MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



المجتمع المدني

     



المجتمع المدني
 
ينص فقهاء القانون الدستوري على أن أركان الدولة هي : العنصر البشري، والإقليم، والسلطة السياسية (الهيأة الحاكمة) ووجود عنصر بشري مؤشر على توفر رابطة سياسية وقانونية ومدنية.

ومن أجل بناء مؤسسات الدولة لابد من تنشيط المجتمع المدني من خلال إشراكه في : تحمل المسؤولية، ونشر الوعي المدني، وتنمية الثقافة، واعتماد الاستقلالية، والطوعية، والحرية، والتجديد، ونشر القيم وتشجيع التعليم والتعلم، والبحث العلمي، والاستفادة من الثورات المعلوماتية، والاهتمام بالمرأة من حيث الكفاءة والمكانة ودورها الفعال في البناء الحضاري للأمم(
[1]).

واشترط بعض المفكرين(
[2]) شروطا لكل تغيير منشود نوجزها فيما يلي : حراك الجماهير، إشراكهم في البناء، العمل الاجتماعي، الدفاع العام، التعليم ...

وقد عرف المجتمع المدني منذ أن كانت البشرية. لذلك اعتبره "أرسطو" مجموعة سياسية تخضع للقانون. وفي التفكير السياسي الأوربي القديم عامة يسود بأن المجتمع المدني يمثل تجمعا سياسيا. وخلال القرن 18 مع تبلور علاقات الإنتاج الرأسمالي، بدأ التمييز بين الدولة والمجتمع المدني باعتباره نسقا جمعويا آخر للدفاع ضد مخاطر الاستبداد السياسي. وتأكد للفكر السياسي بعد ذلك تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع المدني(
[3]).

خلاصة هذا الكلام، أن المجتمع المدني تمت ولادته في إطار العمل الإنتاجي الجماعي، ولا سيما بعد ظهور وسائل العمل. وهو في عمقه التاريخي مجموعة سياسية في الفكر السياسي الأوربي.

نتج عن هذا ما اصطلح عليه "بالمسؤولية المدنية" والتي تحتم احترام المقتضيات القانونية، دون المس بحريات الآخرين. وعدم التسبب في خسارات الآخر ماديا ومعنويا(
[4]).

ومن أهم معالم الفعل المدني مبدأ التطوعية. حيث تتشكل لجان تبادل الأفكار في المجال، ووضع الحصيلة وتقويمها ... ولابد من الوقوف على الصعوبات الناتجة عن تنفيذ مهمة التطوع. ومن الركائز المساعدة على هذا الإنتاج التطوعي أذكر : الشراكة والحكامة المالية، ودعم القدرات، واللامركزية، وتوفير المعلومة، وتنمية التواصل(
[5]).

إذن فالمجتمع المدني يدعو إلى التجديد الفكري، والرفع من وثيرة الحركية والفاعلية من أجل المساهمة في التغيير السياسي، والاجتماعي، والثقافي .. مستهدفين الديمقراطية، والحرية، والعدالة الاجتماعية(
[6]).

وقد أعطى أحد المفكرين(
[7]) تفسيرا خاص للمجتمع المدني عندما اعتبره مجتمع المدن لتنظيم الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، فهو مؤسسة إرادية أو شبه إرادية ... أما مؤسسات المجتمع البدوي فهي مؤسسات طبيعية.

وأكد "هيكل" على الوسائطية في تعامله مع المجتمع المدني باعتباره وسيطا بين الأسرة والدولة(
[8]).

لقد تجاوز القطاع المدني، المفهوم الإحساني للعمل الاجتماعي إلى روح التضامن والتعاون، وتعميق الوعي الاجتماعي والسعي إلى بناء مجتمع العدالة والحرية والمشاركة(
[9]).

إذن فهو قطاع ثالث بجانب الحكومات والقطاع الخاص أنشئ في ظل المناخ العام والمتوجه نحو الحد من الدور التدخلي والمركزي للدولة .. وهذا التموقع أهله لتكون له اتجاهات متعددة. فتارة يأخذ بعدا خيريا خدماتيا، وآخر تمكينيا أي تعليم الناس كيفية مساعدة أنفسهم ومجتمعهم بصورة أفضل. وثالثا يؤثر في عملية صنع السياسات العامة(
[10]).

وقد خلصت بعض اللقاءات الحوارية(
[11]) إلى أن هناك غيابا لتقويم حصيلة علاقة المجتمع المدني بالدولة. مع الإشارة أن المجتمع المدني إفراز طبيعي للتطورات والتحولات التي عرفها المجتمع المغربي سياسية واقتصادية وديمغرافية وحضرية واجتماعية. كما أكد على ذلك محمد شقير([12]). والتكامل بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني يفرض تكاملا بين الحاكمين والمحكومين. لذلك هناك ضرورة ملحة لتحرير المجتمع المدني من الإكراه الحزبي والنقابي([13]).

