MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



الوقفات الاحتجاجية بين النص القانوني والاجتهاد القضائي تعليـق علـى حكـم إداريـة فـاس عـدد 115 غ/2006 بقلم الدكتور محمد الأعرج

     

محمد الأعرج
أستاذ بكلية الحقوق - فاس



الوقفات الاحتجاجية بين النص القانوني والاجتهاد القضائي تعليـق علـى حكـم إداريـة فـاس  عـدد 115 غ/2006 بقلم الدكتور محمد الأعرج

 
قضت المحكمة الإدارية بفاس في حكم لها ما يلي:

ـ الوقفة من حيث كونها احتلالا للفضاء العمومي من طرف الأفراد والجماعات تعتبر من باب المظاهرات العمومية وإن كانت غير متحركة لشغلها مكانا عموميا هو الطريق العام قصد التعبير عن إرادة جماعية في إبراز رأي أو موقف دون أن تمر بالضرورة عبر الشوارع والطرقات.

ـ إن المشرع المغربي ومن خلال الفصل 11 من قانون التجمعات العمومية لم يعف من التصريح المسبق الذي تخضع له المظاهرات في الطرق العمومية إلا الخروج إلى الشوارع العمومية طبقا للعوائد المحلية كالأعراس والجنائز والمواسم والاحتفالات المتعارف عليها محليا وبالتالي فإن الوقفة الاحتجاجية تخضع لتقديم تصريح مسبق للسلطة داخل أجل ثلاثة أيام كاملة على الأقل وخمسة عشرة يوما على الأكثر قبل تاريخ المظاهرة".

يثير حكم المحكمة الإدارية بفاس إشكالية تتعلق بالطبيعة القانونية للوقفات الاحتجاجية، وما إذا كانت تكتسي صبغة مظاهرة أو تجمع عمومي وبالتالي تخضع لنظام التصريح. أم أنها لا تندرج ضمن الأشكال القانونية الثلاث، المظاهرة أو التجمع، أو التجمهر، وهذا ما يخرجها عن دائرة الخضوع لمقتضيات قانون 7600  ويجعلها مجرد نشاط غير مقنن ولا تكتسي أية صبغة قانونية لغياب السند القانوني الذي تقوم عليه.

وقبل الشروع في استعراض ومناقشة هذه الإشكالية، ينبغي الإشارة إلى موجز للوقائع والأسباب الواردة في الحكم موضوع هذا التعليق.

أولا: الـوقـائــع

بناء على المقال الافتتاحي للدعوى المودع لدى كتابة ضبط المحكمة الإدارية بفاس بتاريخ 20/3/2006 والمعفى من أداء الرسوم القضائية بقوة القانون تعرض من خلاله الطاعن بواسطة نائبها أنها جمعية مؤسسة في إطار القانون رقم 376 – 58 – 1 المتعلق بتأسيس الجمعيات كما وقع تعديله بمقتضى القانون رقم 00 – 75 وبتاريخ 15/3/2006 ارتأت تنظيم وقفة احتجاجية سلمية تضامنها مع الشعب العربي الفلسطيني وحددت 16 مارس 2006 على الساعة السادسة والنصف مساء موعدا لتنظيم هذه الوقفة وشرعت في تحضيرها وقامت بإشعار رئيس المنطقة الحضرية لأكدال بتاريخ 15 مارس 2006 الذي أصدر قرارا كتابيا يمنعها بدعوى أن طلبها غير مستوف للشروط الشكلية المتطلبة قانونا طبقا للفصل 12 من قانون الجمعيات العمومية الذي يستلزم وجوب تقديم التصريح السابق للسلطة المحلية في ظرف ثلاثة أيام كاملة على الأقل وأن السلطات المحلية عمدت إلى استنفار قوات الأمن العمومي بكافة أشكاله من أجل منع هذه الوقفة ولو باستعمال القوة عند الاقتضاء كما عمدت إلى منع المواطنين من الوقوف أو المرور أو التجول بالمنطقة بشكل لا يتناسب مع ظروف النشاط القومي المقرر تنظيمه وطبيعته السلمية ونوعية الأحزاب السياسية والنقابات المهنية المشاركة فيه وأن الفصل 12 الذي أسس عليه قرار المنع يتعلق بالمظاهرات التي تكون متحركة عبر الطرق والشوارع ويشترط القانون تقديم سابق تصريح بشأنها وأن الحرية هي الأصل وأن المنع هو الاستثناء.
 
ثانيا: حيثيات ومنطوق الحكم

استندت المحكمة الإدارية على مجموعة من الحيثيات لتأسيس حكمها جاءت كالتالي:

وحيث إنه الرجوع إلى مقتضيات قانون التجمعات العمومية نجده يشير فقط إلى ثلاثة أنواع من التجمعات هي الاجتماعات العمومية والمظاهرات والتجمهر بنوعيه المسلح وغير المسلح وقد أخضعها هذا القانون باستثناء التجمهر الذي يعتبر غير مشروع لنظام التصريح المسبق.

