MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الملف الشهري: التنظيم المالي للجمعيات وفعل المراقبة العمومية بقلم ذ أحمد بويحياوي

     



الملف الشهري: التنظيم المالي للجمعيات وفعل المراقبة العمومية بقلم ذ أحمد بويحياوي

 
   إن الجمعيات كتنظيمات اجتماعية لم يكن يمثل وجودها قبل الآن ضرورة ملحة بالنسبة للمجتمع٬ قياسا مثلا مع تنظيمات أخرى كالجيش و المقاولة و الأسرة... لكن مع تعقد المجتمعات الحديثة أصبح إنشاء الجمعيات يعبر عن هذا التعقد٬ و يستهدف تجاوز الاختلالات التي يطرحها بالنسبة للمواطنين, أو بعبارة أخرى لم تعد تمثل الجمعيات ترفا بل ضرورة اجتماعية.
 
     و هكذا فإن حماية الجمعيات أصبح واجبا وطنيا يقع على كاهل جميع القوات الوطنية، و هذا لا يستهدف استبدال النصوص بل خلق الشروط المناسبة و العقلية المثالية لهذه النصوص التي تقرر الحرية و تقوي النظام الديمقراطي و تسهم في حرية الإنسان المغربي ليبدع و يتقدم ، حيث أن التفريط و السكوت عن الممارسات المخالفة للحق القانوني يشجع على التمادي فيها.

وقد عرف المغرب خلال السنوات القليلة الأخيرة تطورات مهمة في ميدان حرية تأسيس الجمعيات والعمل الجمعوي وذلك كنتيجة لتظافر عدة عوامل مهدت السبيل لدخول المغرب عهدا جديدا من الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات.

       ومما لا ريب فيه أن العمل الجمعوي هو عمل تطوعي بالأساس، وبالتالي لا يتصور أن الجمعية تتوفر على  موارد خاصة تدر عليها دخلا قارا يغذي نشاطاتها، فأغلب الأنشطة والأعمال التي تنجزها الجمعيات إنما تتم بمساهمة طرف ثان سواء كان من الداخل أو الخارج، وفي أحسن الأحوال تنجز الجمعية  نشاطها استفادة من الهبات والمساعدات بالإضافة إلى مساهمات منخرطيها. 

       وإذا كانت الجمعيات تتمتع بالحقوق المالية وحرية التصرف في ذمتها المالية، فإن المشرع فرض من جهة أخرى شروطا أساسية يتوجب على الجمعيات احترامها والتقيد بها، بعضها يتضمنها قانون الجمعيات والبعض الآخر حددها المشرع في نصوص تنظيمية تحدد مسطرة التصرف واستعمال الموارد والحصول على المداخيل المالية، وبالإضافة إلى هذا الجانب من الواجبات فهناك مسألة المراقبة التي تفرضها الدولة على التصرفات المالية للجمعيات بصفة عامة.

       لقد اتخذ المشرع المغربي العديد من التدابير القانونية التي تهدف إلى إضفاء الشفافية على التسيير المالي للجمعيات، وذلك برصد الأموال المحصل عليها للأغراض التي طلبت من أجلها ودون المساس بتدابير شؤونها الداخلية، هذه التدابير يمكن أن تهم الإعانات التي تقدمها الجماعات العمومية كما يمكن أن تهم المساعدات الأجنبية.

       * إعانات الجماعات العمومية

       تتلقى الجمعيات إعانات ومساعدات من مؤسسات الدولة التي سماها الفصل 32 من قانون الجمعيات بالجماعات العمومية، وهي مساعدات تختلف قيمتها لأسباب متعددة ومختلفة، وهو ما لا يمكن أن يكون عشوائيا ولذلك أوجب المشرع أن تقدم حساباتها للوزارات التي تمنحها تلك المساعدات.

       وفي هذا الإطار ميز المشرع بين حالتين اثنتين الأولى تتعلق بالجمعيات التي تتلقى إعانات من إحدى الجماعات العمومية ( الفصل 32 من قانون تأسيس الجمعيات.)، أما الحالة الثانية فتتعلق بالجمعيات التي تتلقى إعانات يتجاوز مبلغها 10 آلاف درهم ( الفصل 32 المكرر مرتين من نفس القانون).

