MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



الأمراض الإدارية الناجمة عن السلوك المرضي للمسؤول الإداري

     



الأمراض الإدارية الناجمة عن السلوك   المرضي للمسؤول الإداري

 اطلعت على  التقرير الذي أعدته الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة حول الموارد البشرية بالوظيفة العمومية برسم سنة 2013، فتبينت أن العدد الإجمالي لموظفي القطاعات الوزارية لا يتعدى 534.279 موظفا ، وأن نسبة الموظفين العازبين ارتفعت من 69، 25% سنة 2006 إلى 46، 28% سنة 2009 ، وبلغت 15، 32 % سنة 2013 ، بينما انخفضت نسبة المتزوجين حيث انتقلت من 73، 71 % سنة 2006 إلى 59، 68 % سنة 2009 وبلغت 08، 66% سنة 2013 ، في الوقت الذي عرفت نسبة المطلقين انخفاضا سنة 2013 حيث بلغت 52، 1 % في الوقت الذي كانت هذه النسبة سنة 2006 ما يناهز  14، 2 % .

   والغريب ان الحكومة مرت على هذا التقرير مرور الكرام ، بل وأنها ماضية في اصدار مجموعة من المراسيم التي تصب في إعادة النظر في الفلسفة التي يقوم عليها قانون الوظيفة العمومية الصادرة في بداية الاستقلال ، حيث كان مشبعا بنسائم الحرية والديمقراطية حتى لو كانت نسبية ، وذلك بإصدارها لمراسيم غير دستورية من قبيل المرسوم المتعلق بإعادة الانتشار دون تعديل لقانون الوظيفة العمومية .

  لكن ألم يكن الأجدر بالحكومة الممثلة في شخص الوزارة المكلفة بقطاع الوظيفة أن تتساءل عن مبررات ارتفاع نسبة العزوبة لدى الموظفين العموميين مع ما واكب ذلك من انخفاض لنسبة المتزوجين ، مع استقرار نسبة المطلقين في 52، 1 % مقارنة مع سنة 2006؟ ثم ما هي نسبة الموظفين المتابعين زجريا بسبب اصدار شيكات بدون رصيد ، وكم عدد الموظفين الذين صدرت أحكام ضدهم بالإفراغ بسبب عدم قدرتهم على أداء الوجيبة الكرائية التي تخلدت في ذمتهم ، وكم عدد الموظفين الذين لم يسبق لهم قط السفر خلال عطلهم بسبب الفاقة ؟

   بداية لا بد من الإشارة إلى أنه تؤكد منظمة الصحية العالمية وفقا للبحث الذي أجرته سنة 2007 أن أي جهة حكومية في بلاد العالم تخسر ما يعادل 9.660آلف دولا سنويا بسبب حالة الإحباط التي يعاني منها الموظفون مع معدلات انتاج منخفضة بنسبة 40%سنويا ، وتوقعت هذه المنظمة أنه بحلول سنة 2020 ستشكل الأمراض النفسية لدى الموظفين أهم الأسباب في تدني مستوى التنمية والتطور ، ونبهت إلى أنه يتعين على أي مسؤول إداري أن يكون على علم  بأن 20% من موظفيه يعانون أمراضا نفسية متفاوتة الخطورة .

  وفي هذا الإطار أجرت جريدة "الجريدة" الكويتية استبينا على 200 موظف وموظفة  حول الحالة الصحية والنفسية للموظفين وخلصت إلى أن جل الموظفين يعتقدون بأنهم يعانون من انفصام الشخصية ، يليه مرض الاكتئاب والوسواس القهري ثم الفوبيا .

    ونحن نعتقد بأنه حتى مع غياب أي تقرير مغربي في الموضوع ، نرى  بأن الوضعية ستكون أخطر على اعتبار أن دخل الموظف المغربي العادي وليس المدراء العامون ومن في حكمهم ، يعتبر تافها بالمقارنة مع الدخل الكويتي ، مما قد يوفر له رغد الحياة .

