنة، ومعايير قبول المشاريع الاستثمارية. صحيح أن الاستثمار يقاس بما يترتب عنه من آثار اجتماعية واقتصادية وعمرانية، بيد أن معايير تحديد مشروع استثماري ما تظل غير دقيقة. هكذا أضفت الدوريات  نوعا من التعقيد على اختصاصات اللجان الجهوية التي لم تفلح في وضع معايير دقيقة متوافق بشأنها لانتقاء المشاريع الاستثمارية ومنح الاستثناءات.
وفي غياب أسس دقيقة، تتعدد عيوب الشكل والجوهر التي تشوب مسطرة الاستثناء، مما يُفْضي حتما إلى ارتباك في تدبير الملفات في غياب مرجعية تنظيمية متينة. ومن المناسب أن نذكِّر هنا بمسألة اشتراط الدوريات المعنية وجود آثار إيجابية اقتصادية واجتماعية وعمرانية للمشاريع التي تستفيد من الاستثناء. والحال أن استقراء ما تم التوصل إليه من حصيلة تخص الاستثناء في مجال التعمير، يكشف أن أغلب الاستثناءات المطلوبة يتعلق بتغيير التنطيق والرفع من نسبة شغل السطح واستعماله، ويكشف أيضا أن نصيب الاستثمار المنتِج للثروة من الاستثناء يظل محدودا جدا.
ومبدئيا، يجب ألا تطال الاستثناءات المساحات المخصَّصَة للمرافق العمومية، والمساحات الخضراء، وطرق التهيئة، ودوائر الريّ، والمناطق الواجب حمايتها، وغيرها مما يعد جزءا من الرأسمال الطبيعي والثقافي، إلا أن تلك المجالات لم تسلم من الاستثناءات. وها هي المؤشرات المدعومة بالأرقام تبين أن مساحة 900 هكتار، كانت مخصَّصة أصلا لمنشآت ذات منفعة عامة حُوِّلَت إلى عمارات ومبان فُوِّتت للخواص.     
هل نخلص من ذلك إلى أن التدخل العمومي في هذا المجال يتسم بعدم التناسق والانسجام،  اعتبارا لطريقة تنسيق أعمال أعضاء اللجنة الجهوية والمنهج الذي يؤطر عملهم، مما يدل على وجود مجموعة من النقائص؟ وفي هذا الصدد، فإن مسألة البحث عن التوافق بين أعضاء اللجنة المذكورة، والمقابل المطلوب للاستفادة من الاستثناء ، وتتبع إنجاز المشاريع، تطرح كلها ضرورة إعادة النظر في المسطرة المتَّبَعة وفي طريقة اتخاذ القرار. مجمل القول إن النظام الحالي يعبّر عن مقاربة تجزيئية للتنمية المجالية، ويؤثر سلبا في كل من التخطيط والتدبير العمراني.
 
