MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الملف الشهري: وجهة نظر حول مبادرة جمعية عدالة وحقوق بقلم الباحث عبد الكريم أمجــوض

     



الملف الشهري: وجهة نظر حول مبادرة جمعية عدالة وحقوق بقلم الباحث عبد الكريم أمجــوض

أثارت مبادرة "جمعية عدالة وحقوق" الرامية إلى نشر الأحكام القضائية الجيدة أو المعيبة مع التعليق عليها وتبيان وجه الصواب فيها نقاشا وسط المهتمين بالشأن القانوني عموما، والشأن القضائي على الخصوص، ذلك أن القائمين على هاته المبادرة يرون أن في ذلك مساهمة في تجويد الأحكام القضائية ورغبة في الحد من ضياع حقوق المتقاضين إما بفعل قصور ينتاب تكوين القاضي الذي أصدر الحكم أو بفعل اجتهاد خاطئ  تم بناؤه على تعليلات فاسدة، بل إن الذين تبنوا هاته المبادرة اعتبروا أن عملية نشر الأحكام المعيبة التي فيها شبهة الارتشاء أو تدخل السلطة السياسية أو أي سلطة أخرى والتعليق عليها ستساهم في مكافحة الفساد في جهاز  القضاء، وتم الاعتماد في القيام بهاته المبادرة على مكانة المجتمع المدني في الدستور الجديد مع ضرورة مساهمته في تدبير الشأن العام، واعتبار القضاء شأنا مجتمعيا، بالإضافة إلى نص الدستور على حق المواطنين في الحصول على المعلومة.

وإذا كانت هاته المبادرة ليست بجديدة نظرا لأن نشر الأحكام القضائية والتعليق عليها ومناقشة حيثياتها أمر جار به العمل منذ زمن بعيد، فإن ما ينبغي الانتباه إليه في هذا المقام ثلاث ملاحظات أساسية:

1/ يجب أن لا تأخذ هاته المبادرة شكل جهاز مراقبة على الأحكام القضائية، ذلك أن مراقبة جودة أو رداءة الحكم القضائي ومدى موافقته أو مجانبته للصواب  لا يمكن مراقبته إلا عبر وسائل الطعن التي حددها القانون، فحين تأخذ هاته المبادرة شكل مؤسسة تمارس الرقابة على العمل القضائي فإن ذلك سيعتبر تدخلا غير مباشر في جهاز القضاء، ومسا باستقلالية القضاة وتأثيرا معنويا عليهم، فحينما يصدر حكم معين في قضية محددة، ويتم مراقبة هذا الحكم عن طريق مناقشته وتقييمه وانتقاده فإن ذلك سيؤثر، شئنا أم أبينا، في القضاء، ولا يمكن الاحتجاج بأن القاضي مستقل ويحكم حسب قناعاته والحجج المتوفرة في الملف، بغض النظر عما يثار في وسائل الأعلام والجرائد والمجلات، لأن مُصدر الأحكام بشر مثلنا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويخطئ ويصيب، ويتأُثر بمحيطه، وبالتالي لن يبقى حين النطق بالحكم وفيا لمبدإ الاستقلالية، بل سيكون مضطرا إلى استحضار هاته الرقابة مع مراعاة أمور أخرى لا علاقة لها بالقضية التي يعالجها مما يمس باستقلاله وحياده.

2/ يجب أن لا يطلق أصحاب المبادرة العنان لكل من هب ودب للتعليق على الأحكام ومناقشتها، فالأمر يحتاج إلى أهل الاختصاص من خبراء حقيقيين وفقهاء متمكنين، فتقييم الحكم القضائي ينبغي أن يقوم به خبراء في القانون يشهد لهم بطول باعهم في مجال المعرفة الفقهية والقانونية، أما أن يسند الأمر إلى أهل الجرأة فقط والذين قلت بضاعتهم في القانون فإننا سندخل في غياهب الجهل المركب، ذلك أنه قد يكون الحكم المنشور والمعلق عليه صوابا، ويتصدى للتعليق عليه وانتقاده  قليلُ علم وكثيرُ جرأة فيأتي باستنتاجات ومقترحات بعيدة عن الصواب، فيضــل الناس بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

3/ إن الحكم الذي يصدره القاضي ما هو إلا حصيلة المقالات والمذكرات والوثائق المدلى بها في الملف، ولذلك ينبغي أن يفكر أصحاب المبادرة كذلك في توسيع مهامهم عن طريق القيام بمراقبة المقالات والمذكرات التي يتم الإدلاء بها في الملفات التي سيتخضع الأحكام الصادرة فيها للتقييم، ذلك أن من شأن ذلك المساهمة، بشكل غير مباشر، في  جودة الأحكام، فقد لا تضيع حقوق الناس بفعل الحكم الصادر بل بعدم سلوك المسطرة السليمة أو بسبب عدم إثارة الدفوع المناسبة أو بفعل عدم تقديم الملتمسات الصحيحة أو بفعل عوامل أخرى تجعل المتقاضين يشعرون بانعدام الطمأنينة والثقة بينهم وبين من ينوب عنهم.
ولذلك يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عوامل عديدة من أجل أن تعطي هاته المبادرة أكلها، وينبغي كذلك أن لا يتم تضييق نطاق المجالات التي تتم مراقبتها، بل ينبغي أن يتم القيام بمتابعة جميع المسار الذي يحيط بإنتاج الحكم القضائي، بدءا من مستوى المتقاضين، وتيسير الولوج إلى العــدالة، وخلق جو سليم في المحكمة مع المساهمة في توفير تكوين سليم لمختلف أسرة العدالة،والعمل على تنظيم ندوات وورشات يؤطرها أهل الاختصاص، وبذلك ستأتي هاته المبادرة أكلها وستبني عدالة ناجعة في محاكم ملائمة بعنصر بشري مجتهد ومبدع وحريص على موافقة الصواب، ويسعى نحو الحفاظ على الحقوق وإنصاف مرتفقي العدالة.




الاحد 16 مارس 2014

تعليق جديد
Twitter