MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية



إدانة فرنسا من قِبَل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بسبب تغريم مواطن سبَّ الرئيس السابق ساركوزي

     


صلاح فكري
طالب بمعهد الدراسات السياسية بباريس، متخصص في النزاعات الإقتصادية و التحكيم
متخرج من ماستر قانون الأعمال و ماستر القانون الخاص بمدرسة القانون بجامعة السوربون



إدانة فرنسا من قِبَل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بسبب تغريم مواطن سبَّ الرئيس السابق ساركوزي
 
أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، المنضوية تحت لواء مجلس أوروبا، الدولة الفرنسية في قرار مؤرخ بالرابع عشر من مارس الحالي لانتهاكها حرية التعبير المكفولة بنص الفصل العاشر من الإتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان و الحريات الأساسية.
 
و تعود وقائع الملف إلى ما وقع في الثامن و العشرين من غشت ٢٠٠٨ حين قام مواطن فرنسي يدعى هيرفي إيون بحمل لافتة كتب عليها « اذهب لحالك أيها الحقير » خلال زيارة للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لمدينة لافال، و هي ذات العبارة التي سبق للرئيس المنتهية ولايته أن نطق بها أشهرا قبل ذلك في وجه فلاح أبى أن يحييه. و قد استعملت ذات العبارة لاحقا في العديد من المظاهرات و تم تداولها بشكل واسع على المواقع و المنتديات الإلكترونية.
 
و تبعا لهذا الحادث، فقد قضت محكمة الدرجة الأولى بلافال بإدانة السيد إيون بعدم احترامه لقانون الصحافة لسنة ١٨٨١ و الذي يدخل في إطاره ضمان حرية التعبير و ضوابط استعمالها، كما غرّمته ب ٣٠ يورو مع وقف التنفيذ، معتبرة أن استعمال العبارة المثيرة للجدل تلك يشكل إهانة في حق رئيس الدولة. و قد أكدت محكمة الإستئناف بأَنْجِيه الإدانة في مارس ٢٠٠٩ معتبرة أن النية السيئة للمتابع واضحة من خلال تصريحاته التي بدا منها جليا أنه كان رافضا لسياسة اليمين الفرنسي و معارضا لها. و قد قدم المعني بالأمر طعنا لهذا القرار أمام محكمة النقض، إلا أن هذه الأخيرة رفضته.
 
تبعا لذلك، و في إطار إمكانية اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بمجرد استنفاذ جميع وسائل الطعن المخولة وطنيا، اعتبر العارض إيون أن إدانته بسبب انتقاده لرئيس الجمهورية يعتبرا حدّا لحريته في التعبير المكفولة بنص المادة العاشرة من الإتفاقية التي تسهر المحكمة على تطبيقها السليم، و هو ما قبلته الهيئة معتبرة أن إدانة المعني بالأمر يعد تدخلا للسلطات العمومية في ممارسته لحرية يكفلها له قانون الصحافة المحدث في التاسع و العشرين من يوليوز ١٨٨١، رغم أن التعبير المستعمل فيه شيء من القدح في حق رئيس الجمهورية.
 
و اعتمدت المحكمة في تحليلها للوقائع على مبدأ النسبية بين تقييد حرية التعبير المكفولة للعارض و مجال النقاش حول القضايا التي تهم الشأن العام، معتبرة أن استعمال هذه العبارة لم يكن من شأنه المس بالحياة الخاصة لرئيس الجمهورية أو كرامته، و إنما يدل على معارضة سياسية صريحة، لاسيما و أن السيد إيون يناضل باسم الحزب الإشتراكي الفرنسي. و قالت المحكمة أن الفصل العاشر يكفل حرية لا تقبل أي تقييد فيما يخص التعبير عن الآراء السياسية، مذكِّرة أن كل ممارس سياسي يقبل ضمنا أن توجه إليه انتقادات تهم آراءه و مواقفه و تصرفاته.
و أضافت المحكمة أن لجوء العارض إلى استعمال تعبير سبق للرئيس نفسه أن تلفظ به في حق مواطن آخر و تداولته وسائل الإعلام بشكل واسع، لاسيما في إطار برامج ترفيهية، يدل على طابع لا محالة هزلي بحث من خلال اللجوء إليه إلى إثارة جدل سياسي هادف، و كل عقاب جنائي في هذا الإطار سيكون من شأنه الحدّ من التدخلات السياسية ذات الطابع الهزلي التي تساهم بجلاء في إثراء النقاش حول مواضيع تهم يقينا الشأن العام و لا تتحقق الديمقراطية دونها.

و اعتبرت المحكمة ختاما أن اللجوء إلى إدانة السيد إيون و تغريمه، و لو بقدر هزيل من المال مع وقف التنفيذ، يعد عقابا مبالغا فيه لا يحترم معيار النسبية التي تخضع لها العقوبات الجنائية إلزاما، و يخرق مقتضيات الفصل العاشر من الإتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان و الحريات الأساسية.
 
و يذكر هذا القرار بملف سابق أدانت فيه ذات المحكمة و بنفس التهمة سنة ٢٠٠٢ الدولة الفرنسية التي فرض قضاؤها على صحيفة « لوموند » و مدير تحريرها جون ماري كولومبياني أداء فرنك فرنسي رمزي لملك المغرب الراحل الحسن الثاني الذي تابعها بتهمة إدراج اسمه في ملف حول المتاجرة في المخدرات كان بعض المقربين منه متابعين من أجله. و اعتبرت المحكمة حينذاك أن إدانة الصحيفة بتهمة المس علانية بسمعة رئيس دولة أجنبية فيه تقييد لحرية التعبير، و هو ما دفع المشرع الفرنسي إلى إلغاء هذه الجنحة في إطار التعديل الجنائي « بيربين ٢ » الذي أجري سنة ٢٠٠٤.
 
المراجع:
 
ـ قرار المحكمة الأوروبية « إيون ضد فرنسا »، ١٤ مارس ٢٠١٣
http://hudoc.echr.coe.int/sites/eng/pages/search.aspx?i=001-117137
 
ـ قرار المحكمة الأوروبية « كولومباني ضد فرنسا »، ٢٥ يونيو ٢٠٠٢
http://hudoc.echr.coe.int/sites/eng/pages/search.aspx?i=001-65089
 
ـ نص المادة العاشرة من الإتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان و الحريات الأساسية: لكل إنسان الحق في حرية التعبير. هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقى وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية. وذلك دون إخلال بحق الدولة في تطلب الترخيص بنشاط مؤسسات الإذاعة والتلفزيون والسينما. هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات. لذا يجوز إخضاعها لشكليات إجرائية، وشروط، وقيود، وعقوبات محددة في القانون حسبما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديمقراطي، لصالح الأمن القومي، وسلامة الأراضي، وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة، وحماية الصحة والآداب، واحترام حقوق الآخرين، ومنع إفشاء الأسرار، أو تدعيم السلطة وحياد القضاء.
 



الاربعاء 20 مارس 2013