MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



النظام العام و تأثيره على تنفذ أحكام التحكيم الدولية بقلم ذ زكرياء الغزاوي

     



النظام العام و تأثيره على تنفذ أحكام التحكيم الدولية  بقلم ذ زكرياء الغزاوي
 
                                                             
 
يعرف التحكيم بأنه اتفاق أطراف علاقة قانونية معينة سواء كانت عقدية أو غير ذلك، على أن يتم الفصل في النزاع الحال أو المستقبل الناشئ عن هذه العلاقة بواسطة شخص أو عدة أشخاص يتم اختيارهم كمحكمين، الذين يستمدون سلطتهم من اتفاقية التحكيم؛ و هكذا فإن التحكيم ينشأ عن إرادة الخصوم، فهذه الأخيرة هي التي تخلق التحكيم و هي قوام وجوده.

و نظرا للطابع الاتفاقي للتحكيم و ما يشكله من استثناء على ولاية القضاء العام في الدولة، فإن تدخل هذا الأخير في مسطرة التحكيم لا محيد عنه من أجل إتمام عمل المحكمين، خاصة عند صدور حكم التحكيم، حتى يمكن لهذا الأخير أن ينتج آثاره كما لو كان صادرا عن قضاء الدولة، و هذا لا يتم إلا من خلال الرقابة التي يمارسها القاضي على حكم التحكيم للتأكد  من صحته و مشروعيته قصد الاعتراف به و منحه الصيغة التنفيذية.

و يتم تنفيذ الحكم التحكيمي، سواء كان داخليا أو دوليا، إما اختياريا و طواعية بواسطة الأطراف من تلقاء نفسهم، و في حالة تعنت أحدهم يتم اللجوء إلى قضاء الدولة من أجل الاعتراف به و منحه بناء على طلب الطرف الآخر.

و يعتبر التنفيذ الاختياري لحكم المحكمين بواسطة الطرف المحكوم عليه أكثر انسجاما مع طبيعة و فلسفة التحكيم، و هو مادفع بعض الفقه إلى اعتبار انه إذا أعقبت مسطرة التحكيم إجراءات لا حقة أمام قضاء الدولة، فإن التحكيم يفقد سبب وجوده و قيمته، بل و يكون نظامه عن حرف عن مساره الطبيعي.

لكن و في المقابل تشكل رقابة القضاء الوطني لأحكام التحكيم حين يراد تنفيذها ضمانة أساسية للتأكد من نظامية هذه الأحكام إن على المستوى الشكلي أو على المستوى الموضوعي، تفاديا لأن تصبح أحكام التحكيم أحكاما يفرض فيها القوي سلطته على الضعيف.

و إذا كانت أحكام التحكيم الداخلية لا تطرح إشكالات كثيرة، فإن تنفيذ الأحكام الصادرة في مجال التحكيم الدولي يثير بعض الصعوبات، الأمر الذي يتطلب توضيح بعض الأمور والوقوف عند بعض الاشكالات التي لا يمكن القفز عنها أو تجاوزها.

اذن، و كما سبق، الأصل هو الاعتراف للأطراف بالحرية في اللجوء إلى التحكيم وتنظيمه بالشكل الذي يحقق مصالحهم، و استثناء فهذه الحرية يجب أن تخضع لقيود و ضوابط موضوعة لتنظيم استعمالها و استخدامها، و لعل من أهمها عدم مخالفتها للنظام العام.

و قد حدد المشرع المغربي، كغيره من التشريعات المقارنة، كيفية الاعتراف بالحكم التحكيمي الدولي و تنفيذه، إذ جاء في الفصل 46-327 من قانون المسطرة المدنية ما يلي:

"يعترف بالأحكام التحكيمية الدولية في المملكة إذا أثبت وجودها من يتمسك بها، و لم يكن هذا الاعتراف مخالفا للنظام العام الوطني و الدولي.

يخول الاعتراف و الصيغة التنفيذية لهذه الأحكام في المغرب وفق نفس الشروط لرئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج".

