MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



التنمية الترابية والمساواة في تولي النخب المحلية للمسؤولية

     

ذ/ عبد الغفور اقشيشو
باحث في القانون العام الداخلي ومهتم بالبحث في القانون الخاص
جامعة محمد الخامس-السويسي



التنمية الترابية والمساواة في تولي النخب  المحلية للمسؤولية
تتعدد زوايا النظر ومجالات التدخل في بلورة تصور متكامل ورؤيا معمقة للمجال الترابي الذي يحكمه منطق يختلف عن النظر الذي تنهجه الادارة المركزية في الالمام بترابها، والذي تشترك تدبيره عن طريق ممثليها على المستوى الترابي مع الادارة اللامركزية، وان كان بمنطق مختلف نظرا لكون الادارة المركزية هي مصدر السلطة والساهرة على توحيد الدولة وتحقيق آمنها وتوفير الظروف المناسبة لعمل الادارة اللامركزية وباقي السلط سواء التشريعية او القضائية، فتسهر على سلامة الدولة واظهار سيادتها الكاملة من خلال عدم السماح بالتدخل في شؤونها الداخلية، فتكون لها وسائل خاصة وامتيازات متميزة عن ما منح لنظيرتها في الادارة اللامركزية، فتملك من السلطة سواء المادية او القانونية ما يمكنها من رد اي اعتداء او تطاول على سلطتها التي ضمنها لها الدستور، وفصلت فيها النصوص القانونية وعملت على حمايتها بوسائلها التي ليس لها مثيل لدى الخواص، وموازاة مع هذه الامتيازات تم خلق اجهزة ادارية تنتمي للادارة المركزية وجهاز قضائي متخصص ينتمي للسلطة القضائية الساهرة على حماية المواطن من التعسف في السلطة الممنوحة للادارة سواء المركزية او اللامركزية.

إن المجال الترابي للدولة الذي يعد مجموع التراب الذي تمارس فيه الادارة المركزية واللامركزية إختصاصاتها والتي يحكمه التحديد والتقسيم الذي يعد تجاوزه عيبا يدفع الى الغاء آثار ما اتخذ خارج النطاق المحدد لكل سلطة، فالتراب هو محدد أساسي لعدم تداخل السلطة سواء بين المصالح الخارجية التابعة للادارة المركزية فيما بينها او تداخل السلطة المحكومة بالتقسيم الترابي بين الجماعات الترابية فيما بين وحداتها او تقسيم التخصصات بين المؤسسات العمومية أو التي تشتغل في نفس التخصص، فلا مجال لفرض مقتضيات داخلية تهم مؤسسة عمومية على مؤسسة عمومية اخرى ولو كان لهما نفس التخصص، الا ما تفرضه النصوص القانونية وتحكمه السلطة الادارية المراقبة وهي بصدد رقابة اعمال ونشاطات المؤسسات العمومية التي قيدها المشرع بالتخصص وخضوعها للرقابة من طرف السلطة المركزية على غرار الادارة اللامركزية الاقليمية ( الجماعات الترابية).

إن المنطق الذي يدار به التراب لا من حيث الاختصاصات ولا من حيث درجة الاستقلال الكامنة في الشخصية المعنوية الممنوحة لهيآت اللامركزية بصورتيها الاقليمية والمصلحية لهو مرتبط اشد الارتباط بتطور الدولة وتقوية اجهزتها، ووعي مختلف الفاعليين داخلها بأهمية دعم كل ما هو محلي وتقوية المجال الترابي، فهي تقوية تنصب على اعادة صياغة رؤية متكاملة حول متطلبات التنمية المحلية، فلا سبيل لتحقيقها بنخب تفتقر فيهم ابسط الشروط لاستشراف فقط حصول التنمية، فكيف بمن لا يعرف شيءا عن اساليب التدبير، ولا يدرك معنى التفاوض، كيف له ان يفاوض شركات عملاقة في اطار التدبير المفوض لاحدى المرافق الجماعية، بحيث يلتزم على شروط تلعب عليها الشركات المفاوضة وهي مدركة ان الناخب المحلي غير مؤهل لمعرفة نواياها التي تبقي الربح الوفير احدى ابرز ما تفاوض عليه.