آثار الاستثناء في مجال التعمير الاقتصادية والسوسيو-مجالية والبيئية

رغم أنه من الصعب استجلاء آثار العمل بمسطرة الاستثناء وقياسها بدقة، فإن الاعتماد على بيانات المشاريع التي منحت الموافقة المبدئية لرخصة الاستثناء يشير إلى أن إنجاز المشاريع المستفيدة من هذه المسطرة، سيمكن من استثمار مبلغ إجمالي قدره 583 مليار درهم في جميع القطاعات الاقتصادية، مما سيساهم في إنعاش الحركة الاقتصادية و الاجتماعية في بلادنا، ويقدر عدد مناصب الشغل المزمع خلقها 304080 منصب ، منها 178600 ألف في قطاع العقار.
وعلى المستوى المجالي، تمتد المشاريع العقارية على مساحة 11996 هكتارا، تشمل 94075 بقعة أرضية و250400 وحدة سكنية. وتعد جهات مراكش-تانسيفت-الحوز والدار البيضاء الكبرى ومكناس-تافيلالت ودكالة-عبدة وطنجة-تطوان، على التوالي، أكثر المناطق إنتاجا للمجال القابل للتعمير.
ولا شك أن الاستثناءات في مجال التعمير قد ساهمت في تخطي العقبات التي كانت تعترض مئات المشاريع المتعثِّرة، وأيضا في خلق الثروة وقد استفاد قطاع السكن الكثير من هذه المسطرة، مما انعكس إيجابا على برامج السكن الاجتماعي وأدى إلى بث الدينامية في سوق العقار. مع ذلك، تظل الدينامية المترتبة عن ذلك هشّة، وخصوصا مؤقَّتة. علما أن قطاعي السياحة والصناعة وحدهما قادران على خلق مناصب شغل مستدامة وكفيلة بتعزيز النسيج الاقتصادي، وتفضي بالتالي إلى خلق قيمة مضافة جهوية.
ويُلاحَظ أن السعي إلى الاستفادة من الاستثناءات توجهه الرغبة في الرفع من قيمة الأراضي، من خلال تغيير التنطيق أو تحويل الغرض المخصَّصة له المساحات المقرّرة لإقامة منشآت ذات منفعة عامة، من قبيل المرافق العمومية والساحات والمناطق الخضراء. ويتوقّف هذا التقرير عند بعض الممارسات التي يحرّكها هدف الرفع من قيمة العقار، حيث يلاحَظ في هذا الصدد أن بعض المشاريع التي ارتأت اللجنة أنها تستحق الحصول على الاستثناء تغيَّرت طبيعتها جذريا، قياسا إلى التصاميم الأصلية المقدّمة للجنة، بل إن مشاريع أخرى عُرضت على لجان الاستثناء مرات عديدة، وحصلت في كل مرة على استثناء يخوّل امتيازات أكبر.
وقد استهدف المشرِّع من خلال اعتماد مسطرة الاستثناء خلقَ أداة تساهم في تدارك الاختلالات التي تشُوب وثائق التعمير، وتحقيق التكامل مع التخطيط العمراني، مما يمكّن من إقامة مشاريع ضخمة، وفْق منهجية رصينة وتشاوريّة. وقد جسَّدت بعض المشاريع في العديد من الجهات فعلا هذا الطموح.
بيدْ أن المقاربة المعتمَدة في دراسة ملفات الاستثناء لا تؤدي إلى ضمان استدامة الاستثمارات. يدل على ذلك إلغاء أو تقليص المساحات المخصصة للمرافق العمومية والمساحات الخضراء، ذلك أن الإسمنت قد زحف على مساحة 900 هكتار كانت مخصَّصة أصلا لمنشآت ذات منفعة عامة، ومنها 420 هكتارا من المساحات الخضراء.
وتدق هذه الوضعية ناقوس الخطر، علما أن الدراسات قد بيّنت أن 65 في المائة من المدن المغربية توفِّر أقل من متر مربّع من المساحات الخضراء لكل فرد، بينما تحدد المنظمة العالمية للصحة كمعيار 10 أمتار مربعة للشخص الواحد.  
ويؤدي الإفراط في اللجوء إلى مسطرة الاستثناء إلى إنجاز مشاريع على أراض غير مجهَّزة، ومناطق للزراعة المكثَّفة، وأحزمة خضراء، ومحميات طبيعية، وفضاءات مغروسة، وفرش مائية. فضلا عن ذلك، تبلغ المساحة التي يطالها التعمير سنويا 5000 هكتار، منها 1000 هكتار من الأراضي الزراعية، وخاصة دوائر الريّ المحيطة بالمراكز الحضرية.
أيمكن القول أيضا إن "المعايير الجديدة" للسكن الاجتماعي، وخاصة الكثافة السكانية المفرطة التي تبلغ 230 سكنا في الهكتار الواحد، لا تشجع على خلق تعمير مستدام يحقق التماسك والانسجام؟ ذلك أن المجال الذي يتم إنتاجه وفق هذه المعاييرـ قد يؤدي، ضمن هذه الشروط، إلى خلق هوامش حضرية تشكل نشازا في النسيج العمراني العام وتولد الشعور بالحيف وقد تشكل بؤرة اجتماعية حسّاسة.  
ومع ذلك، فإن مسطرة الاستثناء في مجال التعمير جاءت ببعض المرونة الضرورية في دراسة المشاريع، مما سمح بتخطي العقبات التي كانت تمنع انطلاق عدة مشاريع استثمارية. وهي تستجيب أيضا لرهانات التنمية الاقتصادية على المستوى الوطني. وهذه المسطرة تطرح نفسها كأداة لتكييف المقتضيات التنظيمية مع خصوصيات الأراضي والمواقع المعنيّة. وتمكن أيضا من تدارك التأخير في إعداد وثائق التعمير، والتعقيدات الإدارية المرتبطة بالحصول على رخصة البناء. وفي المقابل، فإن الإخلال بمقتضيات وثائق التعمير والتشريعات الجاري بها العمل أمر له ثمنه، وإن كان من الصعب تقديره.
ولا شك أن التأثير على البيئة، والمضاربات العقارية، وعدم اتضاح الرؤية، وعدم التحكم في التوسع العمراني وفي إعادة التركيب المجالي، كلها ظواهر ناتجة عن تدبير عمراني تغيب عنه الرؤية الشمولية،  ويقتصر على دراسة كل ملف بطريقة منعزلة، مما يؤدي إلى مجموعة من الآثار السلبية على مستقبل المدن. هكذا، تساهم مسطرة الاستثناء في خلق نمط إنتاج عمراني منحصر ومعزول، تغيب عنه الرؤية الشمولية، مما قد يؤدي إلى خلق التمايز المجالي وعدم الانسجام السوسيو-اقتصادي والمعماري والبيئي.
ومع ذلك، يجب ألا يتم تحميل مسطرة الاستثناء مسؤولية كل الاختلالات التي يعاني منها إعداد التراب الوطني. فمن الأكيد أن المسطرة الجاري بها العمل لا تشكل وحدها مصدر الاختلالات التي تعاني منها المدينة المغربية. وهذا الاستنتاج لا يتناقض مع إعادة التأكيد أن التشريعات الحالية مشوبة بالكثير من أوجه النقص والتعقيدات. وبالتالي، فإن إصلاحها، داخل إطار قانوني وشامل، أصبح أمرا ملحّا تفرضه العديد من الاعتبارات والمسوِّغات.  

