MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الطبيعة القانونية لتوصيات مؤسسة وسيط المملكة بقلم د / العربي محمد مياد

     



الطبيعة القانونية لتوصيات مؤسسة وسيط المملكة  بقلم د / العربي محمد مياد
 
إزدان فراش مؤسسة وسيط المملكة بالعدد الثاني من مجلة المؤسسة ؛ وقد تضمن هذا العدد أربعة محاور رئيسية تتعلق بدراسات وأبحاث ، ونماذج المقررات ، ثم نماذج التوصيات ، وفي الأخير مدونة السلوك العاملين بالمؤسسة .

 ولا شك أن هذه المحاور تعتبر مفيدة بما تضمنته من أفكار وحلول قانونية لمشاكل يعيشها المرتفقون مع الإدارة .

  لكن الذي آثار فضولي القانوني وبشكل ملفت، ما تضمنه باب نماذج التوصيات الصادرة عن المؤسسة للقطاعات الحكومية. مما دفعني للتساؤل، ما هي القيمة القانونية لهاته التوصيات، وما هو الأساس المعتمد لتوجيهها  ؟

 بداية لابد من الإشارة إلى أنه بناء على الظهير الشريف رقم 1.11.25 بتاريخ 17 مارس 2011 تم إحداث مؤسسة الوسيط ، وهي حسب تعبير المادة الأولى من هذا الظهير مؤسسة وطنية مستقلة ، ومتخصصة تتولى في نطاق العلاقة بين الإدارة والمرتفقين ، مهمة الدفاع عن  الحقوق والإسهام في ترسيخ القانون. وعلى هذا الأساس خولها المشرع رفع تقريرا سنويا لجلالة الملك يتضمن على الخصوص بيانا لأوجه الاختلالات والثغرات التي تشوب علاقة الإدارة بالمواطن والأجنبي على السواء، وكذا إصدار التوصيات والمقترحات حول التدابير التي يتعين اتخاذها لتحسين سير أجهزة الإدارة، وكذا ترسيخ قيم الشفافية والحكامة، وتخليق المرافق العمومية وتصحيح ما يشوبها من اختلالات.

 والحاصل إذن أن مؤسسة الوسيط ليست بمؤسسة إدارية ، كما أنها ليست سلطة قضائية بالمفهوم العضوي، لكنها من الناحية الشكلية تعتبر ولاية لفض المنازعات ، وهي بهاته الصفة أوسع من ولاية القضاء ، لذلك فإن المادة 6 من القانون المحدث للمؤسسة نص على أنه لا يجوز للوسيط أو الوسطاء الجهويين النظر في الشكايات المتعلقة بالقضايا التي أوكل فيها للقضاء البث فيها .

 وهذا يعني بمفهوم المخالفة أن كل القضايا التي لا تدخل في مجال القضاء تبقى من اختصاص مؤسسة الوسيط، وبالتالي يحق له تتبع كل الشكايات حتى لو لم يرفع له الأمر مباشرة.

وهذا ما أكدته ديباجة النص المحدث للمؤسسة حينما نصت على أن هاته الأخيرة مؤسسة وطنية مستقلة عن السلط الثلاث المذكورة لتمكينها من التجرد التام، عند النظر في الشكايات والتظلمات المحالة إليها، وهي بكل بساطة ترتبط بجلالة الملك مباشرة ، وهذا ما جعل النص المصدر لها آنذاك تم بناء على الفصل 19 من الدستور الذي يخول جلالته إمكانية إصدار نصوص تشريعية .

انطلاقا مما ذكر لنا أن نتساءل عن القيمة القانونية للتوصيات الصادرة عن  مؤسسة وسيط  المملكة؟

قبل الإجابة أرى من اللازم التذكير بأنه من خلال الاطلاع على منشورات هاته المؤسسة ، ولا سيما العدد الثاني من مجلة مؤسسة وسيط المملكة المغربية ،  تتكون الهيئة المشرفة عليها  من الأساتذة الأجلاء ، عبد العزيز بنزاكور ، محمد لديدي ، الحسن سيمو ، حميد ولد البلاد ، وعبدالرحيم التجاني .