وبرجوعنا إلى التاريخ السياسي المغربي قبل الاستقلال نجد أن الاستعمار نفى الزعامات السياسية، وحظر التنظيمات السياسية، ونفى محمد الخامس وأسرته. لكن المجتمع المدني لم يتوقف عن التظاهرات، وتشكيل خلايا المقاومة، وتكوين جيش التحرير. ومنذ إعلان ظهير الحريات العامة سنة 1958 والتعديلات التي طالته والمجتمع المدني يواصل نضالاته من أجل الحصول عن الحقوق. لكن اختراق البنية المدنية، وتسييس بعض الجمعيات، أدى إلى تشتت فعاليات المجتمع المدني، وتقسيم الجهود، وتوزيع الانشغالات(
[14]).

لقد تم التفاعل المدني مع مؤسسات الدولة، من أجل المساهمة في التنمية البشرية، ورسم خريطة معرفية. وتم الإعلان منذ سنة 2001 (العام العالمي للتطوع) بمعالجة القضايا العالقة اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وإنسانيا. اعتماد على قيم الاندماج، والمشاركة، والشراكة، والاحترافية، والانتشار .. رغم الإكراهات المتجلية في القصور التشريعي، وبعض التقاليد المعيقة للتنمية، والوضعية الاقتصادية(
[15]).
لذلك نلاحظ أن الخطابات الملكية تركز على دور المجتمع المدني باعتباره ثروة وطنية هائلة ... وقوة اقتراحية فاعلة ... وشريكا .. (
[16]) داعيا سائر مكونات المجتمع إلى تدبير التنمية ووضع استراتيجياتها([17]).

وصدرت مذكرة(
[18]) حكومية تدعو إلى الشراكة بين الدولة وجمعيات المجتمع المدني من أجل وضع استراتيجية جديدة للشراكة بينهما خاصة التي تهتم بسياسة الغرب.
وحدد هذه المذكرة الأهداف التالية :


  1.  إطار جديد للشراكة المنسجمة مع الحكامة الجيدة.
  2.  تطوير التنسيق والمراقبة في إطار الشراكة والنتائج الموضوعية.
  3.  اعتماد المقاربة الترابية دعما لللامركزية.
 
وبذلك يحدث المجتمع المدني التوازن مع القوى الحاكمة. والمصالح المالية. إنه حلبة العمل الجماعي الذي لا يتسم بالإكراه، والذي يدور حول مصالح وأهداف وقيم مشتركة ومتبادلة .. ووسيلة بديلة للتمثيل المباشر لإرادة المواطنين العاديين المنظمين في القطاع الخاص([19]).

إذن ثقافة المجتمع المدني، ودوره الفعال في الدينامية المجتمعية متجذرة في المغرب. لذلك خاطبه الملك في إحدى خطاباته قائلا : "إننا نشيد بالدور الفعال للمجتمع المدني، الذي أبان على انخراطه الفاعل في محاربة الفقر، والتلوث، والأمية، مما يجعلنا ندعو السلطات العمومية، والجماعات المحلية، وسائر المؤسسات العامة والخاصة، إلى أن تعقد معه كل أنواع الشراكة وتمده بجميع أشكال المساعدة"(
[20]).

لذلك فالمجتمع المدني له شرعية لأنه حق طبيعي ومدني وسياسي .. (
[21]) فهو يحمي حرية التعبير والاجتماع والتجمع السلمي، ويشجع التعددية، ويروج لاحترام حكم القانون، ودعم الديمقراطية، واحتضان الكفاءات الاقتصادية، ومعالجة فشل القطاع العام .. ([22])
فهو يشارك في تأطير مسائل السياسة العامة، بما في ذلك ما يتعلق بتشريع موجود     أو مقترح أو ممارسة دولية .. ولا يجوز أن يكون هناك أي قيود على حق المنظمات المدنية في ممارستها للأنشطة السياسية العامة، كالتعليم، والبحث والمدافعة، ونشر المواقف .. (
[23])
إن المجتمع المدني ثروة وطنية هائلة، وقوة اقتراحية فاعلة(
[24]). وقد توسع الدكتور محمد شقير في الحديث عن العلاقة بين المجتمع المدني والنخبة السياسية، معتبرا أن بروز الأول في بداية الأمر جعل السلطة تواجهه وذلك من أجل احتوائه، والتحكم فيه ..