أي تخطيط عمراني من أجل بديل عن الاستثناء المطلق بالمغرب؟

يتمثل الهدف هنا في تفادي اللجوء المبالَغ فيه إلى مسطرة الاستثناء، من خلال اعتماد نظام تخطيط عمراني مرن ومنسجم وعقلاني. من هنا أهمية عمليات تقييم مساطر إعداد وثائق التعمير، سعيا إلى تجديد مناهج إعداد وتدبير المجال الحضري.
وتُعدُّ التشريعات المتعلقة بالتخطيط العمراني استمرارا لنفس مبادئ التعمير الاستعمارية التي تعود إلى سنة 1914. وضمنها يصبح التعمير مجموعة من القواعد المفروضة المُلزِمة التي لا تتناسب بتاتا مع سياق وصيرورة التنمية الوطنية.
وتتجلى الاختلالات القانونية في شكل ثلاث صعوبات مرتبطة بالتشريع في مجال التعمير. وعلى رأسها صعوبة الحسم في تحديد خيارات سياسية، وصعوبة رسم أهداف واضحة ودقيقة، وصعوبة التحكيم والتقريب بين مصالح مختلفة ومتناقضة. وبالتالي، يجب ألا تتم التضحية بالتخطيط المندمج لصالح ما هو ظرْفي عرَضي، وبالاستدامة أمام ما هو آني وزائل، وبالرؤية المنفتحة على المستقبل لحساب الترقيع والحلول المؤقتة.
وغالبا ما يسود الارتباك، عندما  يتعلق الأمر بتحديد الخيارات السياسية، ومرد ذلك إلى مجموعة من الرهانات والاعتبارات الاجتماعية والثقافية والأمنية والاقتصادية الوطنية والدولية. وفي السياق نفسه، ليس من السهل تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: التحصين القانوني للملكية العقارية والعقود المرتبطة بها، والنجاعة الاقتصادية المرتبطة بتعبئة التراب والبحث عن الإنصاف العقاري.
وهناك صعوبة أخرى تتمثل في وضع آليات للضبط والتحكيم، حيث يصعب التوفيق بين المصلحتين العامة والخاصة. ويشكل البحث عن التوافق بين تعمير معياري وعجز السلطات العمومية عن الأداء، معادلة يصعب حلها.
وتتعدد محاولات التشريع في مجال التعمير، ولكنها تظل في كل الأحوال تعبيرا عن تردد الدولة وعدم اتخاذها القرار الحاسم. ومن جديد، دخل مشروع إعداد مدونة للتعمير في الطريق المسدود. وقد تم حاليا تجزيئ مشروع القانون المعنيّ  إلى مجموعة من "المشاريع الموضوعاتية الصغيرة" في تناقض مع مبادئ الاندماج والشمولية.
ومن بين هذه المشاريع الموضوعاتية، يوجد مشروع قانون حول وثائق التعمير، ومشروع قانون متعلق بإعداد التراب الوطني ومشروع قانون خاص بالمدن الجديدة ومشروع قانون حول التهيئة الحضرية ومشروع القانون رقم 12-66 المتعلق بزجر المخالفات ومشروع القانون المتعلق بالمساهمة في تكاليف العمران ومشاريع القوانين المغيرة والمتممة للقانونيْن رقم 25-90 و12-90.
حان الوقت للانكباب على تجديد أسس التخطيط العمراني، من خلال تعديلات قانونية ومؤسساتية، من أجل إعادة ترتيب الاختصاصات وتوزيع الأدوار بين مختلف الفاعلين.
 
التجارب الدولية والدروس المستخلصة:

يتعين النظر إلى مسألة إصلاح النظام الحالي كمدخل لوضع سياسة عمومية عمرانية. ومن ثم أهمية الاطلاع على التجارب الدولية التي يمكن الاستفادة منها في تجديد مبادئ ومناهج التعمير في انسجام مع حاجيات المغرب وخصوصياته.
يخضع التدبير العمراني في كل من فرنسا وكندا لمنظومة قانونية ومؤسساتية وقضائية محكمة. ورغم وجود مجموعة من الإجراءات التي تسمح ببعض المرونة، فإنها محاطة بقيود وضوابط، منعا لأي مخالفات أو انزلاقات.  وتمثل الملاءمات الصغرى والاستعمالات المشروطة  آليتين تسمحان بإدخال بعض التغييرات، وتقديم بعض الحلول التقنية إزاء وضعيات ملموسة من شأن الإبقاء عليها الإضرار بقابلية مساحة ما للتعمير.
هكذا يصبح الضبط العمراني خاضعا لمنطق ينبني على ثلاثة مبادئ متكاملة، وهي التحكم، والمرونة، والشفافية، مع اعتماد التشاور والانفتاح على الساكنة. ويمكن هذا المنهج من تدارك ما يشوب وثائق التعمير من نقائص صغيرة، وتفادي رفض طلبات البناء لاعتبارات طفيفة.
ويسعى التخطيط العمراني في إسبانيا وألمانيا وإنجلترا إلى تحقيق التكامل والانسجام بين الوثائق ذات الطابع الاستراتيجي والوثائق التي تنظم استعمال السطح ومواقع المرافق العمومية، الخ.
وفي هذه البلدان، يعود إلى الجماعة اختصاص إعداد وثائق التعمير، بوصفها شأنا محليا أساسا. وتخضع عملية مراجعتها لمساطر واضحة وميسَّرة. وتتميز المنظومة القانونية العامة بمرونة كبرى، تتيح هامشا كبيرا من الحرية للسياسات المحلية في مجال التعمير وللفرص المرتبطة بالمشاريع التنموية. ويمنح قانون التعمير في إنجلترا لأصحاب القرار في هذا المجال سلطات تفويضية تعزز الطابع التوجيهي العام لتصاميم التعمير. ورغم هذه المرونة، فإن إنجاز أي تخطيط عمراني أو منح أي رخصة لمشروع عمراني ما، يجب أن يخضع للمبادئ الأساسية الاثني عشر للتنمية المستدامة المنصوص عليها في القانون.
ولا يخرج التخطيط العمراني في إسبانيا عن هذه القاعدة، فهو أساسا اختصاص محلي. وهو جهوي في كل من إيطاليا وكندا. وفي ألمانيا، يعود الاختصاص المتعلق بالبنيات الأساسية الكبرى إلى الدولة، بينما تتكفل اللاندرات بتشكيل البنية العمرانية. أما في فرنسا، فإن إعداد المخطط المحلي للتعمير هو من اختصاص البلدية.
ويتعين أن يستند التخطيط العمراني في المغرب إلى التعاقد. وعلى غرار ما هو معمول به في فرنسا، بموجب القانون المؤرخ في 29 يوليوز 1929 وفي ألمانيا بموجب القانون الإطار الصادر سنة 1952، يجب وضع عقود تصاميم تربط بين المخطط الوطني لإعداد التراب والمخطط الجهوي لإعداد التراب والمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية وتصميم التهيئة.
ونظرا لافتقار أنظمة التخطيط والتدبير العمراني بالمغرب لبعض المرونة، أنشئت مجموعة من المؤسسات ومنحت لها، بمقتضى قوانين خاصة، اختصاصات واسعة في مجال التهيئة الحضرية. يتعلق الأمر بوكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق ووكالة تهيئة موقع بحيرة مارتشيكا. وتتمتع هاتان المؤسستان باختصاصات الوكالة الحضرية، فيما يخص دراسة ومراجعة مشاريعهما، مما يمكنهما من إدخال بعض التعديلات الخاصة، ضمن شروط محددة.
 
