MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers



أي دور للنخبة الادارية في التنمية بالمغرب

     


سمــيـــرة الــبــريـــري
دكتورة في القانون العام

متصرفة من الدرجة الثانية بالمديرية الإقليمية للفلاحة بأزيلال



أي دور للنخبة الادارية في التنمية بالمغرب
إن الظاهرة النخبوية من الظواهر الملازمة لكل المجتمعات البشرية، وذلك كيفما كان مستوى تطورها، وكيفما كان نظامها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، إذ أن جل المجتمعات البشرية التي عرفها التاريخ، قد عرفت أقلية محدودة العدد، لها من الخصائص والمميزات والموارد ما يميزها عن باقي أفراد المجتمع، ويؤهلها، بالتالي، إلى إدارة الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع. وتلك الأقلية هي التي تحتكر عادة، أدوار الزعامة والريادة، وتقود المجتمع روحيا وفكريا وسياسيا، وتؤثر بشكل خاص على مسيرته وأحداثه، بل وتطبعه بطابعها الخاص.

النخبة الإدارية محاولة في تحديد المفهوم

تخضع النخبة بشكل عام إلى قوانين التبدل والتغيير حسب المتغيرات داخل البيئة الاجتماعية العامة التي تتواجد فيها، وتختلف هذه النخب حسب طبيعة الدور الذي تمارسه وطبيعتها التكوينية، فتظهر هناك نخب اجتماعية تهتم وتعمل في إطار البنى الاجتماعية. وهنالك الاقتصادية وكذا الثقافية، وتعد النخبة الإدارية والسياسية هي النخبة المسيطرة والمتحكمة بشكل كبير نسبيا في حركة النخب الأخرى والجماهير عموما بسبب سيطرتها على النظام الإداري والسياسي الذي تمثل قمة الهرم فيه عادة. ويلاحظ أن الوصول إلى دائرة النخبة الإدارية لم يعد مقصورا على الجماعات ذات المقام الموصوف والإمتيازات المعينة بوصفها دائرة مغلقة بل توسعت لتشمل الأشخاص المالكين لرأسمال ثقافي؛

النخبة الادارية بالمغرب محاولة مقاربة المفهوم

تعتبر النخبة الإدارية بالمغرب جزءا لا يتجزأ من الطبقة السياسية، فهي مثلها مثل رجال السياسة تنحدر من الفئات الميسورة في المجتمع كما أن تكوينها الثقافي يشبه التكوين الثقافي لرجال السياسة.

والنخبة الإدارية نظرا لتجربتها وكفايتها ونظرا لدوامها في مناصبها لمدة أطول من المدة التي يقضيها الوزراء، تتمكن من التعرف جيدا على الملفات، وتستطيع التعمق في القضايا التي تواجه الإدارة، لذا فإن بإمكانها ليس فقط تنوير الوزراء ومدهم بما يحتاجون إليه من معلومات ومعطيات، بل كذلك اقتراح الحلول الملائمة وإبداء الملاحظات والتصورات والآراء التي غالبا ما تجد قبول واستحسان السلطة
التنفيذية. وبذلك فإن النخبة الإدارية لا تكتفي بإعداد وتنفيذ قرارات الحكومة فحسب، بل تشارك أيضا في عملية اتخاذها وذلك إما من خلال اتصالها المباشر والوثيق بالسلطة التنفيذية أو من خلال حضورها في مختلف الاجتماعات الوزارية التي يتم فيها بلورة هذه القرارات.

ولعل تنوع مظاهر هذه العلاقة وتعدد أوجهها يسمح لنا بالقول أن العلاقة بين الإدارة والسياسة في المغرب علاقة وثيقة وقوية ومتينة، وأن هذه العلاقة لا تضحد النظرية التقليدية بجميع مقولاتها فحسب وإنما ولدت لدينا اقتناعا بفكرة مهمة لا بد أن نلفت إليها انتباه  الباحثين خاصة أولئك الذين يعنون بدراسة النظام السياسي المغربي وهي أنه لن يتأتى لنا دراسة هذا النظام دراسة كاملة وإعطاء صورة حقيقية وصحيحة عنه من غير أن نقوم بدراسة الإدارة ولا سيما الإدارة العليا كمكون أساسي من مكونات هذا النظام.

