MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



الاستعمال السياسي للمعطيات الشخصية خلال الحملة الانتخابية: تحديد المسؤوليات وترتيب الآثار القانونية ؟ بقلم د بوعياد محمد هشام

     

بوعياد محمد هشام
دكتور في القانون
باحث في مجال حماية المعطيات الشخصية



الاستعمال السياسي للمعطيات الشخصية خلال الحملة الانتخابية: تحديد المسؤوليات وترتيب الآثار القانونية ؟ بقلم د بوعياد محمد هشام
أجمع المتتبعون على أنه من بين ما ميز الحملة الانتخابية المتعلقة بالإستحقاقت الجماعية والجهوية الاستعمال المكثف لوسائط الاتصال الحديثة من طرف الأحزاب السياسية. بحيث تفاجئ العديد من الناخبون بتوصلهم بمجموعة من الرسائل النصية الهاتفية والرسائل الإلكترونية أو من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي تعرف بهذا المرشح أو ذاك أو كذا بمنجزاته وبرنامجه الانتخابي ويدعوهم من خلالها إلى التصويت عليه.

هذا وإذا كانت هذه الممارسات تدخل في صلب عملية التواصل السياسي (communication politique)التي أضحت في دول أخرى وسيلة فعالة لاستمالة الناخبين واستهدافهم وفق مجموعة من المعايير الموضوعية منها ما هو ديموغرافي (سن)، أو اقتصادي اجتماعيإلا أن هذه العملية التواصلية تبقى مؤطرة بمجموعة من الضوابط القانونية والأخلاقية نظرا لما يمكن أن تخلفه من مساس بالحياة الشخصية للفئات المستهدفة.

وبالرجوع إلى الإطار القانوني الذي يحكم الاستعمال السياسي للمعطيات الشخصية للمغاربة من طرف المرشحين، فإن مدونة الانتخابات تبقى صامتة بخصوصهذا الموضوع بحيث لاتتضمن أي مقتضى قانوني يؤطر هذه العملية؛ كما أنها لاتتضمن أي إحالة على القانون رقم 09-08 المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي و الذي يعتبر القانون العام الذي يجب أن يحكم أي معالجة أو استعمال للمعطيات الشخصية للأشخاص. هذا وبالنظر إلى خلو مدونة الإنتخابات من أي مقتضى يرسي نظاما خاصا استثنائيا بالمقارنة مع القواعد القانونية المتضمنة في القانون 08-09 المذكور، بالإضافة إلى غياب أي نص قانوني يستثني العمليات الانتخابية من نطاق تطبيق قانون حماية المعطيات الشخصية، فإن المقتضيات الحمائية المضمنة في هذا الأخير تبقى سارية المفعول على اعتبار أنه القانون الأصيل الواجب تطبيقه كلما تعلق الأمر بعمليات معالجة للمعطيات الشخصية للمواطنين.

وجدير بالتذكير بأن القانون رقم 08-09 المذكور يضع على عاتق الأشخاص المسؤولين عن معالجة المعطيات الشخصية (responsables de traitement) مجموعة من الالتزامات القانونية تحت طائلة عقوبات إدارية بل وجنائية نذكر من بينها : إلزامية التصريح المسبق بعملية المعالجة لدى اللجنة الوطنية لحماية المعطيات  الشخصية (CNDP)أوطلب الترخيص قبليا بذلك إذا ما تعلق الأمر بمعلومات حساسة (رقم البطاقة الوطنية، الملف الطبي، المواقف السياسية أو الإنتماء الديني....)، ضمان الأمن المعلوماتي للمعطيات وحمايتها من أي اختراق، طلب موافقة صاحب المعلومة، احترام الغاية من المعالجة وطبعا عدم المتاجرة وبيع هذه البيانات...). كما أنه يعطي للأشخاص المستهدفين من عملية المعالجة مجموعة من الحقوق نذكر منها : الحق في الولوج إلى المعلومات الخاصة به وطلب تعديلها أو الإعتراض على استعمالها بمبرر شرعي، بل و في بعض الدول المتقدمة الحق في النسيان المعلوماتي (droit à l’oubli).

انطلاقا مما سبق،يمكن ان نطرح مجموعة من علامات الاستفهام والتي تساؤل :

أولا المشرع و الحكومة: ذلك أن الحكومة و البرلمانلم يستطلعا رأي اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية (CNDP) بصفة قبلية بخصوص مدونة الانتخاباتأو قبيل العملية الإنتخابية لتحديد الضوابط الواجب احترامها من طرف الأحزاب السياسية لحماية المعطيات الشخصية للناخبين. وهو ما ينمعن غياب او بالأحرى تغييب ثقافة حماية المعطيات الشخصية لدى الفاعلين المؤسساتيين الرسميين مع العلم أن الحكومة والبرلمان كلاهما أعد و تدارس سنة 2009القانون رقم 09-08المتعلق بحماية المعطيات الشخصية.

إن غياب أي إحالة على قانون حماية المعطيات الشخصية من طرف مدونة الإنتحابات تستدعي توضيح عناصر التمفصل القانوني (articulation) ما بين الاستعمال السياسي للمعطيات الشخصية بصفة عامة وخلال الحملات الإنتخابية بصفة خاصة و ضرورة الحماية القانونية للمعطيات الشخصية الناخبين، وما إن كان الفاعلون السياسيون والعملية السياسية برمتها تخضع للمقتضيات الحمائية المضمنة في قانون حماية المعطيات الشخصية او أنها تشكل استثناءيحول دون تطبيق هذا القانون وتستباح من خلاله حرمة الحياة الشخصية للمواطنين كما هو الحال بالنسبة للاستثناءات المتعلقة بقضايا الأمن الوطني والدفاع (مادة 2 من القانون 09-08 المذكور).