 الإطار العام للتوصيات

اعتبارا لكون مسألة الاستثناء في مجال التعمير ذات أبعاد متعددة وترتبط بمجموعة من الميادين والاختصاصات، فمن الواجب ألا يُنظر إليها كممارسة معزولة، وألا تتم معالجتها معالجة ظرْفية تنتصر لهذا الطرف أو ذاك،  حيث إن عناصر ومكونات الإشكالية الحالية مترابطة فيما بينها وتتميز بتعقيدها البالغ، كما أن آثار هذه الممارسة، الإيجابية منها أو السلبية، في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمجالي والبيئي، تثير مواقف متباينة.
واعتبارا للآثار الإيجابية لمسطرة الاستثناء، وخاصة إزالة العقبات التي كانت تمنع إنجاز العديد من المشاريع الضخمة، كالمدن الجديدة والمجمَّعات الصناعية  والأرضيات اللوجستية والمنشآت السياحية والمجمعات العقارية المرتبطة بالسكن الاجتماعي والتجهيزات الاجتماعية، واعتبارا أيضا لجوانبها السلبية، وخاصة آثارها السيوسيو-مجالية والبيئية والمعمارية والثقافية، والكثافة السكانية المفرطة، والرفع من كلفة البنيات التحتية خارج الموقع وانعدام تأطير استراتيجي واختلالات المسطرة، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي القيام بمجموعة من التدابير المتكاملة فيما بينها، توجهها رؤية مندمجة ، وتهم أساسا التنظيم العمراني وتمفصل مستويات التخطيط العمراني وانسجامهاا، وإضفاء المرونة على المساطر، والحكامة المجالية، وتمويل التعمير، والتحكم في العقار، واستحضار الخبرة واستثمارها.
ويجب أن تتجه وتتقاطع جهود الإصلاح والتعديل والاستشراف في شكل متوالية من التدابير في انسجام و وتدرج حسب الأهمية، لضمان نجاح الإصلاح المنشود. وفي هذا الإطار، يعرض التقرير الحالي مختلف الأعمال التي يتعين إنجازها في تكامل وانسجام، تحقيقا لنفس الهدف.
يتطلب الأمر وضع خارطة طريق متجانسة المكونات تتضمن الإجراءات ذات الأولوية، والتوصيات المهيكِلة المعبرة عن الرهانات الحاسمة المرتبطة بالإصلاح المنشود، مما يضعنا أمام مرجعية معيارية قانونية، وسلسلة من إجراءات التعديل والمواكبة التي من شأنها أن تدعم مسلسل إنجاز التغيير المنشود والدفع به قدما نحو الأمام.
وفي هذا الصدد، يوصي المجلس بتقسيم مداخل الإصلاح الممكن إلى مايلي:
·         توصيات ذات طابع إستعجالي تستهدف إعمال الآليات القانونية لتغيير ومراجعة وثائق التعمير المنصوص عليها في المنظومة القانونية الحالية، وضمان التطبيق الفعلي للأحكام القانونية القائمة التي تحدد قواعد المساهمة في تمويل التجهيزات الأساسية و ضبط مسلسل منح الاستثناءات في مجال التعمير.

·                    توصيات مهيْكِلَة تنصب على مجموعة من الإصلاحات التنظيمية والمؤسسية على المدى المتوسط، وعلى إجراءات جديدة لتعبئة العقار والتمويل ، من أجل التخلي عن منطق الاستثناء المطلق وإضفاء المرونة على أدوات التخطيط العمراني؛

·                   توصيات المواكبة، وتهمّ الجوانب المرتبطة بضمان مواصلة أعمال الإصلاح وديمومتها ومآل أعمال الإصلاح والتطوير المقترَحَة لهذا الغرض.