 ولا غرو أن الحالة النفسية لرئيس الإدارة قد تؤثر سلبا أو إيجابا  على مساعديه  سواء كانوا مسؤولين أو أطرا، ذلك أن المرض لا يميز بين المسؤول وغير المسؤول ، إلا أن مرض المسؤول الأول يكون ارستقراطيا يليق بمركزه الإداري ونفوذه الأدبي  ،غير أنه خطورة مرضه تكمن في الحالة التي يعتقد بأنه يقوم بإعادة تأهيل الإدارة التي يشرف عليها ، وهو بتصرفاته يدمرها .أي يحسب أنه يحسن صنعا في الوقت الذي يعيث فسادا .

   وقد قال تعالى في سورة الكهف الآيتان 102 و 103 "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا" صدق الله العظيم .

 وفي هذا الإطار لابد من الإشارة أن جل الأمراض النفسية التي يعاني منها رئيس الإدارة  تنعكس لا محالة على مرؤوسيه  وعلى الجو العام للإدارة  وحتى المرتفقين.

 وقد ميز علماء النفس بين مجموعة من المديرين المرضى ، نذكر على الخصوص ما يلي :

*المدير المنغلق ، وهو المدير الذي يجمع كل الامتيازات الإدارية  لديه معتقدا بانه أولى بها من غيره،تماشيا مع مبدأ "أنا وحدي نضوي البلاد " بحيث هو الذي يحضر الاجتماعات وهو الذي يترأسها ، وهو الذي يسافر خارج الوطن ، وهو الذي يقرر فيما هو قانوني ومعلوماتي بل وحتى في لباس مرؤوسيه ....

*المدير التافه الذي لا يقوم بأي جهد لحل المشاكل العالقة ويطلب من مرؤوسيه اتيانه بالحلول قبل المشاكل ، غير أنه يحب أن يحمد بما لم يفعل .

*المدير الاتكالي ، وهو الذي يفوض جميع اختصاصاته لمرؤوسيه ، شريطة أن يظهروا له الولاء ويعاملونه أمام العامة على أنه رئيسهم  وأنه لولاه لما أمكن للإدارة أن تسير .

*المدير النصاب ، وهو الذي يعمل على الانتفاع من الإدارة نفعا شخصيا ماديا ومعنويا ، مع أخذ الاحتياطات لكي لا يضبط متلبسا بجرمه ؛

 يقول تعالى في  سورة البقرة آية 205  "وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ، فحسبه جهنم ولبئس المهاد" صدق الله العظيم .

*المدير المراوغ ، وهو الذي يعيش على فلسفة فرق تسود ، منهجه في الحياة الإدارية العيش على اصطدام الموظفين فيما بينهم ؛

*المدير الغوغائي الذي يقرب منه من يقول "العام زين " ويبعد عنه من لا تأخذهم في قول الحق لولمة لائم.

   وهناك العديد من الحالات النفسية التي يوجد عليها بعض المسؤولين الإداريين ، وكلما اعتقدت أنهم سيعزلون من مناصبهم إلا وترقوا إلى مناصب أعلى . وهذا ما يؤدي إلى الإحباط لدى العاملين معهم، على اعتبار أن الترقية في مناصب المسؤولية قل ما ترتبط بالكفاءة وتشترط الولاء والاستعداد اللامشروط لتنفيذ التعليمات حتى لو كانت منافية للشرعية والمشروعية .

وضع ، كهذا لابد وأن ينعكس سلبا على حالة الموظفين ولا سيما ذوي الضمائر الحية ، وقد ينتج عنها مجموعة من الأمراض النفسية  لعل من أبرزها في قطاع الوظيفة العمومية العصاب والهسترياوالوسواس والاكتئاب وغيرها .