أي دور للنخبة في التنمية الإدارية؟

تمثل التنمية حركة شاملة للمجتمع باتجاه تحقيق أهدافه عن طريق استثمار موارد الدولة التي يتواجد فيها هذا المجتمع، وبوجود جهة مخططة ومنفذة وموجهة لهذه الحركة الشاملة التي تندرج في إطارها تنميات فرعية ذات أبعاد مختلفة اقتصادية واجتماعية وثقافية وإدارية، وتعد الإدارية منها المحور الأساس الذي تنبني عليه التنمية الشاملة، إذ تعبر التنمية الشاملة عن وجود السلطة داخل المجتمع في تحديد الأهداف العامة ووضع الخطط اللازمة لتحقيق هذه الخطط؛

إن نجاح أي تنمية إدارية يستلزم وجود رغبة في ذلك مع وجود تخطيط تسبقه تعبئة جماهيرية باتجاه تحقيقها، وهو ما يتطلب من القوى السلطوية الأخذ بزمام المبادرة لتحقيق ذلك وتقع النخبة الإدارية  في صميم هذه القوى؛

ويرتكز الدور أو الوظيفة التنموية للنخبة الإدارية على تمتعها بالقوة السلطوية التي تمكنها من تنظيم النشاط الإداري والتنسيق في عمل البنى المختلفة داخل المجتمع في إطار التنمية الإدارية، وكذلك على نزعتها البنيوية نحو التغيير المستمر، والذي يجسد حقيقة التنمية ذاتها المرتبطة بالتغير من وضع سلبي إلى وضع ايجابي وذلك عن طريق التعبئة لموارد المجتمع البشرية نحو تحقيق هذه الأهداف وهو المرتكز المضاف للدور التنموي للنخبة الإدارية؛

تنطلق النخبة في أداء دورها النخبوي من اندماجها في إطار المجتمع لتأخذ على عاتقها بصفتها القوة الرئيسة المتربعة على هرم السلطة الإدارية، أداء الدور التنموي في تحديد الأهداف ووضع الخطط وتنفيذها والرقابة عليها. ويستند نجاح أو فشل النخبة الإدارية في أداء وظيفتها أو دورها التنموي على مجموعة من العوامل، أهمها درجة النضوج الإداري والسياسي لهذه النخبة وتماسكها وإدراكها لأهمية دورها في تحقيق التنمية من خلال توحيد الرؤى الإدارية والسياسية داخل المجتمع باتجاه تبني موقف محدد، ويستند هذا الدور على قوة الدولة ذاتها وإمكاناتها واستغلال هذه الإمكانات لتحقيق التنمية مثل التماسك القومي والوحدة الوطنية، ويرتبط الدور كذلك بعامل المرونة التي تبديها النخبة الإدارية في الانفتاح والتعامل مع أنماط النخب الأخرى (الاقتصادية، الثقافية والعسكرية وغيرها)،  واستيعابها وتوحيد الفعل باتجاه إحداث التغيير التنموي المطلوب، كما يستند الدور التنموي على عوامل أخرى داخلية وخارجية منها اقتصادية واجتماعية وأمنية قد تساعد أو تعيق هذا الدور؛

وتقوم النخبة الإدارية بأداء دور تفعيل أو عرقلة تجاوز النظام والمجتمع أزمات التنمية الإدارية والسياسية المتعلقة بالهوية والشرعية والتغلغل والاندماج و المشاركة والتوزيع، وذلك تبعا لطبيعة النخبة التكوينية وكفاءتها ومرونتها وانفتاحها على المجتمع وإرادتها في تحقيق التنمية الإدارية.

