MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



تخليق العمل الجمعوي بالمغرب ـ الرهانات الجمعوية والسؤال الإيتيقي

     



تخليق العمل الجمعوي بالمغرب ـ  الرهانات الجمعوية والسؤال الإيتيقي

        أضحى طرح مسألة تخليق المجتمع المدني بصفة عامة، أمرا راهنيا يستوجب تجاوز كل الثغرات والعقبات التي تعترض مسارات العمل الجمعوي .على هذا الأساس يظل السؤال الأخلاقي السؤال الأكثر تواجدا في السياقات المرتبطة بخطابات المجتمع المدني و القضايا التي تدور في فلكه ،بإعتباره أساس العملية الديمقراطية برمتها، و كذا فيما يتعلق بمؤسساته و مدى قدرتها على مجابهة كل ما من شأنه أن يوقف نبض إنخراطها الإيجابي و الفعال في الصيرورة التنموية، أي أننا نجد المجتمع المدني هنا يتبلور ككيان للمجابهة ضد " الدولة " و ضد " السياسة " من أجل تحقيق الغايات المتوخاة من أي فعل أخلاقي يقوم/يقيم جل المبادئ التي ترسخ العمل الجمعوي و تجعله عملا ذو رؤية إستشرافية على شتى الأصعدة.

و عبر كل الملاحظات الأنفة الذكر، نجد أنه قد تم رفع السؤال الأخلاقي إلى مستوى المساءلة الذاتية في إطار تقعيد واقعي/عملي لفلسفة الواجب  وأسسهاالنقدية الأخلاقية المرتبطة بقراءة متأنية للذات المرجعية و تشعبات تدخلاتها الميدانية ، مع ضرورة التأكيد على إبراز إختلالات الممارسة البرغماتية التي تخللت تجارب قوى مدنية عديدة، كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الفعاليات المدنية بدول الربيع العربي، حيث ظلت الإشكالية الأخلاقية على مستوى هذه الفعاليات تطرح على الدوام تحت مجهر الفحص و التدقيق، خاصة الجانب المتعلق  بالتساؤل عن دورها الإلحاقي بالدولة و مدى قدرتها على خلق أسس التغيير الإيجابي و الحراك المؤثر.                                  

 على صعيد كل هذه المنطلقات تنبثق إرهاصات مشروع مدني عميق، يتغيى بالدرجة الأولى تجذير الوعي الكامل بأهمية المنظومة الأخلاقية بمكوناتها المتعددة من واجب و مسؤولية و تضحية و تضامن و تطوع ومصلحة عامة.. وكل ما من شأنه غرس قيم الحداثة المتوخاة  والديمقراطيةالمنشودة، مما يؤهل جميع الفاعلين المدنيين للإنخراط المسؤول داخل المنظومة النموذجية، إن لم نقل المثالية أو على الأقل وفق الفهم الفيبيري الإرتهان إلى صيغة نموذج/مثال Idéaltype  .

