MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



إن هيأة المحامين بالقنيطرة ومعها باقي هيآت المحامين بالمغرب تدخل في عداد "المصالح ذات النفع العام"، المنصوص عليها في الفصل 224 من ق ج، وأن المفهوم الجنائي لـ "الموظف العمومي" يسري، ليس على مستخدميها فقط، وإنما أيضا على مختلف المحامين المسجلين بجدولها

     

المملكــة المغربية
محكمـة الاستئنــاف بالقنيطــرة
المحكمة الابتدائية بالقنيطرة

ملف جنحي رقم : 4037-2103-16
حكم عدد :
صادر بتاريـخ : 10-11-2016


القاعدة
إن هيأة المحامين بالقنيطرة، ومعها باقي هيآت المحامين بالمغرب، تدخل في عداد "المصالح ذات النفع العام"، المنصوص عليها في الفصل 224 من القانون الجنائي، وأن المفهوم الجنائي لـ "الموظف العمومي" يسري، ليس على مستخدميها فقط، وإنما، أيضا، على مختلف المحامين المسجلين بجدولها ؛ فإن ما يصلهم من أموال خاصة بالمتقاضين، والمحكوم بها لفائدة هؤلاء الأخيرين من قبل مرفق القضاء، أو مجرد سندات تقوم مقامها، كالشيكات وما في حكمها، تعد محمية جنائيا بمقتضى الفصل 241 من ذات القانون، طبقا لتعبيره الصريح في أن كل موظف عمومي: "(..) اختلس (..) بدون حق (..) أموالا (..) خاصة، أو سندات تقوم مقامها، (..) موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها"، مما ينعقد معه الاختصاص النوعي، للبت في الاختلاسات التي يكون موضوعها تلك الأموال، للأقسام المالية بمحاكم الاستئناف، كلما كانت قيمتها تفوق مبلغ (100.000,00) درهم.



نسخة للتحميل

إن هيأة المحامين بالقنيطرة ومعها باقي هيآت المحامين بالمغرب تدخل في عداد "المصالح ذات النفع العام"، المنصوص عليها في الفصل 224 من ق ج، وأن المفهوم الجنائي لـ "الموظف العمومي" يسري، ليس على مستخدميها فقط، وإنما أيضا على مختلف المحامين المسجلين بجدولها

      باســـم جلالـــــة الملـــــك وطبقا للقانون
      أصدرت المحكمة الابتدائية بالقنيطـرة، وهي تبت في القضايا الجنحية التلبسية-اعتقال، بتاريخ 10 نونبر 2016، الحكم الابتدائي الآتي نصه :
بين السيد :
 
وكيل الملك بهذه المحكمة ؛
والمطالب بالحق المدني: هيأة المحامين بالقنيطرة، في شخص السيد النقيب. وينوب عنه الأساتذة: السريدي، محمد زكيات، أحمد العرفاوي، مصطفى العرفاوي، عبد الرحيم الشيهب، المحامون بذات الهيأة.
   من جهــة      
                                          
وبين المسمى :
خ. ك، (..) محام، (..) (في حالة اعتقال).
المتهم بارتكابه داخل الدائرة القضائية لهذه المحكمة، ومنذ زمن لم يمض عليه أمد التقادم الجنحي، جنحة المشاركة في التزوير في شيكات بنكية، واستعمال شيكات بنكية مزورة، والسرقة، الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 129، 357، 359، و505، من القانون الجنائي و316 من مدونة التجارة.
 
