MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



تعليق على قرار محكمة النقض عـدد 630 المؤرخ فـي 11/04/2013 المتعلق بالاجر السنوي المعتمد في احتساب التعويضات عن حوادث الشغل، بقلم ذ امبارك جانوي قاض بالمحكمة الابتدائية بفاس

     



تعليق على قرار محكمة النقض عـدد 630 المؤرخ فـي 11/04/2013 ملف اجتماعي عــــدد 856/5/1/2013.



تعليق على قرار محكمة النقض عـدد  630 المؤرخ فـي  11/04/2013 المتعلق بالاجر السنوي المعتمد في احتساب التعويضات عن حوادث الشغل، بقلم ذ امبارك  جانوي قاض بالمحكمة الابتدائية بفاس

 
ينص الفصل 83 من ظهير 06/02/1963 المتعلق بتعويض المصابين بحوادث الشغل والامراض المهنية على أن المصاب بعجز دائم عن العمل يستحق تعويض يحتسب باعمال عنصري الاجرة السنوية  كما حددها الباب الثالث من الجزء الرابع من الظهير ونسبة العجز التي حددها الطبيب.  وبالرجوع إلى الفصل 120 من نفس الظهير نجده ينص على أنه " يفهم من الاجرة المتخذة اساسا لتحديد الايرادات فيما يخص العامل المشتغل في المؤسسة خلال اثني عشر شهرا السابقة لوقوع الحادثة المرتب الفعلي الاجمالي المنفذ له خلال اثني عشر شهرا في الصنف الذي رتب فيه حين وقوع الحادثة." أي أن هذا التعويض يحتسب على أساس المرتب الفعلي الذي تقاضاه الاجير خلال السنة السابقة للحادثة.
 
وقد حاول المشرع في الفصول الموالية للفصل 120 التخفيف من حدة هذا الفصل وحدد قواعد لاحتساب الاجرة السنوية للمصاب والتي على اساسها سيتم احتساب التعويض عن العجز الجزئي الدائم وباقي التعويضات حيث نص مثلا في الفصل 122 و 125 على أن الاجرة السنوية لا يمكن أن تقل عن أجرة ثلاثمائة يوم العمل إذا كان الشغل غير متواصل أو اذا كانت مدة الشغل تقل عن ثلاثمائة يوم، واضاف في الفصل 123 أنه يفهم من الاجرة المرتب الذي تقاضاه الاجير أو الذي كان سيتقاضاه عن باقي المدة اللازمة لاتمام اثني عشر شهرا بالنسبة للعملة الذي اشتغلوا لدى المشغل منذ  اقل من سنة، كما اضاف في الفصل 128 على ان الأجرة السنوية المعتبرة هي الاجرة لعدد الساعات العادية في حالة اذا ما طرأ فتور عرضي في النشاط الاقتصادي للمؤسسة ...
[1]
 
ورغم مجهودات المشرع في التلطيف من حدة الفصل 120 وذلك لضمان تعويض ملائم للضرر الذي تعرض له الضحية وتفادي أن يتحول التعويض إلى مجرد صدقة على حد تعبير بعض  الفقه
[2] فإن محاكم المملكة تباينت توجهاتها بخصوص الحالة التي لا يدلي فيها المؤاجر أو الضحية بلائحة الاجور لسنة قبل الحادثة ويكتفي هذا الاخير بالتصريح بمبلغ الاجرة التي يتقاضاها خلال جلسة البحث، فمن جهة دهبت بعض المحاكم الى اعتماد الحد الادنى للاجر متشبة بمقتضيات الفصل 120 من الظهير  والفصل 399 من ظهير الالتزامات والعقود، بينما بعض المحاكم اعتمدت تصريح الاجير واخدت به في احتساب التعويض.
 
