MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



القضاء الأسري مسؤوليات جسيمة وإمكانيات غير متناسبة

     



يونس الصالح
باحث بسلك الدكتوراه أكدال الرباط‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‎



  من أهم الملفات المثارة حاليا، ملف إصلاح القضاء، وأقسام قضاء الأسرة ليست بمنأى عن هذا الجدل، لأنه من أجل الحصول على الحكم المنصف والعادل، ينبغي ضمان السرعة ومعالجة الملفات والبت فيها، وتنفيذها مع الحرص على النزاهة والجودة في الأحكام.
كل هذا يتطلب الموارد البشرية الكافية، وظروف العمل المناسبة، وذلك من خلال إحداث مقرات لائقة لقضاء الأسرة، والعناية بتكوين أطر مؤهلة من كافة المستويات.

كثرة القضايا المعروضة على أقسام قضاء الأسرة :

في البداية أثارت المدونة كثيرا من الجدل، فتمرد كثير من الأزواج والزوجات، مما أفرز عددا ضخما من القضايا المعروضة على أقسام قضاء الأسرة، وبما أن النيابة العامة تعتبر طرفا أساسيا في قضايا المدونة، فالمطلوب منها أن تتدخل كلما علمت بحصول مخالفة ما لأحكام القانون ومن واجب أفراد الأسرة تبليغها بأي تجاوز ملحوظ لهذه الأحكام.
وبما أن مؤشرات الاستقرار تستشف عادة من الأرقام والإحصائيات سيتم اللجوء إلى الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل والحريات المغربية لمعرفة عدد القضايا المعروضة على أقسام قضاء الأسرة لمعرفة مدى نجاعة الدور الجديد المسندة للنيابة العامة باعتبارها طرفا أصليا ومدى إعمالها للمميزات التي أسندها لها القانون.

* المصدر عن وزارة العدل والحريات المغربية.
 
السنة ثبوت الزوجية الحضانة التعدد الطلاق الأهلية والنيابة الشرعية
 
2008
رائج محكوم رائج محكوم   رائج محكوم رائج محكوم رائج محكوم
33092 23390 1987 1155 4567 1360 1878 43945 35310 3032 1038
2009 31261 18564 2206 1321 5732 1535 2273 48311 3336 3483 1153
2010 27552 14155 1960 1018 5562 1636 2133 44542 30410 3050 800
2011 53652 45122 2114 1138 5561 1890 1976 49622 32571 1177 860
 
من خلال الإحصائيات أعلاه، يتضح بجلاء كثرة القضايا المعروضة على أقسام قضاء الأسرة، على الرغم من مرور عشر سنوات على تطبيق المدونة، التي كانت غايتها الأساسية هي الحفاظ على كرامة الأسرة وضمان استقرارها، من خلال التقليل من النزاعات الأسرية التي تؤدي في الغالب إلى تفكك الأسر.

فبالرجوع إلى الإحصائيات أعلاه، نلاحظ أن القضاء رفض عددا كبيرا من طلبات الإذن بالتعدد، مما دفع ببعض الفقهاء للقول بأن هناك توجها لدى القضاء من أجل إلغاء التعدد مع العلم أن المشرع لم يمنعه، وإنما قيده بشروط، وهذا، ما أكد عليه القضاء من خلال الحكم الصادر عن قسم قضاء الأسرة بسلا " ... حيث أدلى بما يفيد وضعيته المادية الميسورة، وبما يفيد وضعية زوجته الصعبة، كونها طريحة الفراش ومصابة بالقصور الكلوي ومرض السكري وذلك من خلال الشواهد الطبية المرفقة.

لهذه الأسباب حكمت المحكمة بجلستها العلنية، ابتدائيا وحضوريا، في الشكل قبول الطلب.

في الموضوع تأذن المحكمة للسيد ... بالزواج بامرأة أخرى لتكون زوجته الثانية ".

وبما أن النيابة العامة طرف أصلي، وتتمتع بخصائص تسمح لها بإبداء آرائها بكل حرية، فهل تسمح لها ظروف العمل القيام بهذه المهمة ؟

نتيجة لارتفاع عدد القضايا المعروضة أمام أقسام قضاء الأسرة لقلة قضاة النيابة العامة، فإنها تكتفي عادة بعبارة تطبيق القانون في ملتمساتها.