يؤازره الأستاذان: العربي الغرمول، المحامي بهيأة الرباط، والقيسي، المحامي بهيأة فاس.
من جهــة أخرى
 
الـــــــوقــــــائــــــــــــع
 
في مرحلة البحث التمهيدي
 
بناء على محضر الضابطة القضائية عدد 68، والمؤرخ في تاريخ 28-03-2016، المنجز من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، والذي يستفاد منه، أنه، وبتاريخ 25-03-2016، تم الاستماع تمهيديا للمتهم خ. ك، الذي صرح بأنه كان محاميا بهيأة القنيطرة منذ سنة 2003 إلى غاية إعفائه سنة 2015، وأن علاقته مع المسمى ع. أ، المستخدم المكلف بإدارة الحسابات بذات الهيأة، كانت علاقة محام مع مستخدم، وأن هذا الأخير لما علم بكون أخته حاصلة على الإجازة في الحقوق، وعاطلة عن العمل، اقترح عليه في شهر نونبر 2011، أن أخته م. أ، وباعتبارها عضوة في حزب الحركة الشعبية، ولها علاقات، باستطاعتها توظيف أخته ببريد المغرب أو بوكالة بنكية تابعة للبنك المغربي للتجارة الخارجية، مقابل مبلغ مالي قدره 70.000,00 درهم. وفي نفس الأسبوع، اتصل بالمسمى ع. أ الذي ضرب له موعدا بإحدى المقاهي، فتوجه عنده رفقة أخيه إ. ك، ثم بعد ذلك، ذهبوا جميعا للقاء أخته م. أ، والتي بعد اللقاء بها، أكدت نفس ما أكده شقيقها، وطلبت منهم تجهيز ملف متكون من مجموعة وثائق، وتسلمت منه مبلغ 70.000,00 درهم نقدا، وسلمته شيكا بنفس المبلغ في اسمها، كما سلمته رقم هاتفها الخاص قصد تسليمه لأخته للاتصال بها. مضيفا، أنه، وبعد مرور مدة، لم تف المسماة م. أ بوعدها، ولما اتصل بشقيقها ع. أ صرح له أن عملية التوظيف المباشر تعرف بعض المشاكل، وطلب منه التحلي بالصبر إلى أن يسلمه مبلغ 70,000.00 درهم. وبعد مرور حوالي شهر ونصف من سنة 2012، اتصل به ع. أ، وطلب منه لقاءه، ولما التقى به، سلمه مبلغ 20.000,00 درهم نقدا، وشيكا بنكيا خاصا به يحمل مبلغ 50.000,00 درهم. ونظرا لعدم توصله بمبلغ 50.000,00 درهم من قبل المسمى ع. أ، اتصل به وطلب منه الالتزام بما اتفقا عليه. غير أن هذا الأخير، أخبره بأن يقوم بمراجعة الشيكات البنكية المسلمة له من طرف هيأة المحامين كودائع، وعند مراجعته لها، تبين له أن الأمر يتعلق بسبعة شيكات من بينها شيك بنكي به مبلغ مضاف له 60.000,00 درهم، عوضا عن المبلغ الواجب تسلمه. وعندما استفسره عن الأمر، أوضح له بأن المناقشة في ذلك لا تتم بالهاتف. وعند اللقاء به على مستوى محكمة الاستئناف بالقنيطرة داخل سيارته، أخبره أنه يتوفر على شيك بنكي موقع من قبل الأستاذ أ. ب، وأن نقيب هيأة المحامين بالقنيطرة آنذاك، الأستاذ ع. ب، لا يقوم بمراجعة الشيكات نظرا لثقته فيه، وهو الأمر الذي حدا به للقيام بذلك.
وبناء على الاسترسال في الاستماع إلى المتهم، أكد أنه، وبعد مرور مدة، (..) أخبره ع. أ كونه سوف يقوم بتسليمه شيكات بنكية حاملة لاسمه، وبعد صرفها سيحتفظ لنفسه بنسبة 30%، ويسلم لـ ع أ نسبة 30% خاصة به، ونسبة 40% لفائدة (ن). إلا أنه رفض ذلك، وبعد مرور حوالي أسبوعين تقريبا، اتصل به ع. أ، وأخبره أن هناك شيكين بنكيين خاصين به، وعند اللقاء به، طرح عليه الفكرة من جديد، فأخبره أنه لو قبل العملية سيحصل على نسبة 40%، و(ن) 40%، وهو -أي ع. أ- 20%، فاتفقا على ذلك مع زيادة 5% لهذا الأخير إذا كانت قيمة الشيك مرتفعة، وبدأ التعامل بينهما بصفة دورية، إذ كان ع. أ يتصل به ويخبره بقيمة الشيك، وقبل أن يسلم له هذا الشيك، كان المتهم يسلمه نسبة 40% الخاصة بـ (ن)، فيما 20% الخاصة بـ ع. أ، كان يسلمها له بعد صرف الشيك، وعندما يكون مبلغ الشيك متواضع، كان يسلم لهذا الأخير نسبته ونسبة (ن) قبل تسلم الشيك. ونظرا لكون بعض الشيكات كانت المبالغ المضمنة بها مرتفعة، فقد كان يتعذر عليه سحب الحصص المخصصة لـ (ن) ولـ ع. أ، فأصبح مدينا لهما ببعض المبالغ.
(..).
وبناء على إحالة المسطرة على السيد وكيل الملك، التمس بتاريخ 28-03-2016، إجراء تحقيق في النازلة.
 