و إذا كان المشرع المغربي قد اشترط للاعتراف و تنفيذ حكم التحكيم الدولي عدم مخالفته للنظام العام الوطني أو الدولي، فإن بعض التشريعات المقارنة استثنت النظام العام الوطني ونصت على عدم محالفة الحكم التحكيمي للنظام العام الدولي، و نذكر على سبيل المثال التشريع الفرنسي ([1]) و التونسي ([2]) .

أما على مستوى الاتفاقيات الدولية، فإن اتفاقية نيويورك الصادرة سنة 1958 و المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم الدولية نصت في الفقرة الثانية من المادة الخامسة على أنه:

 " يجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف و تنفيذ حكم المحكمين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبين لها أن في الاعتراف بحكم المحكمين أو تنفيذه ما يخالف النظام العام في هذا البلد".

مما سبق فإن دراسة مدى تأثير النظام العام على الاعتراف بأحكام التحكيم الدولية وتنفيذها، تتطلب التطرق إلى نقطتين أساسيتين، الأولى تتعلق بتحديد مفهوم النظام العام، أما النقطة الثانية سنتطرق فيها إلى حدود الرقابة القضائية للحكم التحكيمي للتأ:د من مدى مطابقته للنظام العام.

أولا: تحديد مفهوم النظام العام

تبرز أهمية فكرة النظام العام، سواء كان وطنيا أو دوليا، عندما تصطدم بحكم تحكيم يمس الأسس و المصالح السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي قوم عليها كيان المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى رفض الاعتراف أو تنفيذ حكم التحكيم كليا أو جزئيا، مما يطرح التساؤل حول جدوى و الغاية التي يبتغيها الأطراف من اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات بعيدا عن تعقيدات القضاء.

كما أن فكرة النظام العام تعد بمثابة صمام الأمان، بيد القاضي الوطني، الذي يحمي المبادئ الأساسية في المجتمع من القوانين الأجنبية.

و النظام العام بطبيعته مفهوم مرن يتغير و يتطور بمرور الوقت و تغير القوانين مما يصعب تحديده، و قد اعتبر بعض الفقه ([3]) أن النظام العام هو تلك القواعد المعيارية التي تعتبر بمثابة الحد الأدنى و القياسي التي يفرضها واقع المجتمع الدولي لحماية حقوق الانسان.

و في هذا الاطار يجب التمييز بين مبادئ النظام العام Les principes de l’ordre public  وقواعد النظام العام Les règles de l’ordre public، فالأولى كما هو الحال بالنسبة لمبدأ حسن النية تنتمي إلى نظام عام دولي حقيقي أو عبر دولي، و للمحكم سلطة إهدار السلوك المخالف لحسن النية الذي يجب أن يتبوأ الصدارة في علاقات التجارة الدولية، أما قواعد النظام العام، مثل قواعد قانون المنافسة، فهي لا تعبر في الغالب إلا عن نظام خاص بدولة معينة، وكذلك مجموعة الدول بالنسبة لقانون المجموعة أو القانون المشترك ([4]).

بصفة عامة، يمكن القول أن النظام العام هو مجموعة من المصالح السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي يقوم عليه كيان المجتمع، و التي يهدف من ورائها تحقيق المصلحة العامة للبلد، و من ثمة وجب على جميع الأفراد أن يحترموا كل ما يتعلق بالنظام العام حتى و لو كان في ذلك تضحية بمصالحهم الخاصة.

و بما أن التحكيم التجاري الدولي يرتبط بالتجارة الدولية فإن البحث عن نظام عام بتماشى مع طبيعة هذه التجارة أثار جدلا فقهيا، و مرد هذا الجدل، الاختلاف الواقع حول وجود نظام قانوني للتجارة الدولية، و أدت النظرة التقليدية لبعض الفقه لمفهوم النظام العام الذي لا يتصور في نظرهم إلا في إطار الدولة، إلى الدفاع عن نظرية تتمثل في عدم وجود نظام قانوني للتجارة الدولية، و بذلك لا يمكن في نظرهم تصور وجود نظام عام إلا إذا كان مرتبطا بالنظام القانوني للدولة ([5]).