 
أ‌.        توصيات ذات طابع استعجالي

كثيرا ما يتردد الحديث عن طابع الصرامة والتشدد الذي تتسم به قوانين العقار والتعمير، وأيضا عدم إحاطتها بمختلف الجوانب المتعلقة بهاذين  المجالين. والحال أن جزءا هاما من المنظومة القانونية الحالية التي تنطوي على العديد من جوانب المرونة لا يعرف طريقه إلى التطبيق. ومثال ذلك المادة 19 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، والمواد 37 و38 و39 من القانون المذكور التي تنص على المساهمة في إنشاء الطرق الجماعية، والفصل 59 من القانون 7-81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، الذي يقضي بتقاسم زائد من القيمة على بعض الأملاك، جرلء التعمير، بين الملاك العقاريين والدولة. بناء عليه، يوصي المجلس بما يلي:
توصيات متعلقة بالأحكام الموجودة في القانون الحالي
1.      تفعيل مقتضيات الاستثناء المنصوص عليها في القانون 12-90  المتعلق بالتعمير، وخاصة عن طريق إعمال المادة 19 التي تنص على أن تصميم التهيئة قد ينص على تغيير التنطيق وقواعد استعمال السطح والقواعد المطبَّقة على البناء، طبقا للشروط القانونية الجاري بها العمل.

2.        تطبيق إمكانات منح رخص الاستثناء المتضمَّنة في القانون 25-90 المتعلق بإحداث التجزئات والتجمعات السكنية والتقسيم، وخاصة إحداث التجزئات والتجمعات السكنية المنصوص عليها في المادة 9، في غياب وثائق التعمير، إذا كان المشروع موافقا لمميزات القطاع المعني.

توصيات متعلقة بالتمويل
3.      تفعيل المقتضى الذي يسمح بتقاسم ما يدخل على بعض الأملاك من زيادة في القيمة، بسبب التعمير، بين الدولة والملاك العقاريين، كما هو منصوص عليه في الفصل 59 من القانون رقم 7-81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت. وينص هذا الفصل على أنه إذا كان إعلان أو تنفيذ الأشغال أو العمليات العامة يدخل على قيمة بعـض الأملاك الخاصة زيادة تتجاوز 20 في المائة، فإن المستفيدين من هـذه الزيـادة أو ذوى حقوقهم يلزمون على وجه التضامن بدفع تعويض يعادل نصف مجموع زائد القيمة الطارئ بهذه الكيفية إلى الجماعة المعنية بالأمر. ويخفض عند الاقتضاء التعويض عن زائد القيمة بكيفية لا يمكن أن يقل معها في أي حال من الأحوال عن 20في المائة مبلغ الزيادة الذي يبقى كسبا للملزم.

4.      تطبيق قواعد المساهمة في إنشاء الطرق العامة الجماعية، طبقا للمواد 37 و38 و39 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير؛

توصيات متعلقة بالتحكم في مسلسل منح رخص الاستثناء وتأثيراته
5.      تشكيل لجنة تتبع إنجاز المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، طبقا لما هو منصوص عليه في المادتين 9 و10 من المرسوم التطبيقي للقانون 12-90؛

6.      إنشاء آليات التقييم البعْدي المنتظم المنهجي لتطبيق تصميم التهيئة العمرانية

7.      تسريع وتيرة استكمال مشاريع القوانين الجاري إعدادها المتعلقة بوثائق التعمير ومراقبة المخالفات في مجال التعمير. وفي هذا الإطار، يجدر اعتماد نصوص قانونية قصيرة تتضمن حلولا لبعض العقبات الطارئة والاختلالات، وخاصة في مستوى القانونين 12-90 و25-90؛

8.      تحديد معايير لقبول طلبات الاستثناء تحديدا دقيقا، وخصوصا ما تعلق منها بمبلغ الاستثمارات في المشروع، وعدد مناصب الشغل المُحدَثَة، وأثر المشروع على البيئة، وعلى توقعات وثائق التعمير وقيمة المقابل وطبيعته؛

9.      إنشاء لجنة مركزية للبت في المشاريع الاستثمارية الضخمة، كالمدن الجديدة والمجمَّعات الصناعية والأرضيات السياحية ومشاريع السكن المندمجة مع وضع نظام انتقاء أولي ودراسة مسبقة للملفات محليا؛

10.  تقنين مساهمة المستثمرين المستفيدين من رخص الاستثناء في إنجاز تجهيزات عمومية لصالح الجماعة، بوضع أساس قانوني ينظمها وبتتبع درجة وفائهم بالتزاماتهم؛

11.  وضع آليات لتتبع وتقييم المشاريع المستفيدة من الاستثناء. ويتعين أن تمكن هذه الآليات من مراقبة تتبع وفاء المستفيد من الاستثناء بالالتزامات التي تعهَّد بها تُجاه الجماعة. 

 
ب‌.     التوصيات المهيكِلَة لضبط العمران

أن إصلاح نظام الاستثناء يستوجب التفكير في وضع منظومة قانونية تقطع مع منطق الاستثناء المطلق السائد على حساب القاعدة القانونية ومبادئ الشرعية والإنصاف.
 تنصبُّ التوصيات المهيكلة على مجموعة من الأعمال الحاسمة والمحددة للإصلاح وتطور نظام التخطيط والتدبير الحضري. ويتمثل الهدف من ذلك
•          إضفاء المرونة على أدوات التخطيط العمراني،
•         وضع مجموعة من الإصلاحات التنظيمية والمؤسسية على المدى المتوسط،
•         إجراءات جديدة لتعبئة العقار والتمويل،
•         و القضاء على العقبات التي تواجه الاستثمار وتدارك مختلف الاختلالات التي تشوب نظام تصميم المجال وتدبيره.
1.      التفكير في وضع أدوات قانونية وتقنية لإضفاء مرونة أكبر على وثائق التعمير، كبديل عن التدبير الإداري للاستثناء في مجال التعمير:

ولا تعني المرونة هنا بأي حال الدعوة إلى التخلي عن التخطيط العمراني، ولكنها تحيل بالتالي إلى تعمير مرن مبسَّط المساطر والإجراءات، يسمح بتقاطع التصورات والآراء والمعارف، وبإدخال التغييرات الضرورية في الوقت المناسب، طوال فترة تفعيل التصميم. ومن المناسب في هذا الإطار:
·         التفكير في نظام تخطيط مرن يتيح إمكانية إدخال تغييرات خاصة، واستعمالات مشروطة بمناسبة طلب إحداث تجزئة أو تجمع سكني، أو تكييفات صغرى بمناسبة طلب بناء، وذلك طبقا لشروط قانونية محددة؛

·         التفكير في مساطر مبسَّطَة لمراجعة وتعديل جزئي أو كلّي لوثائق التعمير، بشكل يتيح إمكانية تكييف التصاميم وقواعد التعمير وتعديلها، طبقا لمسلسلات مرنة وواضحة لمواجهة تطور الرهانات والحاجيات التنموية، ولكن دون التعارض مع المقتضيات التنظيمية ولا المس بتصميم التهيئة والبيئة؛

·         التنصيص على استثناءات تنظيمية لفائدة المشاريع المهيكِلة الضخمة كالمدن الكبرى والمجمَّعات الصناعية والمنشآت السياحية الكبرى، على غرار أنظمة التعمير لكلّ من ضفتي أبي رقراق وبحيرة مارتشيكا؛

·         تخفيف إجراءات تعديل تصاميم التهيئة العمرانية دون اللجوء إلى المصادقة عليها بمرسوم لرئيس الحكومة. ويتعين أن تتسم المسطرة المحدّدة لإدماج التعديلات التي لا تمس جوهر تصاميم التهيئة بمرونة أكبر.

 
2.      وضع إطار قانوني شامل مرتبط بالسياسات العمومية لإعداد التراب والتعمير والسكن والعقار، من أجل تنظيم عمراني أفضل:

قضية الاستثناء في مجال التعمير هي بطبيعتها متعددة الأبعاد والمستويات، ولا يمكن التعامل معها كظاهرة معزولة، بل ضمن رؤية نسقية يحكمها منطق شامل كفيل بمقاربة هذه الإشكالية وتقديم حل بديل. ومن الاقتراحات الممكنة في هذا الصدد:

·         وضع إطار قانوني ينظم مسألة إعداد وثائق إعداد التراب الوطني وتمفصلها مع وثائق التعمير:

من المناسب في هذا الإطار استئناف عملية استكمال صياغة مشروع القانون قيد الإنجاز حول إعداد التراب الوطني، من أجل التوفر على إطار مرجعي، تستفيد منه السلطات العمومية لخلق النسجام وتنسيق أعمال إعداد وتهيئة وتطوير المجال  في مختلف المستويات.
·         وضع مدونة التعمير، وتجاوز العقبات القائمة، من أجل التوفر على مرجع يقدم حلولا قانونية لقضايا المرونة والإجرائية والتنظيم العقاري:

ينبغي أن تأخذ المدونة بعين الاعتبار مسألة خلق التجانس بين السياسات القطاعية وتوفير وسائل عقارية ومالية ومؤسسية لإعداد التراب. ويجب أن تستحضر أيضا في موادها مبادئ الإنصاف العقاري والاختلاط العمراني والاستدامة. فضلا عن ذلك، يجب أن تعمل على تغيير طرق الحكامة العمرانية عن طريق إعادة توزيع أدوار مختلف المتدخلين وتعزيز مشاركتهم في مسلسلات إعداد وثائق التعمير، عن طريق وضع آليات لتقديم الطعون والتحكيم.
·         إدراج برامج السكن المستفيدة من رخصة الاستثناء ضمن رؤية شاملة للتعمير في كليته، لتدارك الآثار السلبية المسجلة على مستوى انسجام مكونات مجال التعمير واشتغاله:

يجب أن تنسجم سياسة السكن مع سياسة التعمير منظورا إليها ككل لا يتجزأ، وهذه الأخيرة يجب أن تندرج بدورها، في انسجام وتناسق، مع سياسة شاملة لإعداد التراب، وفق تراتبية في التأطير والتوجيه والانسجام. ومن غير المقبول أن تُعكَس هذه التراتبية، بحيث يصبح إنتاج مجال التعمير خاضعا فقط لمنطق الفرص العقارية العمومية.  
3.      وضع آليات لتمويل التعمير، بهدف تسهيل عملية تفعيل وثائق التعمير، وتفادي النقص في التجهيزات العمومية، وخاصة في المدن، وتشجيع تعمير تدريجي ومنسجم ومحفز على الاستثمار:

لا يكفي أن يُصادَق على وثيقة للتعمير كي تصبح قابلة للتطبيق على أرض الواقع، ذلك أن إنجاز البنيات التحتية والمنشآت ذات المنفعة العامة عملية تتطلب استثمارات ضخمة وتقتضي اللجوء إلى التمويل المُسبَق. ولإنجاز البنيات التحتية خارج الموقع وتشجيع فتح الأراضي أمام التعمير، يجب التفكير في إنشاء أليات للتمويل بنظام تعويض يتحمّله الملاك المستفيدون.
يتعلق الأمر باتخاذ إجراءات مؤسسية ومالية وجبائية كفيلة بالتأثير في السوق العقارية، والمساهمة في تفعيل وثائق التعمير. ومن التوصيات الممكنة في هذا الصدد:
·         إنشاء آلية مالية للمساهمة في تمويل التجهيزات الأساسية على مستوى الجهات  في إطار الصندوق الجهوي للتأهيل الاجتماعي المنصوص عليه في الفصل 142 من الدستور، والهادف إلى تدارك أوجه القصور في مجال التنمية البشرية والبنيات التحتية والتجهيزات.