في مرحلة التحقيق الإعدادي
وبناء على استنطاق المتهم ابتدائيا، بحضور دفاعه، تم إشعاره بمقتضيات المادة 134 من قانون المسطرة الجنائية، فأكد عدم استعداده للجواب، نظرا لحالته الصحية.
(..).
وبناء على أمر السيد قاضي التحقيق، المؤرخ في 27 يونيو 2016، والقاضي بمتابعة المتهم أمام هذه المحكمة من أجل ما سطر أعلاه في حالة اعتقال.   
 
في مرحلة المحاكمة
(..).
وبناء على قرار المحكمة القاضي بتأخير القضية لجلسة 10-11-2016، وذلك من أجل تخصيصها لمرافعة دفاع الطرفين.
وبناء على إعادة إدراج الملف بهذه الجلسة، أحضر إليها المتهم في حالة اعتقال، مؤازرا بدفاعه، كما حضر دفاع الطرف المدني.
وبناء على إعطاء الكلمة إلى دفاع الطرف المدني، وبعد تعريجه على مختلف وقائع القضية، التمس  الأستاذ الصريدي الحكم على المتهم وفق فصول المتابعة، وكذا ملتمسات السيد وكيل الملك. والتمس الأستاذ أحمد العرفاوي الحكم على المتهم، فضلا عن ذلك، بأدائه لفائدة موكلته هيأة المحامين بالقنيطرة، قيمة المبالغ المختلسة، وقدرها (33.629.084,05) درهم، وتعويض مدني قدره (5.000.000,00) درهم. كما أخذ الكلمة الأستاذ مصطفى العرفاوي، ملتمسا، أساسا، التصريح بعدم الاختصاص النوعي، وذلك لعدة أسباب: أولها: أن الأمر بتعلق بعصابة إجرامية، للاتفاق الذي كان بين المتهم والشاهد ع أ. وثانيها: أن الأمر يتعلق باختلاس أموال عمومية، راجعة إلى عموم المتقاضين، وأموال خاصة بالمحامين، وأن هيأة المحامين هي مصلحة ذات نفع عام، وأن المستخدم ع. أ له صفة الموظف العمومي. وثالثها: أن الأمر يتعلق بسرقة موصوفة بظرف التعدد، وارتكابها ليلا بمقر الهيأة، وأن الفاعل مستخدم لدى هذه الأخيرة. والتمس، احتياطيا، الحكم بالمبلغ المذكور أعلاه، كقيمة الاختلاسات الواقعة على حساب الودائع، مدليا بمذكرة مطالب مدنية بخصوص ذلك.
وبناء على كلمة السيد وكيل الملك، الذي أوضح من خلالها أن التهم ثابتة في حق المتهم، ملتمسا إدانته من أجلها، والحكم عليه بعقوبة مناسبة لذلك.
وبناء على كلمة دفاع المتهم، الذي تناول كل الجنح موضوع المتابعة بالتفصيل والمناقشة، خالصاً إلى أن عناصرها التكوينية غير قائمة في حق مؤازره. وملتمسا، بصفة أساسية، الحكم ببراءته منها، مع القول بعدم الاختصاص في المطالب المدنية. وبصفة احتياطيا، تمتيعه بأقصى ظروف التخفيف، بالنظر إلى أنه أدى المبالغ المستولى عليها، مع إرجاء البت في المطالب المدنية إلى حين إنجاز خبرة حسابية للتأكد من عدد الشيكات المختلسة.
وبناء على ما تلَّى ذلك من تعقيب وتعقيب مضاد، أعطيت الكلمة الأخيرة إلى المتهم، فأضاف أنه أدى مبلغ 986 مليون سنتيم لهيأة المحامين بالقنيطرة مقابل عدم تقديم شكاية ضده، متسائلا: لماذا لم يطرد ع. أ في عهد النقيب الأستاذ (ص) ؟ مؤكدا، أن الاختلاسات التي همت حساب ودائع هيأة المحامين، كانت منذ سنة 2008، مناشدا الرحمة من المحكمة. فتقرر اختتام المناقشات، وحجز القضية للتأمل لآخر جلسة.