مما زاد من هذا الاشكال قرارات محكمة النقض التي بدورها  لم تثبت على موقف موحد بخصوص هذه النقطة، إلى أن صدر القرار موضوع التعليق. والذي تتلخص وقائعه في كون الضحية( بسمة ,ص)  تعرضت لحادثة شغل وأقامت دعوى للحصول على التعويضات المستحقة لها بمقتضى ظهير 06/02/1963، وبعد اتمام الاجراءات المسطرية حكمت لها المحكمة الابتدائية بالرباط بالتعويضات المستحقة لها معتمدة في ذلك الاجرة التي صرحت بها خلال جلسة البحث، وقامت شركة التأمين والمشغلة باستئناف هذا الحكم معيبة على الحكم الابتدائي اعتماد الاجرة المصرح بها من طرف الضحية دون اثباتها، فأصدرت محكمة الاستئناف بعد انتهاء المسطرة قرارها مؤيدتا الحكم الابتدائي ومعدلة له بتخفيض الايراد المحكوم به معتمدة في ذلك على الحد الادنى للاجر، فقامت الضحية بالطعن فيه بالنقض فصدر القرار موضوع التعليق، الذي قضى بنقض قرار محكمة الاستئناف وبإحالة المحكمة.   
 
 فكيف تعامل الاجتهاد القضائي المغربي مع هذا الإشكال ؟ وما هو الجديد الذي جاء به القرار وما هي الاسس القانونية التي استند عليها ؟
                                                                                                     
I ) تناقض توجهات محاكم الموضوع بخصوص الاجرة المعتمدة في احتساب التعويضات حالة عدم الادلاء بلائحة الاجور
 
اختلفت توجهات المحاكم بخصوص هذه النقطة حد التعارض كما أن محكمة النقض، المجلس الاعلى سابقا، تدبدب بدوره بين هذين التوجهين دون أن يتمكن من حسم الخلاف نهائيا فتارة يقضى بضرورة اعتماد الحد الادنى للاجر وتارة أخرى يؤيد القرارات الاخدة بتصريح الضحية.
 

  • التوجه المعتمد على الحد الادنى للاجر وتعليلاته
 
ذهبت بعض محاكم المملكة فيما يخص احتساب التعويضات الواجبة للمصاب بحادثة شغل أو مرض مهني، حالة عدم ادلاء المصاب أو المؤاجر أو حتى شركة التأمين بلائحة اجوره لسنة قبل الحادثة، إلى اعتماد الحد الادنى للاجر معتمدة في ذلك على القواعد العامة في الاثبات خاصة الفصل 399 من ظهير الالتزامات والعقود [3]  الذي يجعل عبئ اثبات الالتزام على مدعيه، وبالتالي فإن الجير بكونه يدعي أنه يتقاضى أجرة تزيد عن الحد الادنى للاجر عليه اثبات ذلك، كما يضيف اصحاب هذا التوجه على أنه لا يمكن أخد تصريح الضحية على علته  ما دام قادرا على التصريح بأي مبلغ شاء حتى ولو كان تجاوز  المنطق فما الذي يمنع مثلا أجير مياوم من التصريح بأن اجرته الشهرية هي 15.000،00 درهم أو أكثر من ذلك وهل ستأخد المحكمة بمثل هذه التصريحات المجردة والتي قد يكذبها حتى منطق الاشياء؟
 
ومن بين  محاكم الموضوع التي تأخد التوجه المحكمة الابتدائية بفاس، المحكمة الابتدائية باكادير، المحكمة الابتدائية بمكناس
[4]  كما ساير المجلس الاعلى سابقا هذا التوجه في بعض من قراراته نستدل عليها بالقرار عدد 995 بتاريخ 06/12/1982، ملف اجتماعي عدد 92900 والذي جاء فيه:" إذا لم تقدم لائحة أجور العامل، أخدت المحكمة الابتدائية بالحد الادنى للاجور."[5]
 