     وقد ورد في هاته المجلة  مجموعة من التوصيات المتنوعة الموجهة إلى  مختلف الوزارات، من ضمنها  مثلا توصية إلى وزير الداخلية مضمنها " أن  تدرع الإدارة بأن حجية الأحكام تبقى محصورة بين أطرافها ، ولا يمكن أن يطال الغير ، يعتبر دفعا مردودا ، لأن العمل القضائي ، الذي لم يتبين ما يؤكد إلغاؤه أو التراجع عنه ، يبقى مرجعا لتفسير القانون ، ولا سيما في المجال الإداري ، لأن المستقر عليه هو أن الأحكام القضائية في المادة الإدارية والصادرة في مجال الإلغاء هي أحكام عينية موضوعية تسري على الكافة ، واعتبارا لما تقدم ، فإن المؤسسة ترى القول بوجوب عدم اعتبار وكالات كراء السيارات ضمن الملزمين بأداء الرسم المفروض على وقوف العربات المعدة للنقل العام للمسافرين ، طالما لم تثبت الجماعة أنها خصصت لها موقفا خاصا بدائرتها الترابية .

لذا فإن وسيط المملكة يدعو إلى العمل على تفعيل هاته التوصية والتقيد بها من لدن الجماعة المختصة ، وإخبار المؤسسة بما تم تخصيصه للموضوع ، داخل أجل 3 اشهر .

إذن هاته التوصية ليست حكما قضائيا من حيث الشكل لأنها  غير صادرة عن مؤسسة قضائية ، ولكنها كذلك من حيث المضمون ، ما دامت تبث في نزاع قائم بين متخاصمين .

ويلاحظ أن وسيط المملكة استعمل عبارة منتقاة من قبيل "الدعوة إلى العمل بالتوصية" و"التقيد بها" ،  وجعل هاته التوصية ملزمة للأخذ بها داخل أجل محدد .

 لكن التساؤل المطروح، ما ذا لو أن الجهة المعنية لم تعمل على التنفيذ، فما هو الجزاء القانوني في هاته الحالة؟

طبقا للمادة 34 من القانون المنظم لمؤسسة الوسيط، يمكن للوسيط توجيه مذكرة تنبيه إلى الوزارة المعنية قصد إثارة انتباهها إلى هذا الخلل، ومطالبتها باتخاذ جميع الإجراءات والتدابير العاجلة الكفيلة بتصحيح الوضع، وفي حالة تمادي هذا المرفق الإداري في غيه،امكن إطلاع رئيس الحكومة بهذا السلوك المشين من أجل تحريك المتابعة التأديبية ضد المتسبب في الخلل، كما يمكن المطالبة بتحريك الدعوى العمومية ضده. وهذا ما أكدت عليه صراحة المادة 32 من القانون أعلاه.

وهذا يعني أن من صلاحيات وسيط المملكة إثارة المتابعة في حق كل من سولت نفسه تحقير مقرراته او توصياته سواء كان مسؤولا إداريا او إطارا بل حتى عونا ، ولا تنفعه في ذلك أية حصانة ، وخاصة إذا تعلق الأمر بتنفيذ أحكام قضائية نهائية . وقد يتعدى الأمر حتى الوزير إذا كان هو من يرفض الانصياع ، حيث يرفع تقرير خاص لرئيس الحكومة في هذا الشأن ، ناهيك عن ما قد يتضمنه التقرير السنوي المرفوع إلى جلالة الملك .

 وصفوة القول فإن مؤسسة هذا عملها واختصاصها ،لا بد أن تكون توصياتها ملزمة ، إلا أن هذا لا يعني ـــــ وهذا  ما يبدو من جلسات البحث التي تقوم به وكذا التوصيات والمقررات الصادرة عنها ــــــــ أنها تنحو نحو الزجر والقهر ، وإنما غاية ما تسعى إليه هو دفع الإدارة  إلى مراجعة مواقفها متى كانت معوجة ، لما في ذلك من تعزيز للمشروعية والتطبيق السليم للقانون.

وقد جاء في تقريرها برسم سنة 2013 ،أنه لا فائدة من صدور التوصيات إذا عادت الإدارة للتمسك بنفس الادعاءات والتبريرات ، ولا مبرر لتعطيلها ، ولا مصلحة في التأخر في تنفيذها ، لأنه ليس المهم هو التوصيات في حد ذاتها بل هو إعمالها .

   وزبد القول فإن  الكل ملزم بالانخراط  في الإصلاح الذي فتحه العهد الجديد ، وتعتبر مؤسسة الوسيط إحدى آلياته ، لكن في ذات الوقت فإن المؤسسة مدعوة إلى الانفتاح على  الأطر الإدارية قبل مسؤوليها ، من خلال عقد دورات تدريبية  حول تكريس سيادة القانون والشفافية الحكامة الجيدة ، لأن هؤلاء الأطر هم مستقبل الإدارة ، وإذا صلح هؤلاء صلحت الإدارة ، كما أنه من المفيد أن يلقح هؤلاء ضد الأمراض المعدية التي قد تنتقل إليهم من بعض السلف غير الصالح./.
 
 



الخميس 22 يناير 2015

تعليق جديد
Twitter