و قد أدى تطور مصالح التجارة الدولية إلى إعادة النظر في مفهوم النظام العام، إذ سارعت مختلف الدول إلى الاندماج في المنظومة الاقتصادية الدولية، مما حتم عليها التخلي عن جملة من الخصوصيات و القيود التي تقيد عمليات التجارة الدولية، كما عملت معظم الدول على تعديل قوانينها بما ينسجم مع مصالح التجارة الدولية، فتم التخفيف مثلا من حدة الرقابة على الصرف، و كذلك الاعتراف ببعض الشروط على مستوى المعاملات التجارية الدولية كشرط الوفاء بالذهب و شرط التسعير، أضف إلى ذلك إعادة النظر في قابلية تسوية منازعات التجارة الدولية عن طريق التحكيم، و التي سبق و اثارت نقاشات حامية بشأن المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها قبل تأكيد جواز ذلك، بحكم أهمية تدخل الدولة في المجال الاقتصادي ليس على سبيل التوجيه فحسب بل عبى سبيل الممارسة أيضا.

و أدت صعوبة تحديد مفهوم النظام العام إلى اختلاف الفقه في تسميته خاصة في مجال التجارة الدولية، من قائل بأنه نظام عام دولي حقيقي إلى قائل أنه نظام عام دولي آمر مطلق إلى قائل بأنه نظام عام فوق وطني أو عبر وطني، إلا أن هذه التسميات، رغم اختلافها، يجب أن تصب في معنى واحد لا يقبل التجزئة هو النظام العام في التجارة الدولية، و نجد بعض الفقه يقول في هذا الصدد " و مهما تعددت التسميات فإن الشيء الأكيد هو أن هذا النوع من النظام العام يشكل الجانب الآمر في القواعد القانونية عبر الدولية، الذي لا يجوز للعاملين في ميدان التجارة الدولية مخالفة أحكامها، إن من حيث اختيارهم للقانون الواجب التطبيق على علاقتهم أو من حيث موضوعها" ([6]).

مما سبق فإن تحديد مفهوم النظام العام و مضمونه يبقى من اختصاص القاضي الوطني الذي يحدده وفقا لقانون بلده، و هو ما أكدته محكمة الاستئناف بباريس في القرار الصادر عنها بتاريخ 14 يونيو 2001 ([7]) الذي جاء فيه ما يلي:

    « L’ordre public international, au sens de l’article 1502-5 du nouveau code de procédure civile, s’entend de la conception française de l’ordre public international, c'est-à-dire de l’ensemble des règles et des valeurs dont l’ordre juridique français ne peut souffrir la méconnaissance, même dans des situtions à caractère international ».

و قد تبنت لجنة التحكيم التجاري الدولي التابعة لجمعية القانون الدولي في دورتها السبعين بنيودلهي لسنة 2002 ([8]) بعض التوصيات حول مفهوم النظام العام كسبب لرفض الاعتراف أو تنفيذ أحكام التحكيم الدولية، و خلاصة هذه التوصيات أن النظام العام الدولي لدولة ما يجب أن يتشكل من العناصر التالية:

- المبادئ العامة المتعلقة بالقانون و الآداب العامة، و التي تهدف الدولة إلى حمايتها؛
- القواعد المتعلقة بالمصالح السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية للدولة؛
- الأخذ بعين الاعتبار واجب الدولة المتمثل في احترام التزاماتها في مواجهة باقي البلدان أو المنظمات الدولية.