 ويبرز ذلك بجلاء مع تضمين الشرط الجزائي الذي تفرضه هذه الشركات في حالة طلب فسخ العقد من طرف الادارة، إذ يبقى شرطا كافيا لمعرفة الخلل الكبير الذي يعرفه التدبير الترابي خلل ناتج عن النصوص القانوينة التي تؤطر اللامركزية وإصرار الفاعل المركزي على الحفاظ على التوازنات بالرغم من اضرارها بمستقبل البلاد، فلا مجال للمحاباة في امر يهم مستقبل البلاد ورفاهية المواطنين وبالتالي تطور الدولة، فليس هناك في روح الدستور الذي يستلهم من توجهه الكامل في مختلف فصوله وبشكل واضح ما ينحو الى المساواة بالمحاباة، بل هناك الرغبة في تجاوز الاشكالات التي كانت تعيق تحقيق التنمية، فلا مساواة فيما يضر بمستقبل الوطن وتخلفه عن التنمية المستدامة، التي بها خلل عميق فلازال الطريق صعبا لضمان مستقبل الاجيال الحالية، وحتى التفكير في ضمان عيش الاجيال المستقبلية في ظروف افضل لازال محدودا.

 ولا يقتصر الاشكال في المستوى العلمي الذي ينبغي توفره في النخب المحلية لتولي مسؤولية تحقيق التنمية المنشوذة، بل الامر اعمق من ذلك في ظل تنامي الولاءات الحزبية والانتماءات العرقية والتعاطف في منح التزكية للمترشحين لتولي خدمة الصالح المحلي، فتغيب بشكل واضح الطاقات القادرة على تدبير بنجاعة وحكمة الجماعة الترابية، بل قد تمنح لها الفرصة في بعض الدوائر الانتخابية فتجد معارضة يفتقر فيها الحس الوطني وحس خدمة الجماعة والدفاع عن كل ما يضر بها، فتبقى رهينة افشال كل ما تعتزم الاغلبية تنزيله وتخضعه دائما للتشكيك، ما يؤدي الى نسف الجهود وعرقلة التنمية.

 وغالبا ما تؤدي الصراعات الحزبية التي قد تصل في احيان كثيرة الى تبادل الشتم والعبارات المخلة بالاداب والاخلاق الحميدة التي ينبغي ان تكون اول ما يتوفر في الناخب المحلي لوضع ثقة المواطنين فيه، وهو سبب مباشر في ما يعرفه المشهد السياسي في المغرب وعزوف المواطنين عن عالم السياسة الذي يعتبرونه "خديعة" لتولي المراكز والحصول على "الكراسي"، فمهما حاول السياسي ان يخدم التراب المحلي يبقى عمله محكوم بتلك النوايا، وجاء ذلك نتاج ازمة ثقة لطالما حاول الفاعل المركزي اصلاحها ببرامج ومشاريع تكتسي بعدا تنمويا لم يكتب لها ان تلامس بعض المناطق في جهات المملكة التي ظل يحكمها التهميش والعزلة، بالرغم من المشاريع الضخمة التي استفادت منها مدن ومناطق على امتداد التراب الوطني.

إن التنمية ليست "وصفة سحرية يمكن تحقيقها بكبسة زر" بل هي ارادة من الفاعل المركزي بالتنازل عن دفعة اخرى من الاختصاصات، وذلك بعد تأهيل التراب المحلي وتأطير عمل النخب المحلية الذي أخطأ المشرع حينما حذف المؤهل العلمي كشرط لتولي رئاسة المجلس في الوقت الذي كانت مطالب برفع المستوى العلمي الى حصول الناخب على شهادة الباكالوريا وإن كانت بدورها غير كافية لنجاح المنتخب في التدبير الترابي، لكنه كان صائبا بحذف المؤهل العلمي نهائيا مادام انه مصر على اشتراط مستوى شهادة الدروس الابتدائية، لأن هذه العبارة كانت نقطة سوداء في الميثاق الجماعي السابق قد تصدم من يدرس التنظيم الجماعي المغربي من الباحثين الاجانب، اذ لا فرق بين شهادة الدروس الابتدائية وبين من لم يدخل المدرسة، لأن في المستوى الابتدائي يتلقى المتعلم ابجديات التعلم التي من خلالها يتمكن من مواكبة المرحلة الاعدادية والثانوية في سبيل الوصول للتعليم العالي الذي يتلقى فيه المتعلم منهجا لتصريف ما تعلمه بشكل اكثر تعقلا وحكمة، فالمرحلة الابتدائية هي مرحلة اولية لن تساعد الانسان الا على ادراك العمليات البسيطة واكتشاف محيطه، فيما التدبير الترابي يتطلب مؤهلات علمية متميزة مقترنة برغبة وتضحية من اجل تحقيق رفاهية الساكنة المحلية وهو قبل ذلك مسؤولية جسيمة لا ينبغي ان يتقدم اليها الا من يرى في نفسه قدرة على تحملها.

