MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



الاعدام، العقاب المقدس بقلم النقيب عبد الرحيم الجامعي

     



الاعدام، العقاب المقدس بقلم النقيب عبد الرحيم الجامعي
 
مسودة القانون الجنائي التي نشرتها وزار ة العدل والحريات  ليست اكذوبة ابريل كما تتناقلها الإشاعات كل سنة عند حلول هذا الشهر، بل هي الوثيقة والحقيقة الصادمة  التي قدمتها الوزارة ا بموقعها الأليكتروني والتي تفوح منها رائحة الموت من خلال الحرص على النص على عقوبة الاعدام في العديد من موادها التي تختزن عشرات الحالات التي تؤدى بمقترفيها إلى المقصلة والمقبرة. 
 
نعم، أكدت مسودة القانون الجنائي  هاته، النظرة التقليدية للدولة  لفلسفة العقاب التي سادت في القرون الوسطى الى نهاية الحرب العالمية  الثانية والتي قامت على ثقافة  القتل بالقتل،  والتي قادت مفكرين وقانونيين ومثقفين إلى بلورة حركة المناهضة لهذه  العقوبة ، وصلت أوجها عندما بلغ عدد الدول التي لا تعرف بالاعدام الى اكثر من ثلث دول العالم، والمشروع بهذا الأفق يعاكس اتجاه التاريخ  وتطلعات الإنسانية

أكدت مسودة القانون الجنائي الذي طرحته وزارة العدل عدم اعترافها بالقيمة المطلقة للحق في الحياة  وإصرارها وتشبتها بحق الدولة في قتل مواطنيها ، وهذا يعني بوضوح ان المسودة ولو  عن غير قصد،  أعطت للدولة فرصة ارتكاب جريمة القتل مثلها مثل الشخص الذي ارتكب تلك الجريمة ، ووقفت مكرسة نظرة  المدرسة تقليدية التي تستعمل السن بالسن والأذن بالأذن والقتل بالقتل، دون مراعاة المهام والأدوار الحقيقية التي تقوم بها الدول التواقة للتحضر والتحديث وإعطاء القدوة لمواطنيها في كل المجالات بما فيها مجال العدالة الجنائية.

أكدت مسودة القانون الجنائي على قدرة الدولة خلط الدين بالسياسة في مجال تبرير  الموت بواسطة حكم القضاء،  كما كرست خلط قواعد الشريعة بثقافة القانون الوضعي،  فترى النص المعروض  ينتقى بشكل غير مفهوم ولا منسجم لا مع عقل ولا  مع منطق   أفعالا  تفتي فيها الشريعة بقطع اليد والقتل بالرجم وغيرهما وبتجنب الحكم فيها بعقوبات محددة نصا، وبالمقابل لا يختار إلا القتل  ليستشهد بالقرآن وما حدده من عقاب ليبحث بذلك عن دريعة يقول بها بضرورة الإبقاء على عقوبة الاعدام. ومن هنا تتنصل المسودة لأصول القانون الجنائي ومشاربه كما أتى بها منذ سنة 1962 أي قبل أكثر من نصف قرن.

أكدت مسودة  القانون الجنائي التي تقترحها وزارة العدل ان المسودة  لا تتبنى فلسفة الدستور وروح المادة العشرين منه،  وأكدت صراحة انها  ترفض  الاعتراف  بان خلق هذا الفصل الدستوري ما كان له ان يكون سوى من أجل إلغاء عقوبة الاعدام وليست له مكانة في النص الدستوري  إلا من اجل ان تجد فيه السلطتين التنفيذية والتشريعية السند والمرجع من اجل الإنهاء والإلغاء التام والكامل لعقوبة الاعدام. 

أكدت مسودة القانون الجنائي المعروض من قبل وزارة العدل في قصية عقوبة الاعدام،  انها تعاكس المقاربات التي تروم إلغاء هذه  العقوبة ، وهي المقاربات التي  تعود لمقترحات توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، وتصريحات بعض المسؤولين المغاربة بلجنة حقوق الانسان بجنيف، وتقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان في يونيو من السنة الماضية لما طالب الحكومة إلغاء عقوبة الاعدام وقبله مواقف الحركة الحقوقية منذ عقود من هذه العقوبة، فجاءت المسودة لتسجل تقهقرا  نحو  الاتجاه السلفي العتيق، وهذا يدل على ان الدولة لا بحكمها منطق الانسجام  في مواقفها ولا منطق الاحترام لالتزاماتها امام مواطنيها وامام العالم.