و إذا كانت جل التشريعات الوطنية و الاتفاقيات الدولية تؤكد على ضرورة مطابقة الحكم التحكيمي الدولي للنظام العام من أجل الاعتراف به أو تنفيذه، و إن اختلفت في تحديد مضمون هذا النظام، فإن التساؤل يثار حول حدود رقابة القاضي الوطني للحكم التحكيمي الدولي عندما يكون مخالفا للنظام العام؟
 
 
 
ثانيا: حدود رقابة القاضي الوطني لمطابقة الحكم التحكيمي للنظام العام

أدى غياب إجماع تشريعي حول حود الرقابة الممارسة من قبل القاضي الوطني على الحكم التحكيمي و مدى مطابقته للنظام العام، إلى انقسام الفقه و القضاء إلى اتجاهين.

الاتجاه الأول: يأخذ بالمفهوم الضيق للنظام العام، و يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الرقابة القضائية يجب أن تكون شكلية و أولية Prima  facie، إذ أن دور القاضي الوطني يقتصر فقط على رقابة مدى مطابقة حكم التحكيم الدولي للنظام العام الدولي.

و قد سار القضاء المغربي ([9]) في هذا الاتجاه إذ حاول الحد من التوسع في تفسير مفهوم النظام العام، و ذلك من خلال مجموعة من الاجتهادات القضائية، التي نذكر من بينها الأمر الصادر عن السيد رئيس المحكمة التجارية بطنجة بتاريخ 24/05/2000 ([10]) عندما اعتبر أن مخالفة مقتضيات الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية يعتبر مسا بالنظام العام مما يستوجب رفض منح الحكم التحكيمي الصيغة التنفذية، فقد جاء في الأمر ما يلي:

"إن رئيس المحكمة المعروض عليه حكم المحكمين لاكسائه الصيغة التنفيذية ملزم بالتأكد من أن هذا الحكم غير معيب ببطلان يتعلق بالنظام العام و خاصة ما يتعلق بخرق مقتضيات الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية من كون موضوع التحكيم من الأمور التي لا يجوز الاتفاق على التحكيم فيها و كذا مساس هذا الحكم الصادر عن المحكمين بالأمور التي يمتنع التحكيم فيه و بقواعد النظام العام ... و حيث إن المحكمين يعتبرون بحكمهم بفسخ الشركة وبيع أصلها التجاري قد مسوا النظام العام و خرقوا الفصل المذكور بكل وضوح ...".
كما اعتبرت محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) في القرار الصادر عنها بتاريخ 08/03/2006 ([11]) أن "تفسير المحكمين لبنود الاتفاق ليس فيه أي خروج عن اختصاصهما والمحكمة لما اعتبرت مقررهما مخالفا للنظام العام يكون قرارها خارقا للفصلين 306 و 320 من قانون المسطرة المدنية".

و في القرار الصادر بتاريخ 10/01/2007 أكدت محكمة النقض ([12]) أن "التعويضات المستحقة للأجير في حالة فصله عن العمل ليس من قضايا النظام العام لأنها لا تمس مصلحة عامة".

و قد تبنى القضاء الفرنسي نفس الاتجاه المقيد لمفهوم النظام العام، و اعتبر مخالفة الحكم التحكيمي للنظام العام لا تكفي وحدها لرفض الاعتراف أو منح الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم، بل يجب أن تكون مخالفة مادية و ملموسة.

و في هذا الاطار فقد أصدرت محكمة الاستئناف بباريس قرارها الشهير بتاريخ 18/11/2004 التي اعتبرت فيه أن مخالفة الحكم التحكيمي للنظام العام الدولي بمفهوم المادة 1502/5 من قانون المسطرة المدنية يجب أن تكون مخالفة جلية، حقيقية و ملموسة ([13])، وبالتالي فإن رقابة القاضي الوطني لمدى مطابقة الحكم التحكيمي للنظام العام يجب أن تكون شكلية، حتى و لو تعلق الأمر بمخالفة قانون القاضي، و من ثمة لايمكن للقاضي البحث في موضوع النزاع ([14])، وذهب بعض الفقه الفرنسي إلى اعتبار أن الرقابة القضائية يجب أن تقتصر فقط على مدى مطابقة منطوق حكم التحكيم للنظام العام([15]).