جاء في ملتمس النيابة العامة المؤرخ في 22/08/2012 ألغي بالملف ملتمس النيابة العامة الرامية إلى تطبيق القانون.

كما جاء في ملتمس النيابة العامة المؤرخ في 26 يناير 2006، أنه بناء على الفصل 9 من ق.م.م وبناء على الفصول 3، 40، 41، 44 45، 46، 65 من م.أ وبناء على الطلب الذي تقدم به المدعى الذي يلتمس فيه الإذن بالتعدد وبأن له موارد مالية كافية لإعالة أسرتين وضمان حقوقهم، من نفقة وسكن ومساواة في جميع أوجه الحياة، لأجله يلتمس وكيل الملك من المحكمة في الشكل قبول الطلب، وفي الموضوع الإذن بالتعدد.

بالإضافة إلى قضايا التعدد يلاحظ ارتفاع في عدد قضايا الطلاق حيث وصل عدد القضايا سنة 2011 إلى 49622 قضية، فكيف ستقوم النيابة العامة بالاطلاع على كل هذه القضايا خاصة أن المادة 88 من م.أ تنص على أنه من بين مشتملات مقرر الطلاق مستنتجات النيابة العامة وأن عدم الإشارة إلى هذه المستنتجات يترتب عنه بطلان مقرر الطلاق والذي لا يشمل إنهاء العلاقة الزوجية خاصة أن النيابة العامة ملزمة بالحضور في الجلسات باعتبارها طرفا أصليا. وهو ما أكدته عليه محكمة النقض المغربية في أحد القرارات الصادرة عنها حينما أكدت أن الدعوى وجهت على زوجة الهالك بصفتها الأصلية وبالنيابة عن محاجيرها وأن المحكمة لم تبلغ الملف مع ذلك إلى النيابة العامة طبقا للفصل 9 من ق.م.م، ولم تشر في القرار إلى إيداع مستنتجاتها أو تلاوتها بالجلسة، مما يجعل قرارها باطلا ".
وفي قرار آخر طعنت المدعية في قرار محكمة الاستئناف بمدينة الجديدة، بعلة أن قرارها خرق مقتضيات الفصل 9 من ق.م.م وأن القرار المطعون فيه لم يرد فيه ذكر النيابة العامة ولا يتوفر الملف على مستنتجاتها الكتابية مما يعرض القرار للنقض.

ومن خلال الاطلاع على مجموعة من الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم المغربية، يلاحظ أن جل الأحكام تتضمن مستنتجات النيابة العامة سواء الكتابية أو الشفوية.
نتيجة ارتفاع عدد القضايا المعروضة أمام أقسام قضاء الأسرة فإن النيابة العامة تكتفي بعبارة تطبيق القانون. فالصفة الأصلية أعطيت للنيابة العامة في تدخلها من المشرع ليبين ضخامة دورها في تطبيق بنود مدونة الأسرة وفق ما أريد لها وما تؤطره من فلسفة وأهداف ومكنها من آليات التدخل الإيجابي مادام لها حق الطعن دون أن تجرح ولها حق طرح آرائها بكل حرية كغيرها من الخصوم وألزمها بالحضور بالجلسات، فمدونة الأسرة تنطوي على هدف تفعيل دور النيابة العامة في قضاء الأسرة لتعمل هذه الأخيرة على تفعيل مقتضيات المدونة. فهل وفرت الموارد البشرية الكافية للقيام بهذه الأدوار خاصة بعد مرور عشر سنوات من تطبيق المدونة؟

نقص الموارد البشرية :    

بالإضافة إلى كثرة القضايا المعروضة على أقسام قضاء الأسرة، نجد كذلك النقص العددي في عدد قضاة النيابة العامة، سواء على مستوى الحكم أو على مستوى التكوين لتحمل المسؤوليات والأدوار الجديدة التي أصبحت تقوم بها النيابة العامة.