وما يعاب على هذا التوجه  بالاضافة إلى كونه مجحف في حق الضحايا باعتماده الحد الادنى للاجر بدل أجرتهم الحقيقية  التي لم يتمكنوا من اثباتها، هو اعتماده على القواعد العامة التي وضعها ظهير الالتزامات والعقود خاصة الفصل 399 المشار اليه سابقا، وتجاهل القواعد الخاصة باثبات الاجر خاصة مقتضيات الفصلين 10 و 11 من ظهير 24/01/1953 المعدل بالظهير 31/01/1961 المتعلق بحساب الاجور ودفعها للمستخدمين والتي عوضتها مقتضيات القسم الخامس من مدونة الشغل خاصة  المادة 370
[6] منها التي تلزم المشغل بتسليم الاجير ورقة الاداء متضمنة لكافة البيانات التي تحددها السلطة الحكومية وكذا  المادتين 371 و 373 اللتين تلزمان المؤاجر بمسك دفتر الاجور والاحتفاظ به لمدة سنتين على الاقل.
 
كما أن القول بكون أن المحكمة لا يمكن أن تأخد بتصريح الضحية المجرد لا يستقيم ما دام أن في الدعوى طرفين ويمكن للطرف الاخر والذي هو المؤاجر أو شركة التأمين تكذيب تصريح الاجير بالادلاء بما يفيد عكس ما صرح به ما دام المؤاجر بدوره وباعتباره مشغلا قادر على الادلاء بدفتر الاجور ونفس الشيء ينطبق على شركة التأمين المرتبطة مع المشغل بعقد تأمين  على حوادث الشغل والذي قبل توقيعه المفروض قانونا أنها توصلت من المؤاجر بكافة العناصر التي مكنتها من تحديد الخطر المؤمن عليه وتحديد قسط التأمين الواجب أدائه مقابل خدمة التأمين ومن بين هذه العناصر بالضرورة لائحة الاجراء وأجورهم.
 

  • التوجه الاخد بتصريح الضحية المجرد
في مقابل التوجه الأول ذهبت بعض المحاكم الاخرى إلى الأخد بتصريح الاجير الذي يدلي به بجلسة البحث وتعتمد عليه في احتساب التعويضات الواجبة له معللة قضائها بكون المؤاجر الملزم قانونا بمسك دفتر الاجور لم يدل بلائحة اجور الضحية ولم ينازع في الاجر الذي صرح به الضحية وهذا دليل على صحة هذا التصريح مما يستوجب اعتباره.
 
نستدل لبعض المحاكم التي تتبنى هذا التوجه بالمحاكم الابتدائية بكل من سلا،  الرباط والدار البيضاء، وزان
[7]، وقد ساير المجلس الاعلى سابقا هذا التوجه كذلك في بعض من قراراته من بينها القرار الصادر عن المجلس الاعلى عدد 10 فبراير 1986 تحت عدد 30 ملف عدد 6045/84 جاء فيه :" لكن حيث إنه بمقتضى الفصلين 116 و 117 وما يليه من ظهير 6 فبراير 1963 المتعلق بحوادث الشغل فإن الايرادات الواجب منحها للمصابين أو ذوي حقوقهم تقدر على اساس أجرة المصاب السنوية، هذه الاخيرة تخضع للزيادة والتخفيض حسب القرار الوزاري لسنة  1977 وما دام المشغل هو المكلف بمسك دفاتر الاجور وتهييء بطاقة الاداء لمستخدميه كما يقضي بذلك الفصلان 10 و 11 من ظهير 24 يناير 1953 المعدل بظهير 31 يناير 1961 فإنه هو المكلف بالادلاء بلائحة الاجور السنوية لاثبات الاجر الذي تقاضاه الاجير في السنة السابقة للحادث لأن العامل لا يتوفر على ما يثبت به الاجر السنوي ولا تدفع له لائحة الاجور ومن تم فإن محكمة الاستئناف عندما اعتمدت على ما صرح به ورثة الضحية لكون المشغل المكلف باثبات الاجرة السنوية لم يدل بلائحة الاجور صادفت الصواب ولم تقم بأي خرق لمقتضيات الفصل 399 من قانون الالتزامات والعقود والذي لا مجال لتطبيقه في هذه الحالة وبذلك فالوسيلة غير ذي اساس."[8]
 