إن المنظومة الأخلاقية وبهذه المواصفات، تتضمن في سياقها الجمعوي ، مجموعة القيم و المبادئ التي تؤكد على أخلاقية العمل الجمعوي و تربطه بتموقعات إيتيقية  Ethiques  ، و بالتالي تعلن عن ميلاد حقيقي لمجتمع مدني يتسم بتخليق إرهاصي. هذا من جهة ، ومن جهة ثانية تتجسد المنظومة الأخلاقية بالنسبة للجمعيات بشكل ملموس، عبر الحرص الشديد على تحقيق أهدافها المنصوص عليها في قوانينها الأساسية و مدى إلتزامها بالرؤى الإستشرافية التي ترسم معالمها في جموعها العامة سواء منها التأسيسية أو التجديدية، أو في الشعارات الكبرى المعلن عنها في سياقاتها التضمينية من قبيل تخليق الحياة السياسية و الإدارية، و تبني مبادئ الشفافية و العقلنة و الترشيد أثناء سردها لتقاريرها الأدبية و المالية. إن كل ذلك مافتئ يشكل و بحق جزءا مهما من المطالب الأساسية للفعل الجمعوي، حيث من المفروض على هذا الأخير لبلوغ المكانة السامية  والوضعية الراقية، الإتصاف بهذه الصفات الإيجابية والإتسام بهذه الخاصيات الضرورية لبناء الصرح الأخلاقي على لبنات وطيدة و ركائز ثابتة تدنو من الإنسجام الإيجابي و تنأى عن التناقض العبثي، و بالتالي المساهمة في تفادي كل أنواع الضبابية والتشكيك التي قد تلاحظ على مستوى  منتسبي الفعاليات الجمعوية(اعضاء ومنخرطين)، وذلك بالنظر إلى أن التخليق عموما تظل خاصياته موحدة ومنسجمة، و بشكل أكثر تمظهرا على مستوى الممارسة الجمعوية، خاصة فيما يتعلق بالجمعيات ذات الاهتمام المهني ، والتي رأى الكثيرون ممن إهتموا بالبعد الإيتيقي لهذا النوع من الجمعيات أنها تجعل من أبرز أولوياتها وضع ميثاق أخلاقي ، يسعى أساسا إلى الرفع من مستوى الأخلاق في الحقل المهني أو في قطاع الأنشطة الاقتصادية.

ان إعادة هيكلة النسيج الجمعوي بالمغرب ووفق ما سبق ذكره، تظل مسألة ضرورية، وذلك عبر الحرص على التنصيص على البعد الأخلاقي عبر وضع تصورات جديدة تخص الإطار القانوني و التنظيمي، وكذا التقعيد ل" مدونة صريحة " لأخلاقيات العمل الجمعوي كفيلة بتوفير وسائل ردع حقيقية للتجاوزات المرصودة وتكريس المبادئ و القيم الأخلاقية الحقيقية،  والتي تكتسي ضرورة ملحة للنهوض بالأهداف المتوخاة من العمل الجمعوي ،وعلى رأسها بلورة تصورات تنموية قادرة على تجسيد أسس مغرب الحكامة التشاركية.

في هذا الصدد كثيرا ما يلاحظ تبني بعض الآليات من طرف الفاعل الجمعوي المغربي لتعميق البعد الأخلاقي من قبيل تنظيم المنتديات  والتجمعات التي توفر فضاءات أرحب و أنسب لخلق جو من النقاش الموضوعي  و المتمرس، بغية إيجاد حلول ناجعة للمشاكل المطروحة،  والتي قد تتخبط فيها الحياة الجمعوية، وكذا بغية إستعراض التجارب  والممارسات المتسمة بالخلق و الإبداع، مع ضرورة الأخذ بمبادئ و قيم النقد الذاتي المستمد قوته من مراجعة المنطلقات لتدارك الهفوات و ملء الثغرات، الشئ الذي يشكل مؤشرا قويا وإيجابيا مبرزا لرغبة العديد من الفعاليات الجمعوية في تصحيح المسارات و تقويم الإعوجاجات،و بالتالي توفير المناخ الملائم لتفعيل أخلاقيات العمل الجمعوي و إتسامه بالاحترافية و التجويد و كذا وضع تشخيص دقيق لأسس الحكامة الجمعوية من حيث تحديد عمق الرسالة و بعد الهدف.

على هذا الأساس، وحتى تتبلور فكرة العمل الجمعوي الأخلاقي الذي يهدف إلى رسم معالم واضحة من أجل سير أفضل للجمعيات من خلال تكريس جملة من المبادئ الموطدة للثقة داخل هذه التنظيمات، وكذا القيام بعملية تأهيل شاملة للعمل الجمعوي ببلادنا، ينبغي الحرص على المساهمة و بفعالية في بناء مجتمع مدني متطور و متنامي، و هو الرهان الذي يبدو أن الحوار الوطني حول المجتمع المدني و الأدوار الدستورية الجديدة المنوطة به و المعلن عنه منذ مارس 2013 و المشرف على نهايته، يروم  الإجابة على بعض إشكالياته.  




الاربعاء 5 مارس 2014

تعليق جديد
Twitter