إن الاستدلال بان الدستور الحالي نص على المساواة في تقلد المناصب وخدمة الصالح العام وأن اشتراط مستوى علمي للترشح في الانتخابات الجماعية والجهوية مقتضى يخالف الدستور لهو بحق تحريف للدستور والوقوف على المعنى الحرفي دون الاستناذ الى التحليل والتدقيق، فلن يقصد واضعوا الوثيقة الدستورية التي صادق عليها المغاربة ملكا وشعبا مساواة تغرق التدبير الترابي في المزيد من الازمات وهي الوثيقة نفسها التي تضمنت مبادئ متميزة من قبيل التدبير الحر ومبدأ التفريع وربط نقل اي اختصاص بنقل الموارد الخاصة به وربط المسؤولية بالمحاسبة...، ولعل ما يحصل حاليا مع شركة للتدبير المفوض للماء والكهرباء في مناطق من المملكة لخير دليل على سوء التدبير الناتج عن وجود نخب غير مؤهلين ان لم يكن علميا فهم غير متوفرين على حس المواطنة الصادقة، فلا يوجد عاقل يوقع على عقد للتدبير المفوض بشرط جزائي في حالة فسخ العقد من طرف الجماعة بمبلغ أقل ما يمكن وصفه به بالكبير في ظل الوضعية المالية الهاشة التي تعرفها اغلب الجماعت الترابية بالمملكة ...

ان تحقيق رفاهية الاقليم لن يتأتى بأشخاص مسلوبي الارادة يسهل على ممثلي الادارة المركزية إخضاعهم والتحكم في مجالات تدخلهم وفي ضبط اختياراتهم، فمن لا يعرف نطاق عمله ومجال تدخله وحقوقه وواجباته المؤطرة بصريح القانون، لا يمكنه ان يقوم بأعمال تحقق التنمية، بل سيجعل من وظيفته مجالا لتصريف الاعمال التي خطط لها الفاعل المركزي وبلور توجهاتها وأجندة أهدافها بالاعتماد على الادارة اللاممركزة القريبة من الساكنة المحلية والتي غالبا ما يحكمها هاجس الحفاظ على النظام العام هذا الذي قد يصطدم مع انتهاك حقوق وحريات شخصية كفلها الدستور، وقد لا تلامس التنمية بشكل واضح في اعمال الادارة اللاممركزة بل قد يكون تأثير عليها بهذا الهاجس، إلا ان هذا لا يشكك في الدور المحوري والاساسي للمصالح اللاممركزة في عملية التنمية، لانها عملية معقدة لن تنجح الادارة اللامركزية وحدها في تحقيقها بل ينبغي تحقيق الالتقائية بين عمل الادارة اللاممركزة والادارة اللامركزية الذي ينصب عملهما على نفس التراب المحلي.

 والقول أن أعمال الادارة اللاممركزة لا تلامس التنمية بشكل واضح ناتج عن المنطق المختلف الذي يقوم عليه عمل الادارة المركزية ومنه ممثليها على المستوى الترابي وهو عمل يقوم على الحفاظ على التوازنات في الدولة والتوفيق بين المصالح الذي قد يضر بمنطقة او جهة وينفع جهة او منطقة اخرى، فالحفاظ على النظام العام يظل حاضرا بقوة في اعمال ونشاطات الادارة اللاممركزة وهو ما يمكن ان تستفيذ منه الادارة اللامركزية في عملها، وذلك ان توفرت في النخب المؤهلات التي تساعد على الدفاع عن كل اختصاص أصيل للادارة الترابية ارادت اي جهة التطاول عليه ...

لذلك فالتنمية الترابية تتحقق بشكل اساسي من خلال الجماعات الترابية التي منحت لها اختصاصات اكثر تأطير واستيعاب بعد ربط الية نقل الاختصاص بنقل الموارد المالية الخاصة به، وايضا التدبير الحر الذي سيمكن الجماعة من الاستقلالية الفعلية بعدما كانت استقلالية محدودة، وهو الامر الذي نتمنى ان يؤدي الى وعي الناخب المحلي بالاختصاصات الممنوحة له، ومحاولة مواكبتها في سبيل استغلالها لتحقيق التنمية الترابية الذي يبقى مطلب ملح بعد المستجدات التي جاء بها الدستور الحالي، الذي منح للجماعات الترابية وعلى رأسها الجهة سلطة تدبير شؤونها بشكل ديمقراطي بعيدا عن المضايقات التي كانت تتعرض لها في السابق، والتي كانت تعرقل في احيان كثيرة اعمالها التنموية، وهي العرقلة الناتجة عن كثرة المساطر وغموض النص القانوني والضبابية التي كانت تحيط بعمل الهيآت الترابية من كل جانب ...   
 



الثلاثاء 17 نونبر 2015

عناوين أخرى
< >

الجمعة 19 أبريل 2024 - 01:41 كليات القانون فى جامعات المستقبل

الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 10:43 محنة المدونة


تعليق جديد
Twitter