وبعد ذلك تم السماح للمجتمع المدني للتعبير عن نفسه. ومن أجل فك لغز هذه الثنائية: سلطة / مجتمع مدني. اعتمد على تحليل أربعة عناصر منها : تحولات المجتمع المغربي، والمجتمع المدني، والحركة الإسلامية في المغرب، وآليات إنتاج النخبة السياسية(
[25]).

وفي نفس السياق تحدث الدكتور محمد شقير على معيقات تطور المجتمع المدني بالمغرب، والتي أوجزها في العناصر التالية : وصاية المجتمع السياسي – غياب الطليعة المثقفة – التحكم في المجال العمومي(
[26]).

ومن فروع المجتمع المدني – كما أكد الدكتور عزمي بشارة – جماعة الحاجات، التعاونية الأهلية – الدولة باعتبارها سلطة مجتمعية عليا بلغة "هيكل". ومن المفروض الحفاظ عليها. وفيما عدا هذه الأمور الضرورية تترك السلطة الحرية لإرادة الأفراد – ثم المجتمع المدني كدولة. الدولة كمجتمع مدني من أجل أن يتم الاندماج بين الأفراد يجب أن يتجاوز هذا الاندماج نظام الحاجات.

ويتألف الدمج الاجتماعي من ست خطوات في نظرية "هيكل" برأي اراتو : السلطة العامة – التعاونية والمؤسسة – السلطة التنفيذية – المجلس التشريعي – الرأي العام(
[27]).

لقد اعتبر "توكفيل" الوكلاء (البنى الوسيطة) وحدات غير حكومية (مدنية) يمارس فيها المواطنون نوعا من الإرادة الذاتية أو الديمقراطية المباشرة التي تتعايش مع الديمقراطية التمثيلية(
[28]).
-



[1] - الدكتور حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2 بيروت، يوليوز 2009، ص : 559.
[2] - د. حسين سليمان، أد هشام سيدي عبد المجيد، د. منى جمعة، الممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية مع الجماعة والمؤسسة والمجتمع.
[3] - د. كلود ما يز عطية، بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي، منشورات زين الحقوقية، بيروت لبنان، ط 1 2012، ص : 89.
[4]-  Code civil du Québec, LRQ, el – 1991 1457 / 19.
[5] -  Collectif marocain de volontariat. Rapport d’information des activités réalisées 9 Septembre 2011 et Mai 2012.
[6] - المظلة ع 49 سبتمبر 2011.
[7] - محمد عابد الجابري إشكالية الديمقراطية، المستقل العربي، ع 176 يناير 1998، ص : 8.
[8] - عبد الله حمودي، المجتمع المدني في المغرب العربي، دار توبقال ط 1998 ص : 227.
[9] - الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، مؤسسات الرعاية الاجتماعية في لبنان الخميس 6 مارس 2006، منشأة عبد الهادي الدبس، مؤسسة التيمة، د. كمال مهنا، ص : 2.
[10] - المرجع السابق، ص : 2.
[11] - لقاء تشاوري حول السياسة العامة بالمجتمع المدني، تنظيم الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، يناير 2012.
[12] - محمد شقير، السلطة والمجتمع المدني، إفريقيا الشرق 2011.
[13] - مرجع سابق، ص : 223.
[14] - المرجع السابق، ص : 52.
[15] - المظلة، مرجع سابق، ص. ص.  : 3 – 5 – 6.
[16] - الرسالة الملكية إلى المشاركين في اليومين الدراسيين حول التدبير الجهوي، 28 أكتوبر 2009 www.fins.ma
[17] - الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك في افتتاح أشغال المجلس الأعلى للإنعاش الوطني والتخطيط، الخميس 04/05/2000.
[18] - مذكرة الوزير الأول رقم 7/2003 حول الشراكة بين الدولة والجمعيات 27 يونيو 2003.
[19] - Luclusive Security, women wagring, peace can not vouche for the accuracy of this travlation.
[20] - خطاب العرش، 31 يوليوز 2000.
[21] - ليون اي ايريش – روبرت كوشيز – كارلا دبليوسايمون، دليل القوانين المؤثرة في منظمات المجتمع المنفتح، ترجمة د. محمد احمد شومان، ط 1 س 2007.
[22] - المرجع السابق، ص : 9.
[23] - المرجع السابق، ص : 59.
[24] - الرسالة الملكية إلى المشاركين في اليومين الدراسيين حول التدبير الجهوي.
[25] - د. محمد شقير، السلطة والمجتمع المدني www.frus.ma
     إفريقيا الشرق، س 2011، المغرب ص : 213.
[26] - المرجع السابق، ص : 240.
[27] - المرجع السابق، ص : 150.
[28] - المرجع السابق، ص : 200.





الخميس 28 غشت 2014

تعليق جديد
Twitter