إن الثابت من القرارين المشار اليهما أعلاه أنهما استبعدا صراحة تطبيق المبادئ العامة في اثبات الأجر خاصة الفصل 399 من ظهير الالتزامات والعقود  لكونه مخالف للمقتضيات الخاصة التي وضعها تشريع الشغل سواء مدونة الشغل أو القوانين السابقة لها، كما أنه في الامعان في القرار عدد 1758، بتاريخ 16/10/1989 في الملف عدد 10236/88 نجده أضاف عنصرا اخر ألا وهو عنصر عدم المنازعة في الاجر المصرح به من طرف الاجير، وهذا توجه صحيح يجد سنده في قواعد الاقرار كما وضعها ظهير الالتزامات والعقود  إذ ما الذي منع المشغل أو شركة في التأمين من تكذيب تصريح الاجير والمنازعة فيه أوليس هذا السكوت اقرار ضمني من طرف المؤاجر ومؤمنته على صحة تصريح الاجير؟ ومن تم فلماذا اللجوء إلى الحد الادنى للاجر ما دام أن هناك ما يفيد  أن الاجير يتقاضى أكثر هذا التصريح لم يتم المنازعة فيه من باقي الاطراف فلماذا تنازع فيه المحكمة لوحدها وتستبعده؟ إننا لن نجد عناء كبيرا في القول بإن التوجه الاخير هو الأقرب إلى الصواب وإلى العدل.
 
 
II) مستجدات القرار عـدد  630 المؤرخ فـي  11/04/2013 ملف اجتماعي عدد : 856/5/1/2013، موضوع التعليق
 
 قرار محكمة النقض موضوع التعليق يجمع بين خاصيتين اثنتين فهو من جهة كرس القاعدة التي وضعتها القرارات السابقة خاصة القرار عدد 1758، بتاريخ 16/10/1989 في الملف عدد 10236/88، كما أنه اتى بقواعد جديدة.
 

  • تكريس قاعدة الاخد بتصريح  الاجير غير المنازع فيه:
 
عللت محكمة النقض قراراها بقولها " وحيث إنه في النازلة يؤخذ من أوراق الملف ولاسيما بطاقة التعريف الوطنية أن إطارها الإداري بالمؤسسة التي تشتغل فيها هو متصرفة، وهو ما أكده التصريح بالحادثة من طرف المؤسسة المشغلة والذي أقرت فيه بأنها إطار عالي بالمؤسسة، وعلى هذا الأساس صرحت الطاعنة (المصابة) خلال جلسة البحث الذي أجري معها بناء على الفصل 29 من ظهير 6 فبراير 1963 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل أن أجرها الشهري محدد في مبلغ 8000.00 درهم، وبما أن المطلوبة في النقض شركة التأمين إلى جانب المؤسسة المشغلة نازعتا جديا في الأجر الحقيقي الذي كانت الطاعنة تتقاضاه فكان على محكمة الاستئناف بناء على الفصل 334 من ق.م.م المشار إليه أعلاه أن تكلف إما المؤمن أو المشغل بإثبات الأجر الحقيقي للطاعنة والإدلاء بلائحة الأجور السنوية لاسيما وأن المؤسسة المشغلة بحكم مقتضيات مدونة الشغل ملزمة بمسك دفتر الأجور وبتسليم الأجيرة أوراق أداء الأجور بانتظام وبما أنها لم تفعل فإنها قد عللت قرارها تعليلا ناقصا يوازي انعدامه" .