ثانيا الأحزاب السياسية: أول ما يمكن إثارته في هذا الصدد هوأن الدعاية المستعملة من طرف
المرشحين خلال الحملة كانت بطريقة عشوائية دون مراعاةلأدنى معايير الاستهداف لاسيما الانتماء الجغرافي في استهداف الفئة الناخبة المعنية محليا وجهوياحيث توصل مجموعة من الناخبون ببروفيلات وبرامج مرشحون من مدن أخرى وهو ما يناقض مبدأ التناسبية في استعمال المعطيات الشخصية.
وبصفة عامة، فإذا كانت مدونة الانتخابات تمكن الأحزاب السياسية من طلب نسخ من اللوائح الانتخابية النهائية للكتلة الناخبة المسجلة مع شرط أن يكون هذا الطلب مبررا، فإن المعلومات الشخصية المتوفرة من خلال هذه اللوائح لاتتجاوز الاسم الكامل ورقم البطاقة الوطنية وعنوان الناخب. ورغم ان هذه المعطيات تبقى شخصية في مدلول المادة الأولى من القانون 08.09 المذكور، بل وحساسة في ما يتعلق برقم البطاقة الوطنية (مادة 1 فقرة 3)، إلا أن هذه اللوائح لا تتضمن لا الأرقام الهاتفية  للناخبين أو عنوانهم الإلكتروني أو حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو مايطرح مجموعة من الأسئلة : فهل قامت الأحزاب السياسية بالتصريح (déclaration) لدى اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية (CNDP) بمعالجة  المعطيات الشخصية وطلب الترخيص  (demande d’autorisation)باستعمال الحساسة منها (الفرع الأول والثاني من الباب الثالث)، أم أن هذه العملية تمت خارج القانون في ضرب سافر للمبدأ الدستوري الذي يقضي بحماية الحياة الخاصة للأطراف(فصل 24).وكيف يمكن أن نطلب من الأحزاب السياسية الانتصار والوفاء بوعودها الانتخابية والدفاع عن حقوق المواطنين الشخصية والجماعية إذا كانت اول من يخرق القوانين وينتهك حرمة حياتهم الخاصة ومعطياتهم الشخصية.

إلا أن السؤال الحقيقي الذي وجب على الأحزاب السياسية الإجابة عنه هو الكشف عن المصدر الذي استقى منه مرشحيها المعطيات الشخصية المتعلقة بالأرقام الهاتفية وعناوين البريد الإلكتروني. وهو ما يطرح على الطاولة فرضية جمع هذه المعطيات بطريقة تدليسية عن طريق استعمال شبكات سمسرة تنشط على مستوى بيع وتفويت قواعد المعطيات الشخصية للمواطنين في السوق السوداء  لأغراض الدعاية التجارية أساسا ولم لا السياسية أيضا، مع الإشارة إلى أن هذه التجارة والتي أصبح سوقهاتقدر بالملايير، تعتبر ممارسات يعاقب عليها جنائيا (فصل 54 من القانون 08-09)

ثالثا :اللجنة الوطنية لحماية المعطيات  الشخصية (CNDP) :

لقد جعل المشرع من هذه الهيئة المؤسسة الموكولة إليها بالدرجة الأولى حماية المعطيات الشخصية للمواطنين كيفما كان استعمالهاومكنها من مجموعة من الآليات القانونية للإطلاع بمهامها(سلطة البحث، الإحالة الذاتية... ) ما لم يمكن غيرها من مؤسسات الحكامة الدستورية (مجلس المنافسة، الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة...). إلا أننا لاحظنا ضعفا في مواكبة العملية الإنتخابية. فباسثتناء نشر مداولة رقم 1078.15بخصوص الاستعمال السياسي للمعطيات الشخصية بشكل متأخر 6 أياما فقط قبل انطلاق الحملة الإنتخابية (28 غشت) وهو أجل غير كاف وغير مناسب نظرا لتزامنه مع حمى استعدادات الأحزاب لخوض معركة الحملة الإنتخابية، كان من الأحرى القيام بعدة مبادرات استباقية هادئة عن طريق نهج حملات وطنية تحسيسية واسعة ومكثفة قبل، إبان وبعد العملية الإنتخابيةلفائدة الأحزاب السياسية من جهة، من أجل مواكبتها وتعريفها بالتزاماتها كمؤسسات مسؤولة عن المعالجة (responsables de traitement) مع تبيان الممارسات الغير القانونية الواجب تجنبها في هذا الصدد، ومن جهة أخرى اتجاه الهيئة الناخبة المستهدفة عن طريق التعريف بحقوقها كالولوج أو التعديل أو التعرض المبررعلى استعمال المعطيات الشخصية ...إلخ.

إلا ان هذه الهيئة تبقى مطالبة بالدرجة الأولى وبصفة استعجالية بفتح تحقيق مستقل بخصوص مصدر البيانات الشخصية المستعملة من قبل المرشحين وكذا الخروقات التي شابت الحملة الإنتخابية والمتعلقة بالاستعمال التدليسي للمعطيات الشخصية للناخبين مع تحديد المسؤوليات وترتيب التدابير اللازمة وإن اقتضى الأمر الإحالة على العدالة في حق مسؤولي المعالجة المتورطين في هذه الممارسات طبقا للمادة 28 من النص المحدث لهذه الهيئة.
 



الاثنين 28 سبتمبر 2015

تعليق جديد
Twitter