MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



تطبيقات التدقيق في مجال الصفقات العمومية

     

عثمان تالمة
طالب بسلك الماستر
افتحاص إدارات الدولة والجماعات الترابية
جامعة الحسن الأول، كلية الحقوق سطات



تطبيقات التدقيق في مجال الصفقات العمومية
 
تمهيد

لقد ازدادت أهمية الرقابة في الآونة الأخيرة نظرا لاستفحال ظاهرة الفساد المالي والإداري وتنوع أساليبه وتعدد مظاهره، بشكل جعل تأثيراته تتفاقم وتزداد حدة، مقوضة فرص التنمية الإقتصادية والإجتماعية. فظاهرة الفساد المالي والإداري ينتج عنها عدة انعكاسات، سواء على مستوى تكريس هشاشة سلطة الدولة وخلخلة مصداقيتها وفقدان المواطن الثقة في الإدارة نتيجة الشعور باللامساواة وعدم تكافؤ الفرص، أو على مستوى الرفع من تكلفة الأنشطة والخدمات الإدارية.

وعرفت الرقابة على المال العام تطورات من حيث استعمال التقنيات والأساليب، نتيجة مؤثرات عديدة خاصة منها الإقتصادية والمالية والدولية، مما أدى إلى تبني مفاهيم وتقنيات معاصرة وحديثة للرقابة على الأموال العمومية، وذلك قصد تجاوز سلبيات وعيوب وأخطاء التوجه الكلاسيكي الذي يستند على مفهومي رقابة المشروعية ورقابة التسيير، وقد أثبتت هذه التقنيات الحديثة (أهمها تقنية التدقيق أو الفحص بكل أشكاله) نجاعتها وفعاليتها في تحسين جودة الرقابة وتطويرها.

ويطرح الموضوع محل الدراسة إشكالية تتمثل في:

مدى مساهمة التدقيق في الحد أو التقليص من أوجه الفساد الذي يعتري تدبير الصفقات العمومية، وبالتالي تعزيز مبادئ الحكامة على مستوى الصفقات العمومية؟

وعليه سأحاول مقاربة هذا الموضوع انطلاقا من محورين :
 
  • المحور الأول: التدقيق : مقاربة في المفهوم
  • المحور الثاني: تدقيق الصفقات العمومية على ضوء  المرسوم الجديد (20 مارس 2013)
 
المحور الأول: التدقيق : مقاربة في المفهوم

تستمد مهنة التدقيق نشأتها من حاجة الإنسان إلى التحقق من صحة البيانات المحاسبية التي يعتمد عليها في اتخاذ قراراته، والتأكد من مطابقة تلك البيانات للواقع، وقد ظهرت هذه الحاجة أولا لدى الحكومات، حيث تدل الوثائق التاريخية على أن حكومات قدماء المصريين واليونان كانت تستخدم المدققين للتأكد من صحة الحسابات العامة. وكان المدقق وقتها يستمع إلى القيود المثبتة بالدفاتر والسجلات، للوقوف على مدى صحتها، وهكذا نجد أن كلمة تدقيق Audit مشتقة من الكلمة اللاتينية Audire، ومعناها يستمع.[1]

لقد تعددت الجوانب التي تم التطرق إليها في تعاريف التدقيق، وهذا باختلاف الهيئات (المؤسسات) والأطراف الصادرة عنها (الأساتذة والفقهاء المختصين)، ورغم الإختلاف الشكلي بين هذه المفاهيم، إلا أنها تصب في نفس الهدف:
 
  • على المستوى المؤسسي:
تعريف مجلس الخبراء المحاسبين المعتمدين دوليا:" يعرفونه على أنه الفحص الذي يقوم به مهني كفؤ ومستقل".[2]

كما عرف اتحاد المحاسبين الأمريكيين التدقيق على أنه: " إجراءات منظمة لأجل الحصول على الأدلة المتعلقة بالإقرارات أو بالأرصدة الإقتصادية والأدوات، وتقييمها بصورة موضوعية، لتحديد درجة العلاقة بين هذه الإقرارات ومقياس معين، وإيصال النتائج إلى المستفيدين.[3]
 
  • على مستوى الفقه:
جاء تعريف Bernard Germond للتدقيق على أنه: "اختبار تقني صارم وبناء بأسلوب منظم من طرف مهني مؤهل ومستقل، بغية إعطاء رأي معلل على نوعية ومصداقية المعلومات المالية المقدمة من طرف المؤسسة، وعلى احترام الواجبات في إعداد هذه المعلومات في كل الظروف، ، وعلى مدى احترام القواعد والقوانين والمبادئ المحاسبية المعمول بها،وكذا مدى تمثيل هذه المعلومات للصورة الصادقة وللوضعية المالية ونتائج المؤسسة".[4]