وحيث إن الوقفة من حيث كونها احتلال للفضاء العمومي من طرف الأفراد والجماعات تعتبر من باب المظاهرات العمومية وإن كانت غير متحركة وذلك لشغلها مكانا عموميا هو الطريق العام قصد التعبير عن إرادة جماعية في إبراز رأي أو موقف دون أن تمر بالضرورة عبر الشوارع والطرقات.

وحيث إن المشرع ومن خلال الفصل 11 من قانون التجمعات العمومية لم يعف من التصريح المسبق الذي تخضع له المظاهرات في الطرق العمومية إلا للخروج إلى الشوارع العمومية طبقا للعوائد المحلية كالأعراس والجنائز والمواسم والاحتفالات المتعارف عليها محليا.

وحيث أوجب الفصل 12 من قانون التجمعات تسليم التصريح بخصوص المظاهرة العمومية إلى السلطة الإدارية المحلية في ظرف ثلاثة أيام كاملة على الأقل وخمسة عشر يوما على الأكثر قبل تاريخ المظاهرة وعلى هذه السلطة أن تسلم في الحال وصلا بإيداع التصريح وإذا لم يتمكن المصرحون من الحصول على الوصول فإن التصريح يوجه إلى السلطة المختصة في رسالة مضمونة.

وحيث مؤدي ذلك أن ترك وقت من الزمن للسلطات العمومية بالتصريح قبل تنظيم المظاهرة أو الوقفة داخل أجل ثلاثة أيام على الأقل سيسمح لها بدراسة التصريح مخاطر المظاهرة أو الوقفة وإعداد نفسها لتأطيرها من الناحية الأمنية حتى لا تتحول إلى أعمال شغب وعنف إذ أن السلطات العمومية موكول لها قانونا السهر من جهة على حماية المظاهرة والمتظاهرين من الغير كما هو موكول لها حماية الغير والممتلكات الخاصة والقانون من سلوك المتظاهرين.

وحيث إنه بالرجوع إلى واقع النزاع ومستنداته يتبين أن الطاعنة لم تحترم أجل تقديم التصريح المذكور أعلاه للسلطة الإدارية المحلية المتمثل في ثلاثة أيام على الأقل باعتبارها أشعرت هذه السلطة بالوقفة يوما واحدا فقط قبل تاريخ تنظيمها، مما يبقى معه القرار الإداري القاضي بمنعها لهذه العلة قائما على أساس من القانون والطلب الرامي إلى إلغائه حليف الرفض.

قضت المحكمة الإدارية علنيا ابتدائيا وحضوريا

في الشكل: بقبول الطلب.
في الموضوع: برفضـه.  

ثالثـا: التعليــق

يثير حكم المحكمة الإدارية بفاس الإشكالية المتعلقة بالتكييف القانوني للوقفات الاحتجاجية ويطرح كذلك التساؤل حول طبيعتها القانونية، وما إذا كانت فعلا تكتسي صبغة مظاهرة أو تجمع عمومي وبالتالي تخضع لنظام التصريح، وهو ما يعني سلامة موقف السلطة المحلية أو أنها لا تندرج ضمن هذه الإشكال الثلاثة، وهذا ما يخرجها عن دائرة الخضوع لمقتضيات قانون 00 - 76 ويجعلها مجرد نشاط غير مقنن ولا يكتسي في أساسه أية صبغة قانونية لغياب السند القانوني الذي يقوم عليه؟

وهو تساؤل لا يمكن الإجابة عليه إلا من خلال التعرض لمفهوم المظاهرة وكذا لمفهوم التجمع العمومي والتحقق مما إذا كان يستوعب مفهوم الوقفة الاحتجاجية وبالتالي اكتسابها لصبغته القانونية أم لا.

لقد ميز الظهير الشريف رقم 1.02.200 الصادر في 23 يوليوز2002 بتنفيذ القانون رقم 00-76 المغير والمتم بموجبه الظهير الشريف رقم 377-85-1 الصادر في 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية، بين ثلاثة أشكال من التجمعات العمومية، وهي الاجتماعات العمومية والمظاهرات بالطرق العمومية، وأخضعها باستثناء التجمهر الذي يعتبر غير مشروعا سواء في الفصل 3 أو 12 منه لنظام التصريح المسبق من خلال ضرورة تسليم تصريح إلى السلطة الإدارية المحلية يتضمن الأسماء العائلية للمنظمين وجنسيتهم ومحل سكناهم وأرقام بطاقاتهم الوطنية ويوقع عليه ثلاثة أفراد منهم بكون محل سكناهم في العمالة أو الإقليم التي تجري فيه المظاهرة أو الاجتماع وكذا ساعته ومكانه مقابل تسلم وصل بذلك، وإلا فتوجيه إلى السلطة المختصة بالبريد المضمون، وبالتالي حصره لهذه التجمعات العمومية في هذه الأشكال الثلاثة وعدم توسيعه ذلك إلى ما سواها، بحيث لم يدرج ضمنها ما يسمى بالوقفات الاحتجاجية أو الأنشطة التي تستثني من نظام التصريح المسبق وتخضع لنظام الإشعار، فإن الثابت من خلال مقتضيات هذا القانون أن المشرع لم يتحدث عن أي شيء يسمى بالإشعار بل التصريح إذ أن جميع الأنشطة التي يكتسي طابع التجمع العام إلا وتخضع تصريح فصوله لنظام التصريح هذا ولم يستثن منه إلا الاجتماعات التي تعقدها الجمعيات والهيئات المؤسسة بصفة قانونية التي تهدف بصفة خاصة إلى غاية ثقافية أو فنية أو رياضية وكذا التجمعات التي تعقدها الجمعيات العمومية، وكذا الخروج إلى الشوارع العمومية طبقا للعوائد المحلية بالنسبة للمظاهرات، كما أنه لم ينظم هذه الوقفات الاحتجاجية.