       وبالتالي يتعين على الجمعيات التي تتلقى دوريا إعانات من إحدى الجماعات العمومية أن تقدم ميزانيتها وحساباتها للوزارات التي تمنحها الإعانات المذكورة، ولا يكفي تقديم الحسابات بل يجب ضبطها، ولذلك أوجب المشرع تضمين الحسابات في دفاتر الحسابات التي يجب أن تمسكها الجمعيات، لكن ذلك مشروط بأن تكون الإعانات دورية، أما إذا كانت مناسباتية أو متقطعة فإن الجمعية لا تقع تحت طائلة هذه الإجراءات.

       وقد نص المشرع في نفس الإطار على معاقبة كل وكيل مسؤول عن مخالفات هذه الإجراءات بغرامة يتراوح قدرها ما بين 120 و1000 درهم، وتكون الجمعية مسؤولة مدنيا في هذه الحالة، كما نص على المعاقبة على استخدام الإعانات في غير الأغراض المخصصة لها على أنها اختلاس للمال العام بما يقتضيه القانون الجنائي.

       ومن جهة أخرى أوجب المشرع على الجمعيات التي تتلقى إعانات يتجاوز مبلغها 10 آلاف درهم من إحدى الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية أو الشركات التي تساهم الدولة أو الجماعات والمؤسسات الآنفة الذكر في رأس مالها كليا أو جزئيا، أن تقدم بدورها حساباتها للهيئات التي تمنحها الإعانات المذكورة مع مراعاة مقتضيات القانون المتعلق بالمحاكم المالية.

       وما يمكن استنتاجه في هذا الإطار، هو أن الجمعيات ملزمة بمسك محاسبتها بشكل صحيح ودقيق ليس فقط من باب العرف أو العادة بل لأن هناك قواعد قانونية توجب عليها ذلك.

       * المساعدات الأجنبية

       إن عددا من الجمعيات يمكن أن تتلقى لأسباب بريئة وأخرى غير بريئة مساعدات إما من دول أو منظمات أو مؤسسات أجنبية أو حتى من أشخاص أجانب سواء كانوا مقيمين بالمغرب أو غير مقيمين به.

       وبذلك ألزم المشرع الجمعيات التي تتلقى مساعدات أجنبية أن تصرح بذلك إلى الأمانة العامة للحكومة مع تحديد المبالغ المحصل عليها ومصدرها داخل أجل 30 يوما كاملة من تاريخ التوصل بالمساعدة، وإلا كانت عرضة للحل تطبيقا للفصل 7 باعتبارها في هذه الحالة مخالفة للقانون.

              وبناء على كل ما سبق يمكن القول أن المراقبة العمومية للجمعيات تأتي أساسا للتأكد من سلامة صرف واستعمال الأموال العمومية الممنوحة لهذه الجمعيات من جهة، ولكن كذلك للتأكد من نجاعة استعمال الأموال الممنوحة من جهة أخرى ،كما أن الجمعيات المصرح بها قانونا لا تخضع لأي قاعدة إلزامية على الصعيد المحاسبي، فالظهير المتعلق بتأسيس الجمعيات لا يضع الالتزامات المالية أو المحاسبية إلا على الجمعيات الممنوحة من طرف الدولة والهيئات أو المؤسسات العمومية، كما أن نظام الرقابة العمومية على هاته الأخيرة لابد أن يساير ويأخذ بعين الاعتبار التطورات والتغيرات الكمية والنوعية التي عرفها القطاع الجمعوي حتى يتسنى تدخل الفاعلين في هذا الميدان بصفة صحيحة .

        وفي إطار التنظيم المالي للجمعيات لا يفوتنا الحديث عن مسألة مهمة تتعلق بالنظام الجبائي للجمعيات باعتبار هذه الأخيرة اقتحمت مجالات حديثة مكنتها من لعب دور أساسي في تعزيز نسيج المجتمع المدني كشريك في عملية  التنمية.

       وباعتبار التنظيم الجمعوي لا يكمن في تحقيق الربح بل في الدفاع عن  مصالح الأعضاء المهنية أو المساهمة بمعلوماتهم وأنشطتهم في تحسين الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والعملية والتربوية للمواطنين، نسجل أن إعفاء الجمعيات غير التجارية سواء أكانت معترف لها بصفة المنفعة العامة أم لا يشكل القاعدة في تعامل الإدارة الجبائية معها، لكن ذلك لا يعفيها من القيام ببعض الإجراءات ذات الطابع الجبائي.
 




الاربعاء 11 يونيو 2014

تعليق جديد
Twitter