وبـــعد الــــتـــأمــــل وطـــبـــقـــا للــــــقــــانـــون

حيث توبع المتهم من طرف السيد قاضي التحقيق بهذه المحكمة من أجل المشاركة في تزوير شيكات بنكية، واستعمالها، والسرقة.
وحيث تقدم دفاع الطرف المدني، بدفع يرمي إلى التصريح بعدم الاختصاص النوعي للبت في القضية، على اعتبار أن الأمر يتعلق باختلاس أموال عمومية [هكذا]، وأن أحد الفاعلين، وهو المسمى ع. أ، له صفة الموظف العمومي، طبقا للفصل 241 من القانون الجنائي.
وحيث لا تقوم لجناية الاختلاس قائمة من الناحية القانونية، طبقا للفصل 241 المذكور، إلا إذا قام قاض أو موظف عمومي بالاستيلاء، دون وجه حق، على أموال عامة أو خاصة، أو سندات تقوم مقامها، أو مجرد إخفائها، شريطة أن تكون موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها.
وحيث لئن كان الدفع المثار غير مرتبط، في نازلة الحال، بصفة "القاضي"، وإنما بمدى توافر صفة "الموظف العمومي" في حق مستخدم هيأة المحامين بالقنيطرة، باعتباره مُرتِكبَ الفعل الأصلي أثناء قيامه بالوظيفة الموكولة إليه كمُصفٍ لودائع المتقاضين ومحاميهم، والمتمثل في اختلاس الأموال المودعة بحساب ودائع الهيأة المذكورة، مع شيكات تقوم مقام جزء منها، وهي الأفعال التي يشتبه في المتهم مشاركته في إتيانها أو المساهمة في ذلك.
وحيث حدد الفصل 224 من ذات القانون مفهوم "الموظف العمومي"، المعني بتطبيق أحكام التشريع الجنائي، في: "(..) كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه، في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية، أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام".
وحيث لما كان جليا، منذ الوهلة الأولى، عدم انطباق صفة "الإدارة الحكومية"، أو "المؤسسة العمومية"، أو "الهيأة البلدية"، على هيأة المحامين بالقنيطرة، فإن الأمر خلافه بالنسبة لـ "المصلحة ذات نفع عام"، التي تَدِّق محدداتُها الفارقة والمميزة، لا سيما أمام استنكاف المشرع عن تحديد مدلولها صراحة، الأمر الذي يتوجب معه تَلَمُّس مدى توافرها لذلك من عدمه.
وحيث تتمثل، قانونا وفقها وقضاء، أولى محددات "المصلحة ذات النفع العام"، في مدى عمومِ نَفعِية الخدمة المقدمة من طرف المصلحة أو الهيأة المعنية، وهو ما تَوَلّت توضيحه الفقرة أ من المادة 2 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، كإطار قانوني سامٍ على التشريع الوطني (تصدير الدستور)، بقولها: "(..)  يجوز أن يقصد بتعبير "موظف عمومي"، أي شخص يؤدي وظيفة عمومية، أو يقدم خدمة عمومية حسب التعريف الوارد في القانون الداخلي للدولة الطرف، وحسب ما هو مطبق في المجال المعني من قانون تلك الدولة الطرف".
وحيث إنه، وبحسب القانون الوطني للمملكة المغربية كطرف في هذه الاتفاقية، جاء النص على حساب ودائع هيآت المحامين بالمغرب –من بينها هيأة القنيطرة- كمحل لأفعال المتابعة، في المادة 57 من قانون مهنة المحاماة، كالتالي: "يؤسس على صعيد كل هيئة حساب ودائع وأداءات المحامين يديره مجلس هيئتها، تودع به لزوما المبالغ المسلمة للمحامين المسجلين بجدول هذه الهيئة على سبيل الوديعة، وتتم بواسطته كل الأداءات المهنية التي يقوم بها المحامي لفائدة موكليه أو الغير. تودع بهذا الحساب كل المبالغ الناتجة عن تنفيذ مقرر قضائي من لدن مصالح التنفيذ والمفوضين القضائيين (..)".