من خلال الحيثية اعلاه يتبين أن محكمة النقض كرست القواعد التي وضعتها من قبل  وهي استبعاد القواعد العامة في الاثبات خاصة الفصل 399 من ظهير الالتزامات والعقود إذ نص القرار على ذلك ولو ضمنيا بتأكيده على أن المشغل هو الملزم باثبات الاجر إذ هو من يقوم بمسك دفتر الاجور وتسليم ورقة الاداء للاجير وهو ما نفس التوجه الذي ذهبت اليه القرارات السابقة والتي سبق لنا أن اشرنا اليها، كما أنها احتفظت على معيار المنازعة في التصريح وعللت قرارها بكون شركة التأمين والمشغلة نازعتا جديا في الاجر المصرح به من طرف الاجير وهذا يعني بمفهوم المخالفة أنه عند عدم منازعة شركة التأمين والمشغلة جديا في الاجر  المصرح به من طرف الضحية فلا مانع في الاخد به ولا تكون المحكمة ملزمة باعتماد الحد الادنى للاجر  أو البحث عن الاجر الحقيقي للاجير.

 ويجب هنا التركيز على مصطلح "المنازعة الجدية" والذي يعني منازعة أحد الطرفين سواء كان المشغل أو شركة التأمين  في الاجر المصرح به والدفع بكونه لا يمت للحقيقة بصلة وأنه مخالف لما صرح به، ولا يمكن أن يعتبر هنا دفع شركة التأمين باعتماد الحد الادنى للاجر منازعة في جدية في تصريح الاجير، وفي الممارسة العملية فإن شركة التأمين تكتفي بالتماس اعتماد الحد الادنى للاجر دون أن تنازع في تصريح الاجير أو تكذب تصريحه.

أخيرا أن القرار استبعد اعتماد الحد الادنى للاجر لكون الاجير لم يثبت اجره، وهذا هو ما كان معمول به من طرف بعض المحاكم كما سبق الاشارة إلى ذلك، فالقرار اعاب على محكمة الاستئناف اعتماد الحد الادنى للاجر والزمها بتكليف سواء المشغل أو شركة التأمين باثبات الاجر  والادلاء بلائحة الاجور السنوية للضحية.

  • القواعد الجديدة التي وضعها القرار.
جاء قرار محكمة النقض موضوع التعليق بقاعدتين جديدين لم يكن معمول بهما من قبل فمن جهة أرجع الروح إلى الفصل 280 و الفصل 344 من قانون المسطرة المدنية[9] الذي يلزم القاضي بأن ينذر بأمر غير قابل لأي طعن احد الاطراف بالإدلاء بالوثائق التي بحوزته ومن شأنها أن تنير القضية، والمشغل هنا باعتباره ماسك لدفتر الاجور فمن حق المحكمة أن تنذره بأن يدلي لها بلائحة الاجور السنوية للمصاب حتى تتمكن من احتساب التعويضات طبقا لمقتضيات ظهير 06/02/1963.

من جهة أخرى فإن محكمة النقض أتت بقاعدة جديدة ومهمة في هذا القرار ألا وهي انذار شركة التأمين بالادلاء بلائحة الاجور السنوية للضحية، وهذه قاعدة جديدة وضعها القرار، حيث جاء في القرار "فكان على محكمة الاستئناف بناء على الفصل 334 من ق.م.م المشار إليه أعلاه أن تكلف إما المؤمن أو المشغل بإثبات الأجر الحقيقي للطاعنة والإدلاء بلائحة الأجور السنوية"، فإذا كان انذار المشغل له سنده في  التشريع المتعلق بالشغل خاصة مدونة الشغل كما سبقت الاشارة إلى ذلك فإن انذار شركة التأمين يستوجب بعض التمحيص.

