MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



.الواقع الدستوري لاستقلال النيابة العامة بالمغرب

     




البداوي عبد الرحيم

باحث في القانون الخاص .



.الواقع الدستوري لاستقلال النيابة العامة بالمغرب
             إن ارتقاءا دستوريا  مس المجال القضائي بالمغرب من حيث النص على ميلاد السلطة القضائية مستقلة عن باقي السلط –  الفصل 107 من الدستور الحالي - ,وهذا التحول الجدري لم يكن فقط نتيجة للمطالب الحقوقية بل تعدى الأمر ذلك الى ضرورة استجابة المغرب للنمط العالمي الجديد والانصهار في كتلة العولمة وما تفرضه من وجوب امتلاك منظومة قانونية متقدمة ومسايرة للتطورات المتلاحقة, لذلك فديباجة الدستور المغربي الحالي تنص على سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني . (  رغم ورود بعض حالات التناقض بين التشريعين الدولي و الوطني  في التجربة القانونية الحالية مثلا الفصل الحادي عشر من اتفاقية نيويورك الدولية المتعلقة بالحقوق السياسية و المدنية المؤرخة بتاريخ 16-12-1966 الذي يقرر بأنه " لا يجوز حبس الإنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي " فتطبيق هذا الفصل يتعارض مع مقتضيات الإكراه البدني في المنازعات الضريبية أو في مسطرة التسوية القضائية باعتبارها إحدى مساطر   صعوبات المقاولة  )

     وفي نفس السياق يبرز دور التشريع في حسن التخطيط لمناحي الحياة في كل المجتمعات , غير أن التشريع الدستوري الحالي لم يتوفق في درء ظلمة الغموض عن بعض الفصول التي كثيرا ما سلط عليها الضوء لكونها من المستجدات ويتعلق الأمر باستقلال النيابة العامة عن وزير العدل .


فإذا كان المقتضى الدستوري قد حسم في مسألة استقلالية قضاة الأحكام "القضاء الجالس"

بل ويضمن هذه المكنة الواردة في الفصلين 107 و 109 من النص الأساسي, فإنه في نفس الوقت وقع في تناقض فضيع حين مكن هذا هؤلاء القضاة من التقدم بالطعن بشأن مسألة بت فيها المجلس الأعلى للسلطة القضائية أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض التي يرئسها الرئيس المنتدب – نيابة عن الملك - للمجلس الأعلى للسلطة القضائية  أي أنه الحكم والخصم وهي وضعية قانونية نشاز, و لتجاوز هذا العطب الذي أفرزته الظروف الربيعية لسنة  2011 , وكذا وقع الضغط الزمني على اللجنة المكلفة في تلك الفترة ,فلابد من اليقين أن احداث مجلس الدولة الذي سيعلو هرم القضاء الاداري  سيشكل الحل القانوني المناسب , كما نادى بذالك أهل الاختصاص أنفسهم و ما زالوا ,بل إن الوضع الإقليمي والدولي  للمغرب مناخ مساعد على توقيع الطلاق  مع وحدة القضاء باعتبارها ميزة التنظيم القضائي المغربي في النسخة الحالية و تبني مبدأ الإزدواجية  . وإذا كان هذا هو حال قضاء الحكم ,فماذا عن استقلال قضاة النيابة العامة  "القضاء الواقف"  الذي يعد العمود الفقري  لهذا المقال ؟

            بالرجوع إلى الفصل 54 من الدستور نجد أن المشرع قد جعل  كل من وزير العدل و الوكيل العام لدى محكمة النقض في وضعية تنازع الاختصاص في مسألة الإشراف على النيابة العامة , بحيث كيف سيمارس السيد وزير العدل وظيفته الطبيعية في المجلس الأعلى للأمن المزمع انشاءه وهو مجرد من صلاحيات الإشراف على الشرطة القضائية التابعة للوكلاء العامين الملك و لوكلاء الملك غير المرتبطين به " أي وزير العدل"  في المنطق الدستوري الحالي ؟ و فرضا أن الإجراء الدستوري القاضي بجعل النيابة العامة تابعة للسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض لم يكتنفه الغموض , فالصفة التي سيحضر بها وزير العدل جلسات المجلس الأعلى للأمن , هي صفة المعد للسياسة الجنائية الوطنية وليس المنفذ لها وكذا صفة المسؤول عنها  سياسيا .

               والبيئة السياسية المغربية أظهرت فيما مضى أن رئاسة النيابة العامة من خلال تولي منصب وزير العدل اعتبرت أداة لعقل الدعوى العمومية وعدم تحريكها في حالات عدة خاصة في مواضيع الاختلاس و تبديد الاموال العمومية وغيرها من الجرائم التي اقترفها بعض  رؤساء الجماعات المحلية  "الجماعات الترابية في التسمية الدستورية الجديدة " وكذا بعض رؤساء المؤسسات العمومية كمثال على قمة الاستغلال السياسي لمنصب وزير العدل .وتبعا لذلك فالحاجة ملحة لاستقلال النيابة العامة لأن استقلال النيابة العامة مؤشر على امتلاك سلطة قضائية مستقلة إلى جانب السلطتين التشريعية و التنفيذية في دولة القانون   .

و تجدر الإشارة إلى أن المسودات و مشاريع القوانين ذات الصلة  المتعلقة بالتنظيم القضائي و المسطرة المدنية ثم المسطرة الجنائية من اللازم ألا تولد وهي في وضعية اعاقة أقصد الاعاقة القانونية بل أن تولد في إطار سليم وزمن تشاوري واسع .

و ختاما فالمأمول أن ينهض المغرب بقضاءه وكافة المهن المساعدة له , لإن البلد في حاجة  إلى عدل و استقرار وتنمية .   



السبت 14 مارس 2015

تعليق جديد
Twitter