  وفي هذا الصدد فقد سبق للفقه أن اعتبر التجمع بأنه "حق الأفراد في أن يجتمعوا في مكان ما فترة من الوقت ليعبروا عن آرائهم سواء في صورة خطب أو ندوات أو محاضرات أو مناقشات" كما اعتبر بأن المظاهرات بالمعنى الواسع هي الاجتماعات الثابتة أو المتنقلة التي تتم في طريق أو ميدان عام وعرفها بكونها" تجمع عدد من الأشخاص يستعملون أماكن عمومية للتعبير عن إرادة جماعية قد تكون متحركة فتكتسي طابع موكب أو ثابتة فتكون عبارة عن تجمع .
فالمظاهرات بالطرق العمومية تشمل المواكب والاستعراضات وكل تجمعات الأفراد في الطرق والأماكن العمومية للتعبير عن موقف أو رأي.

وإذا كان الاجتماع العمومي يتم عادة في مكان محدد (قاعة مثلا) بهدف مناقشة جدول أعمال محدد، فإن التظاهر يتم في الطريق العمومية، ويمكن أن يتضمن ترديد شعارات وحمل لافتات أو إنشاد أغاني أو إطلاق هتافات... وتتضمن المظاهرات بطبيعتها مخاطر على النظام العام ولذلك تخضع لنظام قانوني مخضرم، إذ يكفي التصريح بها، لكن السلطة تستطيع منعها بمبررات حماية الأمن العام.

باستثناء المظاهرات التي تتم طبقا للعادات المحلية والتي يصفها القانون "بالخروج إلى الشوارع العمومية طبقا للعوائد المحلية"، أو مواكب الأعراس يخضع تنظيم المظاهرات بالطرق العمومية لسابق تصريح يسلم إلى السلطة الإدارية المحلية في ظرف ثلاثة أيام كاملة على الأقل وخمسة عشر يوما على الأكثر قبل تنظيم المظاهرة. وتسلم السلطة في الحال وصلا مختوما بإيداع التصريح، وإذا لم يتمكن المصرحون من الحصول على وصل فإن التصريح يوجه إلى السلطة المحلية في رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل.

وهذا الاتجاه الفقهي يقترب من المفهوم الذي حاولت الجمعية أن تضفيه على طبيعة النشاط الذي كانت ستقوم به بتاريخ 16/03/2006 والذي يجعله تندرج ضمن المظاهرة العمومية لأن هذه الأخيرة ليس شرطا أن تكون متحركة وتم عبر عدد من الشوارع والأزقة، بل يمكن أن تكون ثابتة كذلك وتتخذ من ميدان عام مكان لها يجب أن تكون السلطة المحلية على علم به مسبقا وبتاريخه والأشخاص المنظمين له وهويتهم، حتى يمكنها اتخاذ التدابير والاحتياطات اللازمة لتفادي أي إخلال بالأمن والنظام العام.

 وبالتالي وما دام أن ما كانت ستقوم به الجمعية هو أقرب إلى المظاهرة فإن ذلك كان يستلزم منها ضرورة احترام مسطرة التصريح المسبق، كما هي منصوص عليها في الفصل 12 المذكور أعلاه قبل مباشرة هذا النشاط وهو ما يعني أن موقف السلطة المحلية المطعون في قرارها كان سليما.

إن التكييف القانوني للوقفة الاحتجاجية كما ورد في حيثيات حكم المحكمة الإدارية بفاس كان صائبا. ففلسفة القضاء الإداري تفرض تجاوز نطاق المبادئ المعروفة في القانون الخاص كمبدأ التزام القاضي الحياد وهي مبادئ لا يمكن التمسك بها في المنازعات الإدارية.

فحكم المحكمة الإدارية بفاس يعبر عن المهام الموكولة للقاضي الإداري، ألا وهي ملء الثغرات القانونية وخلق ضوابط كفيلة بتأمين ممارسة بعض الحقوق الأساسية المنصوص عليها دستوريا.

الثلاثاء 11 مارس 2014




تعليق جديد
Twitter