اكدت مسودة القانون الجنائي المعروض من قبل وزارة  العدل  والحريات بشكل مُلفِت ومدهش انها تكيل بمكيالين مع الاعراف والقيم الكونية ، إذ انها نصت على الاعدام  كعقاب  على  ارتكاب الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة ولم تنتبه ان هذه الجرائم لها عقوبة محددة في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية وهي ليست عقوبة الإعدام بالطبع، فكان على المسودة اما ان ترفض الاعتراف بمثل هذه الجرائم واما النص على العقوبات التي حددتها اتفاقية روما وبالتالي عدم النص على الاعدام عقابا لها.

وأخيرا  اكدت مسودة  القانون الجنائي التي عرضتها وزارة العدل، ان وراء الأكمة  ما وراءها،  اي ان  من وضعوها  لهم مواقف خفية ومريبة من قيم حقوق الانسان  ويتوجسون من تمديد الحماية التشريعية والمؤسساتية للمواطن من كل انتهاك لحقوقه واولها الحق في الحياة، ويتوهمون ان عقوبة الاعدام هي سلاح لمواجهة الجريمة وتطورها وتصاعدها وتوسعها ، متناسين ان الاعدام ليس بديلا  ولا مفيدا ولا حاسما في انتشار الجريمة  منذ بداية الانسانية ، غافلين عما أكده العِلمُ الجنائي ان التشدد اللامشروط  في العقاب هو بمثابة  تكسير لعملية التحام واندماج وتصالح  المنحرفين مع محيطهم و مع مجتمعهم وعنوان فشل الدولة ومؤسساتها عن القيام بأدوارها في الإصلاح وإعادة التربية      .   

هذه  بعض توجهات المسودة وأبعادها، والتي كان الجميع يترقب ان تكون مُبْــيَضة  خالية من عقاب القتل والإعدام.

المسودة  المعروضة والتي تشبتت بعقوبة الاعدام دون ان تلغيها نهائيا،  هي لحظة حداد قانوني  يضرب في الصميم انتظارات حركة المناهضات والمناهضين لعقوبة الاعدام و يقتل الأمل الذي طالما حَمل الحقوقيين للحُلم بقرب الغائها. 

انه  من النضج السياسي  ومن الذكاء الدبلوماسي  ومن الحكمة الحقوقية ومن الثقافة الاخلاقية  وامام هذه المخاطر التي لا يقبل فيها جدل،  ان تسحب المسودة نهائيا، وان تعاد لمصدرها و للمصنع  الذي أنتجها، لأنها كالسلعة غير الصالحة للإستهلاك ، لان عرضها بمضامينها المخلة  بقيم الدستور  الكبرى  و بالشكل الذي أتت به  وبالطريقة الاحادية الخفية ، يمكن ان تكون  له انعكاسات لا يحمد عُقباها عاجلا وآجلا وداخل المغرب وخارجه.
 
اناديكم أيها السياسيون الديمقراطيون والحقوقيون والقانونيون والجامعيون والصحفيون والعلماء ونساء ورجال الفكر ... ان تعبروا عن الرفض لهذا التوجع القاتل في مسودة القانون الجنائي، وأن تطالبوا بسحبها وأن تؤكدوا أننا مواطنون يريدون نصا جنائيا نظيفا خاليا من عقوبة الإعدام.


الرباط: 7 ابريل 2015
 
 



الخميس 9 أبريل 2015


1.أرسلت من قبل علي الركراكي في 03/05/2015 12:31
نحن كمتخصصين في القانون الجنائي والعلوم الجنائية، متفقين نحو الإبقاء على عقوبة الإعدام وخاصة في جرائم القتل والدم، فعقوبة الإعدام بغض النظر عن التنصيص عليها ضمن الصكوك الدولية والاتفاقات الدولية، وخاصة بروتوكول الحقوق المدنية والسياسية، والقانون الجنائي الإسلامي، فإن عقوبة الإعدام لا تتعارض مع الحق في الحياة، بل بالعكس قد تم إهدار الحق في الحياة، كما يجب أن نعي خصوصية المجتمع المغربي أثناء تحليل الظاهرة الإجرامية، ولذلك نحيي وزارة العدل على هذا الاتجاه الذي يتساير والفقه الجنائي المغربي وإن كانوا قلة قلائل، فالغاية الاسمى تظل هي حماية المجتمع وعدم التمادي في الإجرام، وليس مراضاة بعض الدول الغربية حتى يسجل المغرب في سجل نظرا لانماء بعض الذين يزعمون حقوقيين لبعض الأحزاب والجمعيات مقابل الدعم المالي الذسن يتلقونه، وقد اتضح ذلك في العديد من الندوات واللقاءات التلفزية

تعليق جديد
Twitter