ولعل أهم سؤال يجب طرحه هو هل هناك تناسب بين عدد القضاة وخاصة قضاة النيابة العامة وعدد الملفات الرائجة أمام هذه الأخيرة ؟
تعود بعض الصعوبات في تطبيق المدونة إلى النقص الملحوظ في عدد قضاة النيابة العامة، وإن الجدول أسفله يعطي صورة واضحة عن النقص الكبير في أعداد القضاء الجالس والنيابة العامة.

 
عدد القضاة العاملين في قضاء الأسرة لسنة 2009/2010 القضاء الجالس قضاة النيابة  العامة
الرقم الوطني 544 131
الرباط 07 02
سلا 11 02
القنيطرة 13 01
الدارالبيضاء 53 13
مراكش 22 02
فاس 11 03
أكادير 05 01
 
هذا في وقت اتسع في مجال اختصاص قضاة النيابة العامة، فهي تنظر في طلبات الزواج، التعدد، النيابة الشرعية، النفقة، الحضانة وكافة
النزاعات المتعلقة بانحلال ميثاق الزوجية مع ما تستلزمه هذه القضايا من محاولات للصلح، لأن هدف المدونة هو تحقيق المصلحة الفضلى للأسرة بكافة عناصرها من أجل تماسك العائلة

. ولأجل هذه الغاية يجب أن يكون قضاة النيابة العامة على مستوى عال من التكوين ليس القانوني وحسب، بل تكوينات موازية في علم التواصل وعلم النفس وعلم الاجتماع، مما حول جهاز النيابة العامة خاصة والقضاة بصفة عامة إلى مجرد آلة تطبق النصوص دون استيعاب حقيقي لروحها، أوبحث عن فلسفتها.

وإذا ما احتسب عدد قضاة الحكم وعدد قضاة النيابة العامة وقورن بعدد الملفات يلاحظ الضغط الهائل الذي يمارس على جهاز القضاء، وبالتالي صعوبة الوصول إلى الأهداف التي توخاها المشرع، فقضاء الأسرة بالقنيطرة مثلا يتوفر على 13 قاضيا ووكيل الملك، للبت في القضايا الأسرية على مستوى دائرة ترابية أصبحت تعرف اكتظاظا سكانيا فمن الناحية العملية يلاحظ قلة عدد أفراد النيابة العامة في قضاء الأسرة، بحيث لا يتجاوز عددهم في جل المحاكم فردا واحدا أو اثنين في قسم الأسرة بكامله، فممثلو النيابة العامة على قلة عددهم مطالبون بالحضور كطرف أساسي في قضايا الأسرة وهم يتلقون كل الشكايات التي يتقدم بها أعضاء الأسرة ضد بعضهم البعض، وعليهم واجب إعادة من طرد منهم من البيت الأسري ثم السهر على سلامته وأمنه، بعد إرجاعه، وهذا ما يفسر من خلال الإطلاع على الأحكام لجوء النيابة العامة إلى عبارة تطبيق القانون نظرا لكثرة المهام المسندة إليها وارتفاع عدد القضايا مقارنة مع قلة أعدادها.

من كل ما تقدم يتضح أن المشكل ليس في قلة النصوص، أو عدم كفايتها، وإنما في تطبيقها، إذ أن الدارس لنصوص المدونة يفتتن بجماليتها وإنصافها، إذ رغم الصلاحيات والمهام التي أسندت للنيابة العامة في ظل مدونة الأسرة فإن فعاليتها ستظل دون جدوى ما لم يأخذ في عين الاعتبار إلى أن العيب ليس في النصوص وإنما في وسائل التطبيق. فالقضاء هو الساهر على تطبيق القانون وإذا لم نوفر القضاء وخاصة قضاة النيابة العامة فما الفائدة من إسناد الصلاحيات لهذا الجهاز؟ لذا ينبغي الرفع من عدد قضاة النيابة العامة سواء من حيث العدد أومن حيث التكوين.

هذا إلى جانب إحياء مؤسسات كان لها دور كبير في رأب الصدع بين الزوجين، في ظل انهيار قيم الأسرة الممتدة والحي والعشيرة لصالح الجمعيات الحقوقية التي تحاول إذكاء الشقاق بين الزوجين لا للقيام بدور الوساطة وتحقيق الصلح.
 



الخميس 5 فبراير 2015

تعليق جديد
Twitter