إن انذار شركة التأمين يجد سببه في كون الممارسة بينت أنه فيما يخص نزاعات حوادث الشغل غالبا ما يكتفي المشغل بالادلاء بما يفيد تأمينه على حوادث الشغل ويدخل شركة التأمين في الدعوى وينصرف إلى حال سبيله وتبقى شركة التأمين وحدها من يمارس الدعوى ويسهر على سير اجرائاتها، ومن شأن انذار المحكمة للمشغل الذي لا يحضر جلسات المحكمة أن يطيل امد النزاع ويؤدي إلى تراكم الملفات وتأخير البث فيها، عكس انذار شركة التأمين الذي يبقى سهلا لكونها حاضرة في الدعوى لكن ما مدى قانونية هذا التوجه وما هو الاساس القانوني لانذار شركة التأمين بالادلاء بلائحة الاجور السنوية للضحية بدلا من المؤاجر ؟

إن انذار شركة التأمين بالادلاء بلائحة الاجور السنوية بدلا من المشغل يجد سنده القانوني في ظهير 06/02/1963 المتعلق بالتعويض عن حودث الشغل كما يجده سنده أيضا في القانون  17/99 المتعلق بمدونة التأمينات والنصوص المتخذة لتطبيقه.

فبخصوص ظهير 06/02/1963 فإن الفصل 234 منه ينص على أنه المؤمن يقوم مقام المشغل في أداء التعويض ولو كان التأمين غير كاف، وما دام المؤمن يقوم مقام المشغل فإنه يواجه بكل الدفوع التي يواجه بها هذا الاخير وبالتالي فلا مانع من انذاره مقام المشغل بالادلاء بلائحة الاجور السنوية.

وهذا ما تؤكده ايضا المادة 23 من الشروط النمودجية لعقد التأمين عن حوادث الشغل
[10] حيث تنص هذه المادة على أنه "للمؤمن وحده حق التعامل والتقاضي  والتصالح بخصوص الحوادث وفي حالة القيام بدعوى قضائية يتقاضى بنفقته امام المحكمة المعروضة عليها القضية باسم المؤمن له الذي يمنحه لهذا الغرض تفويضا عاما وبدون تحفظ."

كما أن هذا الانذار يجد اساسه القانوني كذلك في مدونة التأمينات حيث تنص المادة 20 منها في البند الثاني والثالث  أن من بين التزامات المؤمن له :

"2) أن يصرح بالضبط عند إبرام العقد بكل الظروف المعروفة لديه والتي من شأنها أن تمكن المؤمن من تقدير الأخطار التي يتحملها.
3) بأن يوجه إلى المؤمن في الآجال المحددة في العقد، التصريحات التي قد تكون ضرورية للمؤمن من أجل تحديد مبلغ قسط التأمين، إذا كان هذا القسط متغيرا."

ويستشف من  البند الثاني  من هذه المادة أن المؤمن له يدلي للمؤمن قبل توقيع عقد التأمين أو اثناء المفاوضات بخصوصه بكافة العناصر التي تمكن المؤمن من تقدير الاخطار التي يتحملها وايضا من تقدير مبلغ قسط التأمين  الواجب ادائه كمقابل للخدمة التي يقدمها، وهذا كله يتم عند ابرام العقد، وبالتالي فإنه بعد ابرام العقد والتوقيع عليه فإن ذلك دليل على أن المؤمن أي شركة التأمين قد توصلت بكافة العناصر التي مكنتها من تحديد الاخطار المؤمنة وكذلك قسط التأمين، ومما لا شك فيه أن من بين  هاته العناصر بخصوص التأمين على حوادث الشغل يدخل عدد الاجراء ونشاطهم المهني وكذلك أجرتهم السنوية. وبالتالي فالمفروض قانونا أن شركة التأمين تتوفر على لائحة الاجور السنوية لاجراء المقاولة المؤمنة ومن واجبها لضمان حقوقها أن تدلي بها أو أن تنذر بالادلاء بها.