وحيث إنه، واستبيانا لطبيعة الخدمة المقدمة من طرف هذه الهيآت، خصوصا في الشق المتعلق بتدبير حساب ودائع وأداءات المحامين، وهديا على مضمون الأعمال التحضيرية المُوَجِّهة لفكرة إحداث هذا الحساب من الأصل، يتحدد الهدف من هذا الأخير في: "الحفاظ على حقوق الطرفين: الزبناء [المتقاضين] من جهة، والمحامين من جهة أخرى" (تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، حول مقترح قانون يتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، السنة التشريعية 2006-2007، دورة أبريل، ص 23).
وحيث إنه، ونزولا عند هذا المعطى، يتبين أن إرادة المشرع من إحداث حساب ودائع وأداءات المحامين، قد اتجهت نحو ائتمان هيآت المحامين، كأشخاص معنوية، على مختلف ودائع المحامين وموكليهم، اعتبارا للثقة المرتبطة برسالة القائمين عليها من المحامين المنتخبين، طالما أنها: "تدبر أموالَ وسنداتِ الخواص (..)، التي أمسكتها بصفتها تلك" (VITU. A : « Détournements ou soustraction commis par les comptables et dépositaires publics » ; Tome II, P 5 )
وحيث إنه، ومراعاة لطبيعة هذا الدور، تعتبر هيأة المحامين بالقنيطرة، شأنها شأن مختلف هيآت المحامين بالمغرب، فيما يتعلق بحساب الودائع، كـ "الأمين العمومي القضائي" على ودائع عموم المتقاضين المستحقة بموجب أحكام وقرارات قضائية، بصفتهم أغيارا عن أعضاء الهيأة المذكورة.
وحيث قُضي تكريسا لهذا المعنى، بأن: "الودائع، وإن كانت متعلقة بحق الأغيار، وهم المحكوم لهم، فإن طريقة تدبير صرفها لأصحابها لا يكون بشكل تلقائي، وإنما عبر سلسلة من الإجراءات القانونية الضابطة لهذه المساطر (..)" (قرار غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف القنيطرة، الصادر بتاريخ 16-12-2010، في الملف عدد 181-1124-10)، لدرجة عدم جواز المضاربة بتلك الودائع واستثمارها، ولو في فترة جمودها وركودها، ضدا على حقوق أولائك الأغيار، بالنظر إلى تعلقها بهم وحدهم تنفيذا لأحكام وقرارات قضائية (نفس القرار) ؛ مما يدل دلالة واضحة على أن هيأة المحامين، هي المكلفة، حصرا، بمساعدة مرفق العدالة في تدبير آخر مرحلة من مراحل الخصومة القضائية، المتمثلة في تسليم ما قُضي به بموجب مقرر قضائي لمن له الحق فيه، لتعبير المادة 57 المذكورة، بـ: "تودع بهذا الحساب كل المبالغ الناتجة عن تنفيذ مقرر قضائي".
  وحيث إنه، وتبعا لما سلف، تعتبر خدمات هيأة المحامين بالقنيطرة، في شقها المتعلق بتدبير حساب ودائع وأداءات المحامين والمتقاضين، ذات طبيعة عمومية ؛ إذ العبرة بما تقدمه من نفع لعموم المتقاضين الحاليين، أو المحتملين في المستقبل. 