·         إقرار نظام لمساهمة ملاك الأراضي في تمويل المنشآت ذات المنفعة العامة، مقابل زائد القيمة جراء إعداد وثائق التعمير أو الإعلان عن إنجاز أشغال أو عمليات عمومية؛

·         وضع نظام ضريبي محفِّز يشجع الملاكين على تعبئة أراضيهم غير المبنيّة.

 
4.       وضع وسائل مؤسسية وقانونية من أجل التحكم في العقار وتدبيره، كشرط مسبق لتعبئة الأماكن المخصَّصة للتجهيزات العمومية والمنشآت ذات المنفعة العامة وتكوين احتياطي عقاري عمومي من طرف الدولة:

تطرح القضية العقارية نفسها كمدخل أساسي، كلما تعلق الأمر بالتخطيط والتدبير العمراني، إذ إنها  تشكل مجال تطبيق واختبار السياسات العمومية في مجال إعداد التراب والتعمير والسكن، ووسيلة أساسية لتفعيلها. ومما لا شك فيه أنها أداة للتدخل والضبط وعامل حاسم لإنتاج وتركيز وتدبير المصالح والثروات.
لهذا من الضروري وضع وسائل مؤسسية وقانونية خاصة بالتحكم في العقار وتدبيره، وتتمثل فيما يلي:
-          إنشاء وكالات عقارية جهوية في خدمة الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية من أجل تدبير وضبط أفضل للوعاء العقاري.

-          مواكبة عملية فتح مناطق جديدة للتعمير عن طريق تدخل الدولة والجماعات المحلية، مع إعمال حق الأولوية، من أجل توفير العقار بأسعار معقولة، مع الحرص على ضمان التجهيزات التي تلبي الحاجيات الأساسية؛

 
5.       إعادة النظر في أشكال الحكامة الترابية، من خلال إعادة توزيع اختصاصات مختلف الفاعلين في مسلسل إعداد وثائق التعمير:

إن اعتماد أي منهج في إعداد وتدبير المجال وضع نمط حكامة يقوم على أشكال مناسبة من طرق تنسيق وتنظيم العمل الجماعي. والسؤال، كيف السبيل إلى استثمار عطاءات وإسهامات مجموع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين، بما في ذلك المجتمع المدني، ضمن منطق التكامل والانسجام؟ 
ويوصى في هذا الصدد بما يلي:
-          تعزيز دور الجماعات الترابية تعبيرا عن دمقْرَطَة تلك المسلسلات، طبقا للمقتضيات الدستورية، مع الشروع في تأهيلها؛

-          إعادة النظر في اختصاصات الوكالة الحضرية قصد إشراك هذه المؤسسة أكثر في التخطيط العمراني وجعلها أداة رئيسية للدراسات والأبحاث في خدمة الجماعات الترابية، ذلك أن عمل هذه المؤسسة يجب أن ينصب أكثر على التخطيط العمراني، مما يجعلها تقوم بدور مرصد للدينامية العمرانية ومصدر للمساعدة التقنية عالية المستوى. وقد يساهم هذا الأمر في تدارك النقص المتفاقم على الصعيد الوطني من الكفاءات في مجال التعمير وإعداد التراب.

-          الارتقاء بالساكنة المحلية إلى مرتبة السلطة الاجتماعية، من خلال تحسين مسلسل التشاور مع  المواطنين واستشارة المجتمع المدني، عن طريق البحث العمومي، فيما يخص كل مشاريع التخطيط العمراني وأنظمة التعديلات الخاصة، والاستعمالات المشروطة والتكييفات الصغرى للمشاريع الاستثمارية.

-          ويجدر في هذا الصدد التفكير في تجديد مناهج إعداد وثائق التعمير، لكي تتحول إلى وثائق متوافق حولها ومسهلة ومحفِّزة على الاستثمار. ويجب أن تتصف مساطر إعدادها بالشفافية وتكون نتيجة عمل جماعي، وتُحدَّد مراحل وآجال تفعيلها، مع إتاحة إمكانية اللجوء إلى التحكيم وتقديم الطعون.

 

6.      إدماج البعد البيئي والتنمية المستدامة في وثائق تخطيط المجال الترابي وتدبيره:

يتعين عند إعداد وثائق التعمير استحضار مفهوم الاستدامة في  التوجيهات الخاصة بالتهيئة العمرانية المستقبلية، وخاصة عند إعداد ومراجعة طرق  صياغة هذه الوثائق والمصادقة عليها وتحديد مضمونها، وذلك طبقا لمقتضيات القانون الإطار رقم 99-12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة. ولتحقيق هذا الهدف يجب تحديدا القيام بما يلي:
·         إدراج القواعد التقنية لمفهوم الاستدامة في المخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية وفي تصاميم التهيئة العمرانية.

·         تعزيز مفهوم الإعداد الإيكولوجي من خلال إدماج تكنولوجيات النجاعة الطاقية والطاقات المتجددة في التصاميم العمرانية، وفي مجالات البناء والسكن، والاستفادة من تقاطعها مع التكنولوجيات الجديدة للإعلام والتواصل، وذلك طبقا للمرسوم رقم 2-13-874 المتعلق بالمعايير العامة للبناء المحددة للقواعد الطاقية في المباني. ويحدد هذا المرسوم الذي صادق عليه المجلس الحكومي يوم 14 نونبر 2013 المتطلبات الحرارية والأداء الطاقي الذي يجب احترامها في المباني السكنية والمخصصة للتجارة والخدمات.