مقترحات لإدماج النخبة المغربية في التنمية الإدارية

من بين المقترحات التي يمكن تقديمها من أجل إدماج النخبة المغربية في التنمية الادارية :
 
  1. تعميم الضمانات الممنوحة للنخبة الإدارية التي تنتمي أصلا إلى الوظيفة العمومية لتشمل أولئك الذين لا ينتمون إلى الوظيفة العمومية، ويكفي أن نشير هنا إلى مثل واحد وهو الحق في التقاعد الذي لا يعترف به للنخبة الإدارية التي تأتي من خارج الإدارة، والغاية من هذا الإجراء هو تشجيع الأطر العليا التي تعمل خارج الإدارة للالتحاق بالإدارة وقبول العمل مع السلطة التنفيذية.
  2. ضبط السلطة التقديرية التي تتمتع بها السلطة التنفيذية في اختيار نخبها وتعيينهم: إذا كان القانون يعترف للسلطة التنفيذية بسلطة تقديرية في اختيار نخبها وعزلهم، فإن السلطة التنفيذية يجب في نظرنا أن تستعمل سلطتها التقديرية في الحدود التي تسمح لها بالاستعانة بالأشخاص الذين تثق فيهم وتعتقد أنهم الأجدر على إنجاح سياستها، ولا ينبغي لها أن تبتعد بأي حال عن هذا الهدف وذلك حتى يتم الحد ما أمكن من ظاهرة تسييس الإدارة. فإذا كان تسييس النخبة الإدارية أمرا مقبولا، فإن المبالغة في التسييس ستكون له ولا شك آثارا سلبية على فعالية العمل الإداري وعلى مردودية الإدارة.
  3. إصلاح نظام الأجور والترقية والتقاعد الخاص بالنخبة الإدارية: بالنسبة للأجور يجب في نظرنا جعل العلاقة بين الأجر والعمل علاقة ملموسة، فعوض الزيادات في المبالغ الممنوحة للنخبة الإدارية والتي تعوض الجمود المفرط في نظام المرتبات الخاص بالنخبة الإدارية يجب إعادة النظر في شبكة الأرقام الاستدلالية الخاصة بالنخبة الإدارية، كما يجب ربط التعويضات التي تستفيد منها بالمردودية. كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحفيز النخبة الإدارية على العمل الجاد وبذل المزيد من الجهد، كما أنه من شأن ذلك أيضا أن ينمي مفهوما أكثر تنافسية لمهنة موظف سامي.
  4. مراجعة نظم الترقية: باستثناء عمال العمالات والأقاليم ومديرو الإدارات المركزية، لا نجد أي شيء يذكر بالنسبة لترقية الأصناف الأخرى من النخبة الإدارية، لذا نقترح تعميم نظام الترقية ليشمل جميع أصناف النخبة الإدارية، كما نقترح أن تكون مدة الترقية من رتبة إلى أخرى قصيرة لا تتجاوز سنة، وأن تكون الزيادة الناتجة عن الترقية شاملة على الزيادة في المرتب والزيادة في التعويضات وذلك حتى تكون الترقية عاملا آخر من عوامل تحفيز النخبة الإدارية، وأخيرا أن تكون الترقية تلقائية وغير خاضعة للسلطة التقديرية التي تتمتع بها السلطة التنفيذية.
  5. وضع نظام للتقاعد: يجب وضع نظام للتقاعد خاص بالنخبة الإدارية يطبق عليها جميعا، وذلك على غرار  ما هو موجود بالنسبة لأعضاء مجلس النواب.
  6. تقنين إعادة ترتيب النخبة الإدارية: تقوم السلطة التنفيذية بتعيين النخبة الإدارية التي أنهت عملها معها على رأس المؤسسات العمومية والمقاولات الكبرى، غير أن هذه العملية لا تستند على أية معايير موضوعية، لذا نقترح القيام بتقنين هذه العملية وتحديد قواعدها بكيفية دقيقة وواضحة وذلك حتى تكون الاستفادة منها متاحة للنخبة الإدارية بشكل موضوعي.
 



الاربعاء 27 ماي 2015

تعليق جديد
Twitter