وحيث إنه، وفضلا عن المُحَدد المُحَرَّر أعلاه، يتأدى ثاني محددات "المصلحة ذات النفع العام" في مدى "التكليف بالخدمة من طرف السلطة العامة للدولة" ؛ الأمر الذي لا نعدمه في هيأة المحامين بالقنيطرة، إذ إن السلطة التشريعية (المادة 57) هي من ائتمنتها -كما كل هيآت المحامين بالمغرب- على ودائع زبناء المحامين، وأوكلتها السهر على تدبيرها وتصفيتها وفق مسطرة دقيقة ومعقدة، بعدما سَحَبت ائتمانها ذاكَ من اختصاص الإدارة، ممثلة في وكيل الحسابات بصندوق المحكمة، إذ كان المسؤولَ الوحيدَ على تسليم المبالغ المحكوم بها لوكلاء مستحقيها من المتقاضين، كآخر مرحلة من مراحل تنفيذ المقررات القضائية. 
 وحيث إنه، وتعضيدا للمُحَدِّدين أعلاه، فإن اعتبار "مصلحة ذات نفع عام"، تنضبط إلى محدد ثالث، وهو مدى "مراقبة الهيأة غير الحكومية من قبل سلطات الدولة" (قرار محكمة النقض المصرية، صادر بتاريخ 06-01-1936، مجموعة القواعد القانونية، ج 3، رقم 423، ص 533)، الأمر الذي  لا نعدمه، هو الآخر، في هيأة المحامين بالقنيطرة، بالنظر إلى كون المشرع قد أوجب على مجلسها، طبقا للفقرة الثامنة من المادة 91 من قانون مهنة المحاماة: "(..) المصادقة على النظام الداخلي لحساب ودائع وأداءات المحامين"، وذلك عبر مجمل ما خوله لها من مقررات مهنية، شريطة عدم مخالفة المقتضيات القانونية المنصوص عليها في هذا الإطار، وعدم الإخلال بالنظام العام، وإلا كانت باطلة بحكم القانون، بعدما "تعاين محكمة الاستئناف [كجهة رقابية] هذا البطلان، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك، بعد الاستماع إلى النقيب، أو من يمثله من مجلس الهيئة" (الفقرة الأخيرة من المادة 91 المذكورة)، علاوة على إمكانية مطالبة الوكيل العام للملك، باعتباره ممثلا لسلطة النيابة العامة بالدائرة الاستئنافية،  بـ: "تحقيق حسابات المحامين، وبالتحقق من وضعية الودائع لديهم، كلما تطلب الأمر ذلك" (المادة 56 من قانون مهنة المحاماة).
وحيث إنه، وبعيدا عن كون هيأة المحامين بالقنيطرة   "مصلحة ذات نفع عام"، ومراعاة لروح وأهداف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المشار إليها آنفا ؛ فإن المتهم باعتباره محاميا عضوا بالهيأة المذكورة، يتسم في نظر المحكمة، ذاتاً واستقلالاً، بوصف "الموظف العمومي" ؛ وذلك بالنظر إلى كونه من الأشخاص الذين يقدمون خدمة عمومية لعموم المتقاضين، ويساهمون في "خدمة الدولة"، وفق تعبير الفصل 224 المشار إليه آنفا، القائل: "كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه، (..) بمباشرة وظيفة أو مهمة، (..)، ويساهم بذلك في خدمة الدولة (..)"، طالما أنه جزء من الأسرة القضائية، باعتبار مساعدته لمرفق القضاء كأحد أهم سُلط الدولة، ومساهمته في تحقيق العدالة الموكولة حصرا لهذا الأخير، تطبيقا لما نصت عليه المادة الأولى من قانون مهنة المحاماة، بقولها: "المحاماة مهنة حرة، مستقلة، تساعد القضاء، وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء".  