وهذا ما تؤكده الشروط النموذجية لعقد التأمين التي تنص في الفقرة الاخيرة من  المادة 7 على أن المؤمن له يضع رهن اشارة المؤمن دفتر الاجور طيلة مدة العقد وسنتين بعد انتهائه. كما تضيف الفقرة 2 من المادة 15  على أن المؤمن له  يدلي للمؤمن داخل اجل 20 يوما من انتهاء كل شهر بيانا عن الاجور المؤداة للمستخدمين خلال فترة التأمين.

وحتى على فرض أن عقد التأمين قد يتم لمدة غير محددة ويتجدد ضمنيا فإن البند الثاني من المادة 20 يؤكد على أن المؤمن له يوجه للمؤمن في الاجال المحددة التصريحات الضرورية، وبالتالي فشركة التأمين تتوفر على لوائح الاجور ويجب أن تنذر للادلاء بها، وإلا كانت مفرطة وتتحمل وحدها مسؤولية تفريطها.

وحتى على فرض كذلك أن المؤمن له أي المشغل لم يصرح بكافة الاجراء أو أنه ادلى بلوائح كاذبة فإن شركة التأمين تتوفر على الوسائل القانونية التي مكنتها منها مدونة التأمينات لتواجه بها  كتمان المشغل أو تصريحه الكاذب.  نذكر منها خاصة الفقرة الاخيرة من المادة 17 من الشروط النمودجية لعقد التأمين على حوادث الشغل، التي تنص على انه في حالة عدم الادلاء بالتصريح بالاجور خلال الاجل المحدد في المادة 15 يمكن للمؤمن أن يوقف الضمان أو أن يفسخ العقد.

فمادام عقد التأمين قائم بين الطرفين والمؤمن لم يسلك لا مسطرة الايقاف ولا مسطرة الفسخ فذلك دليل على أنه توصل بدفتر الاجور ولا شيء يمنع من انذاره بالادلاء به للمحكمة.


الهوامش

[1]   في هذا الاطار يقول الاستاذ محمد بلهاشمي التسولي " وبالنظر إلى كل المقتضيات الواردة بالفصل 124 إلى 130 نجدها كلها مراعية المصالح الاساسية للمصاب باعتباره المستحق للرعاية كفاعل في بناء  المجتمع ولكونه الطرف الضعيف في المعادلة التي هو أهم أطرافها." محمد بلهاشمي التسولي، التعويض عن حوادث الشغل والامراض المهنية، الجزء الأول، الطبعة الرابعة، المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات ، 2009، الصفحة 149.
[2] بلال العشري حوادث الشغل والامراض المهنية دراسة نظرية وتطبيقية، دار ابي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الاولى 2009 الصفحة 111.
 
[3] ينص هذا الفصل على   : " إثبات الالتزام على مدعيه."
[4]  من بين امثلة على هذا التوجه تورد حكم المحكمة الابتدائية بمكناس عدد 92 بتاريخ 29/01/2007، ملف عدد 223/7/2006  جاء فيه :" وحيث ان الأجرة السنوية المعتمدة هي الحد الأدنى للأجور لعدم وجود بالملف ما يفيد دخل المصاب عن 12 شهرا السابقة لتاريخ وقوع الحادثة ف 120 من ظ 63."
[5]  أورده امحمد برادة غزيول، الدليل العملي للتعويض عن المرض المهني، منشورات نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الدراسات والابحاث، العدد 6، نونبر 2008 صفحة 55.
[6] تنص هذه المادة على أنه : " يجب على كل مشغل، أن يسلم أجراءه عند أداء أجورهم، وثيقة إثبات تسمى "ورقة الأداء"، وأن يضمنها وجوبا البيانات التي تحددها السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.
لا يعتبر تنازلا من الأجير عن حقه في الأجر وتوابعه القبول الصادر منه لورقة الأداء المتضمنة للوفاء بالأجر دون احتجاج أو تحفظ. ويسري هذا الحكم ولو ذكر الأجير في ذيل الوثيقة عبارة "قرئ وصودق عليه" متبوعة بإمضائه."
 