تعريف الأستاذ أحمد جمعة:" التحقق الإنتقادي المنتظم لأدلة وقرائن الإثبات لما تحويه دفاتر وسجلات المنشأة من بيانات في إطار مبادئ محاسبية متعارف عليها، من خلال برنامج محدد مقدما بهدف إبداء الرأي الفني المحايد عن صدق وعدالة التقارير المالية لقراء ومستخدمي هذه التقارير".[5]

وقد عرفه الأستاذ محمد حركات بمثابة "... عمل يهدف إلى تقويم بنيات المراقبة الداخلية وفق مرجعيات علمية ومهنية دقيقة من أجل الوقوف على الخلل الذي تعاني منه المنظمة أو المؤسسة في شتى المجالات وذلك من أجل السيطرة عليها والتنبؤ بتطوراتها".[6]

ويختلف مفهوم التدقيق عن مفهوم الرقابة من حيث الهدف، فالهدف من التدقيق ليس هو الزجر والذي ينطبق على الرقابة، بل "...هو تقديم الاستشارة والنصائح لتجاوز العيوب والمثالب...".[7]
 
المحور الثاني: تدقيق الصفقات العمومية على ضوء  المرسوم الجديد (20 مارس 2013

على أساس الأهمية التي يحتلها مبدأ التدقيق في تدبير الفعل العمومي المالي، أصبح مطلب حضور هذا المبدأ في مجال الصفقات العمومية، ضروريا لإقرار حكامة تدبيرية لإبرامها وتنفيذها، عن طريق تقويم مختلف الإختلالات التي قد تشوب تمرير مختلف أنواع الطلبيات العمومية.[8]

ويهدف التدقيق في مجال الصفقات العمومية  إلى تقويم الإحقاقات التي تميزه عن نظام المراقبة التقليدية، حيث يعود له الفضل في الإنتقال من معيار المطابقة بالنظر إلى النص، إلى معيار الإحقاق والإنجاز بالنظر إلى الهدف.[9]

وقد تم اعتماد آلية التدقيق في الصفقات العمومية لأول مرة مع مجيء مرسوم 30 دجنبر 1998 (المادة 86)، وتم تكريس هذا التوجه بصدور مرسوم 5 فبراير 2007 (المادة 92) السابق، والمرسوم الجديد 20 مارس 2013.[10]

حيث أشار إليه المشرع في هذا الأخير في كل من المادة 142 في إطار الباب السادس المتعلق بصفقات الجهات والعمالات والأقاليم، بالإضافة إلى المادة 165 في إطار الباب العاشر المتعلق بحكامة الصفقات العمومية.

ويلاحظ من خلال المادتين أن المشرع ربط التدقيق والمراقبة بثمن الصفقة، حيث لا تخضع سوى الصفقات التي يتجاوز مبلغها ثلاثة ملايين 3.000.000 درهم مع احتساب الرسوم، والصفقات التفاوضية التي يتجاوز مبلغها مليون 1.000.000 درهم مع احتساب الرسوم هذا بالنسبة لصفقات الجماعات الترابية. أما بالنسبة لصفقات الدولة والمؤسسات العمومية فلا تخضع للتدقيق والمراقبة سوى الصفقات التي تتجاوز خمسة ملايين 5.000.000 درهم مع احتساب الرسوم، والصفقات التفاوضية التي يتجاوز مبلغها مليون 1.000.000 درهم مع احتساب الرسوم.

هذا، ويمكن تسجيل بعض المؤاخذات على المادتين (142/165):
 
  • التدقيق المنصوص عليه يدخل في إطار التدقيقات الداخلية، إذ يعتبر الوزير المعني هو المفعل الأساسي لهذه الآلية، إذ لا بد أن يكون إجراء المراقبة والتدقيق بمبادرة من وزير الداخلية بالنسبة لصفقات الجماعات الترابية. والوزير المعني بالنسبة لصفقات الدولة، ومدير المؤسسة بالنسبة لصفقات المؤسسات العمومية. وهنا يتساءل الطالب الباحث حفيظ مخلول[11]، عن أي حكامة يتحدث عنها المشرع ما دام أن المراقبة والتدقيق لا يمكن تحريكها إلا بمبادرة؟ وأتساءل بدوري حول مدى نزاهة وحياد التقارير التي تعد؟ علما أن هذه التدقيقات يتم إقرارها بموجب مقرر صادر عن الوزارة، فكيف مكن فهم مراقبة الهيئة الوزارية نفسها إذا ما أبرمت صفقة عمومية، فلا يعقل أن تكون " خصما وحكما" في نفس الوقت.
  • عدم تعميم التدقيق على كل الصفقات، بل جعلته إجباريا فقط بالنسبة للصفقات التي يتجاوز مبلغها سقفا معينا، الأمر الذي يستشف منه أنه رغم كون المشرع أدخل آلية التدقيق في مجال الصفقات العمومية فهو لم يجعل هذه الآلية تمارس بإطلاقية.
    • إضافة إلى هاته المؤاخذات تطرح إشكالات أخرى في هذا الصدد خارج النص:
  • مدى توفر الإدارات العمومية والترابية  على الأطر الكافية والكفاءة لإنجاز هذه التدقيقات، ومدى حسن استجابة المسؤولين الإداريين لهذه الآلية.[12]
  • عقلية المسؤولين وبالخصوص الجماعيين لا تتجاوب مع المدققين وهذا راجع بالأساس إلى سوء فهم هؤلاء لمفهوم التدقيق، أو لنقص كامن في قيم التواصل الذي يحدد العلاقات الإنسانية التي تعتبر إحدى موضوعات علم الإدارة، فالمسؤول الجماعي لا يفرق بين المدقق ذو البعد التدبيري والمراقب المالي ذو البعد الرقابي الزجري. وهذا ما يفرض بإلحاح ترسيخ ثقافة تدبيرية تساهم في التغيير الجذري للعقليات السائدة.[13]
 