وحيث إنه، وتدليلا على وجَاهة هذا التوجه، ذهب بعض الفقه والقضاء الفرنسيين إلى اعتبار مساعدي القضاء (الموثق، المفوض القضائي، .. إلخ) موظفين عموميين بمفهوم القانون الجنائي، نظرا إلى أنهم "أشخاص عاديون مؤهلون لخدمة عموم المتقاضين فيما يقدمونه من مساعدة لمرفق العدالة، كما أنهم مأمورون رسميون، يحتكرون مهنة معينة، مع مراقبة الدولة لكل تصرفاتهم"، (VICENT.J, GUINCHARD.S, MONTAGNIER.G, VARINARD.A : « La justice et ses institution » ; Dalloz, 3 éd, 1991, P 528 et 586 et 588)
وحيث إنه، وتأكيدا لهذا الدور المساعد للقضاء، قَيَّد المشرع حرية ممارسة مهنة المحاماة بعدة ضوابط لفائدة مرفق "العدالة"، أهمها: منع تواطؤ المحامين أو الاتفاق على عدم تقديم المساعدات الواجبة للقضاء (المادة 39 من قانون مهنة المحاماة)، وحظر الامتناع عن المؤازرة أو النيابة في حالة المساعدة القضائية (المادة 40 من قانون مهنة المحاماة).
وحيث إنه، وانسجاما مع هذا المذهب، وإعمالا لمبدأ "مقابلة الحماية القانونية بالمسؤولية الزجرية"، أَلحق المشرع المحاميَ، شأنه في ذلك شأن باقي مساعدي القضاء (الموثق، المفوض القضائي، .. إلخ) بفئة الموظفين العموميين المشمولين بـ "الحماية الجنائية أثناء ممارستهم لمهنتهم أو بسببها"، والمنصوص عليها في الفصل 263 من القانون الجنائي، وذلك بالنص الصريح في المادة 60 من قانون المهنة، بقوله: "كل من سب أو قذف أو هدد محاميا أثناء ممارسته لمهنته أو بسببها، يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصل 263 من القانون الجنائي".  
وحيث لما كان ثابتا مما سلف، أن هيأة المحامين بالقنيطرة، ومعها باقي هيآت المحامين بالمغرب، تدخل في عداد "المصالح ذات النفع العام"، المنصوص عليها في الفصل 224 من القانون الجنائي، وأن المفهوم الجنائي لـ "الموظف العمومي" يسري، ليس على مستخدميها فقط، وإنما، أيضا، على مختلف المحامين المسجلين بجدولها ؛ فإن ما يصلهم من أموال خاصة بالمتقاضين، والمحكوم بها لفائدة هؤلاء الأخيرين من قبل مرفق القضاء، أو مجرد سندات تقوم مقامها، كالشيكات وما في حكمها، تعد محمية جنائيا بمقتضى الفصل 241 من ذات القانون، طبقا لتعبيره الصريح في أن كل موظف عمومي: "(..) اختلس (..) بدون حق (..) أموالا (..) خاصة، أو سندات تقوم مقامها، (..) موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها".
وحيث إنه، ونتيجة لذلك، وبالرجوع إلى وثائق القضية ووقائعها، يتضح أن الأمر متعلق بـ "أموال خاصة" مستحقة لأصحابها من المتقاضين المحكوم بها لفائدتهم، وكذا وكلائهم من المحامين الذين تكلفوا بالنيابة عنهم، مجموعُ قيمتها: (33.629.084,05) درهم، كانت مودعة لدى هيأة المحامين بالقنيطرة، وتم اختلاسها عن طريق الاستيلاء على شيكات معدة لاستخلاص قيمتها فور تقديمها إلى المؤسسة البنكية المسحوب عليها، باعتبارها سندات تقوم مقام تلك الأموال، وذلك من طرف "مستخدم" الهيأة المذكورة المكلف بحساب الودائع، وأثناء ممارسته لوظيفته المكلف بها من طرف ذات الهيأة، كفاعل أصلي، وبمساعدة ومساهمة المحامي المتهم، الذي لولا مهامه وصفته لما وضعت بيده وتحت تصرفه تلك الأموال أو السندات المختلسة.