   وهذا ما يجعل الموظف المريض نفسيا يؤثر في عمل الموظف السوي ،ويجعله يرتكب أخطاء  قد تكون فادحة في معالجة الملفات المركونة له ، أو يتأخر عن الحضور لمقر الوظيفة تلافيا للالتقاء به ، أو يتشاجر معه .

   والمتأمل لقانون الوظيفة العمومية يستخلص بأن  ظهير 24فبراير 1958 بشأن النظام الأساسي للوظيفة العمومية ، يلاحظ أن هذا القانون خص الفصول من 42 إلى 45 مكرر لمعالجة وضعية الموظف أثناء مرضه ، غير أن مقتضيات هذه الفصول لاتساعد على القول بأنها تتجاوز الأمراض العضوية لتشمل كذلك الأمراض النفسية .

    فباستثناء ما ورد في الفصل 44 الذي نص على أنه تمنح رخص مرض طويلة الأمد لا يزيد مجموع مدتها على خمس سنوات لفائدة الموظفين المصابين بالاضطرابات الخطيرة في الشخصية أو الجنون، ويتقاضى طوال الثلاث سنوات الأولى من رخصة مرضه مجموع أجرته ونصف هذه الأجرة طوال السنتين التاليتين.

   غير أنه في الحالة التي يلاحظ المجلس الصحي وقت انقضاء الرخصة ،أن الموظف غير قادر نهائيا على استئناف عمله له أن يحيل المعني بالأمر على التقاعد إما بطلب منه وإما تلقائيا .

   لكن التساؤل المطروح ، ماذا لو أن هذا الموظف مصاب بمرض نفسي كالعصاب ، فكيف تعامل قانون الوظيفة العمومية معه ؟

    ويعرف هذا المرض  بأنه من الأكثر الاضطرابات النفسية حدوثا وهو صورة متواترة للاستجابات الخاطئة لمشاكل الحياة ، وهو يعبر عن صعوبة التأقلم مع المحيط الخارجي ، وقد يظهر على شكل هستيريا او الوسواس .

   فكيف يطلب لمن يوجد في هذه الوضعية أن يدلي بشهادة طبية من أجل الاستفادة من رخصة مرضية ، وهل هذا المرض يدخل في إطار الجنون أو الاضطرابات الخطيرة في الشخصية ؟

  سؤال قد يكون له قيمة قانونية ، في الحالة التي قد يتصرف هذا المريض تصرفا عنيفا تجاه الرئيس ، ويعتبره من التصرفات التي تكيف بأنها مخلة بالاحترام له، ويحيله على المجلس التأديبي ، هذا المجلس الذي يعاب على تركيبته أن أغلبيته تتكون من ممثلي الإدارة وقد يتم تعيينهم من طرف ذلك المسؤول المريض .
غير أنه  في بعض الأحيان فإن القضاء المغربي قد يتمسك ببعض الشكليات من أجل إقرار الاتجاه الإداري تجاه بعض المرضى ، القاضي بعزلهم تحت ستار ترك الوظيف .

وفي هذا الإطار قضت المحكمة الإدارية بالرباط  بمقتضى حكمها عدد 17 بتاريخ 3يناير 2008 في الملف رقم 349/07غ بعدم قبول الطعن لأنه قدم خارج الأجل .
    وتتعلق وقائع الملف بأن  الطاعن  كان يعمل موظفا بإدارة الجمارك برتبة قائد فرقة إلى أن أصيب سنة 1998 بمرض عقلي ، فتطلب خضوعه للعلاج لمدة ستة اشهر تم تمديدها مرتين ثم اشتدت حالته إلى أن تحسنت مؤخرا ليتفاجأ بقرار عزله ، فتظلم لدى  الإدارة بتاريخ 14/06/2007 دون أن يتلق أي جواب ، موضحا أنه كان في وضعية صحية لا تسمح له بالتمييز بالنظر إلى المرض  العقلي والعصبي الذي أصيب به

، وأنه لم يتوصل بأي إنذار ، لذلك التمس الحكم بإلغاء القرار المذكور مع ترتيب الآثار القانونية على  ذلك . غير أن المطعون ضدها التمست في معرض جوابها بعدم قبول الطلب لتقديمه خارج الآجال طالما أن الطاعن سبق أن تظلم لديها عدة مرات منذ سنة 2002 ، واحتياطيا رفض الطلب طالما أن الطاعن لم يبرر تغيباته عن العمل رغم إنذاره .