خلاصة

في ختام هذا الموضوع المتواضع، يمكن التأكيد على أن التدقيق كأحد المبادئ المرجعية المؤطرة لحكامة الصفقات العمومية يهييئا وإبراما وتنفيذا، يجعل هذه الأخيرة تشكل الجانب الأساسي الذي تصب فيه المقادير المالية الضخمة للدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، مما يبرر الرقابة الدقيقة للأموال العمومية الموجهة لها، ضمانا لترشيد النفقات العمومية والتقليص والحد من الإنفاق الغير مثمر واحترام مقتضيات التوازن الماكرو- اقتصادية والمالية للدولة بتحقيق معادلة فيما بين الثمن والجودة.
وعليه، فإن تحقيق حكامة الصفقات العمومية ظلت ولا زالت من المطالب التي يتوخى العمل على تحقيق جودة تدبيرها وعقلنة تمريرها من أجل خدمة الصالح العام، عن طريق اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير التي تضمن توفير المناخ القانوني والإداري إلى جانب العمل على تأهيل الموارد البشرية لجعلها مواكبة لشتى التعديلات القانونية، مما قد ينتج عنه خلق بيئة سليمة لحكامة الصفقات العمومية.
 

الهوامش
  1. خالد أمين عبد الله: علم تدقيق الحسابات (الناحية النظرية والعملية)، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر، الأردن 2000، ص:17/18.
  2. إدريس خدري: الإسلام وافتحاص المال العام، مطبعة دار النشر المغربية، الدارالبيضاء، 2002،ص: 90.
  3. هادي التميمي: مدخل إلى التدقيق من الناحية النظرية والعملية، الطبعة الثالثة، دار وائل للنشر، الأردن، 2006،ص:20.
  4. Bernard Germond: Audit financier – Guide pour l’audit de l’information financière des entreprises, 1ere édition,dunod,Paris,1991,P :28.
 
  1. أحمد حلمي جمعة: المدخل إلى التدقيق الحديث، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة 2005، ص:8.
 
  1. محمد حركات: التخطيط الاستراتيجي والمنافسة رهانات الجودة الكلية بالمقاولات المغربية، مطبعة فضالة، المحمدية، 1997،ص:170.
 
  1. أحميدوش مدني: المحاكم المالية في المغرب دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة، مطبعة فضالة، الطبعة 2003 ص:63.
 
  1. كريم لحرش: مستجدات المرسوم الجديد للصفقات العمومية، منشورات سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، العدد 22، الطبعة الأولى 2014،ص/ 153.
 
  1. Driss Khodry: Finances Publiques et stratégique, les éditions Maghrébine Lahmadiya,1998,p :17.
 
  1. المرسوم رقم 2.12.349 صادر في 8 جمادى الأولى 1434 ( 20 مارس 2013) المتعلق بالصفقات العمومية، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6140 – 23 جمادى الأولى 1434 (4 أبريل 2013.
 
 
 
 
  1. حفيظ مخلول: باحث في قانون المنازعات بكلية الحقوق مكناس ، مقال منشور بموقع القانونية تحت عنوان: مظاهر حدود مرسوم 2013 للصفقات العمومية (عدد 216).
  2. عمار شقواري : حكامة إبرام الصفقات العمومية – قراءة سوسيو قانونية في مرسوم 5 فبراير 2007، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الأول، كلية الحقوق سطات، 2007/2008، ص: 157.
  3. توفيق السعيد: الصفقات المبرمة من قبل الجماعات المحلية النظام القانوني الجديد، مطبعة طوب  بريس، الرباط 2003،ص/ 355.
 



الخميس 20 غشت 2015

تعليق جديد
Twitter