وحيث إنه، وتطبيقا للفقرة الثانية من الفصل 241 من القانون الجنائي، فـ "إذا كانت الأشياء المبددة، أو المختلسة، أو المحتجزة، أو المخفاة، تقل قيمتها عن مائة ألف درهم، فإن الجاني يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وبغرامة من ألفين إلى خمسين ألف درهم" ؛ الأمر الذي يتبدى في خلافه، إذ إن قيمة الأموال الخاصة المختلسة تفوق مبلغ (100.000,00) درهم، وبالتالي تظل جناية مستصحبة للأصل المنصوص عليه في الفقرة الأولى من ذات الفصل.
وحيث إنه، واستنادا إلى كل ما سلف، فإن الوقائع موضوع أفعال المتابعة (اختلاس أموال خاصة من طرف موظف عمومي)، هي من طبيعة جنائية وليست جنحية، وذلك بالنظر لعناصرها التكوينية المنصوص عليها في الفصل 241 المذكور أعلاه، مما ارتأت معه المحكمة التصريح بعد اختصاصها النوعي للبت فيها.
وحيث إنه، واستثناء من قواعد الاختصاص المنصوص عليها في الفرع الأول من الباب الأول من قانون المسطرة الجنائية، تختص "أقسام الجرائم المالية بمحاكم الاستئناف المحددة والمعينة دوائر نفوذها بمرسوم، بالنظر في الجنايات المنصوص عليها في الفصول 241 إلى 256 من القانون الجنائي، وكذا الجرائم التي لا يمكن فصلها عنها أو المرتبطة بها"، تطبيقا للمادة 1-260 من قانون المسطرة الجنائية.
وحيث إنه، وبالعودة إلى المادة الأولى من المرسوم رقم 2.11.445، القاضي بتحديد محاكم الاستئناف المحدثة بها أقسام للجرائم المالية، وتعيين دوائر نفوذها، يتبين أن المحكمة المختصة مكانيا في هذه القضية، هي محكمة الاستئناف بالرباط.
وحيث يتوجب على المحكمة، في حالة عدم اختصاصها نوعيا للبت في القضية المعروضة عليها، أن "(..) تحيل الطرف الذي أقام الدعوى العمومية على من له حق النظر"، تطبيقا للمادة 390 من قانون المسطرة الجنائية.
وتطبيقا لمقتضيات مواد وفصول المتابعة، وكذا قانون المسطرة الجنائية.
 
 
لــــهــــــذه الأســـــــبــــــــــــــــــــــــاب
 
تصرح المحكمة علنيا وابتدائيا وحضوريا:
بعدم اختصاصها النوعي للبت في القضية، وإحالتها على غرفة جنايات الأموال (قسم الجرائم المالية) بمحكمة الاستئناف المختصة، مع إقرار حالة الاعتقال.
 
وبهذا، صدر القرار وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة في اليوم والشهر والسنة أعلاه، بقاعة الجلسات الاعتيادية بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة، وهي مشكلة من نفس الهيئة التي ناقشت القضية، والمتركبة من السادة:
 
الأســـتـــــــــــاذ:        عبد الـــرزاق الــجبـــاري        رئــيــســـــــا
بحضور السيد       عبد الصديق فضيلات         ممثلا للنيابة العامة
وبمساعدة السيد       طــــــارق الــعــوني            كاتبا للضبط
 
 
الرئيــس                                                                                                                   كاتب الضبط
 
 



الجمعة 16 ديسمبر 2016