     غير أن المحكمة في نطاق تعليلها للحكم تمسكت بمقتضيات  المادة 23 من القانون 90.41 المحدثة بموجبه محاكم إدارية ،  التي تنص على أن طلبات إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية ينبغي أن تقدم داخل 60 يوما من التوصل بها مع إمكانية تمديد الأجل في حالة التظلم منها .وأنه لئن كان المشرع قد جعل نقطة احتساب أجل الطعن ابتداء من نشر القرار أو تبليغه للمعني بالأمر  فإن الاجتهاد القضائي جعل العلم اليقيني به محققا لنفس الغاية والآثار طالما كان مستجمعا لعناصره .

   ونحن نعتقد بأن القاضي الإداري في هذه الحالة كان عليه أن يستحضر الوضعية الصحية للموظف ولاسيما أن مرضه ليس جسميا وإنما نفسيا ، مع ما يستتبع ذلك من عدم الفطنة أو القدرة على التمييز ، الشيء الذي يجعل تصرفاتها غير عاملة حتى لو كان يتوصل بالإنذارات، والفيصل في ذلك ضرورة إحالته على خبرة طبية لمعرفة درجة مرضه وتأثيره على الادراك  والتمييز.

   ونستحضر هنا  أن القانون رقم 8 لسنة 2009 بإصدار قانون ادارة الموارد البشرية القطري نص في مادته 104 على أنه يقصد بالمرض المهني المرض الذي تكثر الإصابة به بين المشتغلين في مهنة أو مجموعة من المهن دون غيرهم ، ويعتبر المرض مهنيا إذا ظهرت أعراضه على الموظف خلال مزاولة المهنة أو خلال سنة من تركه المهنة أو الوظيفة .

    وهذا يعني أن بعض الأمراض النفسية قد تظهر على الموظف أثناء ممارسته لوظيفته او بسببها حتى لو تراخى ظهورها إلى ما بعد التقاعد .

وصفوة القول ، فإننا  نهيب بالوزارة المكلفة بقطاع الوظيفة العمومية إلى الجهر بعدد الشواهد الطبية التي يدلي بها المسؤولون الإداريون الكبار ، قبل الصغار ، ونوع المرض الذي يعلنون عنه ، وما إذا كانوا يعالجون لدى الأطباء أم الدجالون ، وكم مرة ذهبوا لدى المنجمين عوضا عن المتخصصين في مرضاهم ، وبالموازاة التصريح بعدد الموظفين الذي يطالبون بالتقاعد النسبي لأسباب مرضية  ناجمة عن القهر الإداري ، وكم عدد المنتحرين ، ومدة بقائهم على قيد الحياة بعد التقاعد النسبي .لأنه من خلال الجواب على هذه الأسئلة ومثلها قد نعلم النسبة المئوية للأمراض الإدارية الناجمة عن التعسف والشطط في استعمال السلطة ضد أعوان الإدارة وموظفيها وأطرها .
 
    كما نهيب بمؤسسة الوسيط لتخصيص عدد خاص لمجلاتها المتميزة للأمراض الإدارية والتوصيات التي أصدرتها تجاه المسؤولين الإداريين على مختلف درجاتهم، رفعا للظلم والشكاوى .
 
 




الاحد 15 ماي 2016


1.أرسلت من قبل Boulahfa noureddine في 16/05/2016 12:03
Nos. Remerciments.

تعليق جديد
Twitter