و هو الموقف الذي تبنته كذلك محكمة النقض الفرنسية في مجموعة من القرارات الصادرة عنها، من بينها القرار الصادر بتاريخ 4/6/2008 ([16])، و القرار الصادر عن الغرفة المدنية الأولى بتاريخ 11/3/2009 ([17]).

كما اعتبر نفس القضاء أن مخالفة الحكم التحكيمي الدولي للنظام العام الوطني لا يشكل سببا لعدم الاعتراف بهذا الحكم أو منحه الصيغة التنفيذية طبقا لمقتضيات المادة 1502/5 من قانون المسطرة المدنية، التي تنص فقط على مخالفته للنظام العام الدولي([18]).
و يتبين مما سبق أن هذا الاتجاه يقوم على الأسس التالية:

1- التقييد و التضييق من مفهوم النظام العام الدولي؛
2- اعتماده على معيار جديد لتحديد المخالفة، و أن هذه الأخيرة يجب أن تكون جلية وواضحة، مما حدى ببعض الفقه إلى القول ان المخالفة يجب أن تكون أوضح من النهار L’illicéité doit crever les yeux ([19]).
3- هذا الاتجاه يقيد من حدود الرقابة القضائية الممارسة على حكم التحكيم، فالقاضي يمارس رقابة أولية، و لا يمكن البحث في موضوع النزاع.

الاتجاه الثاني: إذا كان الاتجاه الأول يضيق من مفهوم النظام العام، فإن الاتجاه الثاني، الذي هو من صنع الفقه الفرنسي، يوسع من هذا المفهوم، ليشمل قانون القاضي Lois de police، فأصحاب هذا الاتجاه يرون أن الرقابة القضائية على القرار التحكيمي يجب أن تكون موضوعية و ذلك ضمانا لتطبيق قانون القاضي ([20]).

فهذا الاتجاه يقوم على أساس أن القاضي الوطني ملزم بممارسة رقابة موضوعية للتأكد من مدى احترام هيئة التحكيم لقوانين بلده، و بالتالي فإن القاضي الوطني وفقا لهذا الاتجاه يرفض الاعتراف أو منح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي بمجرد ما إذا تبين له من خلال الاطلاع عليه أنه يخالف النظام العام.

و قد اعتبرت المحكمة الابتدائية ببروكسيل في الحكم الصادرعنها بتاريخ 8/3/2007 أن القاضي ملزم بممارسة رقابة موضوعية على الحكم التحكيمي ([21])، و هو نفس ما أكده القضاء الالماني إذ اعتبرت المحكمة العليا بجهة دوسلدورف في القرار الصادر عنها بتاريخ 21/7/2004 أن القاضي غير مقيد بما جاء في قرار التحكيم، و يمكنه أن يبت في جوهر الموضوع و أن يتخذ الاجراءات القانونية التي يراها ضرورية بما في ذلك استدعاء الشهود، وذلك من اجل التحقق من مدى مطابقة الحكم التحكيمي للنظام العام.

لكن يعاب على هذا الاتجاه أنه يقلص من مجال و نطاق التحكيم، مما يؤثر سلبا على الهدف و الغاية من اللجوء إلى الوسيلة باعتبارها وسيلة فعالة وناجعة لتسوية المنازعات الناتجة التجارة الدولية، بعيدا عن قضاء الدولة و ما يثيره من صعوبات خاصة على مستوى القوانين المطبقة.

و في الأخير لا يسعنا إلا ان نؤكد على أهمية التحكيم كوسيلة فعالة لتسوية منازعات التجارة الدولية، و على دور القاضي الوطني في الاعتراف و منح الصيغة التنفيذية لأحكام التحكيم، لكن هذا التدخل القضائي يجب أن لا يمس باستقلالية التحكيم و الغاية و الهدف من اللجوء إليه، بل يتعين على القاضي الوطني في إطار الرقابة التي يمارسها على هذه الأحكام أن يضيق من مفهوم النظام العام للحد من درجة التدخل، و ذلك من أجل خلق نوع من التوازن بين مصالح التحكيم و مصالح الدولة.
 