[7] مثلا حكم المحكمة الابتدائية بسلا عدد : 602 ، بتاريخ  12/05/201 ، ملف حوادث الشغل عدد : 447/2009/14 جاء فيه :" حيث صرح المدعي خلال جلسة البحث أنه يتقاضى أجرا شهريا قدره 3000 درهما و أن ملف النازلة خال من ادلاء المدعى عليها بلائحة الأجور الملزم بها وفقا لمدونة الشغل."
حكم  المحكمة الابتدائية بالقنيطرة عدد 590 بتاريخ 11/05/2010 ملف عدد 688/2009/14 جاء فيه "وحيث صرح الضحية بأنه كان يتقاضى  خلال السنة السابقة للحادثة أجر شهريا محددا في مبلغ (2550 درهم) للشهر لذا يتعين اعتمادها في احتساب التعويض المستحق للضحية  ما دام المؤاجر لم يدل بلائحة الأجر السنوي وهو محدد سنويا في مبلغ 31800 درهم."
حكم المحكمة الابتدائية بوزان عدد 36/2008 بتاريخ 11/11/2009  جاء فيه : " حيث يتبين من خلال تصريح المدعي بجلسة البحث و الصلح انه كان يتقاضى 55 درهما كاجرة يومية وهو الامر الذي لم يعارض فيه المدعى عليه مما يجب معه اعتماده لتكون اجرته السنوية سنة قبل الحادثة كالتالي...."
 
[8]  أورده بلال العشيري، مرجع سابق الصفحة 110، 111.
في نفس الاتجاه نورد قرار عدد 1758، بتاريخ 16/10/1989 في الملف عدد 10236/88 جاء فيه :" لكن حيث إن المطلوب في النقض ورثة الهالك قد صرحو عند البحث المجرى معهم أمام القاضي الابتدائي أن الضحية كان يتقاضى 13.200،00 درهم سنويا وأكدوا ذلك في مقالهم الافتتاحي للدعوى وأجابت الطاعنة عن المقال ولم تثر أن الضحية يتقاضى في السنة السابقة للحادثة أجرا أقل مما صرح به المدعيات علاوة على أنه بمقتضى الفصلين  العاشر والحادي عشر 24/01/1953 المتعلق بشأن حساب الاجور ودفعها للمستخدمين المعدل بظهير 31/01/1961  فإن المشغل هو المكلف بمسك دفتر الاجور وتهيء بطاقة الاداء لمستخدميه، من تم فهو الذي يتوفر على دفاتر الاداء وهو الذي عليه الادلاء بلائحة الاجور السنوية لإثبات أن الأجر الذي تقاضاه الأجير هو خلاف ما صرح به هذا الاخير، ولا موجب لتطبيق الحد الادنى من الاجور ما دام المشغل ومؤمنته لم ينازعا في الاجرة المصرح بها ولم يقدما وثيقة تخالفها وبذلك فالوسيلة المثارة لا ترتكز على اساس."
[9] ينص الفصل280 على أنه : " يمكن للقاضي أن ينذر الأطراف بمقتض ىأمر غير قابل للطعن بتسليم كل المستندات والوثائق والمذكرات أو الحجج التي من شأنها أن تنير القضية داخل أجل يحدده.
يمكن له أن يستدعي ويستمع إلى جميع الشهود.
يمكن له أيضا أن يأمر بكل إجراءات التحقيق وخاصة الخبرة ضمن الشروط الآتية..."
[10] قرار لوزير المالية والخوصصة رقم 05/2008 الصادر بتاريخ 17/10/2005 المتعلق بالشروط النمودجية لعقد التأمين عن حوادث الشغل.




الثلاثاء 15 أبريل 2014

تعليق جديد
Twitter