·         استحضار مبدأ احترام التوازنات الطبيعية للأنظمة البيئية، وخاصة عبر محاربة الهدْر المجالي، وتثمين التراث الطبيعي والثقافي والمعماري القائم.

·         المحافظة على الأراضي الواقعة في محيط المدن ذات المؤهلات الفلاحية الكبرى، عن طريق التنصيص على وجوب منع و إيقاف التوسع الحضري وتطوير مشاريع فوق هذه الأراضي.

·         تشييد المدينة فوق المدينة (تحويل منطقة حضرية ذات كثافة سكانية منخفضة إلى منطقة ذات كثافة سكانية عالية) وفق معايير وطرق تمكن من المحافظة على جودة الوظائف العمرانية.

·         التفكير في إقرار تخطيط للقرب لمواكبة واستحضار التطورات الاجتماعية في مجال خلق مجال ترابي دي بعد إنساني ومستدام. 

 
ج. إجراءات المواكبة فيما يتعلق بالمناهج و الاليات التقنية الملائمة
 
تؤدي إجراءات المواكبة إلى تحسين الممارسة الحالية السائدة في مجال التعمير. وفي هذا الصدد يجدر القيام بما يلي:
1.      تدارك النقص في مجال الخبرة في ميدان التعمير، وخاصة في مجال التخطيط العمراني:

ويتحقق هذا الهدف عن طريق:
-          تطوير عروض التكوين في مسالك تهيئة وتصميم المجال، من أجل إغناء الرصيد الوطني من الخبرة الوطنية مما سينعكس إيجابا على مهنة المخطط العمراني.

-          تقوية برامج التكوين المستمر، وخاصة لفائدة الوكالات الحضرية والجماعات الترابية والمراكز الجهوية للاستثمار؛

-          تعزيز قدرات الجماعات الترابية باعتبارها صاحبة مشاريع في مجال التخطيط العمراني، من خلال تعبئة الخبرة وتطوير المهارات وإصلاح الهياكل الداخلية للجماعات المحلية؛

-          تطوير العرض في مجال البحث والابتكار العمراني، ذلك أن تطوير المجال الحضري الوطني يجب أن يستند إلى دراسات للتأثيرات المحتملة ونماذج تنموية استشرافية ومبتكَرَة في مجال التعمير والهندسة المعمارية.

 
2.      تطوير أدوات التعمير العملياتي:

باستثناء التجزئات وعمليات التقسيم التي تتوفر على نصوص قانونية تنظمها، فإن أنواع المشاريع الأخرى لا تتوفر على أدوات إجرائية. ومثال ذلك المدن الجديدة التي تُعاَمل قانونيا معاملة التجزئات الكبرى وعمليات التقسيم. هكذا يصبح من الصعب الانتقال من تعمير الأراضي المفتوحة للتعمير إلى التعمير، بسبب غياب أدوات تخطيط إجرائية. لهدا يتوجب مواكبة الإجراءات الهيكلية لضبط وإصلاح التعميربالاسراع بوضع مناهج تقنية للتعمير العملياتي في إطار قانوني. 
 
3.      مراجعة مقاييس ومعايير إعداد المجال العمراني فيما يخص تحديد حجم وموقع الطرق والفضاءات الخضراء والتجهيزات العمومية من اجل ادماج المعطيات الديموغرافية العمرانية

 
4.      فرض كل الارتفاقات التي تضمن شروط السلامة الصحية والأمن العمومي وسلاسة التنقل وجمالية مشاريع إحداث التجزئات والتجمعات السكنية، بناء على دراسات مدققة؛

 
5.      إعادة النظر في مساطر الحصول على رخص البناء وإحداث التجزئات وتبسيط تلك المساطر؛

 
6.      حث المجالس الجماعية على اعتماد الأنظمة الجماعية في مجال البناء؛

 
7.      الرفع من مستوى معايير السكن الاجتماعي لتدارك الاختلالات السوسيو-مجالية والبيئية المسجاة في إنتاج السكن الاجتماعي.

ويتبين من خلال تحليل التأثيرات الناتجة عن العدد الكبير من البرامج السكنية المستفيدة من رخص الاستثناء، أن هذه المسطرة ساهمت بقدر كبير في الرفع من الوحدات السكنية وفي محاربة السكن غير اللائق. ولكن إنجاز تلك البرامج غالبا ما يتم على حساب القواعد الصحية والجمالية، ويساهم في تدهور المجال العمراني والبيئي للمدن. 
والملاحظ أن قضية السكن الاجتماعي تحكمها حاليا رؤية ضيقة، لا ترى فيها سوى وسيلة من بين الوسائل الآنية لإحلال الأمن الاجتماعي، بيد أن هذا التوجه يجب ألا يختزل قضية السكن الاجتماعي في مجرد إجراءات ترقيعية تؤدي في نهاية المطاف إلى تدهور وضعية المدينة تدهورا منذرا بالكثير من الاختلالات الاجتماعية. ويجب ألا يصبح النقص في عدد الوحدات السكنية مبررا يسمح بالتضحية بجودة السكن الكريم. لهذا يشدد المجلس على ضرورة إعادة النظر في المعايير المسموح بها في برامج السكن الاجتماعي.​


عن المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ والبيئيّ
 



الخميس 22 يناير 2015

تعليق جديد
Twitter