 
 
و الله ولي التوفيق              
    
     
 
[1] - Article 1514 du CPC dispose que : « Les sentences arbitrales sont reconues ou exécutées en France si leur existence est établie par celui qui s’en prévaut et si cette exécution n’est pas manifestement contraire à l’ordre public international ».
[2] - جاء في الفصل 80  من مجلة التحكيم ما يلي: "لا يجوز رفض الاعتراف بأي حكم تحكيم أو رفض تنفيذه، بقطع النظر عن البلد الذي صدر فيه، إلا في الحالتين التاليتين: ... ثانيا: إذا رأت المحكمة أن الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه يخالف النظام العام في مفهوم القانون الدولي الخاص".
 
[3] - أبو زيد رضوان: الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي، دار الفكر العربي 1981، ص: 120.
 
[4] - منير عبد المجيد: الأسس العامة للتحكيم الدولي و الداخلي في القانون الخاص في ضوء الفقه و الفقضاء، منشأة المعرفة 2000، ص: 398.
 
[5] - عبد السلام الادريسي: النظام العام في التحكيم التجاري الدولي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق سلا، السنة الجامعية 2006-2007. 
[6] - المرجع السابق.
[7] - C.A. Paris, 14 juin 2001, Revue de l’arbitrage 2001, p. 773.
[8] - Sur ces recommandations veuillez consulter le revue de l’arbitrage 2002- n° 4, p. 1061.
[9] - يتعلق الأمر بمجموعة من الأحكام و القرارات الصادرة قبل التعديل الخير لقانون المسطرة المدنية.
[10] - أمر صادر عن السيد رئيس المحكمة التجارية بطنجة بتاريخ 24/05/2000 في الملف عدد 104-2000/3، أمر غير منشور.
[11] - القرار الصادر عن محكمة النقض بغرفتين بتاريخ 08/03/2006 في الملف التجاري عدد 292/2003، أشار إليه الأستاذ عبد الرحمان المصباحي في مداخلته تحت عنوان "دور القضاء في التحكيم على ضوء اجتهادات المجلس الأعلى المغربي".
[12] - القرار الصادر بتاريخ 10/01/ 2007 في الملف التجاري عدد 1015/2003 مشار إليه في مداخلة الأستاذ عبد الرحمان المصباحي.
[13] - C. A. Paris, 18 novembre 2004 : « La violation de l’ordre public international au sens de l’article 1502L5 du code de procédure civile, appréciée au moment de la reconnaissance de l’exécution de la sentence, doit être flagrante, effective et concrète ».
[14] - « L’arbitrage commercial international et l’ordre public » article publié à la revue algérienne des sciences juridiques économiques et politiques, volume XXXVI, n° 03-1998, p. 61.
[15] - Eric LOQUIN : « Le contrôle du seul caractère, effectif et concret de la violation de l’ordre public international par la sentence », RTD. Com, 2008, p. 518.
[16] - نفس المرجع,
[17] - « Arbitrage : impartialité du juge de l’annulation et ordre public international », Recueil DALLOZ, 2009, p. 880.
[18] - Markus PESCHE : « L’autonomie de l’arbitrage commercial international et le contrôle de conformité des sentences arbitrales à l’ordre public », Gazette de Palais, 14 décembre 2006, n° 348, p. 11.
[19] - op. cité.
[20] - Luca G. RADICATI DI BROZOLO : « Lillicéité « qui créve les yeux » critère de contrôle des sentences au regard de l’ordre public international », revue de l’arbitrage, 2005 – 3,p. 529.
[21] - Revue de l’arbitrage 2007, p. 303, note A. Mourre et L. G. RADICATI DI BROZOLO.



الاثنين 15 سبتمبر 2014

تعليق جديد
Twitter